( فما هو في المعقول إن كنت داريا
وإن كنت لا تدري فبالجهل تعذر ) ( فصل ) ولما ملك الاسكندر وقهر الفرس وعظمت مملكة اليونان صار إسرائيل وغيرهم تحت طاعتهم وتوالت ملوك اليونان بعد الاسكندر وكان يقال لكل واحد منهم بطليوس فلما مات الاسكندر ملك بعده بطليوس بن الأعوش عشرين سنة ثم ملك بعده بطليوس تخت أخيه وإسمه عند اليهود ثلماى - بثاء مثلثة من فوقها ثم لام ساكنة ثم ميم مفتوح وبعدها ياء آخر الحروف - وهو الذين قلت إليه التوراة وغيرها من كتب الأنبياء من اللغة العبرانية إلى اللغة اليونانية وكان نقل التوراة بعد عشرين سنة مضت من موت الاسكندر ولما تولى بطليوس الثاني تخت أخيه - المسمى عند اليهود ثلماى - وجد جماعة من الاساري منهم نحو ثلاثين ألفا من اليهود فأعتقهم كلهم وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم ففرحوا بذلك وأكثروا له بالدعاء والشكر فأرسل رسولا وهدايا إلى بني إسرائيل المقيمين بالقدس الشريف وطلب منهم أن يرسلوا له عدة من علماء بني إسرائيل لنقل التوراة وغيرها إلى اللغة اليونانية فسارعوا إلي امتثال أمره ثم بني إسرائيل تزاحموا على الرواح إليه وبقى كل منهم يختار ذلك واختلفوا ثم اتفقوا عل أن يبعثوا إليه من كل سبط من أسباطهم ستة فبلغ ذلك من عددهم اثنتين وسبعين رجلا فلما وصلوا إلى بطليوس المذكور - المسمى عندهم ثلماى - أحسن قراهم وصيرهم ستا وثلاثين فرقة وخالف بين أسباطهم وأمرهم فترجموا له ستا وثلاثين نسخة من التوراة وقابل بعضها ببعض فوجدها مستوية لم تختلف اختلافا يعتد به وفرق النسخ المذكورة في بلاده وبعد فراغهم من الترجمة أكثر لهم الصلاة وجهزهم إلي بلادهم وسأله المذكورون في نسخة من تلك النسخ فأسعفهم بنسخة فأخذها المذكورون وعادوا بها إلى بني إسرائيل ببيت المقدس فنسخة التوراة المنقولة لبطليوس المسمى ثلماي أصح نسخ التوراة وأثبتها وهي التوراة اليونانية التي عليها عمل المؤرخين وأما التوراة العبرانية التي بأيدي اليهود والتوراة السامرية فكل واحدة منهما مبدلة لا عمل عليها والله أعلم ( ذكر سيدنا يونس بن متى عليه السلام ) ومتى أبو يونس وقيل أمه والذي عليه أكثر العلماء إنه أبوه وقد ورد في الحديث الشريف أن رسول الله عليه وسلم قال لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ونسبه إلى أبيه ولكن نقل الملك المؤيد صاحب حماة في تاريخه إن مت أمه قال ولم يشتهر بني بامه غير عيسى ويونس عليهما السلام وقيل إن يونس من نبي إسرائيل وإنه من سبط بنيامين وتزوج بنت رجل من الأولياء اسمه زكريا وكان زكريا مقيما بالرملة فأقام يونس عنده ثم بعد وفاة زكريا توجه إلى بيت المقدس يعبد الله وكانت بعثته في أيام يوثم بن عذياهو أحد ملوك بني إسرائيل وتقدم ذكره عند ذكر يوثم المذكور وبعث الله يونس إلى أهل نينوى - وهي قبالة الموصل بينهما دجلة - وكانوا يعبدون الأصنام فنهاهم وأوعدهم العذاب في يوم معلوم إن لم يتوبوا وضمن ذلك عن ربه عز وجل فلما أظلهم العذاب آمنوا فكشف الله عنهم وجاء يونس ذلك اليوم فلم ير العذاب حل ولا علم بإيمانهم فذهب مغاضبا ودخل في سفينة من سفن دجلة فوقفت السفينة ولم تتحرك فقال رئيسها فيكم من له ذنب فتساهموا عل من يلقونه في البحر فوقعت المساهم عل يونس فرموه في البحر ( فلتقمه الحوت وهو مليم وسار به ) الآية وكان من شأنه ما أخبر الله عنه في كتابه العزيز وملخص قصته إن الحوت التقمه وكان يونس يسبح على قلب الحوت والحوت يقول يا يونس اسمعني تسبيح المغمومين وهو يقول ( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) فتقول الملائكة إلهنا وسيدنا إنا نسمع تسبيح مكروب كان لك شاكرا اللهم فارحمه في غربته وكربته قال الله تعالى ( ^ وذا النون إذ ذهب مغاضا فظن إن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات إن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) يعني ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت قال الله تعالى ( ^ فلولا إنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ) وروي إنه ما أقرأ هذه الآية مكروب إلا زال كربة وهي في سورة الأنبياء واختلفوا في مد لبثه فمنهم من قال أربعين يوما وقيل ثلاثة أيام فلما انقضت المدة التي قدرها الله له أمر الحوت إن يرده إلى الموضع الذي أخذه منه فشق ذلك عل الحوت لاستئناسه بذكر الله تعالى قيل له أقذفه فقذفه في الساحل فذلك قوله تعالى ( ^ فنبذناه بالعراء وهو سقيم ) واسم الحوت النون وخرج يونس مثل الفرخ المنتوف وقد ذهب بصره وهو لا يقدر على القيام فأنبت الله شجرة من يقطين لها أربعة لاف غصن فكانت فراشه وغطاءه وأمر الله الظبية فجاءته وأرضعته حتى قوى وهبط عليه جبريل عليه السلام فسلم عليه وأمر يده عل رأسه وجسده فأنبت الله لحيته ورد عليه بصره وأوحى الله إليه بإيمان قومه حين رأوا العذاب ثم هبط إليه ملك ودفع إليه حلتين وقال سر إلى قومك فإنهم يتمنونك فاتزر بواحدة وارتد الأخر وسار يونس عليه السلام واجتمع بزوجته وولديه قبل وصوله إلى قومه ثم وصل الخبر إلى قومه بوصوله له فوثب الملك عن سريره وخرجوا كلهم إلى يونس عليه السلام وسلموا عليه وفرحوا به وحملوه إلى المدينة فأقام فيهم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر فمات الملك وماتت زوجته وأولاده وكانت وفاة يونس في سنة خمسة عشر وثمانمائة لوفاة موسى عليه السلام وقبره في قرية بالقرب من بلد سيدنا الخليل عليه السلام وهذه القرية تسمى حلحول وهي على طريق بيت المقدس وصار عل قبره مسجد ومنارة والذي بنى المنار الملك المعظم عيسى بولاية الأمير رشيد الدين فرج بن عبد الله المعظم في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة وقد اشتهر أمره والناس يقصدونه للزيارة صلى الله عليه وسلم ومتى مدفون بالقرب منه بقري يقال لها بيت أمر وكان رجلا صالحا من أهل بيت النبوة ( ذكر سيدنا زكريا ويحيى وعيس عليهم السلام ) ( وقع لسيدنا عيسى بن مريم عليه السلام وصعوده إلى السلام وملخص ما وقع لزكريا ويحيى عليهما السلام ) أقول - وبالله التوفيق - إن سيدنا زكريا من ولد سليمان بن داود عليهما السلام وكان نبيا وقد ذكره الله في القرآن وكان نجارا وهو الذي كفل مريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود وكانت أم مريم اسمها حنة وكان زكريا متزوجا باخت حنة واسمها ايساع وكانت زوجة زكريا خالة مريم ولذلك كفل زكريا مريم وسنذكر ذلك و أرسل الله جبريل عليه السلام فبشر زكريا بيحيى مصدقا بكلمة من الله يعني عيسى ابن مريم ثم أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام فنفخ في جيب مريم فحملت بعيس عليه السلام وكانت قد حملت خالتها ايساع بيحيى وولد يحي قبل عيسى بستة أشهر ثم ولدت مريم عيسى فلما علمت اليهود أن مريم ولدت من غير بعل اتهموا زكريا بها وطلبوه فهرب واختف في شجرة عظيمة فقطعوا الشجرة وقطعوا زكريا معها وكان عمر زكريا حينئذ نحو مائة سنة وكان قتله بعد ولادة المسيح وكانت ولادة المسيح لمضي ثلاثمائة وثلاث سنين للاسكندر ويأتي تحرير تاريخ مولده قريبا فيكون مقتل زكريا بعد ذلك بيسير وأما يحي ابنه فإنه نبئ وهو صغير ودعا الناس إلى عباد الله تعالى ولبس الشعر واجتهد في العبادة حتى نحل جسمه وكان عيس ابن مريم قد حرم نكاح بنت الأخ وكان لهردوس - وهو الحاكم على بني إسرائيل - بنت أخ وأراد أن يتزوجها كما هو جائز في ملة اليهود فنهاه يحيى عن ذلك فطلبت أم البنت من هردوس أن يقتل يحيى فلم يجبها إلى ذلك فعاودته وسألته البنت أيضا وألحت عليه فأجابهما إلى ذلك وأمر بيحيى فذبح ووضع رأسه بين يدي هردوس فكان الرأس يتكلم ويقول لا تحل لك واستمر غليان دمه فأمر بتراب فألقي عليه فما ازداد إلا انبعاثا فبعث الله عليهم ملكا من جهة المشرق يقال خردوس فقتل منهم على دم يحيى سبعين ألفا إلى أن سكن دمه وزعم قوم أن بخت نصر هو الذي غزاهم وقتلهم على دم يحي , وليس بصحيح لأن بخت نصر خرب بيت المقدس من قبل ولادة يحيى بنحو خمسمائة سنة وكتان قتل يحي قبل رفع المسيح بمدة يسيرة لأن عيسى عليه السلام إنما ابتدأ بالدعوة لما صار له ثلاثون سنة ولما أمره الله تعال أن يدعو الناس إلى دين النصارى غمسه يحي في نهر الأردن ولعيسى نحو ثلاثين سنة فخرج من نهر الأردن وابتدأ بالدعوة وجميع ما لبث عيسى بعد ذلك ثلاث سنين فذبح يحيى كان قبل رفع المسيح بنحو سنة ونصف قال قتادة وكان رفعه بعد نبوته بثلاث سنين والنصارى تسم سيدنا يحي يوحنا المعمدان لكونه عمد المسيح كما ذكر وكان يحيى عليه السلام لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال فلذلك سماه الله تعال ( ^ سيدا وحصورا ) كذا قيل وهو غير مرضي وقد تكلم القاضي عياض في الشفاء على معنى ككون يحيى حصورا بما حاصله إن هذا الذي قيل نقيضه وعيب لا يليق بالأنبياء وإنما معناه إنه معصوم عن الذنوب لا يأتيها كأنه حصر عنها أو إنه حصر نفسه عن الشهوات فمنعها ويأتي ذكر الخلاف في محل قبره وقبر والده زكريا عند ذكر قبر مريم ' ع ' وأما مريم فاسم أمها حنة زوجة عمران وكانت حنة لا تلد واشتهت الولد فدعت بذلك ونذرت إن رزقها اله ولدا جعلته من خدمة بيت المقدس فحملت حنة وهلك زوجها عمران وهي حاملة فولدت بنتا وسمتها مريم ومعناها العابدة قال الله تعال - مخبرا عن أمها - ( وليس الذكر كالأنثى ) أي لخدمة بيت المقدس ولما يلحقها من الحيض والنفاس وعدم الصيانة عن التبرج للناس ثم حملتها واتت بها إلى المسجد ووضعتها عند الأحبار وقالت دونكم هذه المنذورة فتنافسوا فيها لأنها بنت عمران - وكان من أئمتهم - فقال زكريا أنا أحق بها لأن خالتها زوجتي فأخذها زكريا وضمها إلى ايساع خالتها ولما كبرت مريم بن لها زكريا غرفة في المسجد وانقطعت في تلك الغرفة للعبادة وكان لا يدخل على مريم غير زكريا فقط قال الله تعالى ( ^ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا - فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف قال يا مريم من أين لك هذا هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب ) وأرسل الله جبريل فنفخ في جيب مريم فحملت بعيس وولدته في بيت لحم وهي قري قريبة من بيت المقدس سنة أربع وثمانمائة لغلبة الاسكندر وبين مولد سيدنا عيس عليه السلام والهجرة الشريفة النبوية المحمدية عل صاحبها أفضل الصلاة والسلام ستمائة وإحدى وثلاثون سنة وقد مض من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة فيكون الماضي من مولد المسيح إلى خر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وخمسمائة وإحدى وثلاثين سنة ولما جاءت مريم بعيسى تحمله قال لها قومها ( لقد جئت شيئا فريا ) وأخذوا الحجارة ليرجموها فتكلم عيسى وهو في المهد معلقا في منكبها ( قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ) فلما سمعوا كلام ابنها تركوها ثم إن مريم أخذت عيس وسارت به إلى مصر وسار معها البن عمها يوسف ابن يعقوب ابن ماثان النجار وكان حكيما ويزعم بعضهم إن يوسف المذكور قد تزوج بمريم لكنه لم يقربها وهو أول من أنكر حملها ثم علم وتحقق براءتها وسار معها إلى مصر وأقاما هناك اثني عشر سنة ثم عاد عيس وأمه إلى الشام ونزلا الناصرة وبها سميت النصارى وأقام بها عيسى حتى بلغ ثلاثين سنة فأوحى الله إليه وأرسله للناس وسار إلى الأردن وهو نهر الغور المسمى بالشريعة فاعتمد وابتدأ بالدعوة - وكان يحي بن زكريا هو الذي عمده كما تقدم - وكان ذلك لستة أيام مضت من كانون الثاني لمضي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة للاسكندر وأظهر عيسى عليه السلام المعجزات وأحيا ميتا يقال له عازر بعد ثلاثة أيام من موته وجعل من الطين طائرا قيل هو الخفاش وأبرأ ألاكمه والأبرص وكان يمشي عل الماء صل الله عليه وسلم ( نزول المائدة ) وأنزل الله عليه المائدة وأوحى إليه الإنجيل وكان عيسى عليه السلام يلبس الصوف والشعر ويأكل من نبات الأرض وربما تقوت من غزل أمه وكان الحوارين الذين اتبعوه اثني عشر رجلا وهم شمعون الصفا وبطرس وأخوه أندراوس ويعقوب بن ريدى وفيلبس وبرطولومادس واندريوس ومرقص ويوحنا ولوقا وتوما ومتى وهؤلاء الذين سألوه نزول المائدة فلما سألوه ذلك قام عيس فألق الصوف عنه ولبس الشعر ووضع يمينه عل شماله ووضعها عل صدره وصف بين قدميه وألصق الكعب بالكعب وبالإبهام بالإبهام وخفض رأسه خاشعا ثم أرسل بالبكاء حتى سالت الدموع على لحيته وجعلت تقطر عل صدره وقال ( اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وأخرنا - أي تكون عطية منك لنا وعلام بيننا وبينك ارزقنا عليها طعاما نأكله - وأنت خير الرازقين ) فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وغمامة تحتها وهم ينظرون إليها منقضة في الهواء وعيس عليه السلام يبكي ويقول اللهم إجعلنا لك من الشاكرين اللهم إجعلها رحم ولا تجعلها عذابا إلهي كم أسألك من العجائب فتعطيني اللهم إني أعوذ بك أن يكون إنزالها غضبا ورحزا اللهم إجعلها عاقبة وسلامة ولا تجعلها فتنة ولا مثلة حتى استقرت بين عيسى عليه السلام ساجدا لله تعالى وخر الحواريون معه فبلغ اليهود ذلك فأقبلوا عنوا وكفرا ينظرون فرأوا أمرا عجبا فإذا منديل مغطى عل السفرة وجاء عيسى وجلس وهو يقول من أجرؤنا وأوثقنا بنفسه وأخشانا عند ربه فليكشف عن هذه لآية حتى ننظر ونأكل ونسمي باسم ربنا ونحمد إلهنا قال الحواريون أنت أولى بذلك يا روح الله وكلمته فتوضأ عيس عليه السلام وضوءا جديدا وصل صلاة جديدة ودعا ربه دعاء كثيرا وبكى بكاء شديدا طويلا ثم قام حتى جاء عند السفرة فإذا سمكة مشوية ليس عليها فلوس وليس لها شوك تسيل دسما وقد نصب حولها من البقول خلا الكراث وإذا عند رأسها خل وعند ذنبها ملح وخمسة أرغفة عل كل واحد منها زيتون وخمس رمانات وخمس تمرات قال شمعون - رأس الحواريين - يا روح الله وكلمته أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة ؟ فقال عيسى ما أخوفني أن تعاقبوا قال لا وإله بني إسرائيل ما أردت بما سألتك سوءا يا بن الصديقة قال نزلت وما عليها من السماء ليس شيء مما ترون عليها من طعام الدنيا ولا طعام الآخرة وهي وما عليها شيء ابتدعه الله بالقدرة الغالبة إنما قال له كن فكان فكلوا مما سألتم وأحمدوا الله ربكم بمددكم ويزدكم فإنه القادر البديع لما يشاء إذا شاء أمرا فإنما يقول له كن فيكون قال الحواريون يا روح الله كلمته لو أريتنا اليوم ي من هذه السمكة ؟ فقال عيس عليه السلام يا سمكة أحيي بإذن الله تعالى فاضطربت السمكة طربة تدور عيناها ولها بصيص تتلمض بفيها كما يتلمظ السبع وعاد عليها فلوسها ففزع القوم فقال عيسى ما لكم تسألون الشيء فإذا أعطيتموه كرهتموه فما أخوفني أن تعذبوا بهذه السمكة ثم قال عودي كما كنت بإذن الله تعالى فعادت مشوية عل حالها قالوا كن أنت يا روح الله أول من يأكل ثم نأكل بعدك قال عيس معاذ الله أن يأكل منها إلا من طلبها وسألها ففرق الحواريون أن تكون إنما نزلت سخطة فيها مثلة فلم يأكلوا منها ودعا لها عيس عليه السلام بأهل القاقة والزمانة من العميان والمجذومين والبرص والمقعدين وأصحاب الماء الأصفر والمجانين فقال كلوا من رزق الله ودعوة نبيكم فإنه رزق ربكم فتكون المهنأة لكم والبلاء لغير كم وأذكروا اسم ربكم وكلوا من رزق الله ربكم ففعلوا وصدر عن تلك السمكة وال أرغفة والرمانات والتمرات والبقول ألف وثلاثمائة من رجل وامرأة بين فقير جائع وزمن ومبتلي بآفة كلهم شعبان يتجشى فنظر عيسى فإذا ما عليها كهئية حين نزل من السماء ورفعت السفرة إلى السماء وهو ينظرون إليها واستغنى كل فقير أكل منها يؤمئذ فلم يزل غنيا حتى مات وبرئ كل زمن من زمانته فلم يزل برئيا حتى مات وندم الحواريون وسائر الناس ممن أبى أن يأكل منها حسرة وشابت منها شعورهم وكانت إذا نزلت بعد ذلك اقبلوا إليها حبورا من كل مكان يركب بعضهم بعضا الأغنياء والفقراء والرجال والنساء فلما رأى عيس ذلك جعلها نوبا بينهم وكانت تنزل غبا أيتنزل يوما وتغيب يوما كناقة ثمود ترع يوما وترد يوما فلبثت كذلك أربعين صباحا تغيب يوما وتنزل يوما حتى إذا فاء الفيء طارت صعدا ينظرون إليها وإلى ظلها في الأرض حتى توارت عنهم فأوحى الله إلى عيسى إني آخذ بشرطي من المكذبين قد اشترطت عليهم إني معذب من كفر منهم عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين بعد نزولها قال عيسى ( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) فمسح الله منهم ثلاثمائة وثلاثين خنازير من ليلتهم فأصبحوا يأكلون العذرات في الحشوش ويتبعون ما في الكناسة والطرق وكانوا قد باتوا أول الليل عل فراشهم عند نسائهم في ديارهم بأحسن صورة وأوسع رزق فأصبح الناس يفرون إلى عيسى فزعا وخوفا من عقوبة الله تعالى وعيس يبكي عليهم ويبكون معه عليهم وجاءت الخنازير بين يديه تسع إليه حتى أبصرته ينظرون إليه ويشمون رائحته ويسجدون له وأعينهم تسيل دموعا لا يستطيعون الكلام ثم قام عيسى يناديهم بأسمائهم فيقول يا فلان فيقول برأسه نعم يا فلان ابن فلان قد كنت خوفتكم عذاب الله وعقوبته وكأني قد كنت انظر إليكم ممثلا بكم في غير صوركم قال الله تعال لمحمد صل الله عليه وسلم ( ^ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات ) وقال الله تعال ( ^ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل عل لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) فسأل عيسى عليه السلام ربه أن يميتهم فأماتهم بعد ثلاثة أيام فما وارى أحد من الناس منهم جيفة في الأرض ونسأل الله تعال العافية في ذلك والله أعلم ( ذكر صعود سيدنا عيسى إلى السماء ) ولما أعلم الله سبحانه وتعالى المسيح إنه خارج من الدنيا جزع من ذلك فدعا الحواريين ووضعهم طعاما وقال أحضروني الليلة فإن لي إليكم حاجة فلما اجتمعوا بالليل عشاهم وقام يخدمهم فلما فرغ من الطعام أخذ يغسل أيديهم ويمسحها بثيابه فتعاظموا ذلك فقال من رد علي شيئا مما اصنع فليس مني فتركوه فلما فرغ قال لهم إنما فعلت هذا ليكون لكم اسوة بي في خدمة بعضكم بعضا وأما حاجتي إليكم فإن تجتهدوا في الدعاء إلى الله تعال إن يؤخر أجلي فلما أرادوا ذلك ألقي الله عليهم النوم حتى لم يستطيعوا الدعاء وجعل المسيح يوقظهم وينبهم فلا يزدادون إلا نوما وتكاسلا واعلموه إنهم مغلوبون على ذلك فقال المسيح سبحان الله يذهب بالراعي وتتفرق الغنم ثم قال لهم الحق أقول لكم ليكفرون بي أحدكم قبل أن يصيح الديك وليبغي أحدكم بدارهم يسيرة ويأكل ثمني وكان اليهود قد جدوا في طلبه فحضر إلى اليهود وقال ما تجعلون لي إذا دللتكم على المسيح فجعلوا له ثلاثين درهما فأخذها ودلهم عليه فرفع الله إليه وألقى شبهه على الذي دلهم عليه فإن اليهود لما قصدوه أظلمت الدنيا حتى صارت كالليل وأظلمت الشمس وأظهرت الكواكب وانشقت الصخور فلذلك لم يتحققوا المشبه به من شدة الظلمة وحصول الارجاف وقد اختلف العلماء في موته قبل رفعه فقيل رفع ولم يمت وقيل بل توفاه الله ثلاث ساعات وقيل سبع ساعات ثم أحياه الله وتأول قائل هذا قوله تعال ( ^ إني متوفيك ورافعك إلي ) ولما امسك اليهود الشخص المشبه به ربطوه وجعلوا يقودونه بحبل ويقولون له أنت كنت تحي الموتى أفلا تخلص نفسك من هذا الحبل ويقبضون يديه ويبصقون في وجهه ويلفون عليه الشوك وصلبوه على الخشب فمكث عليه ست ساعات ثم استوهبه يوسف النجار من الحاكم الذي عل اليهود وكان اسمه فيلاطوس ولقبه هردوس ودفنا في قبر كان يوسف المذكور قد أعده لنفسه وأنزل الله المسيح من السماء إلى أمه مريم وهي تبكي عليه فقال لها إن الله رفعني إليه ولم يصبني إلا الخير وأمرها فجمعت له الحواريين فبثهم في الأرض رسلا عن الله وأمرهم أن يبلغوا عنه ما أمره الله به ثم رفعه الله إليه وتفرق الحواريون حيث أمرهم وكان رفع المسيح لمضي ثلاثمائة وست وثلاثين سنة من غلب الاسكندر عل دارهم ثم أن أربعة من الحواريين وهم متى وثلاث معه اجتمعوا وجمع كل واحد منهم إنجيلا وخاتمة إنجيل متى أن المسيح قال إني أرسلتكم إلى الأمم كما أرسلني ربي إليكم فاذهبوا وادعوا الأمم باسم الأب والابن وروح القدس وكان بين رفع المسيح ومولد النبي صل الله عليه وسلم خمسمائة وخمس وأربعون سنة تقريبا وعاش المسيح إلى أن رفع ثلاثا وثلاثين سنة وبين رفعه والهجرة الشريفة خمسمائة وثمان وتسعون سنة وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا تسعمائة سنة فيكون الماضي من رفعه إلى آخر سنة تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وأربعمائة وثماني وتسعين سنة ونزل عليه جبريل عليه السلام عشر مرات أمته النصارى على اختلافهم وأما أمه مريم فإنها عاشت نحو ثلاث وخمسين سنة لأنها حملت به لما صار لها من العمر ثلاثة عشر سنة وعاشت معه مجتمعة ثلاثا وثلاثين سنة ورفع وبقيت بعد رفعه ست سنين والله أعلم ويأتي ذكر قبرها فيما بعد أن شاء الله تعال وكان رفع المسيح من طور زيتا - جبل شرقي بيت المقدس - وروي إنه دعا الله وقت رفعه تعالى بهذا الدعاء - وهو دعاء مستجاب - اللهم أنت القريب في علوك والمتعالي في دنوك الرفيع عل كل شيء من خلقك وأنت الذي نفذ بصرك في خلقك وحسرت الأبصار دون النظر إليك وغشيت دونك وسبح لك الفلق في النور أنت الذي جليت الظلم بنورك فتباركت اللهم أنت خالق الخلق بقدرتك مقدر الأمور بحكمتك مبدع الخلق بعظمتك القاضي في كل شيء بعلمك الذي خلقت سبعا طباقا في الهواء بكلماتك مستويات الطباق مذعنات لطاعتك سماعين لعلو سلطانك فأجبن وهن دخان من خوفهن فأتين طائعين بأمرك فيهن الملائكة يسبحونك ويقدسونك وجعلت فيهن نورا يجلو الظلام وضياء أضوء من الشمس وجعلت فيهن مصابيح يهتدي بها في الظلمات البر والبحر ورجوما للشياطين فتباركت اللهم في مفطور سماواتك وفيما دحيت من الأرض ودحوتها على الماء فأذللت لها الماء الطاهر فذل لطاعتك وأذعن لأمرك وخضع لقوتك أمواج البحار ففجرت فيها بعد البحار الأنهار وبعد الأنهار العيون الغزار والينابيع ثم أخرجت منها الأشجار بالثمار ثم جعلت عل ظهرها الجبال أوتادا فأطاعتك أطوادها فتباركت اللهم صفاتك ومن يبلغ صفة قدرتك ومن ينعت بنعتك وتنشئ السحاب وتفك الرقاب وتقضي الحق وأنت خير الفاصلين لا إله إلا أنت إنما يخشاك من عبادك العلماء واشهد أنك لست بإله استحدثناك ولا رب لنا سواك نذكره ولا كان لك شركاء يقضون معك فندعوهم وندعك ولا أعانك أحد على خلقك فنشك فيك أشهد إنك أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ولم تتخذ صاحبة ولا ولدا اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا فلما أتم دعاءه رفعه الله إليه ولما ماتت أمه مريم عليها السلام دفنت بالكنيسة المعروفة بالجيسمانية خارج باب الأسباط في ذبل جبل طور زيتا وهو مكان مشهور يقصده الناس للزيارة من المسلمين والنصارى واستمر بيت المقدس عامرا بعد رفع عيسى أربعين سنة فيكون لبثه على عمارته الثانية التي عمرها كورش سبعمائة وإحدى وعشرين سنة والله سبحانه وتعالى أعلم ( ذكر خراب بيت المقدس الخراب الثاني وهلاك اليهود ) ( وزوال دولتهم زوالا لا رجوع بعده ) لما جر ما تقدم شرحه من رفع المسيح إلى السماء استمر بيت المقدس عامرا بعده أربعين سنة وتول عل بني إسرائيل جماعة من الملوك واحدا بعد واحد إلى أن ملك طيطوس الرومي وكان محل ملكه مدينة روميا من بلاد الإفرنج ففي السنة الأولى من ملكه قصد بيت المقدس وأوقع باليهود وقتلهم وأسرهم عن أخرهم إلا من اختفى وخرب بيت المقدس ونهبه واحرق الهيكل وأحرق كتبهم وأخلى القدس من بني إسرائيل ( كأن لم تغن بالأمس ) ولم يعد لهم بعد ذلك رياسة ولا حكم وكان ذلك بعد رفع المسيح بنحو أربعين سنة كما تقدم وهي لمضي ثلاثمائة وست وسبعين سنة من غلبة الاسكندر وثلاثمائة وإحدى عشرة سنة مضت لابتداءملك بخت نصر وهذه المرة التي ذكرها الله تعالى فقال ( ^ فإذا جاء وعد الآخرة من إفسادكم ) وذلك قصدهم قتل عيسى عليه السلام حين رفع وقتلهم يحيى ' ع ' فسلط الله عليهم الفرس والروم وخردوش وطيطوس حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم فذلك قوله تعالى ( ^ ليسوؤا وجوهكم - بإدخال الهم والغم والحزن - وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عس ربكم أن يرحمكم ) بعد انتقامه منكم فيرد الدولة إليكم وإن عدتم إلي المعصية عدنا إلى العقوبة قال قتادة فعادوا فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وبين هذا التخريب الثاني والهجرة خمسمائة وثمان وخمسون سنة بالتقريب وقد مضى من الهجرة الشريفة إلى عصرنا هذا تسعمائة سنة فيكون الماضي من خراب بيت المقدس الثاني إلى آخر سن تسعمائة من الهجرة الشريفة ألفا وأربعمائة وثماني وخمسين سنة بالتقريب وهو تاريخ تشتت اليهود في البلاد والله سبحانه وتعال أعلم ( ذكر عمارة بيت المقدس الشريف المرة الثالثة ) لما جرى ما ذكر من تخريب طيطوس بيت المقدس وما فعله في اليهود تراجع إلى العمارة قليلا قليلا وترمم شعثه واستمر عامرا سارت هيلانة أم قسطنطين المظفر إلى القدس وابنها قسطنطين كان ملكا في رومية ثم انتقل منها إلى قسطنطينية وبن سورها وتنصر وكان اسمها البرنطية فسماها القسطنطينية وزعمت النصارى إنه بعد ست سنين خلت من ملكه ظهر له من السماء شبه الصليب فأمر بالنصرانية وكان قبل ذلك هو ومن تقدمه عل دين الصائبة يعبدون أصناما على أسماء الكواكب السبعة ولمضي عشرين سنة من ملك قسطنطين المذكور اجتمع ألفان وثمانمائة وأربعون اسقفا ثم اختار منهم ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا فحرموا أرينوس الإسكندري لكونه يقول أن المسيح كان مخلوقا واتفقت الأساقفة المذكورون لدى قسطنطين ووضعوا شرائع النصرانية بعد أن لم تكن وكان رئيس هذه البطارقة بطريق الإسكندرية ومن هنا كان أصل النصرانية في الروم وكان قبل ذلك في سنة إحدى عشرة خلت من ملكه سارت أمه هيلانة - المتقدم ذكرها - إلى القدس في طلب خشبه المسيح التي نزعم النصارى أن عيسى عليه السلام صلب عليها ولما وصلت إلى القدس أخرجت خشبه الصليب وأقامت لذلك عيد الصليب وبنت كنيسة قمامة عل قبر الذي تزعم النصارى إن عيس دفن فيه وبنت المكان المقابل للقمامة المعروف يومئذ بالدركاه وكنيسة بيت لحم والكنيسة بطور زيتا بمصعد سيدنا عيسى عليه السلام وكنيسة الجيسمانية التي بها قبر مريم عليها السلام وغير ذلك وخربت هيكل بيت المقدس إلى الأرض وهو الذي كان في المسجد وأمرت أن يلقي في موضعه قمامات البلد وزبالته فصار موضع الصخرة الشريفة مزبلة وبقى الحال على ذلك حتى قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتح بيت المقدس الشريف على ما سنذكره عند ذكر الفتح العمري إن شاء الله تعالى قال المشرف عن كعب قال كانت قبة صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميلا وكان أهل أريحا وعمواس يستظلون بظلها وكان غليها ياقوتة تضئ بالليل كضوء الشمس فإذا كان النهار طمس الله ضوءها فلم تزل كذلك حتى أتت الروم فغلبوا عليها فلما صارت في أيديهم قالوا تعالوا نبن عليها أفضل من البناء الذي كان عليها فبنوا عليها على قدر طولها في السماء وزخرفوه بالذهب والفضة فلما فرغوا من البناء دخله سبعون ألفا من رهبانهم وشمامستهم في أيديهم مجامر الذهب والفضة وأشركوا فيها فانقلبت عليهم فما خرج منهم أحد فلما رأى ملك الروم ذلك جمع البطارقة والشمامسة ورؤساء الروم فقال لهم ما ترون ؟ قالوا نرى أنا نرض إلهنا فلذلك لم يقبل بناءه قال فأمر به الثانية فبنوها وأضعفوا فيها النفقة ودخلوها سبعين ألفا مثل ما دخلوا أول مرة ففعلوا كفعلهم فلما أشركوا انقلبت عليهم ولم يكن الملك معهم فلما رأى ذلك جمعهم ثالثة وقال لهم ما ترون ؟ قالوا لم نرض ربنا كما ينبغي فلذلك خربت ونحب أن تبنى ثالثة فبنوا الثالثة حتى إذا رأوا إنهم قد أتقنوها وفرغوا منها جمع النصارى وقال هل ترون من العيب شيئا ؟ قالوا لا فكللها بصليب الذهب والفضة ثم دخلها قوم بعد أن اغتسلوا وتطيبوا فلما دخلوا أشركوا كما أشرك أصحابهم فخرت عليهم الثالثة فجمعهم ملكهم رابعة واستشارهم وكثر خوضهم في ذلك فبينما هم عل ذلك إذا أقبل عليهم شيخ كبير عليه برانس سود وعمامة سوداء قد انحنى ظهره يتوكأ عل عصا وقال يا معشر النصارى إلي فإني أكبركم سنا وقد خرجت من متعبدي لأخبركم أن هذا المكان قد لعن أصحابه وأن القدس قد نزع وتحول إلى هذا المكان - وأشار إلى الموضع الذي بنوا فيه كنيسة القيامة - وأنا أريكم الموضع ولستم تروني بعد هذا اليوم أبدأ اقبلوا مني ما أقول لكم وأغواهم وزادهم طغيانا وامرهم أن يقلعوا الصخرة ويبنوا بحجارتها الموضع الذي أمرهم به فبينما هو يكلمهم ويقول لهم ذلك إذ خفى فلم يروه وازدادوا كفرا وقالوا فيه قولا عظيما فخربوا بيت المقدس وحملوا العمد وغيرها وبنوا بها كنيستهم والكنيسة التي في وادي جهنم وقال لهم إذا فرغتم من هذه فأفرغوه واتخذوه مزبلة لعذراتكم ففعلوا ذلك حتى كانت المرأة تطرح خرق حيضها عليه من القسطنطينية واكبوا على ذلك حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأسر به إليها وذكر فضلها حكى ذلك صاحب مثير الغرام قال وقد تقدم أن بخت نصر هو الذي خرب عمارة سليمان وهذا الذي رواه المشرف عن كعب الأحبار يقتضي لأن الذي خرب عمارة سليمان وتغلب عليها إنما هم الروم وهذا غير مستقيم اللهم إلا أن نجعل ملك الفرس المتقدم الباني لها بعد تخريب بخت نصر بني المكان على نعت بناء سليمان والله سبحانه وتعالى أعلم ( قصة الفيل ) وهي إن الحبشة ملكوا اليمن بعد حمير فلما صار الملك إلى أبره منهم بني كنيسة عظيم وقصد أن يصرف حج العرب إليها ويبطل الكعبة الحرام فجاء شخص من العرب في أحدث فيتلك الكنيسة فغضب أبرهة لذلك وسار بجيشه ومعه الفيل - وقيل كان معه ثلاث عشر فيلا - ليهدم الكعبة المشرفة فلما وصل إلى الطائف بعث الأسود بن مقصود إلى مكة فساق أموال أهلها وأحضرها إلى أبرهة وأرسل أبرهة إلى قريش قال لهم لست أقصد الحرب بل جئت لأهدم الكعبة فقال عبد المطلب والله ما نريد حربه وهذا بيت الله فإن منع عنه فهو بيته وحرمه وأن خل بينه وبينه فو الله ما عندنا من دافع ثم انطلق مع رسول أبرهة إليه فلما استأذن عبد المطلب قالوا لأبرهة هذا سيد قريش فأذن له ابره وأكرمه ونزل عن سريره وجلس معه وسأله عن حاجته فذكر عبد المطلب أباعره التي أخذت له فقال له أبرهة إني كنت أظن أنك تطلب مني لا أخرب الكعب التي هي دينك فقال عبد المطلب أنا رب الأباعر فأطلبها وللبيت رب يمنعه فأمر أبرهة برد الأباعر عليه فأخذ عبد المطلب وانصرف إلى قريش ولما قرب أبرهة من مكة وتهيأ لدخولها بقي كلما أقبل فيله عل مكة ينام ويرمي بنفسه الأرض ولم يسر فإذا قبلوه غير مكة قام يهرول وكان اسم الفيل محمودا فبينما هم كذلك إذا أرسل الله عليهم طيرا أبابيل أمثال الخطاطيف مع كل طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه فقذفتهم بها وهي مثل الحمص والعدس فلم تصب منهم أحدا إلا هلك وليس كلهم أصابت ثم أرسل الله سيلا فألقاهم في البحر والذي سلم منهم ولي هاربا مع أبرهة إلى اليمن يستبدل الطريق وصاروا يتساقطون بكل منهل وأصيب أبرهة في جسده وسقطت أعضاؤه ووصل إلى صنعاء كذلك ومات ولما جرى ذلك خرجت قريش إلى منازلهم وغنموا من أموالهم شيئا كثيرا والله أعلم ل ( ذكر سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين ) ( وحبيب رب العالمين البشير النذير الداعي إلى بإذنه السراج المنير ) هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ففهر المذكور هو قريش وكل من كان من ولده فهو قرشي ومن لم يكن من ولده فليس قريشا وقيل سمي قريشا لشدة شبهه بدابة من دواب البحر يقال لها القرش تأكل دواب البحر وتقهرهم وقيل إن قصي بن كلاب لما استولى عل البيت وجمع أشتات بني فهر سموا قريشا لأنه قريش بني فهر أي جمعه حول الحرم فقيل لهم قريش فعلي هذا يكون لفظ قريش اسما لبني فهر لا لفهر نفسه وفهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر ابن نزار بن معد بن عدنان وهذا هو النسب المتفق على صحته من غير خلاف وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام من غير خلاف ولكن الخلاف في عد الآباء الذين بين عدنان وإسماعيل فعد بعضهم بينهما نحو أربعين رجلا وعد بعضهم سبعة والمختار أن عدنان بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلاط بن بتت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل ' ع ' ابن تاريخ - وهو آزر - بن ناخور بن ساروع بن راعون بن نافع بن عابر بن سالح بن قينان بن ارفخشد بن سام بن نوح عليهما السلام بن لامخ - ويقال لأمك - ابن متوشلح بن أخنوخ - وهو إدريس عليه السلام - بن بارد بن مهلاييل ابن قينان بن أنوش بن شيث بن دم عليه السلام قال علماء السير كانت آمنة بنت وهب بن عبد مناف في حجر عمها وهيب فمشى إليه عبد المطلب بن هاشم بابنه عبد الله وخطب منه آمنة وعقد عليها نكاحه ودخل بها فحملت بسيد العالم وأشرف بني آدم ثم خرج عبد الله إلى الشام وعاد فمر بالمدينة وهو مريض فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار مدة شهر وتوفي ودفن في دار النابغة - وهو رجل من بني عدي بن النجار - ورسول الله عليه وسلم يومئذ ابن شهرين وقيل كان حملا وولد رسول الله صل الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول وقيل لاثني عشر عام الفبل وكان قدوم أصحاب الفيل ذلك في نصف المحرم وتقدمت قصتهم وبين الفيل وبين مولد رسول الله عليه وسلم خمس وخمسون ليلة وهي سنة ستة لاف ومائة وثلاث وستين سنة من هبوط دم عليه السلام على حكم التوراة اليونانية المعتمدة عند المؤرخين ولد صل الله عليه وسلم مختوما مسرورا ففرح به عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لابني هذا شأن عظيم وكان شأن واي شأن صلى الله عليه وسلم وخلق الله من الأنبياء أربعة عشر مختونين وهم دم وشيت ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا ويحي وحنظلة بن صفوان - من أصحاب الرسل - ونبينا صلى الله عليه وسلم وأولوا العزم من الرسل خمسة وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقيل غير ذلك وأول الرسل عليهم السلام آدم وأخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ومن الأنبياء أربعة سريانيون وهم أدم وشيث واخنوخ - وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم - نوح وأربع من العرب هو هود وشعيب وصالح ومحمد صلى الله عليه وسلم وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وأخرهم عيسى وأما أسماؤه صلى الله عليه وسلم فهي ثلاثة وعشرون اسما ؟ محمد وأحمد والماحي والحاشر والعقب والمقفي ونبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملاحم والشاهد والبشير والنذير والضحوك والقتال والمتوكل والفاتح والأمين والخاتم والمصطفى والرسول والنبي الأمي والقثم قاله ابن الجزري وذكر غيره أسماء كثيرة منها طه ويس والمزمل والمدثر والرسول وله أسماء غير ذلك , وفيما ذكرته كفاية طلبا للاختصار وأول من أرضعته صل الله عليه وسلم ثويبة بلبن ابن لها يقال له مسروح أياما وكانت أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه في الرضاعة ثم قدمت حليمة إلى مكة فأخذته ومضت به إلى بلادها وهي بادية بني سعد وأتاه الملكان هناك فشقا بطنه واستخرجا علق سوداء فطرحاها وغسلا بطنه بماء الثلج في طست من ذهب والقصة المشهورة فلما علمت حليمة بذلك رجعت به إلى مكة لأهله وهو ابن خمس وتوفيت أمه آمنة وله ست سنين ولما صار لرسول الله صل الله عليه وسلم اثنا عشر سنة وشهران ارتحل به أبو طالب إلى الشام فلما نزل ببصر من أرض الشام وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمامة تظله من بين القوم ورأى فيه إمارات النبوة بشرر به وقال لأبي طالب إن لابن أخيك شأنا عظيما وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ وكان أعظم الناس مرؤة وحلما واحسنهم جوابا وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانة حتى صار اسمه في قومه الأمين لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة وفي سنة خمس وعشرين من مولده تزوج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ولها أربعون سنة ولم يتزوج غيرها حتى ماتت ولم يتزوج بكرا غير عائشة وولدت له خديجة أولاده كلهم إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية ويأتي ذكر مولده ووفاته وبقية أولاده من خديجة وهم زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة الزهراء والقاسم وبه كان يكنى توفى بمكة وله من العمر سنة والطاهر وهو عبد الله وتوفى بمكة بعد النبوة قبل الهجرة والطيب توفى بمكة وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن معه فرقية ماتت في سنة اثنتين من الهجرة وزينب في سنة ثمان من الهجرة وأم كلثوم ماتت بعد مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وفاطمة ماتت بعد رسول الله ( ص ) بستة أشهر وقيل أقل من ذلك وروي أن عائشة رضي الله عنها أسقطت سقطا اسمه عبد الله وفي سنة خمس وثلاثين من مولده ( ص ) هدمت قريش الكعبة وكان سبب هدمها إنها كانت قصيرة البناء فأرادوا رفعها وسقفها فهدموها ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود فاختصموا فيه لأن كل قبيل أرادت رفعه إلى موضعه ثم اتفقوا على أن يحكموا أول داخل من باب الحرم وكان أول من دخل رسول الله صل الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا هذا الأمين رضينا به وأخبروه الخبر فقال هلموا إلي ثوبا فأتي به فأخذ الحجر فوضعه فيه بيده ثم قال لتأخذ كل قبيلة ناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا فلما بلغوا به موضعه وضعه بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم ثم أتموا بناء الكعبة والله سبحانه وتعالى أعلم ( ذكر مبعثه صلى الله عليه وسلم وابتدأ الوحي إليه ) بعث رسول الله ( ص ) ونزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة وكان يوم الاثنين لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان وأول ما بدأ به من الوحي الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتعبد فيه فجاءه الملك واقرأه كما في الحديث الشريف والقصة المشهورة فعاد إلى خديجة وأخبرها الخبر فانطلقت به أتت ورقة بن نوفل فأخبرته خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزله الله عل موسى يأتيني فيها جذعا ليتني اكوني حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صل الله عليه وسلم أو مخرجي هم ؟ قال نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحي ثم كان أول ما نزل عليه من القرن بعد ( اقرأ باسم ربك ) ( نون والقلم وما يسطرون ) و ( يا أيها المدثر ) ( والضحى ) وأول من به من النساء خديجة زوجته ثم أول شيء فرض الله عليه الله عليه من شرائع الإسلام - بعد الإقرار بالتوحيد والبراءة من الأوثان - الصلاة أتاه جبريل فعلمه الوضوء والصلاة ورميت الشياطين بالشهب لمبعثه واسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان عمره إحدى عشرة سنة ثم أسلم زيد بن حارثة ثم أسلم أبو بكر رضي الله عنه وقيل إنه أول من أسلم وأسلم علي عل يده عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ف , , , > , ` , ] > أسلم بعدهم من أسلم وأمر الله سبحانه وتعال نبيه صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما يؤمر وأن يظهر دعوته وكان قبل ذلك في السنين الثلاث مستترا بدعوته لا يظهرها إلا إلى من يثق به وكان أصحابه إذا أرادوا الصلاة ذهبوا إلى الشعاب فاستخفوا ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صدع بأمر الله تعال وأمر قومه بالإسلام فكان المشركون يحصل منهم الضرر للمستضعفين من المسلمين فمن لا عشيرة له تمنعه يعذبونه بالقائه في الرمضاء على ظهره وقت الظهيرة وبإلقاء الصخرة العظيمة عل صدره ويقال له لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى وكانوا يفعلون بهم غير ذلك من أنواع التعذيب ومن المسلمين من مات من فعل المشركين وكان بعض المشركين يؤذي رسول الله صل الله عليه وسلم ويستهزئ به ثم اسلم حمزة عم النبي ( ص ) فعرفت قريش أن رسول الله صل الله عليه وسلم قد عز وامتنع فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه ثم أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأعز الله بإسلامه الدين وقال يا رسول الله ألسنا عل الحق ؟ قال أي والدي بعثني بالحق قال أما والذي بعثك بالحق نبيا لا يعبد الله بعد اليوم إلا جهرا فأظهر الله الدين بإيمانه ( الهجرة الأولى ) لما رأ رسول الله صل الله عليه وسلم ما يصيب أصحابه من البلاء أمرهم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فخرج جماعة منهم عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت رسول الله صل الله عليه وسلم وقدموا على النجاشي وكان ملكا عادلا اسمه أصحمة ومهناه بالعربية عطية فأكرمهم وأقاموا عنده بخير ثم أسلم النجاشي بعد ذلك وكان السبب في ولايته عليهم بعد قتل أمير الحبشة أن أباه كان أميرا عليهم فكرهوه وكان له أخ فقصدوا ولايته عليهم بعد قتل أخيه فقتلوه وقصدوا قتل النجاشي فقال لهم عمه أنتم قتلتم أباه وتقتلوه وأخرجوه من بلادكم فأخذوه إلى البحر فرأوا سفينة فباعوه ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا عمه مات فقالوا ذلك من الخطيئة النجاشي فأدركوه وأتوا به ليكون أميرا مكان أبيه فجاؤا به أميرا مكان أبيه فأول ما حكم إن الذين اشتروه قالوا إن هؤلاء باعونا عبدا وأخذوه منا فقال لهم إما أن تعطوهم ما أخذتم منهم وأما أن تسلموهم عبدهم فهذا أول حكمه فيهم ثم بعد ذلك وقع من الحبشة تعصب عل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له إن هؤلاء لهم دين غير ديننا فأرسل وراءهم وقال لهم ما تقولون في عيس ابن مريم ؟ فقالوا نؤمن ونصدقه فيما جاء به فقال للحبشة ما تقولون في نبيهم ؟ فلم يؤمنوا به فقال لهم هؤلاء يؤمنون بنبيكم وأنتم لا تؤمنون بنبيهم فأنت الآن ظلمة فكل منكم عل دينه ولا أحد منكم يعارض هؤلاء فاستمروا في بلاده مدة وعادوا إلى أوطانهم ومات النجاشي فقال رسول الله صل الله عليه وسلم مات اليوم رجل صالح فصلوا عل أخيكم اصمحة فصل عليه النبي صل الله عليه وسلم وأصحابه ( أمر الصحيفة ) ولما رأى المشركون أن الإسلام ينمو ويزيد ائتمروا أن يكتبوا بينهم كتابا يتعاقدون فيه على أن لا ينكحوا بني هاشم وبني عبد المطلب ولا ينكحوا منهم ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم فكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة الشريفة وأقاموا عل ذلك سنتين أو ثلاثا هذا ورسول الله ( ص ) يدعو الناس سرا وجهرا والوحي يتتابع ثم قام نفر من قريش وتعاهدوا على نقض الصحيفة ووقع بينهم خلاف فقام مطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان ( باسمك اللهم ) كانت قريش تستفتح بها كتابها وأكلت الأرض ما فيها من ظلم وقطع رحم وتركت ما فيها من اسم الله تعالى وكان النبي صل الله عليه وسلم أخبر بذلك فاجتمع قريش وأحضروا الصحيفة فوجدوا الأمر كما قاله فنكسوا رؤسهم واتفق جماعة من قريش ونقضوا ما تعاهدوا عليه في الصحيفة من قطيعة بني هاشم وبني عبد المطلب والله أعلم ( قصة المعراج وما وقع لنبينا محمد ( ص ) ليلة الإسراء بالمسجد الأقصى ) لما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الوحي وأمره بإظهار دينه وأيده بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات أسرى به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو بيت المقدس من ايليا - وقد فشا الإسلام في قريش وفي القبائل كلها وكان الإسراء ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجر بسنة وقال ابن الجوزي وقد قيل كان في ليلة سبع وعشرين من شهر رجب واختلف الناس في الإسراء برسول الله صل الله عليه وسلم فقيل إنما كان جميع ذلك في المنام والحق الذي عليه الناس ومعظم السلف وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين إنه أسرى بجسده صلى الله عليه وسلم يقظه لأن قوله تعالى ( ^ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ) تدل على ذلك ولو كانت رؤيا نوم ما افتتن بها الناس حتى ارتد كثير ممن كان أسلم وقال الكفار يزعم محمد إنه أتى بيت المقدس ورجع إلى مكة في ليلة واحدة والعير تطرد إليه شهرا مقبلة وشهرا مدبرة فلو كانت رؤيا نوم لم يستبعد ذلك منه قال ابن عباس رضي الله عنهما هي رؤيا عين رآها النبي صل الله عليه وسلم لا رؤيا منام قال الله تعال ( ^ ما زاغ البصر وما طغ اضاف الأمر للبصر وقال تعال ( ^ ما كذب الفؤاد ما رأى ) أي لم يوهم القلب العين غير الحقيقة بل صدق رؤيتها واختلف السلف والخلف هل رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة رضي الله عنها وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه قال رأه بعينيه ومثله عن أبي ذر وكعب والحسن وكان يحلف على ذلك وحكي مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة والإمام أحمد بن حنبل وحك النقاش عن الإمام أحمد إنه قال أنا بحديث ابن عباس بعينيه رآه رآه رآه حتى انقطع نفس الإمام أحمد واختلفوا في أن نبينا محمد صل الله عليه وسلم هل كلم ربه عز وجل ليلة الإسراء فذكر عن جعفر بن محمد الصادق إنه قال أوحى الله إليه بلا واسطة وإلى هذا ذهب بعض المتكلمين وقال إن محمدا كلم ربه في ليلة الإسراء وحكموه عن أبي عباس وابن مسعود واختلف في المكان الذي أسرى ربه منه فروي عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال بينا أنام في بيت أم هاني بنت أبي طالب - وفي رواية بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر مضطجعا ومنهم من قال بينما أنا بين النائم واليقظان وكانت ليلة الاثنين إذ هبط علي الأمين جبريل عليه السلام وذكر القصة وكان من حديث المعراج الشريف ما ري عن النبي صل الله عليه وسلم إنه قال أتيت بالبراق - وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه - قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين وفي رواية فلما دخلت المسجد إذا أنا بالأنبياء والمرسلين قد حشروا إلي من قبورهم ومثلوا لي وقد قعدوا صفوفا صفوفا ينتظرونني فسلموا علي فقلت يا جبريل من هؤلاء القوم ؟ قال إخوانك الأنبياء والمرسلين زعمت قريش إن الله شريكا وزعمت النصارى إن لله ولدا اسأل هؤلاء النبيين هل كان لله شريك ؟ ثم قرأ ( واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) قال أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر في كتاب النزيل له إن هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس ليلة الإسراء وقد عدها غيره من العلماء في الشامي والذي قاله أبو القاسم أخص مما ذكروه فلما نزلت وسمعها الأنبياء عليهم السلام اقروا لله عز وجل بالوحدانية قال عليه الصلاة والسلام ثم جمعهم جبريل وقدمني فصليت بهم ركعتين قال ( ص ) ثم خرجت فجاءني جبريل باناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا بدم عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل من أنت ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا ببني الخالة عيسى بن مريم ويحي بن زكريا ( ع ) فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة - فذكر مثل الأول - ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة - وذكر مثله - فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة - فذكر مثله - فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة - فذكر مثله - فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة - فذكر مثله - فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها الله من أمره ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلى ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى فقال ما فرض ربك عليك وعلى أمتك ؟ قلت خمسين صلاة قال إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فإرجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تعالى وبين موسى حتى صارت خمس صلوات قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فإرجع إلى ربك فأسأله التخفيف قال يا محمد إنهن خمس صلوات في اليوم والليلة لكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعلمها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلا موسى فأخبرته فقال إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه وفي رواية يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلف إليه قال بسم الله فاهبط قال صلى الله عليه وسلم ثم حملني حتى أنزلني عل جبل بيت المقدس وإذا أنا بالبراق واقف عل حاله في موضعه فسميت الله واستويت عل ظهره فما كان بأسرع من أن أشرفت على مكة ومعي جبريل قال صلى الله عليه وسلم لما كان صبيحة ليلة الإسراء أصبحت بمكة متحيرا في أمري وعملت أن الناس يكذبوني فقعدت معتزلا حزينا إلى ناحية من نواحي المسجد فمرر بي أبو جهل عدو الله فجاء حتى جلس إلي فقال - كالمستهزي - هل كان من شيء يا محمد ؟ فقلت نعم قال وما هو ؟ قلت إني اسري الليلة قال إلى أين ؟ قلت إلى بيت القدس قال ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قلت نعم فقال أبو جهل يا معشر قريش يا معشر بني كعب يا معشر بني لؤي هلموا فانقضت المجالس وجاؤا حتى جلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل حدث قومك يا محمد بما حدثني فقال رسول الله ( ص ) إني أسري بي الليلة قالوا إلى أين ؟ قال إلى بيت المقدس قالوا ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قال نعم فبقى منهم المتعجب ومنهم المصفق ومنهم الواضع يده عل أم رأسه ثم قالوا هل تستطيع أن تنعت لنا بيت المقدس ؟ قلت نعم قال فذهبت أنعته حتى التبس علي بعض النعت لكوني دخلته ليلا فجيء بالمسجد انظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فجعلت انظر إليه وأخبرهم عن آياته قال صل الله عليه وسلم وآية ذلك إني مررت بغير بني فلان بوادي كذا وكذا فنفرهم حس الدابة فندلهم بعير فدللتهم عليه ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياما ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ثم غطيت عليه كما كان وإن عيرهم الآن تصوب من البيضاء ثنية التنعيم يقدمها جمل أورق عليه غرارتان أحداهما سوداء والأخرى برقاء فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولا إلا الجمل الذي وصف لهم وسألوهم عن الإناء فأخبروهم إنهم وضعوه مملوء ماء ثم غطوه وإنهم افتقدوه من الليل فوجدوه كما غطوه ولم يجدوا فيه ماء وسألوا القوم الذين ندلهم البعير فقالوا صدق والله لقد ند لنا بعير بالوادي الذي ذكره فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه وإنه لأشبه الأصوات بصوت محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) فجئنا حتى أخذناه وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا هل لك يا أبا بكر في صاحبك إنه يزعم إنه د جاء هذه الليلة ببيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة فقال أبو بكر رضي الله عنه والله لئن كان قال لكم ذلك لقد صدق فما تعجبكم من ذلك فو الله إنه ليخبرنا عن الوحي من الله يأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة واحدة من ليل أو نهار فنصدقه فهذا أبعد مما تعجبون منه ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أحدثت هؤلاء إنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال نعم قال صدقت فصفه لي يا نبي الله فإني جئته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع لي حتى نظرت إليه وجعل يصفه لأبي بكر وهو يقول صدقت أشهد أنك رسول الله حتى انتهى فقال رسول الله ( ص ) وأنت يا أبي بكر الصديق فسمي من ذلك صديقا قال الله تعالى ( ^ والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ) ثم أنزل الله سورة النجم تصديقا له صلى الله عليه وسلم ثم توفى أبو طالب عم رسول الله عليه وسلم وخديجة رضي الله عنهما قبل الهجرة الشريفة وماتت خديجة قبل الهجرة الشريفة بخمسة وثمانين يوما وقيل بخمسة وعشرين يوما وقيل بثلاثة أيام فعظمت المصيبة عل رسول الله ( ص ) بموتهما وقال ما نالتني قريش بشيء أكرهه حتى مات أبو طالب وذلك إن قريشا وصلوا من إيذائه بعد موت أبي طالب إلى ما لم يكونوا يصلون إليه في حياته وتزوج بعد خديجة عائشة رضي الله عنها ولها تسع سنين وتزوج بسودة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبائل العرب يلتمس منهم نصرته والقيام معه على من يخالفه ويدعوهم إلى الله فلم يجيبوه ( ابتداء أمر الأنصار ) ولما أراد الله إظهار دينه خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الموسم فعرض نفسه عل القبائل كما كان يفعل فبينما هو عند العقب إذ لقي رهطا من الخزرج فدعاهم إلى الله تعالى فأجابوه وصدقوه وانصرفوا راجعين إلى بلادهم فلما قدموا المدينة ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا قومهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ( بيعة العقبة الأولى ) فلما كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة فبايعوه أن لا يشركوا بالله ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وأمره أن يقرئهم القرن ويعلمهم الإسلام فنزل بالمدينة ( بيعة العقبة الثانية ) ولما فشا الإسلام في الأنصار اتفق جماعة منهم على المسير إلى رسول الله ( ص ) مستخفين فساروا في ذي الحجة مع كفار قومهم واجتمعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدوه أوسط أيام التشريق بالعقبة فلما كان الليل خرجوا حتى اجتمعوا بالعقبة وهم سبعون رجلا معهم امرأتان وجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه فتكلم رسول الله ( ص ) وتلا القرآن ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأولادكم ودار الكلام بينهم واستوثق كل فريق من الآخر ثم سألوا رسول الله عليه وسلم فقالوا إن قتلنا دونك ما لنا ؟ قال لكم الجنة قالوا فابسط يدك فبسط يده فبايعوه ثم رجعوا إلى المدينة وكان قدومهم في ذي الحجة فأقام رسول الله صل الله عليه وسلم بقية ذي الحجة والمحرم وصفر والله أعلم ( ذكر الهجرة الشريفة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ) وهي ابتداء التاريخ الإسلامي أما لفظه التاريخ فإنها محدثة في لغة العرب لأنه لفظ معرب من ماه روز لأن عمر رضي الله عنه قصد التوصل إلى الضبط من رسوم الفرس فاستحضر الهر مزان وسأله عن ذلك فقال إن لنا به حسابا نسميه ما مروز ومعناه حساب الشهور والأيام فعربوا الكلمة فقالوا مؤرخ ثم جعلوا اسمه التاريخ واستعملوه ثم طلبوه يجعلونه أولا لتاريخ دولة الاسلام واتفقوا علي أن يكون المبدأ سنة هذه الهجرة فكانت هذه الهجرة من مكة إلى المدينة شرفها الله تعالى وقد تصرم من شهور هذه السنة وأيامها المحرم وصفر وثملنية ايم من ربيع الأول فلما عزموا عل تأسيس الهجرة رجعوا التقهقري ثمانية وستين يوما وجعلوا مبدأ التاريخ أول المحرم من هذه السنة ثم احصلوا من أول يوم المحرم إلي أخر يوم من عمر النبي صل الله عليه وسلم فكان سنين وشهرين وأياما وإذا حسب عمره من الهجرة فيكون قد عاش بعدها تسع سنين واحد عشر شهرا واثنين وعشرين يوم واما التواريخ القديم فكانت الأمم السالفة تؤرخ بالأحداث العظام وتملك الملوك فأرخوا بهبوط آدم ثم بعث نوح ثم بالطوفان وأرخ بنو إسحاق بنار إبراهيم إلى يوسف ومن يوسف إلى مبعث موسى إلى ملك سليمان بن داود ثم بما كان من الكوائن ومنهم من أرخ بوفاة يعقوب عليه السلام ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ثم بخراب بيت المقدس وأما بنو إسماعيل فأرخوا ببناء الكعبة ولم يزالوا يؤرخون بذلك حتى تفرقوا وكان كل من خرج منهم من تهامة يؤرخ بخروجه ثم أرخوا بعام الفيل ثم أرخوا بأيام الحروب وكانت حمير يؤرخون بملوكهم التبابعة وأما اليونان والروم فأرخوا بظهور الاسكندر وأما النبط فكانوا يؤرخون بملك بخت نصر وأما المجوس فكانوا يؤرخون بقتل دارا وظهور الاسكندر ثم بظهور ازدشير ثم بملك يزدجرد وولد سيدنا محمد صل الله عليه وسلم والعرب تؤرخ بعام الفيل ولم يزل التاريخ كذلك إلى أن ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة فقرر الأمر أن يؤرخوا بهجرة النبي صل الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فجعلوا التاريخ من المحرم أول عام الهجرة وقد ورد في حديث المعراج الشريف أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين أسرى به أنزل فصل هنا ففعل فقال أتدري أين صليت صليت بطيبة وإليها الهجرة وأما ما كان من حديث الهجرة فإن رسول الله صل الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول وأمر أصحابه بالمهاجر إلى المدينة فخرج جماعة وتتابع الصحابة ثم هاجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأقام النبي ( ص ) بمكة ينتظر ما يؤمر به وتخلف معه أبو بكر وعلي رضي الله عنهما وأجمعت قريش عل مكيدة يفعلونها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجاه الله من مكرهم وانزل عليه في ذلك ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) الآية وأمره بالهجرة فأمر عليا أن يتخلف عنه ويؤدي ما عنده من الودائع لأربابها ثم خرج هو وأبو بكر إلى غار ثور - وهو جبل أسفل مكة فأقاما فيه ثم خرجا بعد ثلاثة أيام وتوجها إلى المدينة وقدماها لاثني عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى وكان يوم لاثنين الظهر فنزل بقباء وأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء وأسس مسجد قباء وهو الذي نزل فيه ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال ) ثم خرج من قباء يوم الجمعة وأدركته الجمعة في بني عمرو بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة فولد صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وهاجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين واختلف العلماء في مقامه بمكة بعد أن أوحى إليه فقيل عشر سنين وقيل ثلاث عشر سنة وهو الصحيح ولعل الذي قال عشر سنين أراد بعد إظهار الدعوة فإنه بقي ثلاث سنين يسرها والله أعلم ( ذكر بناء المسجد الشريف النبوي ) ( على صاحبه أفضل الصلاة والسلام ) ثم أن رسول الله صلى عليه وسلم رحل من قباء يريد المدينة فما مر على دار من دور الانصار إلا قالوا هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة ويعترضون ناقته فيقول خلوا سبيلها فإنها مأمورة حتى انتهت إلي موضع مسجد النبي ( ص ) فبركت هناك فنزل عنها النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ أبو أيوب الأنصاري الناقة إلى بيته وكان موضع المسجد مربدا للتمر لسهل وسهيل ابني عمرو - يتيمين في حجر أسعد بن زرارة - فقال رسول الله صل الله عليه وسلم حين بركت ناقته هذا إن شاء الله المنزل ثم دعا الغلامين فساومهما المربد ليتخذه مسجدا فقال لا بل نهبه لك يا رسول الله فأبى أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما ثم بناه مسجدا وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه وقيل بل كان الموضع لبني النجار وكان فيه قبور المشركين وخرب ونخل فأراد النبي ( ص ) أن يشتريه من بني النجار فقال لهم يا بني النجار ثامنوني حائطكم فاقلوا لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع قال فصفوا النخيل قبل المسجد وجعلوا عضاديته حجارة وجعلوا ينقلون ذلك الصخر وهم يرتجزون ورسول الله صل الله عليه وسلم يقول ( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
فانصر الأنصار والمهاجرة ) وأقام رسول الله ( ص ) عند أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه وكان قبله يصلي حيث أدركته الصلاة وبناه هو والمهاجرون والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين وكان المسجد الشريف على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل فلم يزد أبو بكر فيه شيئا وزاد فيه عمر وبناه عل بنيانه في عهد رسول الله ( ص ) باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان بن عفان رضي الله عنه في خلافته فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج ثم صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك - الذي عمر مسجد دمشق - استعمل على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وكتب إليه في سنة سبع وثمانين من الهجرة الشريف يأمره بهدم مسجد رسول الله ( ص ) وهدم بيوت أزواج النبي صل الله عليه وسلم ورضى عنهن وأن يدخل البيوت في المسجد بحيث تصير مساحة المسجد مائتي ذراع في مائتي ذراع وأن يضع أثمان البيوت من بيت المال فأجابه أهل المدينة إلى ذلك وقدم الصناع من عند الوليد لعمارة المسجد وتجرد لذلك عمر بن عبد العزيز وشيد رسول الله صل الله عليه وسلم وأدخل فيه ما حوله من المنازل ثم لما صارت الخلافة لبني العباس ووليها المهدي - أبو عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور - وسع المسجد الشريف وزاد فيه وحمل إليه العمد الرخام ورفع سقفه وألبس خارج القبر الشريف الرخام وذلك في سنة سبع وستين ومائة وأمر بتقصير المنابر في البلاد وجعلها بمقدار منبر رسول الله صل الله عليه وسلم وقد عمر في المسجد الشريف جماعة من ملوك الاسلام من الخلفاء والسلاطين وجددوا فيه أشياء من المحاسن وكان قد احترق المسجد الشريف في زمن الملك الظاهر بببرس رحمه الله فاهتم بعمارته ووضع الدرابزينات حول الحجرة الشريفة وعمل فيه منبرا وسقفه بالذهب ثم في عصرنا جرى حادثة وهي في ليلة الثالث عشر من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة وقعت صاعقة بالليل في المدينة الشريفة احترق منها المسجد الشريف النبوي والحجرة الشريفة وجميع ما بالمسجد الشريف من المصاحف والكتب وغير ذلك ووردت الأخبار بذلك إلى السلطان الملك الأشرف قايتباى وكتب لأهل المدينة الشريفة محضرا بما وقع وجهزوه إلى القاهرة في أسرع وقت وجزع الناس لذلك ثم اهتم السلطان بعمارته وأقام في ذلك أعظم قيام وأنشأه وجدد عمارته فجاءت في غاية الحسن ولله الحمد والمنة وأما المسجد الشريف فله أربعة أبواب من جهتي المشرق والمغرب فمن جهة المشرق باب جبريل وباب النساء ومن جهة المغرب باب السلام وباب الرحمة وعليه خمس منابر أربعة قديمة والخامسة مستجدة بمدرسة السلطان الملك الأشرف قايتباي وقد وقف السلطان المشار إليه عل المدينة الشريفة أوقافا كبيرة أكثرها عقارات بالقاهرة ورتب قمحا يحمل إليها في كل سنة يصرف لأهلها والواردين إليها وكان ذلك في سنة ثمان وثمانين وثمانمائة عند انتهاء المسجد الشريف وإنما ذكرت هذه الحوادث هنا استطرادا عل وجه الاختصار لتعلقها بالمسجد الشريف ولنرجع إلى ذكر أخبار الهجرة الشريفة فأقول - وبالله التوفيق - ولما أقام النبي صل الله عليه وسلم بالمدينة الشريفة ففي السنة الأولى من هجرته ( ص ) بنى بعائشة رضي الله عنها في شهر ذي القعدة وهي بنت تسع سنين وفيها كانت المؤاخاة بين المسلمين آخى بينهم رسول الله ( ص ) فاتخذ هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخا وصار أبو بكر وخارجة بن زيد بن أبي زهير الأنصاري أخوين وتواخى أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك وسعيد بن زيد وأبي بن كعب الأنصاري رضي الله عنهم وفيها كانت غزوة الأبواء وهي أول غزواته ثم غزوة بواط ثم غزوة العشيرة ثم دخلت السنة الثانية من الهجر الشريف عل صاحبها أفضل الصلاة والسلام وكان تحويل القبلة من صخرة بيت المقدس الشريف إلي المسجد الحرام قال الله تعالى ( ^ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) وروى الليث عن يونس عن الزهري قال لم يبعث الله منذ هبط دم إلى الأرض نبيا إلا جعل قبلته صخرة بيت المقدس وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن محمدا رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون بمكة إلى الكعبة فلما هاجر إلى المدينة أمر الله تعالى نبيه صل الله عليه وسلم أن يصلي نحو صخرة بيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إياه إذا صل إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة فصلى بعد الهجرة الشريفة ستة عشر أو سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم ' ع ' فأنزل الله عليه الآية وأمره باستقبال الكعب ولما حولت القبلة كان النبي صل الله عليه وسلم في مسجد القبلتين في بني سلمة وكان يصلي فيه الظهر إلى بيت المقدس وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين وعن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه أن تكون قبلته البيت ؟ فإنه صل الله عليه وسلم أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلوا معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي ( ص ) قبل مكة فداروا كلهم وجوههم قبل البيت وكانت اليهود قد أيعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس ولما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك ؟ وقال البراء في حديثه هذا إنه مات عل القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما تقول فيهم فأنزل الله عز وجل ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم ) وكان تحويل القبل في يوم الثلاثاء منتصف شهر شعبان وقيل في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين من السنة الثانية من الهجرة الشريفة عل صاحبها أفضل الصلاة والسلام وفيها - أعني في السنة الثانية - في شعبان فرض صوم شهر رمضان وأمر الناس بإخراج زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين فصام صل الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعا وفيها رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري صورة الأذان في النوم وورد به الوحي وفيها تزوج علي رضي الله عنه بفاطمة بنت الرسول صل الله عليه وسلم وقال إن الله سبحانه وتعال عقد عقد فاطمة لعلي في السماء فنزل الوحي بذلك فجمع الصحابة لذلك وأرسل وراء علي بن أبي طالب وأخبره بالخبر فعقد النبي صل الله عليه وسلم عقد علي عل فاطمة فقيل لعلي أو لم يا علي فنزل بدرعه يبيعه فعرفه عبد الرحمن فاشتراه بألف درهم ودفعها لعلي ثم أوهبه الدرع وفيها كانت غزوة بدر الكبرى التي اظهر الله بها الدين وسببها قتل عمرو ابن الحضري وإقبال أبي سفيان بن حرب في عير لقريش عظيمة من الشام وفيها أموال كثيرة فانتدب المسلمون بأمر النبي صل الله عليه وسلم وخرجوا إليهم فبلغ أبا سفيان ذلك فبعث إلى مكة وأعلم قريشا بذلك فخرج المشركون من مكة وكان عدتهم تسعمائة وخمسين رجلا فيهم مائة فرس وخرج رسول الله ( ص ) من المدينة ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا لم يكن فيهم إلا فارسان وكانت الإبل سبعين يتعاقبون عليها ونزل في بدر وبني له عريش وجلس فيه ومعه أبو بكر أقبلت قريش لما رآهم رسول الله صل الله عليه وسلم قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني به ولم يزل كذلك والتقى الصفان وتزاحف القوم ورسول الله ( ص ) معه أبو بكر في العريش وهو يدعو ويقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني به ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه فوضعه أبو بكر عليه وخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر الله ثم خرج رسول الله ( ص ) من العريش يحرض المسلمين عل القتال وأخذ حفنة من الحصا ورمى بها قريشا وقال شاهت الوجوه وقال لأصحابه شدوا عليهم فكانت الهزيمة عل المشركين وكانت الوقعة صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وحمل عبد الله بن مسعود رأس أبي جهل بن هشام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسجد شكرا لله تعالى ونصر الله نبيه بالملائكة قال تعالى ( ^ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدد بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عبد الله إن الله عزيز حكيم ) وكان عدة قتل بدر من المشركين سبعين رجلا والأسرى كذلك وكان من جملة الأسرى العباس عم رسول الله صل الله عليه وسلم ولما انقضى القتال أمر النبي ( ص ) بسحب القتلى إلى القليب وكانوا أربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فيه وجميع من استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكانت غيبته تسعة عشر يوما وماتت ابنته رقية - زوجة عثمان - في غيبته وكان عثمان تخلف في المدينة بأمره صل الله عليه وسلم لسببها وفيها هلك أبو لهب ثم كانت غزوة بني قينقاع - من اليهود - وأمر بإجلائهم ثم كانت غزوة السويق ثم كانت غزوة وقرقرة الكدر وقرقرة الكدر ماء مما يلي جادة العراق إلى مكة وقتل كعب بن الأشرف اليهودي بأمر النبي ( ص ) ثم دخلت السنة الثالثة من الهجرة الشريفة وفيها كانت غزوة بني النضير - من اليهود - وكانت عل رأس ستة أشهر من بدر فأجلاهم النبي صل الله عليه وسلم وحرق نخيلهم وفيها كانت غزوة أحد وسببها وقعة بدر فاجتمع المشركون وكانوا ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ومائتا فارس وقائدهم أبو سفيان وساروا من مكة حتى نزلوا ذا الحليفة مقابل المدينة يوم الأربعاء لأربع مضين من شوال وخرج النبي صل الله عليه وسلم في ألف من الصحابة إلى صار بين المدينة وأحد ونزل الشعب من أحد ثم كانت الوقعة يوم السبت لسبع مضين من شوال وعدة أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم سبعمائة وفيهم مائة دارع ولم يكن معهم من الخيل سو فرسين والتقى الناس ودنا بعضهم من بعض وقامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها وضربن بالدفوف خلف الرجال يحرضن المشركين على القتال وحرب المسلمين وقاتل مصعب حامل لواء رسول الله صل الله عليه وسلم وقد ظن قاتله إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لقريش إني قتلت محمدا ولما قتل مصعب أعط النبي صل الله عليه وسلم الراية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وانهزم المشركون فطمعت الرماة بالغنيمة وفارقوا المكان الذي أمرهم النبي ( ص ) بملازمته ووقع الصراخ أن محمدا قتل وانكشف المسلمون وأصاب منهم العدو وكان يوم بلاء عل المسلمين وكان عدة الشهداء منهم سبعين رجلا وعدة قتل المشركين اثنتين وعشرين رجلا ووصل العدو إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وأصابه حجارتهم حتى وقع وأصيبت رباعيته وشج وجهه وجعل الدم يسيل عل وجهه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعو إلى ربهم فنزل في ذلك قوله تعالى ( ^ ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) ودخلت حلقتان من المغفرة في وجهه الشريف من الشجة ونزع أبو عبيدة بن الجراح أحد الحلقتين من وجهه فسقطت ثنيته الواحدة ثم نزع الأخر فسقطت ثنيته الأخر ومثلت هند وصواحبها بالقتل من الصحابة فجد عن الآذان والأنوف وبقرت هند عن كبد حمزة ولاكتها وصعد زوجها أبو سفيان الجبل وصرخ بأعل صوته الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل - أي اظهر دينك - فأجابه المسلمون الله أعلى وأجل وناد إن موعدكم بدر العام القابل فقال النبي ( ص ) لواحد قل هو بيننا وبينكم ثم التمس رسول الله صل الله عليه وسلم عمه حمزة فوجده وقد بقر بطنه وجدع أنفه وأذناه فقال لئن أظهرني الله عز وجل عل قريش لأمثلهن بثلاثين منهم وجاءه جبريل فأخبره إن حمزة مكتوب من أهل السماوات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ثم أمر النبي ( ص ) به فسجي ببردة ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة فصل عليهم وعليه اثنتين وسبعين صلاة وهذا دليل لأبي حنيفة فإنه يرى الصلاة عل الشهيد خلافا للشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى ثم أمر بحمزة فدفن واحتمل أناس من المسلمين إلى المدينة فدفنوا بها ثم نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ادفنوهم حيث صرعوا وأصيبت عين قتادة فردها رسول الله ( ص ) بيده وكانت أحسن عينيه واستشهد أنس بن النضر عم أنس بن مالك وقد بلى بلاء حسنا وفيه نزلت ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) الآية وفيها تزوج النبي صل الله عليه وسلم حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبنى بها وكانت تحت خنيس بن حذافة السهمي ثم دخلت السنة الرابعة من الهجرة الشريفة وفيها كانت غزوة بدر الثانية وهي في شعبان وفيها خرج النبي صل الله عليه وسلم إلى بدر لميعاد أبي سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة ثم رجع ورجعت قريش معه وانصرف رسول الله صل الله عليه وسلم إلى المدينة ثم دخلت السنة الخامسة من الهجرة الشريفة وفيها كانت غزوة الخندق وهي غزوة الأحزاب وكانت في شوال وسببها أن نفرا من اليهود حزبوا الأحزاب عل رسول الله صل الله عليه وسلم وقدموا على قريش بمكة يدعونهم إلى حربه فلما بلغ النبي صل الله عليه وسلم ذلك أمر بحفر الخندق حول المدينة وعمل فيه بنفسه وفرغ من الخندق وأقبلت قريش ومن تبعها من بني قريظة واشتد البلاء حتى ظن المؤمنون كل الظن وأقام رسول الله ( ص ) والمشركون بضعا وعشرين ليلة لم يكن بين القوم حرب إلا الرمي ثم نصر الله نبيه ( ص ) عل المشركين وخذلهم واختلفت كلمتهم وأهب الله ريح الصبا كما قال تعال ( ^ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ) فجعلت الريح تقلب أبنيتهم وتكفأ قدورهم وانقلبوا خاسرين فبلغ ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم فقال الآن نغزوهم ولا يغزونا وكتان كذلك حتى فتح مكة وفيها - أي في ذي القعدة - كانت غزوة بني قريظة عقب عود النبي ( ص ) إلى المدينة من غزوة الخندق بوحي من الله تعال نزل عل نبيه محمد ( ص ) فسار إليهم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة وقذف في قلوبهم الرعب ونزلوا على حكم رسول الله صل الله عليه وسلم فرد الحكم فيهم إلى سعد بن معاذ فحكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية والنساء وقسم الأموال ثم رجع النبي ( ص ) إلى المدينة وضرب أعناقهم وكانوا ستمائة أو تسعمائة وقيل ما بين الثمانمائة والسبعمائة ثم قسم الأموال والسبايا واصطفى لنفسه ريحانة بنت شمعون فكانت في ملكه حتى مات ولم يستشهد في هذه الغزوة سو خلاد بن زيد بن ثعلبة ألقت عليه امرأة من بني قريظة رحا شدخت رأسه فقال رسول الله صل الله عليه وسلم له اجر شهيدين وقتلها به ثم دخلت السنة السادسة من الهجرة الشريفة وفيها في شعبان كانت غزوة بني المصطاق وهي غزوة المريسيع وكان في جملة السي جويرية بنت الحارث كان اسمها برة فسماها رسول الله ( ص ) جويرية وكانت إحدى أزواجه وفيها كانت قصة الافك فرميت السيدة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالافك مع صفوان بن المعطل وكان صفوان حصورا لا يأتي النساء والقصة مشهورة في الحديث الشريف وفيها نزلت ي التيمم وفيها كانت غزوة الحديبية وهي إن رسول الله صل الله عليه وسلم خرج من المدينة في ذي القعدة سنة ست معتمرا يريد حربا وساق الهدي وأحرم بالعمرة وسار حتى وصل إلى ثنية الزمار مهبط الحديبية أسفل مكة والحديبية بئر ووقع من معجزاته نبع الماء في ذلك المكان وتأهبت قريش للقتال وبعثوا رسولهم إلى النبي صل الله عليه وسلم فبعث رسول الله ( ص ) عثمان بن عفان إليهم يعلمهم إنه لم يأت لحب وإنما جاء زائرا ومعظما لهذاالبيت فلما وصل غلأيهم امسكوه وحبسوه وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله فدعا الناس إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة فبايع الناس على الموت ثم أتاه الخبر إن عثمان لم يقتل ثم وقع الصلح بين رسول الله ( ص ) وبين قريش فإنهم بعثوا سهيل بن عمرو في الصلح فأجاب النبي ( ص ) ثم دعا علي بن أبي طالب فقال اكتب باسمك اللهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو شهدت إنك رسول الله لم أقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال رسول الله صل الله عليه وسلم اكتب - هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وإنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وأشهدوا في ذلك الكتاب عل الصلح رجالا من المسلمين والمشركين ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك نحر هدية وحلق رأسه وفعل الناس كذلك ثم عاد إلى المدينة حتى إذا كان بين مكة والمدينة نزلت سورة الفتح ( ^ أنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما ) ودخل في الإسلام في هذه السنة مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر والقصة مبسوطة مشهورة ولكن المراد هنا الاختصار ثم دخلت السنة السابعة من الهجرة الشريفة وفيها كانت غزوة ذي قرد وذو قرد موضع على ميلين من المدينة على طريق خيبر وهي الغزو التي أغاروا فيها على لقاح النبي صل الله عليه وسلم قبل خبير بثلاث وفيها كانت غزوة خيبر في منتصف المحرم سار النبي صلى الله عليه وسلم إلى خبير وهي عل ثمان برد من المدينة فأشرف عليها وقال لأصحابه قفوا ثم قال اللهم رب السماوات وما أضللن ورب الرياح وما ذرين فسألك خير هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها ومن شر أهلها وشر ما فيها أقدموا بسم الله ونزل عل خيبر ليلا ولم يعلم أهلها فلما أصبحوا خرجوا إلى أعمالهم فلما رأوه عادوا وقالوا محمد والخميس - يعنون الجيش - فقال النبي ( ص ) الله أكبر خربت خيبر أنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ثم حاصرهم وضيق عليهم وأخذ أموال وفتح الحصون وأصاب سبايا منهن صفي بنت حس فاصطفاها رسول الله صل الله عليه وسلم لنفسه وتزوجها وجعل عتقها صداقها وهذا مذهب الإمام أحمد رضي الله عته وهو من مفردات مذهبه وكان علي بن أبى طالب رضي الله عنه قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه فلما أصبحوا جاء علي فتفل النبي صل الله عليه في عينيه فما اشتكى رمدا بعدها ثم أعطاه الراية فنهض بها وأتى خيبر فأشرف عليه رجل من يهود خيبر وقال من أنت ؟ قال أنا علي بن أبي طالب فقال اليهودي غلبتم يا معشر اليهود فخرج مرحب من الحصن وعليه مغفر يماني وعل رأسه بيضة عادي وهو يقول
( قد علمت خيبر إني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب )
( اطعن أحيانا وحينا أضرب
إذا الليوث أقبلت تلتهب ) فخرج إليه علي رضي الله عنه وهو يقول
पृष्ठ 201