فضل الإصلاح وبعض فقهه ومسالكه
الحمد لله شرح بفضله صدور أهل الإيمان بالهدى، وأضل من شاء بحكمته وعدله، فلن تجد له وليًا مرشدًا، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، كرم أصلًا وطاب محتدًا، خصه ربه بالمقام المحمود وسماه محمدًا، ﷺ وبارك وعلى آله وأصحابه، هم النجوم بهم المهتدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتدى.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله ﷿، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
أيها المسلمون: أصلحوا ذات بينكم، فالإصلاح عنوان الإيمان في الإخوان: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الحجرات:١٠] الإصلاح مصدر الطمأنينة والهدوء، ومبعث الاستقرار والأمن، وينبوع الألفة والمحبة.
أيها الإخوة: في كثير من الديار أقضَّت مضاجع القضاة القضايا، وامتلأت كثير من السجون بالبلايا، ناهيك بما في مراكز الشرطة وأسرة المشافي من المآسي، بل إن مشكلات الأمة الكبرى في الصومال وأفغانستان ومواقع من ديار المسلمين أخرى تحتاج كل الحاجة إلى الصالحين المصلحين.
ألا ينبري خيرون بمساعٍ حميدة هنا وهناك، ليطفئوا نار الفتن، وينزعوا فتيل اللهب؟!
إن التنازع مفسد للبيوت والأسر، مهلك للشعوب والأمم، سافك للدماء، مبدد للثروات: ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال:٤٦].
بالخصومات والمشاحنات تُنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد، ومن أجل ذلك سمى رسول الله ﷺ فساد ذات البين بالحالقة، وهي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين.
إن الأمة في كثير من مواقعها تحتاج إلى إصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين، ويُعيد الوئام إلى المتنازعين إصلاح تسكن به النفوس، وتتآلف به القلوب إصلاح يقوم به عصبة خيرون، شرفت أقدارهم، وكرمت أخلاقهم، وطابت منابتهم، وإنهم بمثل هذه المساعي الخيرة يبرهنون على نُبل الطباع وكرم السجايا.
فئات من ذوي الشهامة من الرجال، والمقامات العلية من القوم، رجال مصلحون ذوو خبرة وعقل، وإيمان وصبر، يحضرون الناس في أحوالهم ومعاملاتهم حذاق في معالجة أدوائهم، وأهل إحاطة بنفوس المتخاصمين، وخواطر المتباغضين، والسعي فيما يرضي الطرفين.
أيها الأحبة: إن سبيل الإصلاح عزيمة راشدة، ونية خيرة، وإرادة مصلحة، وإن بريد الإصلاح حكمة المنهج، وجميل الصبر، وطيب الثناء إنه سبيل وبريد يقوم به لبيب تقي، يسره أن يسود الوئام بين الناس: ﴿وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء:١٢].
2 / 2