243

Unnamed Book

دروس للشيخ صالح بن حميد

शैलियों

الهدي النبوي في استعمال الماء عباد الله: إن الماء مورد عظيم، بل إنه من أكبر الموارد التي تحتاج إليها كل أمة في كثير من ميادين حياتها ومعاشها، ولقد ورد في شريعة محمد ﷺ الحث على المحافظة عليه، والاقتصاد في استعماله، وتجنب الإسراف في استخدامه واستهلاكه في وجوه الاستخدامات كافة، شربًا وطهيًا، واغتسالًا وغسلًا، وغير ذلك. وتأملوا في سنة نبيكم محمد ﷺ: ﴿فقد كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد﴾ رواه أحمد ومسلم وغيرهما. وفي رواية الصحيحين: ﴿كان يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد﴾ بل جاء عند مسلم من حديث عائشة ﵁: ﴿أنها كانت تغتسل هي والنبي ﷺ في إناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبًا من ذلك﴾. وفي رواية عند أبي داود من حديث أم عمار: ﴿أنه ﵊ توضأ بماء في إناء قدر ثلثي مد﴾. ولقد شدد أهل العلم ﵏ في المنع من الإسراف بالماء ولو كان على شاطئ النهر أو البحر. يقول أبو الدرداء ﵁: [[اقتصد في الوضوء ولو كنت على شاطئ نهر]]. وقال محارب بن دثار: [[كان يقال: من ضعف علم الرجل ولوعه بالماء في الطهور]]. وجاء رجل إلى ابن عباس ﵄، فقال: ﴿يـ ابن عباس كم يكفيني من الوضوء؟ قال: مد، قال: كم يكفيني لغسلي؟ قال: صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال ابن عباس ﵄: لا أم لك! قد كفى من هو خير منك، رسول الله ﷺ﴾ رواه أحمد والبزار والطبراني بسند رجاله ثقات. أيها المسلمون: لا بد من الأخذ بالحزم في هذا الشأن، فالله ﷾ لا يحب المسرفين، والمبذرون هم إخوان الشياطين، وإن عدم الشعور بالمسئولية، ونزعة الاتكالية، وإلقاء التبعة على الآخرين، مصيبة قاتلة، وسبيل لانهيار المجتمع، وضياع لحقوقه ومرافقه، فإذا تنصل المرء من مسئوليته، وتفلت من التزاماته؛ أصبح عضوًا فاسدًا وكلًا على مجتمعه، وعبئًا على أمته، ولو تعلل كل مؤمن بتقصير غيره؛ لما بقي في الدنيا حوافز للخير؛ لأن وجود الإهمال في بعض الأفراد أمر لا بد من وقوعه بصورة ما، في كل زمان ومكان، والعقلاء والجادون يتخذون من وقوع الأخطاء عند الآخرين مواطن عظة واعتبار، فيحاولون ما استطاعوا إصلاح الخطأ، وتغيير المنكر، والتعاون على البر والتقوى. إن من الخطأ المدمر، والهلاك المرضي: أن يتهاون بعض الناس فيقول: هذا من مسئولية فلان، وتلك من مسئولية الجهة الفلانية، والحق قوله ﷺ: ﴿كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته﴾. أيها المسلمون: وما يتحدث به بعض المهتمين من ذوي الشأن في أنحاء كثيرة من العالم من ظهور نقص في المياه، وتخوف من الشح في مصادرها، أمر ينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد، وإن كان اعتماد المسلم على ربه سبحانه، فيضرع إليه ويلجأ إلى رحمته، فيستقيم على الطريقة، فيسقيه ماء غدقًا، ويتأخر الغيث عن موعده، فيتوجه المسلمون إلى ربهم دعاءً وصلاةً واستسقاءً. ومع كل ذلك لا بد أن يُؤخذ بالأسباب، فحسن الاستعمال، والاقتصاد في الاستهلاك، مسلك إسلامي رشيد، وما يتحدث عنه هؤلاء من مؤشرات نذر، وما يتحدثون عنه من الأمن المائي، وحروب المياه، ومعارك التعطيش، فإن الذي يجب أن يعلم، أن قضايا المياه قضايا إنسانية، وضرورات حياتية، يجب أن ينأى بها عن دائرة الصراعات والحروب، والابتزاز والمتاجرات والمزايدات، ولكنهم مع الأسف يؤذون البشرية، ويخوفونها بحروبهم الباردة والساخنة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إبراهيم:٣٢ - ٣٤]. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

19 / 8