184

[183_2]

والقطمير، هما من خلق دول الغرب. وكان ذلك على حالة ابتدائية في عصر الأمويين والعباسيين، ولم تكن أسباب الحياة تشعبت هذا التشعب، ولا الأوضاع هذه الأوضاع، ولا الإبداع في النظم هذا الإبداع.

عرفنا من سيرة ابن مسعدة ما أطلنا به من نافذة ضيقة على ما خصت به نفسه، وانطوى عليه من الصفات السامية التي كان بها عظمته، وربما لم يخل عصره من بلغاء أمثاله لو فتح لهم الطريق لأغنوا غناءه، ولكن الطبائع تختلف، وهذه الرقة في السياسة يصعب أن يبرز فيها كل إنسان، فهو كما كتب الحسن ابن سهل إلى محمد بن سماعة القاضي وقد احتاج إلى رجل يوليه بعض الأعمال، فقال انه يريد رجلا جامعا لخصال الخير، ذا عفة ونزاهة طعمة، قد هذبته الآداب، وأحكمته التجارب، ليس بظنين في رأيه، ولا بمطعون في حسبه، إن اؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلد مهما من الأمور أجزأ فيه، له سن مع أدب ولسان، تقعده الرزانة، ويسكنه الحلم، قد فر عن ذكاء وفطنة، وعض على قارحة من الكمال، تكفيه اللحظة، وترشده السكتة، قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها، وقام في أمور فحمد فيها، له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه، وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة، مضطلعا بما استنهض، مستقلا بما حمل اه.

وهذه الصفات هي صفة عمر بن مسعدة، أنعم به وبسيده، وسيقا لعصر أخرج عظماء يحق لنا التجمد بهم، مهما بعد العهد.

- -

أحمد بن يوسف الكاتب

نشأته وظهوره:

पृष्ठ 183