168

[167_2]

طويلة وهو قابض على يراعته يعالج بها الموضوعات المهمة في ذاك المجتمع العظيم.

وأفادنا ابن عساكر أن عمرو بن مسعدة زار دمشق مع المأمون، وأنه من رجال الحديث فأسند حديثا عن المأمون في سند ذكره عن عمرو بن مسعدة، قال: سمعت المأمون أمير المؤمنين يقول: حدثي أبي عن أبيه عن عمه عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه أدب لهم؛ وفي الأمثال: علق سوطك حيث يراه أهلك، والمعنى اجعل نفسك بحيث يهابك أهلك، ولا تغفل عنهم وعن تخويفهم وردعهم.

ولم نعلم نوع الدراسة التي انصرفت إليها همة عمرو بن مسعدة في صباه حتى بلغت به البلاغة ذاك المقام، بيد أن ظواهر الحال تدل كل الدلالة على أن من كان هذا شأنه من الكتابة في ذاك العصر الزاهي بمن يشار إليهم بالبنان في البيان، يستحيل أن يبلغ هذا المبلغ إلا بأدوات كثيرة، بل لا يتأتى له ذلك إلا بجميع أدوات البيان والشريعة، يجمعها إلى ما خصت به فطرته من سلامة الطبع وجودة الإبداع، وفوق ذلك لابد له من التخرج بهذه الصناعة أعواما طويلة، وصحف التاريخ لم تعرفنا عمرو بن مسعدة إلا أنه تام الأدوات، كأن بلاغته مما ارتجل ارتجالا، او مما وهبته له الفطرة عرضا؛ وصرف عمرو أيام حياته على ما يظهر بالتصرف، جعل نفسه وقفا على مهام الخلافة، فأقبلت عليه الدنيا إقبار عظيما، فنعم ولذ واغتبط، وقصده القاصدون، وطابت نفسه باصطناعهم والإحسان إليهم، وعطف على العفاة والقصاد فاستكثر من الأنصار، وانبسطت نفسه ويده بالعطاء، فتعشقته نفوس الناس وأهل الدولة؛ والحليفة من وراء ذلك يمده، ويطلق يده في المال والنوال؛ ومن جعل كده في هذه الأعمال يتعذر عليه

पृष्ठ 167