وبرسفونية؛ حيث تلقى النبي الصديق الصالح تيرزياس، الذي احتفظ وحده في عالم الموتى بكل أسراره وقواه الغيبية الخارقة، والذي يثوي في رحاب مليكة الفناء يتنبأ لها وتستوحيه وتستشيره فيعرف
9
لك عما يهمك، ويقفك على ما ينطوي لك من صحف الغيب.» وما كادت تنتهي حتى احلولكت الدنيا في عيني، وتدفقت الهموم في نفسي وأجهشت وأجهشت، ثم استخرطت في بكاء طويل، وما كدت أصحو من هذه النوبة حتى قلت لها: «أنى لي يا ربة أن أذهب إلى هيدز؟ ومن الذي يحدوني إليها ولم يسبقني إليها أحد من أحياء البشر؟» فقالت تجيبني: «يا سليل ليرتيس العظيم ليفرخ روعك، ولا يحزنك ألا يكون لك إلى هيدز من دليل، بل هلم إلى سفينتك فأصلح قلاعها وانشر شراعها وستهب الصبا سجسجا فتدهديكم رويدا، فإذا جزتم هذا البحر المحيط، وبلغتم الشاطئ النز
10
الذي تنمو فوقه أشجار الحور والصفصاف الباسقة، ثمة باسم برسفونيه، فادفعوا إليه بسفينتكم، ثم تهاووا إلى مثوى بلوتو السحيق الذي يبتدئ عند الصخرة الهائلة التي تتكسر فوق أواذيها أمواه أشيرون
11
وستيكس وكوكيتوس، فاتركوا سفينتكم ثمة واحفروا عندها حفرة ذراعا في ذراع، ثم صبوا في جهتها الأولى قربانا من لبن وعسل، وفي الثانية خمرا معتقة من أحسن ما تعصرون، وفي الثالثة ماء قراحا، فإذا كانت الرابعة فانثروا الدقيق فوق الجميع، واصنعوا ذلك باسم الموتى جميعا، ثم انذروا لهم أن تذبحوا - يوم تعودون إلى إيثاكا سالمين - عجلا جسدا من أحسن قطعانكم، وانذروا كذلك لتيرزياس كبشا سموريا ليس في أغنامكم أسمن منه ولا أقوى جلادا، فإذا فرغتم من صلاتكم ونذوركم وأدعيتكم لجميع الموتى من كل الأمم فاذبحوا في الحال كبشا ونعجة سمورية، على أن تكون رأسا الضحيتين تلقاء أربوس، وعلى أن تشيحوا بوجوهكم تلقاء الشاطئ، فإذا صنعتم كل هذا فسرعان ما ترون أرواح الموتى تقبل نحوكم من فج، فسارعوا إلى ذبائحكم فاسلخوها وألقوا بلحومها في النار مصلين ملبين داعين؛ كيما تهدأ نفسا بلوتو وزوجته برسفونيه، ولا تسمحوا لأرواح الموتى أن تقرب أضحياتكم، وذودوهم عنها بأسيافكم حتى تلمحوا تيرزياس قادما فيلقاكم ويحدثكم ويوضح لكم ما غم عليكم من سبيلكم في هذا البحر الرجراج المتلاطم بالأمواج.» وسكتت وانبلج الصبح، فنهضت تصلح من أثوابها وتضفي عليها من شفوفها البيض كالندف، وتنثر فوق رأسها تلك الغلالة الرقيقة كالثلج، أما أنا فنهضت كذلك واكتسيت صداري ودثاري، ثم توجهت إلى رفاقي فأيقظتهم وحثثتهم على الإبحار من تونا كما رسمت سيرس، وقد هبوا جميعا إلا فتى يافعا لم يكن له يدان في هذه الشدائد، بل كان كل همه في كأس من خمر ينطرح بعدها وهو لا يعي شيئا، وكان اسمه ألينور، وكان قد غرق في سبات عميق فوق سطح القصر، وقد أفزعه ما سمع من جلجلة أسلحتنا فهب من نومه مخمورا متخاذلا، وساقته قدماه إلى حافة السطح فزلتا وسقط إلى الأرض، ودق عنقه فسبقت روحه إلى هيدز، وقلت لأصحابي لما اكتمل جمعهم: أتظنون أنا مبحرون إلى أوطاننا؟ كلا يا رفاق، فأمامنا رحلة طويلة شاقة إلى هيدز، حيث ينبغي أن نلقى تيرزياس النبي الصالح ليعرف لنا ويقفنا على صفحة مما يطوي لنا الغيب، بهذا رسمت سيرس وإنا لنصيحتها لسامعون.» وخفقت قلوب إخواني ونظر بعضهم إلى بعض، ثم جلسوا يشدون شعورهم من الحسرة ولكنهم صدعوا أخيرا، بعد إذ أيقنوا أن لا شيء غير هذا ينفعهم، وانقلبنا إلى البحر، وكانوا لا يزالون يذرفون دموعهم ويصعدون حسراتهم، وفيما نحن ذاهبون كانت سيرس تسوق إلى السفينة كبشا عظيما ونعجة سمورية، وإن كنا لم نرها قط، ومن ذا الذي تستطيع عيناه أن تريا ربة كريمة رائحة أو جائية إن لم تشأ هي أن تكشف عن نفسها؟
أرض المردة الجبارين الطغاة الذين لا يخضعون إلى الشريعة.
أوديسيوس يروي قصته: رحلة أوديسيوس إلى العالم الثاني
«وذهبنا إلى الشاطئ، وأنزلنا الفلك إلى الماء، ثم أصلحنا القلاع ونشرنا الشراع ووضعنا القرابين على السطح، وذرفنا من الدموع ما شاءت لنا الهموم والآلام، وأقلعنا، وأرسلت سيرس بين أيدينا ريحا رخاء كانت خير معوان لنا وخير رفيق في سفرتنا الرهيبة هذه، حتى لتركنا لها مقاليد الفلك، وانسدحنا
अज्ञात पृष्ठ