10
ولا سكان السماء قاطبة؛ أنا أقوى منهم بكثير، وأنا نفسي لن آبه لأيما نذير من جوف كبير الأولمب، ولكن حدثني قبل كل شيء؛ متى ألقت سفينتكم مراسيها في أرضنا؟ وأين هي؟ أقريبة أم قاصية من هنا؟ قل الحق ولا تخف عني شيئا.»
أبوللو حينما استوحاه أجاممنون عن يوم سقوط طروادة في أيدي اليونانيين.
وأجبته في حيطة ورفق، وقد عرفت ما رمى إليه: «لقد نسف نبتيون رب البحار مركبنا في اليم نسفا، وسلط عليها الزوابع فجرت بألواحها بعيدا من ها هنا، ونجوت مع هذا النفر من رفاقي فقط إلى شاطئكم.» ولم ينبس السيكلوب الجبار بكلمة، بل أقبل نحونا وانقض على رجالي كالصاعقة، ثم أمسك باثنين منهم وأرسلهما في الهواء، ثم ضرب بهما أرض الكهف ذات النؤى فتهشم رأساهما، وانتثر المخ فوق الحجارة هنا وهنا، وألقاهما بعد ذلك في الجمر المتأجج حتى نضجا، واستوى كالسبع الرئبال وطفق ينهشهما، ولم يمض وقت طويل حتى أتى عليهما غير مبق على عظمة واحدة، أما نحن فيالآلهة السماء! لقد كان هذا المنظر الفاجع يعصف بنفوسنا ولم نملك إلا أن نرفع الأكف فنبتهل إلى جوف أن ينجينا وأن يرحمنا، ولم يكن لنا مع ذاك من أمل في نجاة.
طرب مارس أيما طرب وأيقظ معشوقته فينوس.
وبعد أن أشبع الجبار نهمته من هذا اللحم الآدمي الغريض، وبعد أن رب من اللبن شرب الهيم انطرح بين قطعانه، وجعل يرسل في الكهف شخيرا مزعجا، وقد حدثتني نفسي أن أنقض عليه فأخوض في لبته بجرازي، ولكن فكرة سوداء طافت برأسي حينما نظرت إلى باب الكهف فأبصرت الحجر الضخم الذي لا يطيق أحد أن يزحزحه، وتذكرت الموتة الجاهلية المفزعة التي سنموتها إن فعلت، فقنطت قنوطا شديدا، وأرسلت آهات الحسرة والندامة أنا وأصحابي، وانتظرنا بقلوب فارغة تباشير الفجر، ورأينا أورورا الوردية ترسل أول أشعتها من الكوى الصغيرة، فهب السكلوب إلى قطعانه، وأخذ في حلب إناثها، وكلما فرغ من واحدة أرسلها إلى صغارها ترضع وتنخب، ثم إنه قبض على اثنين من رجالي وفعل بهما كما فعل بصاحبنا أمس، حتى إذا فرغ من إفطاره هب إلى الحجر فزحزحه في سهولة ويسر، كأنما كان يزحزح غطاء آنية، ثم استاق قطعانه وأعاد الحجر إلى مكانه، ومضى يرعى بهمه، وبقينا نحن ندعو ثبورا، وفكرت ألف فكرة في وسيلة أنتقم بها من هذا المارد الوحش، وتوسلت بمينرفا أن أستطيع، وانفرجت أساريري فجأة وأشرق وجهي بنور الأمل؛ ذلك أنني أبصرت بجذع زيتون مشذب أعده الجني ليكون عصا يهش بها على قطعانه، فقلت في نفسي: «ولم لا يكون في هذا الجذع خلاصنا؟» ثم إني أمرت رجالي ببري أحد طرفيه، وكان الجذع طويلا جدا، يصلح سارية لسفينة كبيرة يعمل فيها عشرون بحارا، فأقبلوا عليه ينحتون ويبرون، وأكببت أنا على نهاية الطرف أحدده. ثم انتهينا من عملنا وأخفينا الجذع تحت القش الكثير الملقى في الكهف، وجلسنا نتخير من بيننا أشجعنا وأكثرنا أيدا وقوة، وأشدنا استعدادا لحمله وغرزه من طرفه المحدد في عين السيكلوب، وانتهينا من ذلك إلى أربعة وكنت أنا خامسهم، ثم عاد الجني في موعده فأدخل قطعانه وأرجع الحجر إلى مكانه، وجلس يحلب الإناث ويقسم اللبن ويمخضه، ويرسل كل جذع إلى أمه، ثم نهض إلينا فبطش باثنين منا وتعشى بهما، وقبل أن يستلقي على الأرض ليستريح أفعمت كأسا كبيرة مما كان معنا من خمر مارون وتقدمت إليه وأنا أقول: «ألا أيهذا السكلوب، هاك كأسا من الخمر إذا تحسيتها بعد أكلتك الهنية من اللحم البشري عرفت أي خمر فقدنا في سفينتنا المغرقة.
لقد كنت أحضرتها تكرمة لك إذا أنت أكرمت مثوانا وأطلقت سراحنا وساعدتنا على العودة إلى وطننا سالمين، ولكن أواه إن سورتك طامية أيها القاسي الجبار، وإن أحدا من البشر لن يجسر على أن يقترب من جزيرتكم بعد اليوم.» وأخذ الكأس فعبها عبا، وسر بها سرورا كبيرا، ثم سأل أخرى فقال: «أيها الفتى ما اسمك؟ أعطني العناقيد وأنا مثيبك عليها، إن لدينا خمرا صرفا من أكرم ما تعصر العناقيد يسقيها جوف من شآبيبه، ولكنها أبدا لا تبلغ هذه الخمر البكر جودة.» وأعطيته ثانية وثالثة، وراح المجنون يشرب ويشرب، ولما شهدت النشوة ترقص برأسه قلت له في ظرف: «أيها السيكلوب، لقد تساءلت عن اسمي، ألا فاعلم أنه أوتيس،
11
وبه أسمى في بلادي، ولكنك وعدت أن تثيبني على ما قدمت لك من خمر، فماذا عساك مانحي؟» فاستهزأ السيكلوب وقال: «اطمئن يا صح، سأهب لك أن تكون آخر من آكل من إخوانك؛ هذا هو جزاؤك.» وتثاءب وتثاءب، ثم انطرح وسط قطعانه يغط في نوم عميق، وكان يصعد أنفاسه بقوة فتنقذف من بلعومه شوائب من خمر ممتزجة بقضمان من لحم بشري، وقفزنا إلى جذع الزيتون فوضعنا طرفه المحدد المبري في الخمر المتأجج حتى تأجج مثله، وبكلمات قليلة أثرت النخوة في نفوس إخواني حتى لا تخذلهم قواهم، ثم استعنت الآلهة فابتعثت فينا قواها السحرية، واستجمعنا كل ما فينا من منة اليأس، ووضعنا الطرف المشتعل في عين السيكلوب المقفلة، وحركنا الجذع وطفقت أنا أقلبه فيها من مكان عل، كما فعل السفان الصناع بمثقابه في خشب السنديان، وانبجس الدم من عين السيكلوب العمياء وجحظ إنسانها كأنه عين حمئة من دم وعلز، وقصاراي لقد كنا كالحداد الماهر الذي يطفئ سلاحا محميا في ماء بارد، ولقد صرخ السيكلوب
12
अज्ञात पृष्ठ