उदबा कारब फी जाहिलिया व सदर इस्लाम
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
शैलियों
وأشد الهجاء عندهم ما كان فيه التفضيل، خصوصا بين الأقرباء ، وكلهم طامع في السيادة، ويسمونه الهجاء المقذع. فإن الزبرقان بن بدر أمضه أن يفضل الحطيئة عليه بغيض بن عامر بن شماس، وهو مثله من بني تميم، فشكاه إلى عمر بن الخطاب فحبسه مدة، ولما أطلقه قال له: «إياك والهجاء المقذع!» قال: «وما المقذع يا أمير المؤمنين؟» قال: «المقذع أن تقول: هؤلاء أفضل من هؤلاء وأشرف، وتبني شعرا على مدح قوم وذم لمن تعاديهم.» فقال: «أنت - والله يا أمير المؤمنين - أعلم مني بمذاهب الشعر، ولكن حباني هؤلاء فمدحتهم، وحرمني هؤلاء فذكرت حرمانهم، ولم أنل من أعراضهم شيئا.»
ومهما يكن من أمر هذه الرواية وزعمهم أن الحطيئة يجهل معنى الهجاء المقذع، فإنه وإن لم ينل من أعراضهم، لقد أخزاهم بتفضيل منافسيهم عليهم، وذكر قعودهم عن المكارم، وليس القذف مما يحمد فيه الهجاء، وإنما هو سباب وبذاءة لا يليق بالشاعر أن ينحدر إليهما، ولم يخل الشعر الجاهلي منه، فقد أفحش زهير في هجاء بني الصيداء عندما أسروا عبده يسارا، والمتلمس في هجاء عمرو بن هند بعد هربه منه ومقتل ابن أخته طرفة. وفي شعر حسان بن ثابت كثير من الأبيات التي تنهش الأنساب وتمزق الأعراض، ومنها ما قيل في الجاهلية، ومنها ما قيل في الإسلام.
على أن الشاعر الجاهلي كان يتوخى - في الغالب - إسقاط المهجو من منزلته الاجتماعية، فيعنى - على الأخص - بأن ينزع عنه الفضائل التي يحب البدوي أن ينعت بها ليعد أهلا للسيادة، فيرميه بالجهل والحمق والجبن والبخل والغدر، وقد يغمز من نسبه ليخرجه من قومه، أو يفضل أقرباءه عليه ليجعل لهم السيادة دونه. ومثل هذا الهجو له تأثير عظيم في نفوسهم، يكبرون أمره ويخشون أصحابه، بخلاف الهجو الذي يهتك حرمات النساء ويصب الشتائم والقبائح؛ فإنهم كانوا يذمون الناطقين به ويمقتونهم. قال خلف الأحمر: «أشد الهجاء أعفه وأصدقه.» ويستحسن فيه ما أخرجه الشاعر مخرج التهكم والتصوير الهزلي؛ فإنه يبلغ مأربه من مهجوه بالطعن عليه، ويضحك منه السامع بسخره وعبثه، وهذا ما نسميه الهجاء اللاذع .
وقد يأتي الهجاء عن دافع شخصي لا بعامل قبلي أو تكسبي، فإن الشاعر ربما نالته أذية من شخص أفرط عليه، فيندفع إلى الانتقام بشعره، وهذا أمر إنساني تمليه العاطفة على صاحبها، فيجد في نفسه حاجة إلى التفريج عنها بذم من ضامه أو أساء إليه، كهجاء المتلمس لعمرو بن هند، وهجاء طرفة له ولأخيه قابوس ثم لصهره عبد عمرو.
وأهاجي الجاهليين كمدائحهم صادقة التعبير عن ذهنية البدو وعاداتهم وتقاليدهم، وما تواضعوا عليه من المذموم والمحمود، وما يقع لهم في ذلك من خلاف وتناقض. فقد كانت القبيلة تعير الأخرى بأن شعراءها يرحلون بمدحاتهم إلى الغرباء، وقلما خلت قبيلة من شاعر يرحل بشعره. فقد فاخر يزيد بن عبد المدان عامر بن الطفيل أن شعراء قومه لا يرحلون بمدائحهم إلى قوم عامر، أما شعراء قوم عامر فيرحلون بمدائحهم إلى قومه، ويعيرون الفارس إذا فر عن عشيرته في الحرب، مع أنهم لا يستنكفون من التمدح بالفرار، إذا كان فيه منجاة للفارس من الموت. قال عمرو بن معدي كرب وهو من الأبطال المعدودين:
ولقد أجمع رجلي بها
حذر الموت وإني لفرور
16
ويقبحون الغدر ويهجونه، قيل إنهم كانوا إذا غدر رجل وأخفر الذمة جعلوا له تمثالا من طين ونصب، وقالوا: ألا إن فلانا غدر فالعنوه! قال عبد الله بن جعدة يهدد قوم الحارث بن ظالم الذي قتل خالد بن جعفر غدرا:
فلنقتلن بخالد سرواتكم
अज्ञात पृष्ठ