उदबा करब फी अक्सुर कब्बासिय्या
أدباء العرب في الأعصر العباسية
शैलियों
لهذه المقامات راوية خيالي يعرف بعيسى بن هشام، رجل أخو سفر، لا يستقر به مكان، وربما اتخذ صفة التجار، أو صفة المكدين. ولها بطل يعرف بأبي الفتح الإسكندري، يظهر في أكثرها، وينقل أخباره عيسى بن هشام. وأبو الفتح هذا رجل خيالي أيضا: «من الثغور الأموية، والبلاد الإسكندرية.»
16
صاحب خبث وحيل، يصطنع جميع المهن التي يحترفها الناس، من أجل الكدية وابتزاز المال. وقلما خلت مقامة من الكدية والاحتيال. وتراه مرة شيخا جليلا وقف في الناس واعظا ينصح ويحذر، ومرة قرادا يسلي الناس ويضحكهم، وأخرى مشعوذا يدعي صنع المعجزات خديعة للقوم الساذجين، فيدر عليه الرزق، وينتفع بشعوذته وخداعه، فهو أشحذ الناس، وأبرعهم تسآلا. وهو إلى ذلك أخطبهم وأشعرهم، وأعرفهم بعلوم عصره. وقد اختلفت أغراض مقاماته وتنوعت أبوابها، فمنها الأدبية كالمقامة الجاحظية، والمقامة القريضية، وفيها رواية وشعر ونقد. ومنها الدينية والخلقية والاجتماعية، فمن شيخ يتظاهر بالتقوى والتنسك ليعطف عليه الناس، ويعطوه. ومتسول يطوف ومعه طفل فصيح يسترق القلوب. وتاجر حديث النعمة، معجب بنفسه، كثير الكلام، يضجر مستمعيه، ومجنون عاقل متبحر في علم الكلام، يرد على أحد شيوخ الاعتزال، وغير ذلك مما يقع بين الناس في مصاحباتهم ومخالفاتهم.
وحوادث هذه المقامات تقع على الغالب في الأمصار المتحضرة، وقلما عني البديع بالكلام على أهل البادية، كما في مقاماته الغيلانية، والأسدية، والبشرية، والفزارية، والأسودية. وهي - في أكثرها - قصيرة ضعيفة الفن القصصي، تكاد تكون غثة باردة، لولا حسن الصياغة، وبراعة التصرف في ضروب الكلام. وأما ما طال منها فإنه جميل موفق كالمقامة المضيرية والبشرية والأسدية وسواها.
وراوية بديع الزمان وبطله لا ينحصران في زمان محدود، فإن عيسى بن هشام يحدثك في المقامة الغيلانية عن الفرزدق وذي الرمة كأنه معاصر لهما. ثم يحدثك في المقامة الحمدانية عن سيف الدولة بن حمدان. ويحدثك عن خلف بن أحمد، وكان واليا على سجستان معاصرا للهمذاني، وقد خصه البديع ببعض مقاماته، وأشاد فيها بذكره وأطراه.
ونحن نجتزئ بتحليل مقامتين من مقاماته، إحداهما المضيرية، وفيها تظهر براعة البديع في الوصف ودقة التصوير، على شيء كثير من السخر وخفة الروح. والأخرى البشرية، وهي التي وفق بها صاحبنا لاختراع شاعر جاهلي تبناه التاريخ من بعده، ألا وهو بشر بن عوانة العبدي.
المقامة المضيرية
17
يستهل البديع هذه المقامة كما يستهل غيرها بإسناد الحديث إلى راويته: «حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت بالبصرة، ومعي أبو الفتح الإسكندري رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه، والبلاغة يأمرها فتطيعه، وحضرنا معه دعوة بعض التجار فقدمت إلينا مضيرة.» وبعد أن وصف المضيرة، وقصعتها، وشغف المدعوين بها، قال: «قام أبو الفتح الإسكندري يلعنها، وصاحبها، ويمقتها، وآكلها ... ورفعناها فارتفعت معها القلوب، وسافرت خلفها العيون، وتحلبت لها الأفواه، وتلمظت
18
अज्ञात पृष्ठ