उदबा करब फी अक्सुर कब्बासिय्या
أدباء العرب في الأعصر العباسية
शैलियों
فأنت الذي صيرتهم لي حسدا
14
وكان أشد خصومه لددا أبو فراس الحمداني، وابن خالويه مؤدب سيف الدولة؛ فإن أبا فراس - وهو شاعر وأمير - كان يتأذى من شهرة أبي الطيب المتنبي، وتقديم سيف الدولة له، ويغيظه أن يعرض أبو الطيب عنه فما يخصه بمديح. ولا يعتد بقول الثعالبي إنه لم يمدحه تهيبا له وإجلالا، لا إغفالا وإخلالا؛ فإن شاعر سيف الدولة لو شاء لاستطاع أن يمدح أبا فراس وهو دون الملك مقاما، وهيبة وجلالا، لكنه ترفع عنه كما ترفع عن غيره، واكتفى بسيف الدولة لا يمدح سواه. فكرهه أبو فراس، وتمنى إسقاطه، وخضد كبرياءه، فطفق يضافر الشعراء على ثلبه، ويلوم ابن عمه على تقديمه فيقول: «إن هذا المتشدق كثير الإدلال عليك، وأنت تعطيه كل سنة ثلاثة آلاف دينار على ثلاث قصائد، ويمكن أن تفرق مائتي دينار على عشرين شاعرا يأتون بما هو خير من شعره.» وما زال به يعضده سائر خصوم المتنبي من شعراء وعلماء حتى تغير قلب الأمير عليه، فجعل يجفوه مرة، ويرضى عنه أخرى، وربما دخل عليه فتنكر له، ورد السلام مختصرا. وجفاه مرة، فعاتبه الشاعر، فلم ينظر إليه سيف الدولة كعادته، فخرج متغيرا وانقطع عن نظم الشعر. وكان سيف الدولة إذا تأخر عنه مدحه شق عليه وأكثر أذاه، وأحضر من لا خير فيه، وتقدم إليه بالتعرض له في مجلسه بما لا يحب، فلا يجيب أبو الطيب، فيزيد ذلك في غيظ سيف الدولة ويتمادى أبو الطيب في ترك قول الشعر، ويلج سيف الدولة فيما كان يفعله، إلى أن كبر الأمر على الشاعر فنظم ميميته الخالدة التي أولها:
وا حر قلباه ممن قلبه شبم
ومن بجسمي وحالي عنده سقم!
15
وكان أبو فراس حاضرا ساعة إنشادها، فانبرى ينتقدها، ويبين سرقات أبي الطيب فيها، وأبو الطيب يتابع القول ولا يرد عليه ويبالغ في الكبر والصلف حتى إنه لم يبال أن يتناوله بشعره، ويعرض به، وأن يفتخر على جميع من حضر مجلس الأمير، فضجر سيف الدولة منه، واستاء من دعاويه وعجرفته، فضربه بدواة بين يديه، فلم يهلع الشاعر، بل ظل رابط الجأش، حاضر الذهن، فارتجل هذا البيت الشرود:
إن كان سركم ما قال حاسدنا
فما لجرح إذا أرضاكم ألم
وتابع أبو فراس نقده، فلم يلتفت سيف الدولة إلى قوله، وأعجبه بيت المتنبي، ورضي عنه، وأدناه إليه، وقبله، وأجازه بألف دينار، ثم أردفها بألف أخرى.
अज्ञात पृष्ठ