Types of Patience and Its Domains
أنواع الصبر ومجالاته
प्रकाशक
مطبعة سفير
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
أنواع الصبر ومجالاته
مفهومٌ، وأهميَّةٌ، وطرُقٌ، وتحصيْلٌ
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
अज्ञात पृष्ठ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «أنواع الصبر ومجالاته» اختصرته من كتابي: «مقومات الداعية الناجح» بيَّنت فيه: مفهوم الصبر، وأهميته، ومكانته في الدعوة إلى الله تعالى، ومجالاته، وأحكام الصبر، وأنواعه، وأوضحت صورًا من مواقف تطبيق الصبر والشجاعة، وبيّنت طرق تحصيل الصبر التي من عمل بها رُزق الصبر والاحتساب، والثواب ووفِّي أجره بغير حساب، والله تعالى أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبي ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
المؤلف: أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد عصر يوم الأحد الموافق ٨/ ١٠/١٤٢٢هـ
1 / 3
المبحث الأول: مفهوم الصبر
الصبر لغة: الحبس والمنع، وهو ضدّ الجزع، ويقال: صبر صبرًا: تجلَّد ولم يجزع، وصبر: انتظر، وصبّر نفسه: حبسها وضبطها، وصبر فلانًا: حبسه، وصبرت صبرًا: حبست النفس عن الجزع، وسُمّي الصوم صبرًا لما فيه من حبس النفس عن الطعام، والشراب، والنكاح (١).
فتبين بذلك أن الصبر هو: منع وحبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكِّي، والجوارح عن التشْويش: كلطم الخدود، وشقّ الجيوب ونحوهما (٢).
وحقيقة الصبر: هو خُلُقٌ فاضل من أخلاق النفس يمنع صاحبه من فعل ما لا يَحْسُنُ، ولا يجمل، وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها، وقوام أمرها (٣).
وهذه القوة تمكِّن الإنسان من ضبط نفسه لتحمّل المتاعب، والمشاق، والآلام (٤).
_________
(١) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، ٣/ ٧،والمصباح المنير،١/ ٣٣١،والقاموس المحيط، ص٥٤٠،ومختار الصحاح، ص١٤٥،والقاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، ص٢٠٦.
(٢) انظر: عدة الصابرين لابن القيم، ص٢٧، ومدارج السالكين، ٢/ ١٥٦، وطريق الهجرتين لابن القيم، ص٤٣٧.
(٣) انظر: عدة الصابرين، ص٢٩.
(٤) انظر: الأخلاق الإسلامية للميداني، ٢/ ٣٠٥.
1 / 4
المبحث الثاني: أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى
الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أهم المهمات، ومن أعظم الواجبات على الدعاة إلى الله ﷾، والصبر وإن كان واجبًا بأنواعه على كل مسلم، فإنه على الدعاة إلى الله من باب أولى وأولى؛ ولهذا أمر الله به إمام الدعاة وقدوتهم رسول الله ﵊: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِالله وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (٣)، فهذا سيد ولد آدم ﷺ قد أمره الله بالصبر، وأتباعه من باب أولى.
والله ﷿ قد أوضح للناس أنه لابد من الابتلاء، والاختبار، والامتحان لعباده، وخاصة الدعاة إلى الله تعالى؛ ليظهر الصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، والصابر من غيره، وهذه سنة الله في خلقه، قال سبحانه: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ (٤)، وقال ﷿: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ
_________
(١) سورة النحل، الآيتان: ١٢٧، ١٢٨.
(٢) سورة الأحقاف، الآية: ٣٥.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٣٤.
(٤) سورة العنكبوت، الآيات: ١ - ٣.
1 / 5
وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ (١).
وقال ﵊: «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه ...» (٢).
وقد ذم الله ﷿ من لم يصبر على الأذى من أجل الدعوة إلى الله فقال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله فَإِذَا أُوذِيَ فِي الله جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ الله﴾ (٣)؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ﴾ (٤)، وقال تعالى: ﴿مَّا كَانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (٥).
وتبرز أهمية الصبر في الدعوة إلى الله ﷿ في عدة أمور، منها:
أولًا: إن الابتلاء للدعاة إلى الله لابد منه، فلو سلم أحد من الأذى لسلم
_________
(١) سورة محمد، الآية: ٣١.
(٢) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم ٢٣٩٨، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم ٤٠٢٣، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٥٦٥، وأحمد في المسند، والحاكم عن أبي سعيد الخدري ﵁ بإسناد صحيح، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، ١/ ٦٥، برقم ١٤٣.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: ١٠.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢١٤.
(٥) سورة آل عمران، الآية: ١٧٩.
1 / 6
رسل الله عليهم الصلاة والسلام وعلى رأسهم إمامهم محمد بن عبد الله عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فقد أُوذوا فصبروا، وجاهدوا حتى نصرهم الله على أعداء الدعوة إلى الله تعالى، ولاشك أن كل داعية مخلص يصيبه الأذى، وإن سلم أحد فذلك من أندر النوادر.
ثانيًا: الصبر يحتاجه الداعية في دعوته إلى الله في ثلاثة أحوال:
١ - قبل الدعوة بتصحيح النية والإخلاص، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، وعقد العزم على الوفاء بالواجب.
٢ - أثناء الدعوة، فيلازم الصبر عن دواعي التقصير والتفريط، ويلازم الصبر على استصحاب ذكر النية، وعلى حضور القلب بين يدي الله تعالى، ولا ينساه في أمره.
٣ - بعد الدعوة، وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أن يُصبِّر نفسه عن الإتيان بما يُبطل عمله، فليس الشأن الإتيان بالطاعة، وإنما الشأن في حفظها مما يبطلها.
الوجه الثاني: أن يصبر عن رؤيتها والعجب بها، والتكبر، والتعظم بها.
الوجه الثالث: أن يصبر عن نقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية، فإن العبد يعمل العمل سرًّا بينه وبين الله سبحانه فيكتب في ديوان السر، فإن تحدث به نُقل إلى ديوان العلانية (١).
ثالثًا: الصبر في الدعوة إلى الله ﷿ بمثابة الرأس من الجسد، فلا دعوة
_________
(١) عدة الصابرين، ص٩٠.
1 / 7
لمن لا صبر له كما أنه لا جسد لمن لا رأس له، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما أنه لا جسد لمن لا رأس له» (١)، فإذا كان ذلك في الإيمان فالصبر في الدعوة إلى الله تعالى من باب أولى.
رابعًا: الصبر في الدعوة إلى الله تعالى من أعظم أركان السعادة الأربعة قال ﷾: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (٢)، كما قال ذلك سماحة العلامة ابن باز رحمه الله تعالى.
خامسًا: الصبر من أعظم أركان الخُلق الحسن الذي يحتاجه كل مسلم عامة وكل داعية إلى الله تعالى خاصة، وقد أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى (٣).
سادسًا: الصبر في الدعوة إلى الله من أهم المهمات؛ ولهذا ذكره الله ﷿ في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعًا كما قال الإمام أحمد (٤).
سابعًا: الصبر في الدعوة إلى الله ﷿ من أعظم القربات ومن أجل الهبات ولم أعلم -على قلة علمي - أن هناك شيئًا غير الصبر يُجازى
_________
(١) هذا مقتبس من كلام علي بن أبي طالب ﵁،حيث قال: «ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» ثم رفع صوته فقال: «ألا لا إيمان لمن لا صبر له» انظر فتاوى ابن تيمية،١٠/ ٤.
(٢) سورة العصر.
(٣) انظر: مدارج السالكين، ٢/ ٣٠٨.
(٤) المرجع السابق، ٢/ ١٥٢.
1 / 8
ويثاب عليه العبد بغير حساب قال الله ﷿: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (١)، اللهم إلا الصيام فإن الصيام من الصبر.
ثامنًا: الدعوة إلى الله سبيلها طويل تحف به المتاعب والآلام؛ لأن الدعاة إلى الله يطلبون من الناس أن يتركوا أهواءهم وشهواتهم التي لا يرضاها الله ﷿، وينقادوا لأوامر الله، ويقفوا عند حدوده، ويعملوا بشرائعه التي شرع، فيتخذ أعداء الدعوة من هذه الدعوة عدوًا يحاربونه بكل سلاح، وأمام هذه القوة لا يجد الدعاة مفرًّا من الاعتصام باليقين والصبر؛ لأن الصبر سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، ونور لا يخبو.
تاسعًا: الصبر في مقام الدعوة إلى الله تعالى هو وصف الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وعليه مدار نجاح دعوتهم إلى الله تعالى، ولاشك أن الداعية إذا فقد الصبر كان كمن يريد السفر في بحر لُجِّي بغير مركب ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ﴾ (٢)؛ ولهذا أوصى به الحكماء من أتباع الأنبياء، فهذا لقمان الحكيم عندما أوصى ابنه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرن ذلك بالصبر ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (٣)، فهو عندما أمره بتكميل نفسه بطاعة الله أمره أن يكمّل غيره وأن يصبر على ما ينزل به من
_________
(١) سورة الزمر، الآية: ١٠.
(٢) سورة الروم، الآية: ٦٠.
(٣) سورة لقمان، الآية: ١٧.
1 / 9
الشدائد والابتلاء.
عاشرًا: الداعية إلى الله ﷿ لا يكون قدوة في الخير مطلقًا إلا بالصبر والثبات عليه، كما قال سبحانه في صفات عباد الرحمن: ﴿... وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (١)، وهذه الإمامة في الدين لا تحصل قطعًا إلا بالصبر، فقد جعل الله الإمامة في الدين موروثة بالصبر واليقين ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (٢)، فإن الدين كله علم بالحق وعمل به، والعمل به لابد فيه من صبر، والداعية لابد له من أن يعلم الحق ويعمل به حتى يقوم بالدعوة، ولا يقوم بالدعوة إلا بالصبر على ما أصابه.
الحادي عشر: الصبر ينتصر به الداعية على عدوه - مع الأخذ بالأسباب - من الكفار والمنافقين، والمعاندين، وعلى من ظلمه من المسلمين ولصاحبه تكون العاقبة الحميدة، قال ﷿: ﴿... وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (٣)، وقال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (٤)، وحكى الله عن يوسف ﵊ قوله
_________
(١) سورة الفرقان، الآية: ٧٤.
(٢) سورة السجدة، الآية: ٢٤.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ١٢٠.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٨٦.
1 / 10
وبأي شيء نال النصر والتمكين، فقال لإخوته حينما سألوه: ﴿أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (١)، ولابد بعون الله وتوفيقه من النصر للداعية المتقي الصابر العامل بما أمره ربه، ومن ذلك الأخذ بجميع الأسباب المشروعة ﴿وَاصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (٢).
الثاني عشر: الصبر من أهم المهمات للداعية؛ لأنه لا يكون داعية مُوَفَّقًا إلا إذا كان صابرًا على دعوته وما يدعو إليه، صابرًا على ما يعترض دعوته من معارضات، صابرًا على ما يعترضه هو من أذى.
الثالث عشر: الصبر يشتمل على أكثر مكارم الأخلاق، فيدخل فيه الحلم؛ فإنه صبر عن دواعي الانتقام عند الغضب، والأناة: صبر عن إجابة دواعي العجلة، والعفو والصفح صبر عن إجابة دواعي الانتقام، والجود والكرم صبر عن إجابة دواعي الإمساك، والكيس: صبر عن إجابة دواعي الكسل والخمول، والعدل صبر إذا تعلق بالتسوية بين المتماثلين، وسعة الصدر صبر عن الضجر، والكتمان وحفظ السر صبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره، والشجاعة صبر عن إجابة دواعي الفرار، وهذا يدل على أهمية الصبر في الدعوة إلى الله تعالى، وأن الداعية لا يسعه أن يستغني عنه في جميع أحواله.
الرابع عشر: الصبر نصف الإيمان: فالإيمان نصفان: نصف صبر ونصف
_________
(١) سورة يوسف، الآية: ٩٠.
(٢) سورة هود، الآية: ١١٥.
1 / 11
شكر، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ (١). وقال النبي ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له ...» (٢).
الخامس عشر: الصبر سبب حصول كل كمال، فأكمل الخلق أصبرهم؛ لأن كمال الصبر بالعزيمة والثبات، فمن لم يكن له عزيمة فهو ناقص، ومن كان له عزيمة ولكن لا ثبات له عليها فهو ناقص، فإذا انضم الثبات إلى العزيمة أثمر كل مقام شريف وحالٍ كامل، ولهذا يُرْوَى: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد» (٣)، وشجرة الثبات والعزيمة لا تقوم إلا على ساق الصبر (٤).
السادس عشر: الصبر يجعل الداعية إلى الله ﷿ يضبط نفسه عن أمور لابد له من الابتعاد عنها، ومنها: ضبط النفس عن الاندفاع بعوامل الضجر، والجزع، والسأم، والملل، والعجلة، والرعونة، والغضب، والطيش، والخوف، والطمع، والأهواء، والشهوات، وبالصبر يتمكن الداعية أن يضع الأشياء مواضعها، ويتصرف في الأمور بعقل واتِّزان، وينفِّذ ما يريد من تصرف في الزمن المناسب بالطريقة المناسبة الحكيمة،
_________
(١) سورة إبراهيم، الآية: ٥.
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، برقم ٢٩٩٩.
(٣) الترمذي، كتاب الدعوات، باب منه، برقم ٣٤٠٧، ٥/ ٤٧٦، والنسائي، كتاب السهو، باب نوع آخر من الدعاء، برقم ١٣٠٤، ٣/ ٥٤، وأحمد في المسند، ٤/ ١٢٥.
(٤) انظر: طريق الهجرتين وباب السعادتين، لابن القيم، ص٤٤٠.
1 / 12
وعلى الوجه المناسب، بخلاف عدم الصبر الذي يوقع في التسرع والعجلة، فيضع الداعية الأشياء في غير مواضعها، ويتصرف فيخطئ في تحديد الزمان، ويسيء في طريقة التنفيذ، وربما يكون صاحب حق فيكون مفسدًا، ولو أنه اعتصم بالصبر لسلم من ذلك كله بإذن الله تعالى (١)، وبهذا يتضح أن الصبر ضروري للداعية يتسلح به ويتصف به في محاور ثلاثة:
المحور الأول: الصبر على طاعة الله والدعوة إليه.
المحور الثاني: الصبر عن محارم الله.
المحور الثالث: الصبر على أقدار الله المؤلمة.
وكل هذه المحاور الثلاثة لها ارتباط وثيق بوظيفة الدعوة إلى الله ﷿؛ لأنها تجعل الداعية قدوة حسنة لغيره من الناس (٢).
السابع عشر: الصبر ذو مقام كريم وخلق عظيم؛ ولهذا قرنه الله بالقيم العليا في الإسلام، ومن هذه القيم التي قرنه بها ما يأتي:
١ - قرنه باليقين ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (٣).
٢ - ربطه الله تعالى بالشكر في أربع سور ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ
_________
(١) انظر: عدة الصابرين لابن القيم، ص١٤٠،والأخلاق الإسلامية وأسسها للميداني،٢/ ٣٠٥،و٣٢٩.
(٢) انظر: المرأة المسلمة المعاصرة، إعدادها ومسؤوليتها في الدعوة، للدكتور: أحمد أبا بطين،
ص٢١٠.
(٣) سورة السجدة، الآية: ٢٤.
1 / 13
شَكُورٍ﴾ (١).
٣ - جمعه مع التوكل ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (٢).
٤ - قرنه بالصلاة ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (٣).
٥ - قرنه بالتسبيح والاستغفار ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾ (٤).
٦ - جمعه مع الجهاد ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (٥).
٧ - ربطه بالتقوى ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ (٦).
٨ - ربطه بالحق ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (٧).
٩ - قرنه بالرحمة: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ (٨).
الثامن عشر: رتَّب الله تعالى خيرات الدنيا والآخرة على الصبر ومن ذلك:
١ - معيَّة الله مع الصابرين ﴿إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (٩).
_________
(١) سورة إبراهيم، الآية: ٥، وسورة لقمان، الآية: ٣١، وسورة سبأ، الآية: ١٩، وسورة الشورى، الآية: ٣٣.
(٢) سورة النحل، الآية: ٤٢.
(٣) سورة، البقرة، الآية: ١٥٣.
(٤) سورة الطور، الآية: ٤٨.
(٥) سورة النحل، الآية: ١١٠.
(٦) سورة آل عمران، الآية: ١٨٦.
(٧) سورة العصر، الآية: ٣.
(٨) سورة البلد، الآية: ١٧.
(٩) سورة البقرة، الآية: ١٥٣.
1 / 14
٢ - محبَّة الله للصابرين ﴿وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (١).
٣ - صلوات الله ورحمته على الصابرين ﴿... وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (٢).
٤ - ضمان النصر والمدد للصابرين ﴿بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ الله إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (٣).
٥ - الحفظ من كيد الأعداء ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (٤).
٦ - استحقاق دخول الجنة ﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾ (٥).
وهذه الفضائل قليل من كثير، ولله دَرُّ القائل:
الصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٤٦.
(٢) سورة البقرة، الآيات: ١٥٥ - ١٥٧.
(٣) سورة آل عمران، الآيتان: ١٢٥ - ١٢٦.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٢٠.
(٥) سورة الفرقان، الآية: ٧٥.
1 / 15
المبحث الثالث: مجالات الصبر
للصبر مجالات كثيرة في حياة الإنسان منها المجالات الآتية:
المجال الأول: ضبط النفس عن السأم والملل عند القيام بالأعمال التي تتطلب الصبر والمثابرة خلال مدة مناسبة قد يراها المستعجل مدة طويلة.
المجال الثاني: ضبط النفس عن الضجر والجزع عند حلول المصائب والمكاره.
المجال الثالث: ضبط النفس عن العجلة والرعونة عند تحقيق مطلب من المطالب المادية أو المعنوية.
المجال الرابع: ضبط النفس عن الغضب، والطيش عند مثيرات عوامل الغضب في النفس، ومحرضات الإرادة للاندفاع بطيش لا حكمة فيه ولا اتّزان في القول أو في العمل.
المجال الخامس: ضبط النفس عن الخوف عند مثيرات الخوف في النفس، حتى لا يجبن الإنسان في المواضع التي تحسن فيها الشجاعة، وتكون خيرًا، ويقبح فيها الجبن ويكون شرًا.
المجال السادس: ضبط النفس عن الطمع عند مثيرات الطمع حتى لا يندفع الإنسان وراء الطمع في أمرٍ يقبح الطمع فيه.
المجال السابع: ضبط النفس عن الاندفاع وراء أهوائها، وشهواتها وغرائزها كلما كان هذا الاندفاع أمرًا لا خير فيه.
المجدال الثامن: ضبط النفس لتحمل المتاعب، والمشاقّ، والآلام الجسدية والنفسية كلما كان في هذا التحمل خير عاجل أو آجل.
وحين يتأمل المسلم في المجالات التي تحتاج إلى صبر في حياة الإنسان
1 / 16
يتبيّن له أن الصبر ضرورة لكل عمل نافع: فكسب الرزق يحتاج إلى صبر، ومعاملة الناس تحتاج إلى صبر، والقيام بالواجبات والمستحبات يحتاج إلى صبر، والكفّ عن المحرمات والمكروهات يحتاج إلى صبر، والجهاد في سبيل الله يحتاج إلى صبر، ومقارعة شدائد الحياة ومقاومة مكارهها وتحمل تكاليفها يحتاج إلى صبر، والدراسة والبحث العلمي والاجتهاد في استخراج الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية أمور تحتاج إلى صبر جميل، فلا يقوم بها إلا كل صابر، وكظم الغيظ والدفع بالتي هي أحسن أمور تحتاج إلى حظ عظيم من خلق الصبر (١).
والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتربية الأسرة المسلمة تربية إسلامية أمور تحتاج إلى صبر عظيم.
فتبين بذلك أن الإنسان لا يستغني عن الصبر في حال من أحواله؛ لأنه بين أمر يجب عليه تنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه (٢).
فالصبر ضرورة لازمة للإنسان ليبلغ آماله، وتنجح مقاصده، فمن صبر ظفر، فكل الناجحين في الدنيا والآخرة إنما حققوا آمالهم بالله ثم بالصبر، ولله درُّ أبي يعلى الموصلي القائل:
إني رأيتُ وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقلَّ من جدَّ في أمرٍ يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر (٣)
_________
(١) انظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها للميداني، ٢/ ٣٠٦، و٣١٩.
(٢) انظر: عدة الصابرين لابن القيم، ص٨٧.
(٣) انظر: الصبر الجميل لسليم الهلالي، ص ١٥ - ١٦.
1 / 17
المبحث الرابع: حكم الصبر
ذكر الإمام ابن القيم أن الصبر واجب بإجماع الأئمة (١)، ويقصد بذلك ﵀ الصبر الواجب؛ فإن الصبر ينقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: صبر واجب: كالصبر على الطاعات، والصبر عن المحرّمات، والصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها: كالأمراض، والفقر، وفقد الأنفس والأموال وغيرها.
القسم الثاني: صبر مندوب: كالصبر عن المكروهات، والصبر على المستحبات.
القسم الثالث: صبر محرم: كالصبر على المحرّمات: كمن يصبر عن الطعام والشراب حتى يموت أو يصبر على ما يهلكه من سبع أو حية، أو حريق أو ماء، وهو يستطيع مدافعة ذلك بالأسباب النافعة.
القسم الرابع: صبر مكروه: كمن يصبر عن الطعام والشراب حتى يتضرر بذلك بدنه.
القسم الخامس: صبر مباح: وهو الصبر عن كل فعلٍ مستوي الطرفين خُيِّر بين فعله وتركه.
وبالجملة: فالصبر على الواجب واجب، وعن الواجب حرام.
_________
(١) انظر: عدة الصابرين لابن القيم مع الأمثلة لكل نوع، ص٥٠ - ٥٢، والصبر في ضوء الكتاب والسنة، مجلة دعوة الحق، العدد ٥٤، ص٧٥ - ٩٠، مع الأمثلة بتوسع لكل نوع، ومدارج السالكين، ٢/ ١٥٢.
1 / 18
والصبر عن الحرام واجب، وعليه حرام.
والصبر عن المكروه مستحب، وعليه مكروه.
والصبر على المستحبّ مستحبٌّ، وعنه مكروه.
والصبر عن المباح مباح، وعليه مباح. والله أعلم.
والصبر المحمود والمأجور عليه صاحبه هو ما اشتمل على شروط ثلاثة:
١ - الإخلاص لله ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾ (١).
٢ - عدم الشكوى إلى العباد.
٣ - أن يكون الصبر في أوانه عند الصدمة الأولى (٢).
_________
(١) سورة المدثر، الآية: ٧.
(٢) انظر: الصبر الجميل، ص٢٧ - ٢٩.
1 / 19
المبحث الخامس: أنواع الصبر
سبق في أقسام الصبر باعتبار تعلق الأحكام الخمسة به أن الصبر الواجب ثلاثة أنواع هي: صبر على طاعة الله وأداء الواجبات، وصبر عن المعاصي والمحرمات، وصبر على المصائب والبليات وأقدار الله المؤلمة. وسأبين ذلك بشيء من التفصيل في المطالب الآتية:
المطلب الأول: الصبر على طاعة الله
الطريق إلى الله تعالى مليئة بالعوائق؛ لأن النفس بطبعها تنفر من القيود، والعبودية لله قيد لشهوات النفس؛ ولذلك فالنفس لا تستقيم على أمر الله بيسر وسهولة، فلابد من ترويضها، وكبح جماحها، وهذا يحتاج إلى اصطبار.
قال تعالى: ﴿رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ (١).
وقال جل ثناؤه: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ (٢).
والصبر على الطاعة يتكون من ثلاث شعب:
الأولى: صبر قبل الطاعة بتصحيح النية، والإخلاص، والتبرؤ من شوائب الرياء.
_________
(١) سورة مريم، الآية: ٦٥.
(٢) سورة طه، الآية: ١٣٢.
1 / 20
قال تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ (١).
فقدم الله ﷾ الصبر على العمل.
الثانية: الصبر حال الطاعة حيث لا يغفل عنها أثناء تأديتها، ولا يتكاسل، فيأتي بها على أكمل وجه مشروع متّبعًا ما بينه الرسول ﷺ حذو القُذَّة بالقُذَّة.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ (٢).
الثالثة: الصبر بعد العمل، فلا ينظر لنفسه بعين العجب، فيتظاهر بما قدَّم سمعةً ورياءً؛ لئلا يحبط عمله ويبطل أجره، ويمحو أثره.
والصبر على الدعوة إلى الله من أعظم الطاعات؛ فإن الدعوة إلى الله سبيلها طويل، تحف به المتاعب والآلام، وذلك أن الدعاة يطلبون من الناس أن يطلِّقوا أهواءهم، وينحروا أوهامهم، ويثوروا على شهواتهم، ويقفوا عند حدود الله أمرًا ونهيًا.
وأكثر الناس لا يؤمنون بهذا النمط الجديد، فيتخذون من هذه الدعوة عدوًا يحاربونه بكل سلاح.
_________
(١) سورة هود، الآية: ١١.
(٢) سورة العنكبوت، الآيتان: ٥٨ - ٥٩.
1 / 21