विरासत और नवीनीकरण: हमारा पुरानी विरासत से स्थिति
التراث والتجديد: موقفنا من التراث القديم
शैलियों
وقد يكون السبب الرئيسي هو البيئة الأوروبية نفسها التي تربى فيها المستشرق، والتي أخذ منها مناهجه؛ وذلك لأن البيئة الأوروبية نفسها قد مرت بظروف خاصة حددتها طبيعة مصدرها، وتطور حضارتها، ومنذ عصر النهضة وإبان العصر الحديث تطورت الحضارة بفعل قوة الرفض للقديم بعد أن عانت منه تاريخيا وفكريا وإنسانيا وعقليا واجتماعيا، ورفض كل مصدر سابق للمعرفة نظرا لخيبة الأمل التي حصلت من كشف أخطاء الموروث وكل مصدر سابق للمعرفة باسم الوحي أو الدين أو الحدس أو المثال، أو استبدال بذلك كله الإيمان المطلق بالعقل البشري وقدرته، وبالثقة التي لا حدود لها بالفكر الإنساني وإمكانية وصوله إلى الحقيقة بالجهد الإنساني وإمكانية وصوله بنفسه دون الاعتماد على أي مصدر مسبق. والفكر الإنساني بالرغم من أنه باستطاعته الوصول إلى الحقيقة بمحض الجهد الإنساني إلا أنه قد تكون في ظروف هيأت لظهوره؛ ولهذا قامت المذاهب المادية على شتى أنواعها؛ حسية، وشكية، ونسبية، وتطورية، واجتماعية، وجغرافية، وتاريخية، وفردية، تخلط بين الفكر والظروف التي هيأت لظهوره، وتدرس الظروف التي هيأت لنشأة الأفكار، كما اتضح أخيرا في فلسفة تصورات العالم وفي علم اجتماع المعرفة. كل فكر أصبح تاريخا، وكل وحي أصبح من نتائج البيئة وفعل الأساطير وإسقاط الشعوب، وكل قيمة أصبحت متغيرة خاضعة لتحديات الزمان والمكان، كل شيء يتغير ولا ثبات هناك إلا التغير نفسه،
4
وأصبح من السهولة بمكان إعادة تفسير الحضارة الأوروبية والمذاهب التي نشأت فيها بالرجوع إلى ظروفها التاريخية، ثم يتحول ذلك إلى عادة تطبع عقليات الباحثين الأوروبيين، يعممونها في كل حضارة حتى تلك التي لم يحدث فيها بعد هذا الرفض للموروث القديم كما حدث في الحضارة الأوروبية. في تلك البيئة درس المستشرق، فهو باحث أوروبي بثقافته وتكوينه، وبطبعه ومزاجه، وهو باحث أوروبي إذ لم يستطع أن يتخلص من تحيزات بيئته الثقافية، ولم يستطع تجاوزها وتحييد أحكامها، وعدم الوقوع في أخطائها، وربما يصعب ذلك للغاية ولا يقدر عليه إلا باحث غير أوروبي استطاع أن يعي حضارته ويدرس الحضارة الأوروبية بإرجاعها إلى بيئتها وظروفها التاريخية دون أن تصيبه عدواها.
لذلك فإن دراسات المستشرقين ليست «دراسات موضوعات» بل «موضوعات دراسة»، أي أنه لا يمكن استعمالها كمصادر علمية أو كبراهين يمكن الاستدلال بها والاعتماد عليها قبل تمحيصها أولا والتحقق من صدقها، وبيان ما يرجع منها للباحث المستشرق بتكوينه وثقافته ومزاجه وما يرجع منها إلى الظاهرة نفسها، وإبعاد كل التحليلات التي من شأنها إما القضاء عليها أو إفراغها من مضمونها أو تحليلها تحليلا صناعيا أو إرجاعها كلية إلى التاريخ، ونظرا لطول المهمة ونشأة الاستشراق منذ بداية العصر الحديث فإن دراساتهم تصبح موضوع دراسة مستقل، إذ إن الجهد المبذول في تمحصيها يكون أكثر بكثير من النتيجة التي يمكن الحصول عليها منها والاستفادة بها، وتكون النتائج التي تدل على موقف المستشرق بالنسبة للظاهرة ومنهجه في دراستها أكثر وأعظم وأدل؛
5
لذلك، فالاستشراق ليس جزءا من الحضارة الإسلامية ولا يرتبط بها ولا يفيد شيئا، بل هو جزء من الحضارة الغربية يكشف عن تكوين الباحث الأوروبي ومزاجه، ويكشف عن حقيقة ما يسمى بالموضوعية أو العلمية، كما يبين عمل شعور الباحث الأوروبي في دراساته لحضارات أخرى غير حضارته ويعرض تحيزاته.
6
ولما ظهرت معظم المناهج الاستشراقية في القرن التاسع عشر الأوروبي فقد سادها المذهب الوضعي السائد، فخرجت وضعية تاريخية إلى أقصى حد، واستقر المستشرق في القرن العشرين على هذا المذهب ولم يفارقه، أصبح متخلفا عن زميله الباحث الأوروبي في العلوم الإنسانية، وإذا كان الباحثون الأوروبيون قد ثاروا على المناهج الوضعية في القرن التاسع عشر، فإن زملاءهم المستشرقين لم يفعلوا بالمثل، وظلوا متخلفين فكريا ومنهجيا؛ لأن الدوافع ثابتة، وأهداف الاستشراق لم تتغير، ووجدوا المناهج الوضعية في القرن التاسع عشر أكثر استعدادا لتحقيق هذه الأهداف، ولم يخرج على هذا إلا القليل الذي تابع تطور مناهج العلوم الإنسانية.
7
ويمكن الكشف عن النعرة العلمية في مناهج أربعة يستعملها المستشرقون إما على حدة أو مجتمعة، وهي إما شعورية يعيها المستشرقون أو لا شعورية كامنة وراء عمل المستشرق وتحدد اتجاهاته أمام الظاهرة.
अज्ञात पृष्ठ