क्लासिकी धरोहर: एक बहुत ही संक्षिप्त परिचय
التراث الكلاسيكي: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
ومن قبيل المفارقة أن هذا يمنح أهمية أكبر، لا أقل، لقراءتنا للنصوص القديمة. فما يجعل ثقافة الحضارتين الكلاسيكيتين (اليونان وروما) في نظرنا أكثر جاذبية وتحديا من أي حضارة قديمة أخرى ليس فقط الجاذبية المستمرة لدراما هاتين الحضارتين أو جمال أعمالهما الفنية، وإنما الأمر متعلق بالأساس بحقيقة أن الكتاب الإغريق والرومان ناقشوا ثقافتهم وتجادلوا بشأنها وعرفوها، وأننا لا نزال نستطيع قراءة النصوص التي فعلوا فيها هذا. وهكذا، على سبيل المثال، فسر هيرودوت، المكنى «أبا التاريخ»، للمدن اليونانية في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد أن انتصارهم الجماعي على غزو ملك الفرس ينبغي عزوه إلى التنوع الذي أسهمت به كل مدينة من تلك المدن؛ إلى اختلافاتها (في السياسة والثقافة) بقدر ما يعزى إلى تشابهها، وأنها وجدت قضيتها المشتركة في رفضها أن تتخلى عن استقلالها لغاز غير يوناني من الشرق. وفي القرن الثاني قبل الميلاد، شرع المؤرخ اليوناني بوليبيوس، الذي أخذ أسير حرب إلى روما، في تفسير الكيفية والأسباب التي وقفت خلف هيمنة روما على منطقة البحر المتوسط بأكملها. بيد أن التأملات الذاتية من هذا النوع تجري خفية بين سطور الكثير من الكتابات اليونانية والرومانية. فمثلا، عندما يتحول الكتاب الرومان إلى وصف ثقافات الأمم التي غزتها روما، فإننا نجدهم منخرطين مرارا وتكرارا في عملية تعريف (ضمنية على الأقل) لطبيعة ثقافتهم هم. فحين حاول يوليوس قيصر أن يصف مدى اختلاف أهل بلاد الغال عن الرومان، كان توصيفه بمنزلة تأمل ضمني في شخصية روما نفسها.
حين نقرأ النصوص القديمة نحن ننخرط لا محالة في «نقاش» مع الكتاب القدماء الذين كانوا هم أنفسهم يتناقشون حول ثقافتهم. من الملائم بالطبع أن «نعجب» ببعض الأدب القديم، ولا محالة أيضا من أن نستخدم النصوص القديمة من أجل استعادة «معلومات» بشأن العالم القديم. وبغض النظر عما قد نرى في هذه الكتابات من انعدام للمصداقية، فلا يمكننا أن نأمل في أن نعرف الكثير عن العالم القديم من دون هذه الكتابات. لكن دراسة التراث الكلاسيكي تتجاوز هذا بكثير؛ فهي انخراط في ثقافة كانت بالفعل منخرطة في عملية من التدبر والنقاش والدراسة سواء لنفسها أو لمسألة ما يجب أن تكون عليه الثقافة. إن خبرتنا بباساي مطمرة داخل تقليد من الملاحظة والتفكير بشأن ذلك الموقع، وهو تقليد يمتد زمنيا بما يتجاوز بكثير «اكتشاف» القرن التاسع عشر وصولا إلى العالم القديم ذاته.
جزء من «النقاش» الوارد في كتابات باوسانياس يتعلق بطبيعة الثقافة الإغريقية في الإمبراطورية الرومانية، وكذلك أيضا بالعلاقة بين اليونان وروما. ناقشنا بالفعل في الفصل الثاني كيف أدرك الكتاب الرومان دينهم الذي يدينون به لليونان، وكيف عرفت الثقافة الرومانية نفسها (وجرى تعريفها كثيرا في العالم الحديث) بوصفها ثقافة طفيلية اقتاتت على أصولها اليونانية. ومن المفترض أن يكون جليا الآن أن العلاقة أكثر تعقيدا بقليل مما تبدو عليه من الوهلة الأولى. بعبارة أخرى، قد تكون الثقافة الرومانية تابعة للثقافة اليونانية، لكن في الوقت نفسه، السواد الأعظم من معرفتنا باليونان جرى توصيله عن طريق روما والتمثيلات الرومانية للثقافة اليونانية. فاليونان تأتينا دوما عبر عيون رومانية.
تتخذ الرؤى الرومانية لليونان أشكالا عدة؛ ففي تاريخ المنحوتات اليونانية، على سبيل المثال، عدد كبير من أشهر الأعمال - تلك الأعمال التي ناقشها الكتاب القدماء أنفسهم وامتدحوها - حفظت فقط من خلال نسخ طبق الأصل أو معدلة صنعها نحاتون رومانيون. لم يحتف كاتب قديم بالمنحوتات الموجودة على إفريز معبد باساي، أو تلك الموجودة على إفريز البارثينون نفسه. لقد كانت التماثيل المنفردة، وليس الزخارف المنحوتة بالمعابد، التي عدت أعمالا يحتفى بها: تمثال «رامي القرص» للنحات ميرون الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، أو تمثال «الأمازونية الجريحة» لمعاصره فيدياس، أو تمثال «أفروديت» العاري الذي صنعه النحات براكسيتيليز في القرن الرابع قبل الميلاد من أجل مدينة كنيدوس. والسبب الوحيد الذي جعلنا على معرفة بهذه الأعمال هو أن الرومان رأوها وأعادوا إنتاجها لنا.
يقدم باوسانياس نسخة من اليونان تخفي على نحو منهجي، كما رأينا، آثار الهيمنة الرومانية. لكن ما يجب علينا ألا نغفل عنه هو حقيقة أن باوسانياس كان في الوقت عينه أحد مواطني الإمبراطورية الرومانية. وحتى في محاولته طمس أثر روما فإنه يقدم لنا صورة «رومانية» لليونان، وكذلك، على نحو محتوم، صورة للإمبراطورية الرومانية. فهذا المعبد المنعزل على جانب أحد الجبال في ركن قصي من اليونان هو جزء من رؤية أكبر للكيفية التي بدا بها العالم في نظره، بوصفه أحد مواطني الإمبراطورية.
وفي رؤيتنا لباساي أيضا، يمتزج احترامنا للتاريخ الفردي لهذا المعبد تحديدا (المتفرد ومنعدم النظير) بإحساس بموضعه في التاريخ الأشمل لليونان وروما، وموضعه في خبرتنا الأوسع بالثقافة القديمة؛ فكل جزء صغير من التراث الكلاسيكي يكتب دائما داخل قصة أكبر منه بكثير.
الفصل الخامس
تحت السطح
ماذا عن العمال؟
يدفعنا وصف باوسانياس لمعبد باساي إلى التساؤل عما نريد أن «نعرفه» بشأن العالم الكلاسيكي. في أعين العديد من الأثريين المعاصرين، كان باوسانياس يتخبط دون هدى في رحلته في أرجاء اليونان. وهو ليس مسئولا فقط عن كم كبير من المعلومات المضللة عن المواقع التي اختار زيارتها، بل كان كذلك يتسم بالقصور الشديد فيما كان على استعداد لأن يراه. لقد كانت رؤيته للعالم اليوناني تتكون بالأساس من المدن العظمى، علاوة على القليل من المواقع الدينية الريفية (كهذا الموجود في باساي) المقحمة عرضا. ماذا عن اليونان خارج المراكز الحضرية؟ ماذا عن الريف، الذي عاش فيه أغلب سكان العالم القديم؟ ماذا عن الأسواق الريفية، والمزارع التي كانت تنتج الغذاء الداعم للحياة في المدن؟ وماذا عن المزارعين الذين كانوا يعملون بها؟ لا يحدثنا باوسانياس بشيء تقريبا عن هذه الأمور.
अज्ञात पृष्ठ