وأصبحت تلك اللائحة دستور التونسيين في كفاحهم المرير، وبعد انتهاء المؤتمر، تشكل وفد من أعضائه، وقصد قصر حمام الأنف ليقدم تلك اللائحة إلى جلالة الملك مع شواهد الإخلاص، ولكن البوليس الفرنسي ألقى القبض على أعضاء الوفد كلهم قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى حمام الأنف.
وقد طوقت القوات الفرنسية المدججة بالسلاح قصر حمام الأنف، وعزلته عن العالم، وقطعت قوات البوليس جميع الطرق المتصلة بتونس، وحاصرت المدينة نفسها، وملأت شوارعها وميادينها بالجنود في زي الميدان والدبابات والسيارات المصفحة وسيارات القيادة وحاملات اللاسلكي، فأقامت الدليل على أن الاعتداء مبيت وأنها مؤامرة دبرت بليل ضد شعب أعزل.
وانتبه بعض المفكرين الفرنسيين إلى العاقبة الوخيمة التي ستنفجر لفرنسا في الميدان الدولي عن استخدامها للعنف في تونس، فقال:
6 «من الملاحظ أن حوادث هذه الأيام تشابه حوادث سنة 1938 سواء في أسبابها الطارئة أو أسبابها العميقة؛ فهي تابعة لخيبة المحادثات بين فرنسا وتونس.
ولكن اليوم اتخذت الإجراءات ضد زعماء الدستور الجديد في حين يلتجئ فيه الأمين العام للحزب إلى الرأي العام العالمي، وأن رد الفعل - الذي كان عاجلا بتونس - سيظهر لا محالة في النطاق الدولي.» (2) استعداد فرنسا للاعتداء المسلح
رأت الحكومة الفرنسية أن قواتها المسلحة الموجودة بتونس لا تفي بالحاجة المنشودة لقمع شعب كامل، والسيطرة على بلاد أصبح أبناؤها يؤمنون بالمبادئ الوطنية. والقطر التونسي آمن، أعزل من كل سلاح، وقد لاحظ ذلك كثير من الأجانب، فقالت جريدة «المساجيرو» الإيطالية بتاريخ 20 / 1 / 1952 إن التونسيين تظاهروا في القطر كله من غير أن يكونوا مسلحين يسودهم النظام والهدوء والسكينة، شعب كامل يريد التعبير عن إرادته.
وأساس الأزمة بتونس هو: هل للجالية الفرنسية الحق في أن تكون ممثلة في مؤسسات الدولة التونسية مناصفة، في البرلمان التونسي والحكومة التونسية؟ ينكر الوطنيون ذلك ويقولون لا! وتقول الجالية الفرنسية نعم!
وإن الفرنسيين قد اعتمدوا على السيادة الداخلية التي ضمنتها المعاهدات والقانون.
وأخذت الحكومة الفرنسية تصدر البلاغات تلو البلاغات لتعلن تعزيزها لقواها بتونس تطمينا للجالية الفرنسية، وعربونا لها على أن أغراضها ستنفذ لا محالة، وقد انهال على تونس سيل من النجدات والجيوش، لم ينشر عنها إلا النزر اليسير، ولم تعترف الحكومة الفرنسية إلا بالقليل منها، وهذه بلاغاتها تدل دلالة واضحة على ذلك الاعتداء المسلح الشنيع.
البلاغ الأول نشرته جريدة «ليموند» الباريسية بتاريخ 25 / 1 / 1952 وجاء فيه:
अज्ञात पृष्ठ