مجلس الوزير أبي الحسن إلا ليلًا، فحضرت يومًا نهارًا لأمر سألنيه ابن أبي البغل، فوجدت عنده المحسن ابنه، فلم أخاطبه بشيء خوفًا من بوادره وشره، حتى نهض وخلا المجلس، فقلت له: ابن أبي البغل يعلم محلي من الوزير، وصار إلي البارحة ليلًا فقال لي: لم أجد من آمنه على نفسي غيرك، وقد قصدتك لتستأذن لي الوزير في الخروج إلى عبادان لأقيم بها وألبس الصوف وآمن على نفسي. قال: وإذا المحسن قد عاد، فأمسك أبو الحسن حتى قام، ثم قال: قد عرفت ذنبه إلا أنه قد لزمك ذمامه، ومن لزمك ذمامه التزمناه، لأنك واحد منا، وغير منفصل عنا، فلا تعلمن بهذا أحدًا، وهذا صك على ابن فلانة بثلاثة آلاف درهم فيجعلها نفقته. قال: فأخذت الصك وخطه بالاذن له، وعدت إلى الدار فوجدت ابن أبي البغل قد صعد السطح، وألقى نفسه في خربة تجاورنا ومضى. فعدت إلى الوزير وحدثته بالصورة، فأخذ الصك وأمر بطلبه وقال: والله لو قتل أولادي جميعًا ثم دخل دارك لكان ذلك أمانًا وحقنًا لدمه.
وحكي أن ابن الفرات اجتاز يومًا في بعض الطرق، فاتفق أن سار تحت ميزاب، فوقع عليه منه ما لوث ثيابه وسرجه ودابته، فوقف في الطريق، وأنفذ إلى داره من يحضره خلعة ثياب أخرى، فرآه رجل عطار كان في الموضع، فقام إليه، وسأله أن يدخل إلى منزله ويقيم فيه إلى أن يعود الرسول بالثياب. ففعل وأقام عنده، وخلع ما كان عليه، وتنظف بالماء مما كان أصابه، وأحضره الغلام الثياب فلبسها، ثم سأله العطار أن يأذن له في إحضار بخور يتبخر به، فأذن له، وركب أبو الحسن. ومضت الأيام، فلما ولي الوزارة كانت حال العطار قد اختلت
1 / 84