ليلي مفكرًا في تدبير أمري. ثم عن لي الرأي آخر الليل إلى أن ركبت إلى ابن الفرات، فوجدت بابه مغلقًا لم يفتح بعد فدققته. فقال البوابون: من الطارق؟ فقلت: ابن الجصاص. فقالوا: الوزير نائم وما هذا وقت وصول. فقلت: عرفوا الحجاب أنني حضرت في مهم، فعرفوهم. فخرج إلي أحدهم وقال: الساعة تنبه، تجلس ساعةً وتدخل. قلت: الأمر أهم من ذلك. فدخل وعرفه ما قلته له. وخرج بعد ساعة وأدخلني من دار إلى أخرى حتى وصلت إلى مرقده، وهو على سريره، وحواليه خمسون فراشًا كأنهم حفظة، ووجدته مرتاعًا من قولي، وقد ظن حدوث حادثة، وأنني جئته برسالة الخليفة. فلما رآني وقال لي: ما جاء بك في هذا الوقت؟ قلت: خير، وما حدثت حادثة، ولا معي رسالة، وإنما حضرت في أمر يخص الوزير ويخصني، ولم يجز إيراده إلا على خلوة تامة. فسكن ثم قال لمن كان حواليه: انصرفوا. فمضوا وقال: هات. قلت: قصدتني أيها الوزير أعظم قصد، وشرعت في هلاكي وزوال نعمتي من كل وجه، وليس من المهجة والنعمة عوض. ولعمري إنني قد أسأت في خدمتك، وحرمت التوفيق في معاملتك، إلا أن في بعض هذه المقابلة بلاغًا وكفاية، وما تركت بابًا في صلاح قلبك إلا طرقته، ولا أمرًا في استعطاف رأيك إلا قصدته، ووسطت بيني وبينك فلانًا وفلانًا، وبذل لك كذا وكذا، وأنت مقيم على أمرك في أذيتي، وما حيوان أضعف من السنور، وإذا عاثت في دكان بقال ثم ملكها ولزمها ولزها إلى زواية ليخنقها وثبت عليه، وخدشت وجهه، وخرقت ثيابه، وطلبت الخلاص بكل ما تقدر عليه، وقد وجدت نفسي معك في هذه المنزلة، ورأيتها كالسنور التي هي على هذه الصورة. فإن صلحت لي، وفعلت ما تقتضيه الفتوة
1 / 126