فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر:١]، وحمى الوحي وتتابع.
وبعد أن أقرأه جبريل ﵇ (العلق) ضرب برجله الأرض، فنبعت عن ماء فتوضأ منها، ثم أمر النبي ﷺ فتوضأ كذلك، ثم قام وصلى بالنبي ﷺ. ثم انصرف، وأتى النبي ﷺ خديجة، فعلمها ذلك، وصلى بها وكان الفرض إذ ذاك ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، إلى أن كانت ليلة المعراج.
وأقام ﷺ بمكة-بعد البعثة-ثلاث سنين، يدعو إلى الله مستخفيا، فكان المسلمون يجتمعون بدار الأرقم، أو بالشعاب للصلاة.
ثم نزل عليه في السنة الرابعة ﴿فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر:٩٤] وقوله ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء:٢١٣].
فأعلن حينئذ بالدعاء لأهل الإسلام وكفار قريش غير منكرين لما يقول بحيث كان إذا مر بهم في مجالسهم يشيرون إليه «إن غلام بني عبد المطلب ليكلم من السماء» إلى أن عاب آلهتهم وذكر آباءهم الذين ماتوا على الكفر فانتصبوا لعداوته وعداوة من آمن به يعذبون من لا منعة عنده أشد العذاب، ويؤذون من لا يقدرون على عذابه.
وآمن به مع من قدمناهما-علي، وزيد بن حارثة، وأبو بكر، ثم بدعائه عثمان، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله.
واشتد الأمر وتنابذ القوم ونادى بعضهم بعضا وتآمرت قريش على من أسلم منهم يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم.
وحدب عليه عمه أبو طالب، ومنع الله عن رسوله به وببني هاشم-غير أبي لهب- وبني المطلب.
وكذبه من عداهم، وآذوه ورموه بالسحر، والشعر، والكهانة، والجنون، وأغروا به سفاءهم، حتى أن شقيا منهم أخذ يوما بجمع ردائه، فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول «أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟».
إلى أن أسلم سنة ست عمه حمزة-أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة-فعز به رسول الله ﷺ، وكفت عنه قريش قليلا، بل وكذا تأيد الإسلام بإسلام عمر بن الخطاب، إجابة لدعوة النبي ﷺ: «إن الله يؤيده به»، وكان لا يرام ما وراء ظهره، فامتنع بهما حتى قال الأعداء له: «إن كنت تطلب مالا جمعنا لك ما تكون به أكثرنا مالا»، أو الشرف: فنحن نشرفك علينا، أو الملك: ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئيا قد غلب عليك، بذلنا أموالنا في طلب الطب
1 / 10