بضعفي ما بمكة من البركة.
وأما «اللهم إنك أخرجتني من أحب البقاع إلي، فأسكنّي في أحب البقاع إليك» فضعفه ابن عبد البر باحتمال كونه صدر ابتداء قبل ما تجدد له من فضائلها التي منها ما عاد على مكة بفتحها.
هذا مع العلم بأن محبة الرسول ﷺ تابعة لمحبة الله تعالى وما ورد من مضاعفة الصلاة بمسجد مكة زيادة عليها بالمدينة.
فأسباب الفضل غير منحصرة فيه، سيما وكل عمل في المدينة-كما في الأحياء لحجة الإسلام-بألف كالصلاة، بل في المطلب، لابن الرفعة: «ذهب بعض العلماء إلى أن الصيام بالمدينة أفضل من الصلاة، والصلاة بمكة أفضل من الصيام، مراعاة لنزول فروضهما».
وعلى هذا: فيما ظهر، فكل عبادة شرعت بالمدينة أفضل منها بمكة، إلى غير ذلك من الاتفاق على منع دخول الدجال والطاعون لها، وكون الوارد في منعها من مكة أيضا لا يقاومه، وعلى «من صبر على لأوائها وشدتها: كنت له شفيعا، أو شهيدا» وإيراد البخاري لحديث «لا يكيد أهلها أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء» وفي لفظ لمسلم «لا يريد أحد أهلها بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص-أو ذوب الملح-في الماء» فصار من المتفق عليه أيضا.
وما ورد في الترغيب في سكناها، والموت بها، مما لم يثبت في الموت بغيرها مثله، والسكنى بها وصلة له إن شاء الله.
وللمجاورة الثابت فيها، قوله ﷺ «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» والاستشفاء بترابها، وثمرتها، وما قارب مائة مما لا حصر له فيه.
ولا شك في أن الفضائل الخاصة لا تحدث في الأمور العامة على تقدير وجودها في الجهتين.
(وبالجملة: فرأيي الوقف لاسترسال الخوض في عدمه، لما لا يليق بجلالتهما، كما علمته من مقامة الزرندي في المفاضلة، وهما-اتفاقا-أفضل من سائر البلاد، ويليهما بيت المقدس).
وما أحسن ما قاله صاحب الشفاء-بعد أن حكى: «بعضهم حج ماشيا» فقيل له في ذلك، فقال: «العبد الآبق يأتي إلى بيت مولاه راكبا لو قدرت أن أمشي على رأسي ما مشيت على قدمي-ما نصه: وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل، وتردد بها جبريل وميكائيل،
1 / 21