(١)، وسائر الآيات في الإرادة محمول كلمات ذكرها الصادق جعفر بن محمد ﵁ أن الله تعالى أراد بنا وأراده منا، فما أراده بنا أظهره لنا، وما أراده منّا طواه عنا، فما لنا نشتغل بما أراده منّا عمّا أراده بنا.
ومعنى ذلك: أنه أراد بنا ما أمرنا به، وأراد منا ما علمه، فكانت الإرادة واحدة. ويختلف حكمها باختلاف وجه تعلقها بالمراد، وهي إذا تعلقت بثواب سميت رضى ومحبة، وإذا تعلقت بعقاب سميت سخطا وغضبا، كذلك إذا تعلقت بالمراد على وجه تعلق الأمر، قيل: أراد به ما أمر.
وإذا تعلقت بالمنع مطلقا بالتخصيص والتغيير من غير التفات إلى كسب العبد حتى تكون إرادة لنا، وإرادة منا قبل إرادة الكائنات بأسرها، ولم نقل أراد منا، وأراد بنا، بل أرادها على ما هي عليه من التجرّد والتخصيص بالوجود دون العدم، فإذًا أفعال العباد من حيث إنها أفعالهم. أما أن يقال تتعلق الإرادة على الوجه الذي ينسب للحق إيجادا وتخصيصا، على وجهي أراد بنا وأراد منا، أراد بنا من أمرنا به دينا وشرعا واعتقادا ومذهبا، وأراد منا ما علم سابقه، وعاقبه، وفاتحه، وخاتمه.
ودل على صحة هذا المعنى قوله: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ (٢)، أي لم يشأ
_________
(١) النساء: ٢٧. وبقية الآية: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا).
(٢) السجدة: ١٣. وبقية الآية: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
1 / 21