المقدمة الثانية فى تقسيم الألفاظ بالإضافة إلى ما تدل عليه من المعانى
اعلم أن البحث عن دلالة الألفاظ على ما تدل عليه، واسع الخطو، ولكنّا نشير إلى ما يليق بما نحن فيه. وجملة ما نذكره من ذلك تقسيمان لا غير. وهما وافيان بالبغية بمعونة الله تعالى.
التقسيم الأولى
اللفظ إما أن تعتبر دلالته بالنسبة إلى تمام مسماه، أو بالنسبة إلى ما هو داخل فى مسماه، أو بالنسبة إلى ما هو خارج عن مسماه. فهذه ضروب ثلاثة نفصلها إن شاء الله تعالى
الضرب الأول: ما تكون دلالته بالنسبة إلى تمام مسماه. وهذه هى [دلالة المطابقة]
وهذا نحو دلالة نحو الإنسان والفرس، والأسد على هذه الحقائق المخصوصة، فإنها مرشدة بالوضع عند إطلاقها على معانيها المعقولة. وتختص دلالة المطابقة بأحكام كثيرة. ولنشر منها إلى ثلاثة أحكام.
الحكم الأول
منها: ليس يلزم فى كل معنى من المعانى أن يكون له لفظ يدلّ عليه، بل لا يبعد أن يكون ذلك مستحيلا، لأن المعانى التى يمكن أن يعقل كلّ واحد منها غير متناهية. فلو لزم أن يكون لكل معنى لفظ يدل عليه، لكان ذلك إما أن يكون على جهة الانفراد، أو على جهة الاشتراك ومحال أن يكون على جهة الانفراد، لأنه يفضى إلى وجود ألفاظ غير متناهية. وهو باطل. ومحال أن يكون على جهة الاشتراك لأنه لابد من أن تكون تلك الألفاظ المشتركة دالة على معانيها بالمواضعة. فإذا كانت المعانى بلا نهاية استحال أن توضع لها ألفاظ تدل عليها إلّا بعد الإحاطة بها وتعقلها. وتعقّل أمور غير متناهية على جهة التفصيل محال فى حقنا. فحصل من مجموع ما ذكرناه أن المعانى وإن كانت فى أنفسها غير متناهية، لكن لا يلزم أن تكون لها ألفاظ تدل عليها. وإذا تقرر ما قلناه فنقول، المعانى على قسمين. منها ما تكثر الحاجة إلى التعبير عنها، فما هذا حاله لا يجوز خلوّ اللغة عن وضع لفظ بإزائه يكون دالا عليه، لأن الحاجة داعية إلى ذلك، فلا بدّ من حصوله.
فأما المعانى التى لا تدعو الحاجة إلى التعبير عنها، فإنه يجوز خلوّ اللغة عنها فلا يلزم وضع ألفاظ تدل عليها.
1 / 22