وسئل الشريف الرضى عن هؤلاء الثلاثة فقال، أما أبو تمام فخطيب منبر، وأما البحترى فواصف جؤذر، وأما أبو الطيب المتنبى فقائد عسكر. فالارتياض بكلام كل واحد من هؤلاء يوجب رسوخ القدم فيما ذكرناه من البلاغة والفصاحة.
دقيقة
اعلم أنا وإن أوجبنا على من أراد الخوض فى علوم البيان وإحرازها أن يحصل على ما ذكرناه من هذه العلوم الأدبية، فلسنا نريد أن يكون محيطا بأسرارها مستوليّا على جميع دقائقها، فذلك متعذر، بل ربما يستغرق الإنسان عمره فى واحد منها فلا يعتبر أن يكون فى اللغة بالغّا مبلغ الفراء، وأبى عبيد، ولا يكون فى العربية بمنزلة الخليل، وسيبويه، ولا فى علم التصريف على رتبة المازنى، وابن جنى، ولكن يحرز لنفسه قدرا من الفضل فيها يمكنه به الخوض فى علومها، ويعرف مصطلحاتهم فيطلب حاجته من كتبهم وأوضاعهم، فمتى حصل على هذه الحالة أمكنه السلوك لطرائقهم، وأن يرد مواردهم ويستعين بالله.
المطلب الخامس فى بيان ثمرته
واعلم أنه يراد لمقصدين.
المقصد الأول منها: مقصد دينىّ
، وهو الاطّلاع على معرفة إعجاز كتاب الله، ومعرفة معجزة رسول الله ﷺ، إذ لا يمكن الوقوف على ذلك إلّا بإحراز علم البيان، والاطّلاع على غوره، فإن هذا العلم لمن أشرف العلوم فى المنقبة، وأعلاها فى المرتبة، وأنورها سراجا وأوضحها منهاجا، وأجمعها للفوائد، وأحواها للمحامد ومع ما اشتمل عليه من الفضائل نخص هذا الموضع بذكر فضيلتين تدلان على غيرهما من سائر فضائله.
الفضيلة الأولى
: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله، مع ما أعطاه الله من العلوم الدينية، وخصه بالحكم والآداب الدنيوية، فلم يفتخر بشىء من ذلك، فلم يقل، أنا أفقه الناس، ولا أنا أعلم الخلق بالحساب، والطب، بل افتخر بما أعطاه الله من علم
1 / 20