قرأت التفاصيل، وتأملت الصورة المنشورة إلى جوارها، وتمثل طفلا عربيا لم يكمل العام الأول، بتر الإسرائيليون يديه.
ألهبت أشعة الشمس رأسي، فطويت الصحيفة، واتجهت إلى السيارة. كان الجميع قد عادوا إليها، فصعدت خلف زوجتي.
التقت نظراتي وأنا أتجه إلى مقعدي بنظرات أحد الركاب، فوجهت إليه التحية مرغما، وعندما أصبحت بجواره خاطبني ضاحكا: «هل عثرت على سر شويبس؟»
أجبته باقتضاب: «لا.»
كان يشير إلى تساؤلاتي عن الطائرة المصرية التي أقلتنا من مطار القاهرة عندما رأيت أنها تحمل اسما غير اسم «مصر للطيران»، وأن بها مضيفات أجنبيات، وأنها تقوم برحلات إلى تل أبيب.
جاء مكاننا أنا وزوجتي هذه المرة خلف العروسين الشابين، وكانا يجلسان متلاصقين وقد أودعت يديها بين كفيه. واشتبكا في حديث مع أم التوءمين تبينت منه أن العريس يعمل، هو الآخر، في مكتب مقاولات بأبي ظبي منذ سنتين، وأن العروس تخرجت هذا العام في كلية التجارة.
وقبل شهرين تلفن لها من أبي ظبي ليسألها أن تتزوجه. ومنذ تلك اللحظة لم تعرف طعم النوم؛ فقد أصرت على أن تعد كل شيء بنفسها؛ الملابس والستائر والجاتوهات. وفي حفل الزواج الذي أقيم بالهيلتون كادت تسقط من الإعياء. وقد أقاما بعده في الهيلتون ثلاثة أيام، ثم جاءا إلى الجزيرة مباشرة؛ ولهذا فما زالت في أشد الحاجة إلى النوم.
تحرك الأتوبيس، بينما تشعب الحديث وانضم إليه شاب يدخن الغليون ويعمل في الكويت، بدت زوجته حاملا في شهرها الثالث أو الرابع. وعرفت أن «الشو» الذي يقدمه الميريديان أفضل لأن «الباند» أكثر مهارة وتنوعا.
أشار المرشد إلى بار يشبه بارات وسط القاهرة، وقال: «هذه هي التافيرنا التي يجتمع بها اليونان عادة ليشربوا النبيذ والأوزو، ويأكلوا اللحم والأسماك المشوية، ويرقصوا ويغنوا .. ويتشاجروا. وبالمناسبة، اليوناني شخص حساس جدا لكرامته، ويثور لأقل مساس بها. وربما كان السبب أنه ظل رافع الرأس طوال قرون طويلة من السيطرة الأجنبية.»
كان ثمة رجلان بدينان يحتلان المقعد المقابل لمقعدي، وكانا يتحدثان بصوت مرتفع للغاية ينطق بثقة كبيرة في النفس، ورضاء تام عن الإنجازات. وحكى أحدهما وهو يردد بين كل عبارة وأخرى «شوف سعادتك»، كيف صنع ثروته في بورسعيد بعد أن صارت مدينة حرة. واتضح أن المدينة المعروفة هي موطن الثاني، وهو أستاذ في الجامعة ذو عوينات سوداء وشفتاه ممتلئتان، يعمل في السعودية، وكان يدعو زميله «محمد بك». ومن معصم كل منهما تدلت الكاميرا الصغيرة المعهودة.
अज्ञात पृष्ठ