بعد الظهر عبر ثلاثة أسرة
كان جائعا، والمنبه الموضوع فوق جهاز التليفزيون يشير إلى الثانية، وما زالت هناك ثلث ساعة على موعد سيد، وعندئذ يبدءون جميعا الأكل.
ومال برأسه قليلا ينصت إلى حركتها في المطبخ. كان يعرف أنها تنتقل الآن بنشاط، رغم أعوامها الخمسة والستين، بين الحوض والبوتاجاز والمائدة ذات الغطاء الصاج، وأن كل شيء حولها متناثر في فوضى بالغة.
وعندما توشك على الانتهاء ستصيح به من المطبخ: «ألم يحن موعد عودة سيد بعد؟»
فينظر إلى المنبه ويدقق النظر من خلف عويناته السميكة ثم يجيب: «لا بد أنه في الطريق الآن.»
وفي موضعه الذي اختاره من السرير، كان بوسعه أن يرى باب الشقة عندما يدير سيد المفتاح فيه، وبنفس الحركة يدفعه ويخطو إلى الداخل قائلا: «السلام عليكم.»
وبالرغم من أن زوجته لم تكف عن الشكوى من أن موضعه هذا يجعله عرضة لتيارات الهواء، إلا أنه ظل متمسكا به منذ أصبح المرض المتكرر يلزمه الفراش، كي يكون على مقربة من «الأحداث» على حد قوله؛ فقد كانت الغرفة تضم ثلاثة أسرة؛ اثنان منها يحصران باب البلكونة بينهما، والثالث يصنع مع أحدهما خطا مستقيما، وعندما يستلقي فوقه يواجه البلكونة، وإذا استدار وجلس بعرض السرير مسندا ظهره إلى الحائط - كما هي عادته - أصبح باب الغرفة في مواجهته، وبعده الصالة ثم باب الشقة.
ولهذا السبب كان باب البلكونة يظل مغلقا دائما بالليل والنهار، وبالصيف والشتاء، حتى إن من يزورهم - وخاصة ابنتهما فادية - كان يشتكي من أن رائحة الشقة لا تطاق.
وطبقا للمنبه لا بد أن يكون سيد الآن على رأس الشارع، يتقدم بخطواته الطويلة المتمهلة وصحيفة اليوم مطوية تحت إبطه. وعندما يصل إلى بائع الخبز سيتوقف عنده ليشتري عشرة أرغفة يلفها بالصحيفة، ثم يواصل السير إلى الجمعية التعاونية ليرى ما بها من بضاعة جديدة، ولو حالفه الحظ.
مصمص بشفتيه متمنيا أن يحضر سيد معه شيئا من البلح «الأمهات» الذي يتميز، فضلا عن رخص ثمنه، بسهولة مضغه وابتلاعه وحلاوة طعمه إذا ما غمس بالطحينة البيضاء. ولم تكن هذه متوفرة في السوق الآن.
अज्ञात पृष्ठ