فقال رئيس الفرسان: «إني أقر بذلك، ومن لم يشهد ذلك إبان تداولهم أخيرا فهو أعمى البصر، ولكن هلا رفعت عنك الحجاب قيد أنملة إلى أعلى وحدثتني عن الباعث الحق الذي حدا بالمجمع أن يبعث بذلك الرجل من أبناء الشمال، إنجليزيا أو اسكتلنديا، أو أيا كان ذلك الفارس، فارس النمر، يحمل مقترحهم لعقد المعاهدة؟»
فأجابه الرجل الإيطالي وقال: «إن وراء ذلك لحكمة، فإن صفة الرجل كواحد من أبناء بريطانيا، قمينة بأن تسد ما يطلب صلاح الدين، فهو يعرف أن الرجل ينتمي إلى فريق رتشارد؛ وصفته كاسكتلندي، وغير ذلك من الضغائن الشخصية التي أعلم، تجعل اتصال رسولنا - بعد عودته - برتشارد وهو على فراش المرض، أمرا بعيد الاحتمال، فإن رتشارد لا يحب مرآه.»
فقال رئيس الفرسان: «تالله إنها لسياسة دقيقة الحبك، صدقني إن نسيح العنكبوت الإيطالي هذا الذي نسجتم لن يقيد شمشون
4
الجزيرة هذا الذي لم يقص شعره بعد. ليس لهذه المؤامرة أن تنجح إلا إذا حبكتموها من جديد بالحبال، وبأشد من الحبال متانة وصلابة؛ ألا ترى أن الرسول الذي عنيتم جد العناية بانتخابه قد أتى لنا بطبيب بين يديه شفاء الملك الإنجليزي قلب الأسد وعنق الثور، ورده إلى تنفيذ مشروعه الصليبي؛ وإذا ما بات على الانطلاق قديرا فأي الأمراء يجسر على كبح جماحه؟ إنهم سوف يتبعونه خجلا وحياء، وإن يكن أحب إليهم أن يسيروا تحت لواء الشيطان.»
فقال كنراد منتسرا: «لا تجزع، فقبل أن يتم هذا الطبيب شفاء رتشارد - إن كان يعمد إلى أي شيء غير المعجزة - فإنه من الممكن أن نحفر هوة عميقة بين الرجل الفرنسي - أو النمساوي على الأقل - من ناحية، وبين حلفائه من الإنجليز من ناحية أخرى، حتى يتعسر رتق الخرق على الراقع، وقد يهب من فراشه رتشارد بعدئذ كي يتأمر على جنده الخاص من مواطنيه، ولكن لن يسيطر وحده على قوى الصليبيين جميعا.»
فرد عليه رئيس الفرسان وقال: «إنما أنت يا كنراد منتسرا نبال صحت عزيمته، ولكن قوسك مرتخية لا تبلغ بالنشاب إلى الهدف.»
وتوقف عن الكلام فجأة، وأرسل نظرة فيها شك وريبة كي يستوثق أن أحدا لم يكن يتسمع له، ثم أمسك بيد كنراد وقبض عليها بشدة وحدق في وجه صاحبها الإيطالي، وكرر هذه العبارة في أناة وتؤدة: «أفتقول إن رتشارد قد يهب من فراشه؟ كنراد! ينبغي ألا يهب رتشارد مطلقا!»
ففزع من ذلك مركيز منتسرا وقال: «ماذا! هل أنت تتحدث عن رتشارد ملك إنجلترا قلب الأسد بطل العالم المسيحي؟»
وعلت الصفرة وجنتيه وارتعدت فرائصه وهو يتكلم، فنظر إليه رئيس الفرسان وقد تقلصت ملامحه ونمت عن ابتسامة فيها تحقير وازدراء. «هلا تعرف أيها السيد كنراد لأي شيء أنت تشبه هذه الآونة؟ لست كمركيز منتسرا السياسي الجسور - ولست كمن هو قمين بتوجيه مجمع الأمراء والفصل في قضاء الدول - إنما أنت كتلميذ زل عند رقية في كتاب سحر لأستاذه، فابتعث الشيطان من حيث لا يدري، ثم وقف مذعورا أمام الشبح الذي مثل أمام عينيه.»
अज्ञात पृष्ठ