فقال رتشارد: «وماذا ترى في هذا الناسك الوقور، وهل هو غافل أو مجنون أو خائن أو قديس؟»
فأجابه الرجل الاسكتلندي الماكر وقال: «يخيل لي أنه يدعي الغفلة يا سيدي كي يكتسب من المسلمين رضاهم واحترامهم، وهم قوم ينظرون إلى الرجل المعتوه وكأنه يوحى إليه من السماء، ولقد بدا لي على الأقل أن جنون هذا الراهب لا يظهر إلا لماما، وهو ليس - كالجنون المألوف - جزءا من طبيعة عقل صاحبه.»
فقال الملك وقد ارتمى إلى الوراء على سريره، وكان قد نهض منه إلى نصفه: «أمكر بك في هذا الجواب، والآن هلا حدثتني طرفا عن توبته؟»
فاستطرد كنث الحديث وقال: «أما توبته فقد بدا لي أنه مخلص فيها، وهي ثمرة لندمه على ذنب مروع يحسب - فيما يرى - أنه يقضي عليه بأن ينتبذ من الناس مكانا قصيا.»
فقال الملك رتشارد: «وما سياسته؟»
فأجاب الفارس الاسكتلندي وقال: «أظن يا سيدي أنه قد يئس من استخلاص فلسطين، كما يئس من خلاص نفسه، اللهم إلا بمعجزة من السماء، أو هو يرى ذلك على الأقل مذ انقطعت ذراع رتشارد ملك إنجلترا عن أن تجاهد في سبيله.» «وإذن فسياسة هذا الناسك هي سياسة الجبن والخور، وهو كأولئك الأمراء الأشقياء الذين نسوا فروسيتهم ودينهم ولم تصح منهم العزيمة، ولم يثبتوا إلا على أمر واحد، وذلك أن يكروا راجعين. أولئك خير لهم أن يتقهقروا على جثة حليف لهم ينازع الروح من أن يتقدموا ويلتحموا بالأعراب المسلحين!»
فقال الفارس الاسكتلندي: «هل لي يا سيدي المليك أن أذكر لك أن هذا الحديث إنما يزيد من حرارة مرضك، وما مرضك إلا عدو يخشى العالم المسيحي منه شرا أكثر مما يخشى من جيوش الكفار المجهزين بالسلاح.»
وحينئذ علا الدم في وجه الملك رتشارد، واستشرى في حركاته، وأمسك إحدى يديه بالأخرى، ومد ذراعيه، وتطاير الشرر من عينيه، وظهر عليه في الحين أنه يعاني ألما جسمانيا شديدا وثورة نفسية عنيفة في آن واحد، ولكن حماسته دفعته إلى أن يواصل حديثه كأنه لم يأبه لهذا أو لتلك.
وقال: «تستطيع يا سيدي الفارس أن تداهن، ولكنك لن تفلت مني، ولا بد لي أن أعرف منك أكثر مما ذكرت، هل رأيت زوجي الملكة وأنت لدي عين جدة؟»
فأجاب السير كنث، وقد تملكه ارتباك شديد إذ تذكر الموكب الذي مر به في منتصف الليل في المعبد الصخري وقال، «لا أعلم أني رأيتها يا مولاي.»
अज्ञात पृष्ठ