فرد عليه السير كنث ساخرا وقال: «إذن لسوف أخفي عاري في معسكر الكفرة الذين لا يعرفون لهذه الكلمة معنى، ولكن أليس خيرا لي أن يلحق بي عارهم؟ هلا توصيني بلبس العمامة؟ تالله لم يعد لي إلا أن أرتد عن ديني كي تبلغ فضيحتي منتهاها.»
فقال الطبيب عابسا: «لا تجدف أيها النصراني، إن صلاح الدين لا يقبل في دين محمد إلا أولئك الذين يؤمنون بقواعد الإسلام. افتح عينيك للنور - إن شئت - يهبك السلطان العظيم ملكا، فهو رجل ليس لجوده أو سلطانه حد، وإن شئت فلتبق أعمى البصيرة، فلن يكون نصيبك من الحياة الآخرة غير الشقاء، ولكن صلاح الدين سوف يغنيك ويسعدك في هذه الدار الفانية. ولا تخش أن تطوق حاجبيك العمامة إلا إن أردت ذلك راغبا.»
فقال الفارس: «إنما إرادتي أن يسود جبيني المقطب، وهو ما يحتمل وقوعه عند مغيب الشمس هذا المساء.»
فأجاب الحكيم وقال: «كلا، ليس من الحكمة في شيء أيها النصراني أن تنبذ ما عرضت عليك. إن لي على صلاح الدين لسلطانا، وأنا أستطيع أن أرفع من شأنك حتى تشملك رعايته. استمع إلي يا بني، إن هذا المشروع الهمجي الذي تسمونه الحرب الصليبية ليس إلا كالسفين يشق عباب الماء. لقد حملت بنفسك شروط الهدنة من الملوك والأمراء - الذين تتجمع جيوشهم هناك - إلى السلطان العظيم، وربما لم تكن تعلم كل ما كانت ترمي إليه رسالتك.»
فقال الفارس وقد تملكه الجزع: «لست أعرف ولا يهمني أن أعرف. وماذا يعنيني أني كنت منذ حين رسول الأمراء، ما دمت سوف أمسي - قبل أن يسدل الليل ستاره - جثة مهينة تحت المقصلة؟»
فأجابه الطبيب وقال: «كلا، سوف أسعى في أن يكون إلى غير ذلك منتهاك؛ إنهم جميعا يتوددون إلى صلاح الدين. إن اتحاد الأمراء في هذا المجمع، الذي تألف لمعارضته، قد تقدم إليه يعرض المهادنة والصلح، ولو كنا في زمان غير هذا لكان جديرا بشرف صلاح الدين أن يمنحهم سؤلهم. وسعى إليه غير هؤلاء بالأصالة عن أنفسهم يعرضون فصل قواهم عن معسكر ملوك الفرنجة، بل ويعيرون أسلحتهم للذود عن راية الإسلام، ولكن ليس صلاح الدين بالذي يقبل الخدمات من أمثال هؤلاء الخونة العاجزين ذوي المنافع الخاصة. ليس لملك الملوك أن يواتي غير الملك الأسد. إن صلاح الدين لن يعقد مع أحد ميثاقا سوى الملك رتشارد، وسوف يواتيه كما يواتي الأمير الأمير، أو يقاتله كما يقاتل البطل البطل. إنه يسلم لرتشارد - لجوده وسخائه - بشروط ليس لسيوف أوروبا جميعا أن تفرضها عليه عنوة أو إرهابا، إنه يسمح بالحج دون قيد أو شرط إلى بيت المقدس وإلى كل مكان يحب النصارى أن يتعبدوا فيه؛ بل إنه ليقتسم حتى دولته مع أخيه رتشارد، فيسمح للجاليات المسيحية أن تقيم في أشد مدن فلسطين الست قوة وفي بيت المقدس ذاته، ويرضى لهم أن يكونوا تحت إمرة ضابط رتشارد مباشرة، ويقبل لهؤلاء الضباط أن يحملوا اسم «حرس فلسطين الملكي»، وفضلا عن ذلك لتعلم يا سيدي الفارس - وقد يبدو لك ما سأحدثك به أمرا غريبا لا يحتمل التصديق، ولكني سأبوح إكراما لك بهذا السر الذي يكاد لا يصدقه أحد - اعلم أن صلاح الدين سوف يختم بخاتم قدسي على هذا الائتلاف السعيد بين أشجع الشجعان وأنبل النبلاء في بلاد الفرنجة وفي آسيا؛ وذلك بأن يرفع إلى مرتبة الزوجية الملكية فتاة مسيحية تصلها بالملك رتشارد أواصر الدم وتعرف باسم السيدة أديث بلانتاجنت.»
1
فصاح السير كنث قائلا: «ها! أفهذا ما تقول؟» وكان يستمع شارد اللب غير آبه إلى الشطر الأول من حديث الحكيم، إلا أن هذا الخبر الأخير قد مس منه كامن حسه، وأيقظه كما توقظ رجفة الأعصاب - حين تنتفض على حين بغتة - الحس بالألم حتى في سبات المفلوج، ثم خفف من نبرة كلامه، وإن يكن قد عانى في ذلك ما عانى، واكتتم ما أحس به من امتهان الكرامة، وستره بستار من الريبة والازدراء، ثم واصل الحديث كي يظفر بأكثر ما يستطيع من علم عن هذه المؤامرة - وقد ظنها كذلك - هذه المؤامرة التي كانت تدبر ضد فتاته، ضد شرفها وسعادتها، ضد تلك التي لم ينتقص من حبه لها ما أصاب جده وشرفه بسببها، فقال في سكينة وهدوء: «وأي مسيحي ذلك الذي يصادق على عقد غير طبيعي، كذلك الذي يكون بين مسيحية عذراء وعربي مسلم؟»
فأجاب الحكيم وقال: «إنما أنت نصراني جاهل متعصب، أفلم تر إلى الأمراء المسلمين كيف يتزاوجون كل يوم مع النبيلات من عذارى إسبانيا النصارى، وما في هذا عار على مغربي أو مسيحي؟ ولسوف يسمح السلطان النبيل - لثقته التامة في دم رتشارد - للفتاة الإنجليزية بالحرية التي وهبتها المرأة طباعكم الفرنجية؛ سوف يسمح لها بالحرية في ممارسة دينها، وسوف يخصها بمكانة ومرتبة فوق نسائه جميعا، فتبيت من كل وجه ملكته الفريدة المطلقة.»
فقال السير كنث: «كيف تجرؤ أيها المسلم على أن تحسب أن رتشارد يتنازل عن قريبته، وهي أميرة فاضلة كريمة النسب، لتكون - أحسن ما تكون - فضلى الإماء بين «حريم» رجل مسلم! اعلم أيها الحكيم أن أدنى مسيحي نبيل حر يأبى لابنته مثل هذا العار الشنيع.»
अज्ञात पृष्ठ