وقالت: إنني صماء، كان يستطيع أن يجد خيرا مني.
وقالت الأم: «ليس في العالم خير منك.» فلم تسمع وكتب أبوها: «إنه يريدك ويلح.»
وقالت: ألا تخشى أن يكون وراء رغبته شيء آخر؟
وكتب لها أبوها: «لقد تأكدت من حقيقة شعوره.»
فأطرقت هنيهة وفاض دمعها وهي تقول: الأمر أمركما، افعلا ما تشاءان.
وخرجت فايزة من الحجرة ولجأت إلى حجرتها، ولحقت بها دولت، فطلبت إليها أن تتركها بعض الحين. وما إن غادرت دولت الحجرة حتى انخرطت فايزة في بكاء عنيف، أهكذا يا يسري؟ أتطمع في مالي وتنتهز فرصة مرضي حتى لا أستطيع الرفض؟ كيف أرفض؟ ماذا أقول لأبي وماذا أقول لأمي؟ إن الفتاة حين ترفض تكون واثقة من نفسها عالمة أن الكثيرين سيتقدمون إذا هي لم تتزوج ممن ترفض، أما أنا فماذا أنتظر؟ ومن يتقدم إلي إذا لم أقبل يسري؟ ولكن أيقبل هو هذا؟ أينتهز مرضي ليتزوج مني؟ كيف أقتل هذه الفرحة النشوانة في نفس أبي؟ وكيف أقسو عليه وأقضي على هذا الأمل الذي ظل زمنا طويلا يراوحه ويغاديه ضعيفا يائسا حتى أصبح حقيقة؟ كيف أقضي على هذا الأمل بعد أن تجسم أمامه واكتمل في شخص يسري؟ كيف أستطيع الرفض؟ هي حياتي اليائسة. آمالي آمال الآخرين، وقدري يخطه أبي وتخطه أمي والغريب عن الدار، ولا يد لي فيه، بماذا أقرر لنفسي مصيرها، بأذني التي تعزلني عن الناس، وتضعني في عالمي وحدي بلا شريك ولا أنيس؟ بأي حق أقول لا أو نعم؟ إنما أنا ما يريدان لي أكون لا أملك من أمر نفسي أمرا، فليفعلا ما يشاءان، وليس لهما مني إلا أن أطرق كما أطرقت وأسلم إليهما أمري كما أسلمت.
واشتد بكاؤها فدخلت إليها دولت وفي عينيها من السؤال ما يغني عن السؤال، وجلست دولت ولم يطل بها الجلوس، بل قالت فايزة تجيب السؤال المطل من عينيها: يسري يريد أن يخطبني.
ودقت دولت صدرها وهي تقول: من؟
ولم تسمع فايزة، وإنما ارتسمت على وجهها ابتسامة ساخرة وهي تقول: يطلبني، ويلح في طلبي.
وازدادت نبرات صوتها سخرية وهي تقول: وأين يجد خيرا مني؟ أذنان تسمعان الهمس، وصحة مكتملة، إنه يريدني لذاتي لا لمالي، أليس كذلك؟ قولي إنه كذلك.
अज्ञात पृष्ठ