The World Conference on Islamic Propagation and Preparation of Preachers
المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة
प्रकाशक
الجامعة الإسلامية
संस्करण संख्या
السنة التاسعة-العدد الرابع
प्रकाशन वर्ष
ربيع أول ١٣٩٧هـ/ ١٩٧٧م
प्रकाशक स्थान
المدينة المنورة
शैलियों
ابن الجوزي في مواعظه، الساحرة، ومجالسة المزحومة، فإنه كان يشنع على الحياة اللاهية الماجنة التي كان يحياها كثير من الناس في بغداد، وعلى الذنوب والمعاصي التي كانت تقترف جهارًا، والمنكرات التي شاعت، فكان مئات وآلاف من الناس يتوبون ويقلعون عن الذنوب وكان نشيج يعلو وقلوب ترق، وعيون تدفع، وموجة من الإنابة والرقة تكتسح الجموع الحاشدة لأنه كان يمس القلوب ويصور الواقع، ولا يكتفي بالكلام العام والوعظ التقليدي١.
وهنا أنقل إليكم قطعة من كتابنا» رجال الفكر والدعوة في الإسلام «والمؤلف يتحدث عن الإمام أحمد بن حنبل وزهده.
وقد رأينا الزهد والتجديد مترافقين في تاريخ الإسلام، فلا نعرف أحدًا ممن قلب التيار وغير مجرى التاريخ ونفخ روحًا جديدة في المجتمع الإسلامي أو فتح عهدًا جديدا في تاريخ الإسلام، وخلف تراثًا خالدًا في العلم والفكر والدين، وظل قرونًا يؤثر في الأفكار والآراء، ويسيطر على العلم والأدب إلا وله نزعة في الزهد، وتغلب على الشهوات، وسيطرة على المادة ورجالها ولعل السر في ذلك أن الزهد يكسب الإنسان قوة المقاومة، والاعتداد بالشخصية والعقيدة، والاستهانة برجال المادة وبصرعى الشهوات، وأسرى المعدة، ولذلك ترى كثيرًا من العبقريين والنوابغ في الأمم، كانوا زهادًا في الحياة، متمردين على الشهوات، وبعيدين على الملوك والأمراء والأغنياء في زمانهم، ولأن الزهد يثير في النفس كوامن القوة، يشعل المواهب، ويلهب الروح، وبالعكس إن الدعة والرخاوة تبلد الحس وتنيم النفس وتميت القلب.
وهناك تعليلات أخرى يوافق عليها علم النفس وعلم الأخلاق، ولا أطيل بذكرها، وأقتصر على هذه الملاحظة التاريخية، وألح على أن منصب التجديد والبعث الجديد يتطلب لا محالة زهدًا وترفعا عن المطامع وسفاف الأمور ويأبى الاندفاع إلى التيارات، ويتنافى مع الحياة الوادعة الرخية والعيشة الباذخة الثرية، إنما هو خلافة للرسول الأعظم ﷺ، وقد قيل له، ﴿وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا
_________
١ - اقرأ تفاصيل مجالس ابن الجوزي وتأثيرها في كتاب صيد الخاطر ورحلة ابن جبير.
1 / 75