The Weak Hadith and its Ruling on Evidence
الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به
प्रकाशक
دار المسلم للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وقائد الغر المحجلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الهداة المهتدين، وعلى جميع من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد كثر في الآونة الأخيرة النقاش حول بعض المسائل الهامة في الدين، واحتدم النزاع فيها بين من ينتسب إلى العلم، ومن هذه السائل: مسألة الاحتجاج بالحديث الضعيف؛ الذي نتج عنه الإزراء بفقهاء الأمة لذكرهم الضعيف في كتبهم، غافلين، أو متغافلين أن الفقهاء حينما ذكروها لم يعلموا بضعفها، ولكن ذكروها دون بحث عنها، وأحالوا نقدها على صيارفة الحديث، لكونهم أغنوهم عن الكشف عن درجتها، فالبحث عن كيفية رواية الأخبار من وظيفة حملة السنة النبوية، وإن كان المؤمل من طالب العلم -عموما- محدثا أو فقيها أن لا يعمل بخبر يبلغه حتى يعلم درجته، إلا أن الاختصاص بفن معين والاقتصار عليه قد يفرض على صاحبه عدم الخروج عنه إلى غيره لضيق الوقت، وتشعب العلوم.
ونتيجة حتمية لهذا النزاع وجدت نفسي وأمثالي من المبتدئين في طلب العلم بحاجة ماسة إلى مؤلف يجمع أحكام الحديث الضعيف، وجميع ما
1 / 3
يتعلق به استقلالا دون تعرض لغيره من أنواع علوم الحديث؛ خصوصا وأن الأحاديث الضعيفة غزت كثيرا من الكتب التي يكتبها بعض المعاصرين عن الإِسلام، كما شاعت على ألسنة العديد من الخطباء والوعاظ والمتحدثين، وعلى كل ما بحثه العلماء ضمن كتب علوم الحديث من بيان لأحكام الحديث الضعيف، وما وضعه بعضهم من قواعد، كما فعل ابن القيم في كتابه القيم "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" فإني لم أجد من أفرده في تصنيف جامع مستقل، إلا ما كان من كراسة كتبها الشيخ علوي المالكي (^١) -جزاه الله خيرا- وسماها "المنهل اللطيف في أحكام الحديث الضعيف"؛ إلا أنها رسالة صغيرة لا تروي غليل الباحث إذ لا تتجاوز خمس عشرة ورقة من الحجم الصغير، وجواب كتبه الشيخ أبو الحسنات اللكهنوى (^٢) ضمن أجوبة كتبها عن أسئلة عشرة سئلها (^٣)، فأستعنت بالله ﷾ وعزمت على اختيار هذا الموضوع لأنال به درجة "الماجستير" من قسم السنة النبوية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد جعلته مكونا من: تمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة
_________
(^١) هو: الشيخ علوي بن عباس المالكي الحسني، مدرس من علماء مكة المكرمة، تخرج بمدرسة النجاح، وتفقه في المسجد الحرام، ثم قام بالتدريس فيهما.
له: نفحات الإسلام من محاضرات البلد الحرام، المواعظ الدينية، ديوان شعر، وغيرها، توفي سنة إحدى وتسعين وثلائمائة وألف.
انظر: الأعلام للزركلي ٤/ ٢٥٠ ط ٤.
(^٢) هو: الشيخ الكبير العلامة عبد الحي بن عبد الحليم بن أمين الله اللكهنوى الحنفي.
له: السعاية في كشف ما في شرح الوقاية، التعليق الممجد على موطأ محمد، الآثار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة، وغيرها، توفي سنة أربع وثلاثمائة وألف.
انظر: نزهة الخواطر في تراجم علماء الهند ٨/ ٢٣٤ - ٢٣٩.
(^٣) انظر: كتاب الأجوبة الفاضلة ص ٣٦ - ٥٩، وكتابه الآخر "ظفر الأماني" ص ٩٧ - ١٠٧.
1 / 4
على النحو التالي:-
التمهيد: ويحتوي على المباحث الآتية:-
أ- تعريف الحديث النبوي الشريف.
ب- تقسيم الخبر باعتبار وصوله إلينا.
جـ - تقسيم الخبر من حيث القبول والرد.
د- تقسيم المقبول إلى صحيح وحسن.
الباب الأول: في الحديث الضعيف ومسالك الضعف إلى الحديث، ويشتمل على تقدمة وفصلين:-
التقدمة: في تعريف الحديث الضعيف.
الفصل الأول: في المسلك الأول من مسالك الضعف إلى الحديث، وهو السقط من السند.
الفصل الثاني: في المسلك الثاني من مسالك الضعف إلى الحديث، وهو الطعن في الراوي.
الباب الثاني: في حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف، ويشتمل على تقدمة وفصلين أيضا.
التقدمة: في الاحتجاج بالسنة النبوية.
الفصل الأول: في حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف في الأحكام وفضائل الأعمال.
الفصل الثاني: في حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف في تفسير كتاب
1 / 5
الله وقراءة شيء منه، وفي أخبار المغازي والسير.
الباب الثالث: ويشتمل على عدة مباحث من متعلقات الحديث الضعيف، وقد قسمته إلى زمرتين جعلتهما في فصلين:-
الفصل الأول: ويشتمل على المباحث الآتية:-
١ - عناية المحدثين بالسند والمتن.
٢ - حكم الرواية عن الضعفاء.
٣ - أضعف الأسانيد.
الفصل الثاني: ويشتمل على المباحث الآتية:-
١ - مظان الحديث الضعيف.
٢ - الكتب المصنفة في الضعفاء.
٣ - الكتب المصنفة في أنواع خاصة من الحديث الضعيف.
الخاتمة: ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي، ثم أعقبت ذلك بفهارس الأحاديث والمراجع والموضوعات.
وفي أثناء الرسالة نقلت النصوص وأقوال الأئمة من مصادرها الأصلية، ولم أشأ أن أشين هذه النقول بكثرة التعليق عليها، بل اكتفيت بتنظيمها وتنسيقها وتوضيح المراد منها، وترجيح ما أراه راجحا من أقوالهم عند الاختلاف، كل ذلك على سبيل الاختصار، حفاظا على أساليب أولئك الأئمة لما تتمتع به من دقة في التعبير، وجزالة في الأسلوب.
وفي ختام هذا التقديم أتقدم بوافر الشكر، وخالص الدعاء لفضيلة أستاذي الدكتور محمد أديب الصالح الذي تفضل مشكورا بقبول
1 / 6
الإشراف على هذه الرسالة؛ رغم ما يقوم به من أعمال كثيرة، ومع ذلك فلم يبخل علي بوقت ولا رأي، مما جعل لملاحظاته وتوجيهاته أكبر الأثر على إخراج هذه الرسالة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
وكتبه
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
1 / 7
تمهيد
يحتوي على المباحث الآتية:-
١ - تعريف: الحديث، الخبر، الأثر، السنة، الحديث القدسي.
٢ - تقسيم الخبر باعتبار وصوله إلينا:-
أ- متواتر.
ب-آحاد.
تعريف كل منهما وأقسامه.
٣ - تقسيم الخبر من حيث القبول والرد:-
أ- مقبول.
ب- مردود.
تقسيم المقبول إلى:-
١ - صحيح لذاته.
٢ - حسن لذاته.
٣ - صحيح لغيره.
٤ - حسن لغيره.
*أما المردود فسيأتي الكلام عليه في الباب الأول، وما بعده.
1 / 9
تعريف الحديث النبوي الشريف
التعريف اللغوي:
الحديث: نقيض القديم، والحدوث نقيض القدمة، حدث الشيء يحدث حدوثا وأحدثه، فهو محدث وحديث (^١).
فالحديث ما يحدث به المحدث تحديثا، ورجل حدث: أي كثير الحديث (^٢).
قال الجوهري (^٣): الحديث الخبر يأتي على القليل والكثير، ويجمع على أحاديث على غير قياس (^٤). كقطيع وأقاطيع (^٥).
وقد ورد ذكر الحديث في القرآن على خمسة أوجه:
الأول: بمعنى الأخبار والآثار. ﴿... أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ...﴾ الآية (^٦).
الثاني: بمعنى القول والكلام ﴿.. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ..﴾ (^٧).
_________
(^١) لسان العرب مادة "حدث".
(^٢) تهذيب اللغة للأزهري ٤/ ٤٠٥.
(^٣) الجوهري: هو إسماعيل بن حماد أبو نصر، أصله من فاراب، ودخل العراق صغيرا، وسافر إلى الحجاز، فطاف البادية، وعاد إلى خراسان، ثم أقام في نيسابور.
أشهر مؤلفاته: الصحاح -تاج اللغة وصحاح العربية-، توفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. انظر: معجم الأدباء ٦/ ١٥١ - ١٦٥، بغية الوعاة ١/ ٤٤٦ - ٤٤٨.
(^٤) الصحاح للجوهري مادة "حدث".
(^٥) لسان العرب لابن منظور، مادة "حدث".
(^٦) الآية ٧٦ من سورة البقرة.
(^٧) الآية ٨٧ من سورة النساء.
1 / 10
الثالث: بمعنى القرآن العظيم ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ ...﴾ [الطور: ٣٤] الآية (^١).
الرابع: بمعنى القصص ذات العبر. ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ...﴾ (^٢) الآية.
الخامس: بمعنى العبر في حديث الكفار والفجار ﴿... فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ...﴾ الآية (^٣).
وكل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه، يقال له: حديث. قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ...﴾ الآية (^٤).
أما النبي ﷺ فقد أطلق على كلامه حديثا؛ وذلك حينما سأله أبو هريرة قائلا: "من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟، فقال له الرسول ﷺ: لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث" (^٥).
_________
(^١) الآية ٣٤ من سورة الطور.
(^٢) الآية ٢٣ من سورة الزمر.
(^٣) الاية ١٩ من سورة سبأ.
(^٤) الآية ٣ من سورة التحريم، انظر: بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي ٢/ ٤٣٩.
(^٥) رواه البخاري ١/ ١٩٣، ١١/ ٤١٨ "المطبوع مع الفتح"، والنسائي في سننه الكبرى كما في تحفهَ الأشراف للحافظ المزي ٩/ ٤٨٣.
1 / 11
التعريف الاصطلاحي:
عرفه الكرماني (^١) بأنه: علم يعرف به أقوال الرسول ﷺ وأفعاله وأحواله (^٢).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (^٣): "الحديث النبوي -عند الإِطلاق- ينصرف إلى ما حدث به عنه ﷺ بعد النبوة من قوله وفعله وإقراره" (^٤).
وعرفه الحافظ ابن حجر (^٥): بأنه ما يضاف إلى النبي ﷺ (^٦).
_________
(^١) الكرماني: هو محمد بن يوسف بن علي الكرماني ثم البغدادي، أخذ عن أبيه وجماعة ببلده ثم ارتحل إلى شيراز ومكة والطائف، ودخل الشام ومصر واستوطن بغداد.
من مؤلفاته: شرح البخاري، وشرح مختصر ابن الحاجب، وحاشية على تفسير البيضاوي، توفي سنة ست وثمانين وسبعمائة بطريق الحج.
انظر: الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر ٥/ ٧٧، درة الحجال ٢/ ٢٥٠.
(^٢) شرح البخاري للكرماني ١/ ١٢، وانظر: عمدة القاري للعيني ١/ ١١.
(^٣) ابن تيمية: هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني أبو العباس تقي الدين، المولود في "حران" سنة إحدى وستين وستمائة، وتحول به أبوه إلى دمشق، أفتى وصنف ودرس وناظر وبرع في التفسير والأصول.
زادت تصانيفه على أربعة آلاف كراسة، ومنها: الفتاوى الكبرى، والجواب الصحيح، ومنهاج السنة، وغيرها، توفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. انظر: البداية والنهاية لابن كثير ١٤/ ١١٧ - ١٢١، فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي ١/ ٧٤ - ٨٠.
(^٤) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/ ٦ - ٧.
(^٥) ابن حجر: هو أحمد بن علي بن حجر العسقلاني شهاب الدين أبو الفضل، حافظ وقته، وإمام عصره، ولع بالأدب والشعر ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ.
من مؤلفاته: فتح الباري شرح صحيح البخاري، والإصابة، ولسان الميزان، وتهذيب التهذيب وتقريبه، والنخبة وشرحها، وغيرها. توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
انظر: الضوء اللامع للسخاوي ٢/ ٣٦، البدر الطالع للشوكاني ١/ ٨٧.
(^٦) فتح الباري ١/ ١٩٣.
1 / 12
وعرفه السخاوي (^١): بأنه ما أضيف إلى النبي ﷺ قولا له أو فعلا أو تقريرا أو صفة حتى الحركات والسكنات في اليقظة والمنام (^٢).
نقد التعريفات السابقة:
تعريف الكرماني: غير شامل للتقرير، فهو غير جامع؛ ومع ذلك يقول فيه السيوطي (^٣): إنه غير محرر (^٤).
وتعريف شيخ الإسلام ابن تيمية: لم يذكر فيه الوصف؛ فهو غير جامع أيضا.
وتعريف الحافظ ابن حجر: مجمل، فليس بجامع ولا مانع.
وتعريف السخاوي: لم يقيد بما بعد النبوة، فهو غير مانع.
وأحسن تعريف للحديث الشريف -في نظري-: هو تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية إذا أضيف إليه الوصف.
وهكذا: نرى هذه التعريفات تتفق في حصر الحديث بكونه ما أضيف
_________
(^١) السخاوي: هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد شمس الدين السخاوي، مؤرخ محدث مفسر صنف المصنفات الكثيرة النافعة، منها: الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع، فتح المغيث شرح ألفية الحديث، والمقاصد الحسنة، وغيرها. توفي سنة اثنتين وتسعمائة.
أنظر: الضوء اللامع له ٨/ ٢ - ٣٢، شذرات الذهب لابن العماد ٨/ ١٥.
(^٢) فتح المغيث ١/ ١٢. وقارن به: شرح النخبة للملا علي القاري ص ١٦.
(^٣) السيوطي: هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضيري السيوطي الشافعي، صاحب المؤلفات التي تزيد على خمسمائة مؤلف، منها: الدر المنثور، والإتقان في علوم القرآن، تدريب الراوي، حسن المحاضرة، وغيرها، توفي سنة إحدى عشرة وتسعمائة انظر: حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة له ١/ ٣٣٥ - ٣٤٤، شذرات الذهب لابن العماد ٨/ ٥١ - ٥٥.
(^٤) تدريب الراوي ص ٥.
1 / 13
إلى النبي ﷺ دون غيره، لكن الحافظ الطيبي (^١) ذكر أن السلف أطلقوا الحديث على أقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان وآثارهم وفتاواهم (^٢).
الخبر: مرادف للحديث، كما تقدم في كلام الجوهري (^٣). ونقله الحافظ ابن حجر عن علماء الفن (^٤).
ويرى آخرون: أن الحديث ما جاء عن النبي ﷺ، والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها "الإخباري"، ولمن يشتغل بالسنة النبوية "المحدث" (^٥).
ويرى جماعة من أهل العلم أن بين الحديث والخبر عموما وخصوصا مطلقا، فكل حديث خبر من غير عكس (^٦)، على اعتبار أن الحديث هو المرفوع فقط، وأن الخبر يشمل المرفوع والموقوف (^٧).
الأثر: هو مرادف للحديث أيضا، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالحديث: "الأثري".
_________
(^١) الطيبي: هو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي، الإمام المشهور بالكرم والتواضع، وشدة الرد على الفلاسفة والمبتدعة.
من مصنفاته: صرح الكشاف للزمخشري، وشرح مشكاة المصابيح، والخلاصة في أصول الحديث، وغيرها. توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
انظر: البدر الطالع للشوكاني ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(^٢) الخلاصة في أصول الحديث للطيبي ص ٣٠.
(^٣) انظر ما تقدم ص ١٠ من الرسالة.
(^٤) شرح نخبة الفكر ص ٧.
(^٥) المصدر السابق وتدريب الراوي ص ٦.
(^٦) انظر: المصدرين السابقين.
(^٧) انظر: توجيه النظر للجزائري ص ٣.
1 / 14
وقيل: هو أعم من الحديث فيشمل المرفوع والموقوف، ومنه شرح معاني الآثار (^١)، لا شتماله عليهما (^٢).
ويرى الفقهاء الخراسانيون قصره على الموقوف (^٣).
السنة: وهي مرادفة للحديث أيضا، فقد عرفها الحافظ ابن حجر: بأنها ما جاء عن النبي ﷺ من أقواله وأفعاله وتقريره وما هم بفعله (^٤).
وهي كذلك عند الأصوليين (^٥) مرادفة للحديث (^٦).
لكن رد اللفظين إلى أصولهما يؤكد وجود بعض الفروق الدقيقة بين الاستعمالين.
فالحديث: اسم من التحديث الذي هو الإخبار، ثم سمي به قول النبي ﷺ وفعله وتقريره وصفته.
أما السنة: فإنها تبعا لأصلها اللغوي -الذي هو الطريقة- نجد أن لفظها
_________
(^١) لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الطحاوي الحنفي، المتوفى سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
(^٢) فتح المغيث للسخاوي ١/ ٩.
(^٣) علوم الحديث لابن الصلاح ص ٤٢، والتقريب للنووي مع التدريب ص ١٠٩.
(^٤) فتح الباري ١٣/ ٢٤٥.
(^٥) انظر: مختصر الطوفي "البلبل" ص ٤٩، مختصر التحرير ص ٣٠، إرشاد الفحول ص ٣٣، فتح الباري ١٣/ ٢٤٥.
(^٦) أما السنة عند الفقهاء: فهي ما كان فعله راجحا على تركه، ولا إثم في تركه كما في تهذيب الأسماء واللغات ٢/ ١/ ١٥٦، وفي كتب العقائد يراد بها ما يقابل البدعة انظر لإطلاقات السنة: الأحكام للآمدي ١/ ١٦٩، شرح الكوكب المنير ص ١٢١١ "التصويب"، تيسير التحرير ٣/ ٢٠، فواتح الرحموت ٢/ ٩٧، السنة لابن أبي عاصم ٢/ ٦٤٥ - ٦٤٧.
1 / 15
يوحي بأنها الطريقة التي سلكها النبي ﷺ في سيرته (^١).
فإذا كان الحديث عاما يشمل قول النبي ﷺ وفعله، فالسنة خاصة بأعماله (^٢).
ومن هذا المنطلق ندرك معنى قول عبد الرحمن بن مهدي (^٣) حين سُئِلَ عن الأوزاعي (^٤)، وسفيان الثوري (^٥)، ومالك بن أنس: أيهم أعلم؟
فقال: الأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في الحديث، وسفيان إمام في الحديث، وليس بإمام في السنة، ومالك إمام فيهما معًا (^٦).
لكن الحافظ ابن الصلاح (^٧) لما سئل عن هذا الكلام أجاب: بأن السنة-
_________
(^١) معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٣/ ٦١.
(^٢) انظر: تحقيق معنى السنة وبيان الحاجة إليها للندوي ص ١٨ - ٢٠.
(^٣) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن الديني: ما رأيت أعلم منه، مات سنة ثمان وتسعين ومائة.
انظر: تقريب التهذيب ١/ ٤٩٩.
(^٤) الأوزاعي: هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي أبو عمرو الشامي، الأمام العلم. قال ابن سعد: كان ثقة مأمونا فاضلا خيرًا كثير الحديث والعلم والفقه، توفي سنة سبع وخمسين ومائة.
انظر: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال للخزرجي ٢/ ١٤٦ - ١٤٧.
(^٥) الثوري: هو سفيان بن سعيد الإمام أبوعبد الله الثوري، أحد الأعلام علما وزهدا، قال ابن المبارك: ما كتبت عن أفضل منه، وقال ورقاء: لم ير سفيان مثل نفسه. توفي في شعبان سنة إحدى وستين ومائة.
انظر: الكاشف للذهبي ١/ ٣٧٨.
(^٦) ترتيب المدارك للقاضي عياض ١/ ١٣٢، شرح الزرقاني على الموطأ ١/ ٣.
(^٧) ابن الصلاح: هو الإمام الحافظ تقي الدين. أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوري الشافعي أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه، وأسماء الرجال.
من مؤلفاته: علوم الحديث، والفتاوى، وغيرهما. توفي سنة ثلاث وأربعين وستمائة. انظر: وفيات الأعيان لابن خلكان ٣/ ٢٤٣ - ٣٤٤، تذكرة الحفاظ للذهبي ٤/ ١٤٣٠.
1 / 16
هنا- ضد البدعة، وقد يكون الإنسان من أهل الحديث وهو مبتدع، ومالك ﵁ جمع بين السنتين، فكان عالما بالسنة أي: الحديث، ومعتقد السنة، أي: كان مذهبه مذهب أهل الحق من غير بدعة (^١).
لكن هذا التوجيه غير وجيه، لأنه يلزم منه أن سفيان الثوري مع معرفته بالحديث لا يعرف البدع وأهلها، وهذا بعيد.
وأجود منه ما قاله الشيخ ولي الله الدهلوي (^٢) حيث قال ما ملخصه:
"إن السلف على قسمين: قسم يستنبط من النصوص مباشرة، وآخر يستنبط من القواعد الكلية التي هذبها جماعة من الأئمة بدون التفات إلى مأخذها، فالثوري كان إماما في نقل الأحاديث، وآثار الصحابة بأسانيد صحيحة. والأوزاعي كان إماما في معرفة قواعد السلف في كل باب من أبواب الفقه، وأما الإمام مالك فكان إماما في كلا الأمرين" (^٣).
لكن هذا التفريق لم يعش طويلا فيما بعد، وأضحت الكلمتان مترادفتين ولا يذكر التفريق بينهما إلا من أجل فهم مثل هذه العبارة الواردة عن ابن مهدي.
_________
(^١) فتاوى ابن الصلاح ص ٣٦.
(^٢) الدهلوي: هو ولي الله أحمد بن عبد الرحيم العمري الدهلوي، محدث مفسر فقيه أصولي.
من مؤلفاته: حجة الله البالغة، والمصفى شرح الموطأ بالفارسية، والمسوى من أحاديث الموطأ بالعربية، وغيرها. توفي سنة ست وسبعين ومائة وألف.
انظر: مقدمة المسوى ١/ ١ - ١٢، معجم المؤلفين ١٣/ ١٦٩.
(^٣) تسهيل دراية الموطأ تعريب مقدمة المصفى المطبوعة مع المسوى ١/ ١٥ - ١٧.
1 / 17
الحديث القدسي:
الأحاديث النبوية، منها: ما يسنده الرسول ﷺ إلى نفسه إسنادًا مباشرًا، فيسمى حديثًا بالمعنى المتقدم المتعارف عليه بين المحدثين.
ومنها: ما يحكيه النبي ﷺ عن الله ﷿ بإسلوب غير إسلوب لقرآن الكريم (^١)، وهذا مع مغايرته لاسلوب القرآن الكريم إذا صح تظهر عليه النفحة الإلهية، والهيبة الربانية، والنوع الأخير هو ما اصطلح المحدثون على تسميته بالحديث القدسي.
تعريفه:
القدسي: منسوب إلى القدس، والقدس: الطهارة والنزاهة، ومنه اسمه ﵎ (القدوس) أي: الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص، ومنه الأرض المقدسة، لأنها يتقدس فيها من الذنوب. وروح القدس: جبريل لأنه خلق من طهارة (^٢).
_________
(^١) هناك فرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي من وجوه، منها:
أ- أن القرآن الكريم كلام الله تعالى بلفظه ومعناه، والحديث القدسي كلام الله بمعناه فقط.
ب- أن القرآن الكريم منقول بطريق التواتر بخلاف الحديث القدسي.
جـ- أن القرآن الكريم معجزة باقية على مر الدهر محفوظة من التغيير والتبديل بخلاف الحديث القدسي.
د- أن القرآن الكريم يحرم مسه للمحدث، وتحرم تلاوته للجنب بخلاف الحديث القدسي.
هـ- أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته، فهو المتعين للقراءة في الصلاة ومجرد قراءته عبادة بخلاف الحديث القدسي.
انظر: فتح المبين بشرح الأربعين للهيثمي ص ٢٠٠ - ٢٠١، قواعد التحديث للقاسمي ص ٦٦.
(^٢) انظر النهاية لابن الأثير وتلخيصها الدر النثير للسيوطي مادة "قدس".
1 / 18
فالحديث القدسي: ما أضافه الرسول ﷺ، وأسنده إلى ربه ﷿ من غير القرآن (^١).
فهو حديث، لكون الرسول ﷺ هو الحاكي له عن ربه ﷿.
وقدسي: لأنه منسوب إلى القدوس، لأنه صادر عن الله ﵎.
صيغ الحديث القدسي:
للحديث القدسي صيغتان:
إِحداهما: أن يقول الراوي: قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه ﷿.
مثال ذلك: ما روى مسلم عن أبي ذر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه ﵎: "إِني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ... " الحديث (^٢).
الثانيه: أن يقول الراوي: قال رسول الله ﷺ: قال الله تعالى، أو يقول الله ﷿.
مثال ذلك: ما روى أبو هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ، قال: قال الله ﷿: "إِذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة ... " الحديث (^٣).
_________
(^١) انظر: الفتوحات الربانية شرح الأذكار النووية لابن علان ٧/ ٣٨٩.
(^٢) رواه مسلم مطولا ١٦/ ١٣١ - ١٣٤ بشرح النووي.
(^٣) رواه مسلم ٢/ ١٤٧ - ١٤٩ بشرح النووي، والنسائي في سننه الكبرى كما في تحفة الأشراف ١٠/ ١٦٨، والترمذي رقم ٣٠٧٥، وقال: حسن صحيح.
1 / 19
تنبيه: وصف الحديث بكونه قدسيا لا يعني أنه صحيح؛ إذ أن الصحة والضعف مرجعهما إلى السند، وهذه الوصفية مرجعها إلى نسبة الكلام إلى الله ﵎.
فعلى هذا قد يكون الحديث القدسي صحيحا، وقد يكون حسنا، وقد يكون ضعيفا.
1 / 20
أقسام الحديث النبوي
أولا: تقسيمه باعتبار وصوله إِلينا:
الحديث باعتبار وصوله إلينا، إما أن تتعدد طرقه ورواياته، أو لا تتعدد.
فإن تعددت الطرق، فلا يخلو الأمر من شيئين:-
أولهما: أن يكون التعدد بلا حصر، وتحيل العادة تواطؤ جميع رواته على الكذب، أو وقوعه منهم اتفاقا، وهذا ما يسمى في الاصطلاح بالتواتر.
ثانيهما: أن يكون محصورا بعدد معين، وهذا ما يسمى في الاصطلاح بالآحاد.
وهذا التعدد إن كان بما فوق الاثنين، فهو المسمى بالمشهور.
وإن كان بالاثنين فقط؛ فهو المسمى بالعزيز، وهذا العدد هو نهاية التعدد.
وإن لم تتعدد طرقه؛ ولو كان الانفراد في طبقة من طبقات رواته فهو ما اصطلح على تسميته بالغريب، وقد اصطلح العلماء على تسمية هذه الأقسام الثلاثة: المشهور، العزيز، الغريب: بالآحاد.
وإليك الكلام على هذه الأقسام بإيجاز:
1 / 21
القسم الأول: المتواتر
تعريفه:
لغة: مشتق من التواتر، بمعنى التتابع. يقال: تواترت الإبل والقطا، وكل شيء إذا جاء بعضه في بعض، ولم تجئ مصطفة (^١).
واصطلاحا: ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم، ويستوي طرفاه والوسط، ويخبرون عن حسي لا مظنون (^٢).
شروط المتواتر:
للمتواتر شروط أربعة، هي:-
١ - أن يخبر به عدد كثير يحصل العلم الضروري بصدق خبرهم من غير حصر (^٣) على الصحيح، ومن العلماء من عين رقمًا لأدنى العدد المطلوب، فقيل: عشرة لأنه أول جموع الكثرة، وقيل: أربعون، وقيل: سبعون عدة أصحاب موسى ﵇، وقيل: ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أصحاب بدر؛ وقيل غير ذلك (^٤).
٢ - أن يخبروا عن علم لا عن ظن، فإن أهل بلد عظيم لو أخبروا عن طائر ظنوا أنه حمام، أو عن شخص أنهم ظنوا أنه زيد لم يحصل العلم
_________
(^١) تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي مادة "وتر".
(^٢) شرح النووي على مسلم ١/ ١٣١، وانظر: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي ١/ ٩٥ - ٩٦، والكفاية له ص ٥٠.
(^٣) شرح نخبة الفكر ص ٨، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٨/ ٥٠.
(^٤) انظر: تدريب الراوي ص ٣٧١، ألفية السيوطي بشرح أحمد شاكر ص ٤٤، وإرشاد الفحول ص ٤٧ - ٤٨.
1 / 22
بكونه حمامًا أو زيدًا (^١).
٣ - أن يكون علمهم مستندًا إلى أمر محس، إذ لو أخبروا عن حدوث العالم، أو عن صدق الأنبياء، لم يحصل لنا العلم، فلابد أن يستند فيه ناقلوه إلى الحواس كالسمع والبصر، لا لمجرد إدراك العقل، قال الحافظ ابن حجر: "الأخبار التي تشاع، ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق" (^٢).
٤ - أن توجد هذه الشروط في جميع طبقات السند، لأن كل عصر يستقل بنفسه، فلابد من وجود الشروط فيه، ولأجل ذلك لم يحصل لنا العلم بصدق اليهود مع كثرتهم في نقلهم عن موسى ﵇ تكذيب كل ناسخ لشريعته (^٣).
أقسام التواتر:
ينقسم التواتر إلى أربعة أقسام هي:
الأول: التواتر اللفظي. وهو ما تواتر لفظه ومعناه.
ومثاله: حديث "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" (^٤).
فإنه نقله من الصحابة العدد الجم (^٥). وقد سمى الشيخ محمد أنور
_________
(^١) المستصفى للغزالي: ص ١٥٨، وجامع الأصول لابن الأثير ١/ ١٢١.
(^٢) فتح الباري شرح صحيح البخاري ٩/ ٢٩٢ - ٢٩٣.
(^٣) روضة الناظر لابن قدامة ص ٨٨، وانظر: شرح النخبة للملا علي القاري ص ١٩ - ٢٤ لهذه الشروط.
(^٤) الحديث: رواه البخاري ١/ ٢٠٠، ٢٠٢ مع الفتح، ومسلم ١/ ٦٦ - ٦٧ بشرح النووي، وأبو داود رقم ٣٦٥١، والترمذي رقم ٢٦٦١، وابن ماجة رقم ٣٠، ٣٧، وأحمد ٢/ ١٥٩.
(^٥) علوم الحديث لابن الصلاح ص ٢٤٢.
1 / 23