The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
शैलियों
هروب المتخاذلين من الجيش المصري
برغم كل هذا الإعداد المادي والدبلوماسي والمعنوي والاقتصادي لهذا الجيش، وبرغم التحفيز العظيم الذي قام به العلماء لحث الناس على الجهاد، إلا أنه كان هناك بعض المسلمين الضعفاء، لم يصدقوا أن القتال أصبح أمرًا واقعًا، وهؤلاء هم ضعفاء القلب لا ضعفاء البدن، فطوال هذه الفترة السابقة كان هؤلاء الضعفاء يعتقدون أن هذه مجرد نفرة حماسية، وسوف تهدأ الأمور بعدها، ولم يصدقوا أنه سيكون هناك قتال مع التتار، وكانوا يعتقدون أن هذه مجرد كلمات تقال من قطز كعادة الزعماء في الضحك على شعوبهم؛ لمجرد التنفيس عن الضغوط؛ لكي لا يحدث انفجار، ولم يعتقدوا أبدًا أن قطز ﵀ يعد العدة الحقيقية للقتال، فلما اقتربت ساعة الصفر وعلموا أن القتال حقيقيًا وقريبًا تزعزعت قلوبهم، وبدءا يفكرون في الهرب من الجيش، وهرب بعضهم فعلًا، واختبأ عن أعين المراقبين، بل إن منهم من خرج بالكلية من مصر ليهرب إلى قطر آخر، فمنهم من هرب إلى الحجاز، ومنهم من هرب إلى اليمن، بل إن منهم من وصل في هروبه إلى بلاد المغرب.
وبعض المحللين يعتقد أن ذلك خسارة، وأن الجيش فقد بعضًا من عناصره الهامة، أو أنه على الأقل سيصبح قليلًا في أعين الأعداء، لكن كان الخير كل الخير في هروب هؤلاء في هذه اللحظات الحقيقية في القتال، والله ﷿ يصعب أحيانًا جدًا من أمر اللقاء قبل أن يحدث؛ حتى ينقي الصف المسلم، فلا يخرج إلى القتال إلا من ينوي أن يثبت في أرض القتال.
وأما ماذا كان سيحدث لو خرج هؤلاء المتذبذبون في جيش المسلمين؟ فقد وضح الله ﷿ ذلك في سورة التوبة، فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ﴾ [التوبة:٤٧]، أي: هؤلاء المتذبذبون المنافقون، ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [التوبة:٤٧].
فهؤلاء المذبذبون لو خرجوا في الجيش المسلم لأضعفوا قوته، ولبثوا فيه الاضطراب والقلق، وتارة يفعلون ذلك عن غير عمد بخوفهم وجبنهم، وتارة عن عمد بغية إثارة الفتنة، والمشكلة الكبرى كما قال ربنا في كتابه: ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة:٤٧].
أي: أن بعض المسلمين الصادقين سيستمعون لهم، وسيتشككون، وسيقتنعون بكلامهم، وهذه مصيبة كبيرة جدًا.
ولذلك كان خروج هؤلاء من الصف في هذا الوقت المبكر مصلحة عظيمة جدًا للجيش المسلم، وبذلك طهر الجيش المسلم وأصبح نقيًا خالصًا، فكل من خرج إلى عين جالوت كان يعلم أنه سيلقى التتار، ويتمنى أن يموت شهيدًا في سبيل الله.
9 / 14