331
فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت، فقال رسول الله ﷺ:" ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه فعرضت علي الجنة، فرأيت أكثر أهلها الفقراء، فتناولت منها عنقودًا حين رأيتموني جعلت أتقدم، فقصرت يدي عنه، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. ثم عرضت عليّ جهنم يحطم بعضها بعضًا، وذلك حين رأيتموني تأخرت، حتى لقد جعلت أتقيها مخافة أن يصيبني من لفحها، ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟، قال: بكفرهن. قيل: يكفرن بالله؟، قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا؛ قالت: ما رأيت منك خيرًا قط. ورأيت فيها عمرو بن لحي يجر قُصْبَهُ (^١) - وهو الذي سيب السوائب، ورأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها، فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعًا فهي إذا أقبلت تنهشها، وإذا أدبرت تنهشها. ورأيت فيها صاحب المحجن متكئًا على محجنه في النار، يقول: أنا سارق المحجن - وكان يسرق الحجيج بمحجنه، فإن فُطِن له؛ قال: لست أنا أسرقكم، إنما تعلق بمحجني. وإن غُفِل عنه ذهب به-، والذي سرق بدنتي رسول الله ﷺ فلم أر منظرًا كاليوم قط أفظع. ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبًا من فتنة الدجال، يُؤتى أَحَدُكم فيقال له: ما علمك بهذا الرجل؟، فأما المؤمن فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا - ثلاث مرار - فيقال: قد كنا نعلم إنك لتؤمن به، فنم صالحًا، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فاستعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق. والذي نفسي بيده إن الموتى ليعذبون في قبورهم عذابًا تسمعه البهائم كلها. قالت عائشة: فما رأيت رسول الله ﷺ بعد ذلك صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.

(^١) يَجُرُّ قُصْبَهُ (أمعاءه) فِي النَّارِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إِسْمَاعِيلَ فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ وَبَحَّرَ الْبَحِيرَةَ وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ وَحَمَى الْحَامِيَ.

1 / 365