The Siwak and the Sunnah of Fitrah - Al-Muqaddim
السواك وسنن الفطرة - المقدم
शैलियों
السواك وسنن الفطرة [١]
لقد جمعت الشريعة الإسلامية من كل شيء أحسنه، وحوت من الآداب والشمائل ما لم يجتمع في غيرها من الشرائع، وإن من محاسن الشريعة الإسلامية: اعتناؤها بنظافة الفرد المسلم باطنًا وظاهرًا، والتأكيد على كل ما يجعل مظهره مثاليًا، ومن هذا الأمر بسنن الفطرة، كالسواك، حيث أوصى النبي ﷺ بالمداومة عليه.
1 / 1
السنن والآداب مظهر من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فقد روى أبو هريرة ﵁ عن النبي ﵌ أنه قال: (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب)، رواه البخاري ومسلم، والإمام مالك في موطئه، والترمذي، وأبو داود، والنسائي.
وفي رواية: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وقص الشارب).
وروي عن النبي ﵌ من طريق زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن أم المؤمنين عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء)، وانتقاص الماء: هو الاستنجاء.
قال زكريا: قال: مصعب: ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة.
وبعض العلماء قالوا: لعل هذه التي نسيها هي الختان؛ لأنها أولى، وقول النبي ﷺ: (خمس من الفطرة) يوضح معنى قوله: (الفطرة خمس).
وهذا يعني أن الفطرة لا تنحصر في خمس أو عشر، فهذه هي بعض خصال الفطرة، وحديثنا على خصال الفطرة لا يقتصر على مجرد أبواب من الفقه، وإنما هي إطلالة على مظاهر تكريم الإسلام لهذا الإنسان.
وإذا تأملت نظرة الإسلام إلى الإنسان وتكريمه واحترامه، تجد فيها مصداق قوله ﵎: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:٧٠]، فما هو في الحقيقة إلا مظهر من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان، وتعظيم حرمته، ورفع شأنه ومكانته.
وهذه الآداب والسنن كانت تنتشر مع الإسلام حيثما انتشر وسطع نوره في آفاق الدنيا، كما هو الحال في أوروبا؛ حيث إن الأوروبيين لم يكونوا يعرفون عادة الاستحمام الذي يعتبر شيئًا طبيعيًا جدًا عند المسلمين، ولم يكن الأوربيون يظنون أن الإنسان يمكن أن يستحم في بيته.
فتزامن انتشار عادة الاستحمام في الغربيين مع الوجود الإسلامي في الأندلس -تلك الجنة المفقودة- لما كان الطلاب الأوربيون يفدون إلى الأندلس ليتعلموا من المسلمين، كانوا يقتبسون منهم من الفضائل هذه العادات وهذه النظافة، فهم يعترفون بهذا، وكثيرًا ما يتحدثون، بل حتى هذا الزمان الذي نعيش فيه أجريت عدة إحصائيات ودراسات في فرنسا، فوجدوا أن أغلب الفرنسيين لا يستحمّون مرة واحدة في العام، ثم قال الباحث -وهو كافر مشرك-: إن هذا هو سر تفوق الفرنسيين في صناعة العطور، حتى يكتموا بها رائحتهم الخبيثة؛ التي تتراكم خلال سنة كاملة.
حتى أنك إذا نظرت في الأحواض عندهم في كثير من البلاد -كألمانيًا مثلًا أو غيرها- تجد أن الحوض عبارة عن خلاط ماء لا يختلط فيه الماء الساخن بالبارد، لكن الحوض يكون فيه سدادة، ثم ماسورة مستقلة للماء البارد، وماسورة مستقلة للماء الساخن.
وقد تستغرب كيف تستعمل هذا الماء؟ حتى إن الإنسان أحيانًا يحار كيف يتوضأ؟ لأنك إذا استعملت الماء البارد يكون باردًا جدًا، وإذا استعملت الماء الساخن يكون ساخنًا جدًا، وكلاهما لا تستطيع أن تستعمله، فهم يفعلون ذلك؛ لأن النظافة عندهم هي أن أحدهم في الصباح إذا أراد أن يغسل وجهه يملأ الحوض بالماء، ويخلطه في نفس الحوض، ثم يغسل وجهه فيه، وانتهى كل شيء!! هذه هي النظافة عندهم، بل يسخرون أحيانًا من المسلمين لما هم عليه من آداب التخلي والاستنجاء والتنظف التي لا يعرفون لها معنى.
وهذا من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان، وهذا السلوك الذي عليه الأوروبيون أو الغربيون الكفار ربما يكون صدىً لكلام أسلافهم الذين مضوا من قبل، وقد تكرر تصادم الديانة النصرانية المحرفة مع الفطرة، وكيف أنهم حمّلوا أنفسهم ما لا يحتملون، حتى أنهم صاروا يتعبدون بأن يأتي أحدهم إلى بئر ماؤه مالح ويمكث فيه ستة أشهر أو سنة، وهو يظن أن هذه عبادة، أو يحمل أحدهم ثقلًا كبيرًا جدًا من الحديد ويقف على رجل واحدة، وإذا أراد أن ينام يسند ظهره إلى حائط! كل هذا من تعذيب النفس الذي كان عندهم، وهذه صورة من صور التعبد التي كانت عندهم، كما اقتبسه منهم بعض الصوفية الجهلاء، فيقول أحدهم متحدثًا عن واحد من أشهر رهبانهم: إنه لم يقترف إثم غسل رجليه طول عمره! وكان بعض هؤلاء الرهبان يتحسر على عدم اتباع سيرة أسلافه الذين مضوا، فيقول: لقد أتى علينا زمان كنا نتأثم أن يغسل أحدنا ثوبه أو رجليه -ثم يقول متحسرًا متأسفًا- وها نحن الآن ندخل الحمامات.
فهو يندم على هذا، ويعتبره من مظاهر الانحراف عن الجادة! الشاهد: أن هذه السنن والآداب من مظاهر تكريم الإسلام للإنسان.
إذا تأملت الإسلام من أي زاوية فإنك تجد عظمة لا مثيل لها، وتجد الأدلة قاطعة على أن هذا دين الله، ولا يمكن أن يأتي دين بأفضل مما جاء به هذا الدين، فضلًا عن أدلة صدق النبوة الكثيرة، وأدلة إعجاز القرآن وغير ذلك، لكن حتى هذه الأحكام الجزئية تجد أنها متفقة تمامًا مع الفطرة، ولو تُرك الإنسان لفطرته التي فطره الله عليها فإنه سيهتدي بهذه الفطرة إلى هذه السنن، ولو لم يتعرض الإنسان لمؤثرات البيئة من حوله كتقليد الآباء والأجداد وغيرهم ممن حوله لو خُلّى عن هذه المؤثرات البيئية المنحرفة، وبقي على فطرته التي فطره الله عليها حتى لو لم يطلع على هذه الشرائع يجد بمقتضى هذه الفطرة أنه ينبغي أن يقص أظافره، ويعفي لحيته، فإن استقرت فطرته اهتدى لهذه الأشياء حتى لو لم يدله عليها أحد، إلا أن تغير هذه الفطرة السوية سببه مؤثرات البيئة الفاسدة من حوله.
إذا تأملت الإسلام من أي النواحي فإنك تجد فيه هذه العظمة، وتجد هذه النظافة وهذا التكريم للإنسان، وهذا هو معنى التكريم؛ لأن الإنسان له قيمة وحرمة عظيمة في الإسلام، فالهيئة البشرية الكاملة هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فكل ما خلقه الله ﵎ في جسد الإنسان هو فطرة الله ﵎، ما عدا ما أمر الشرع بإزالته فإن إزالته هو الفطرة، وما شرع إلا لحكم عظيمة يعلمها الله ﵎، فحينئذٍ الأصل أن كل هيئة خلق عليها الإنسان هي فطرة الله التي فطره عليها، فينبغي أن يحافظ عليها ولا يغيرها.
هذه الفطرة تشمل جانبين: الجانب الحسي البدني، والجانب القلبي الذي يشتمل على: العقيدة والتوحيد.
فإن الإنسان إذا خلا عن مؤثرات البيئة الفاسدة فإنه يهتدي بقلبه إلى توحيد الله ﵎؛ لأنه مفطور على التوحيد والإقرار بالله ﷿؛ ولذلك فإن أقوى وأسهل دليل نستطيع أن نقيمه على وجود الله ﵎ هو الفطرة؛ بحيث أن الإنسان سوي الفطرة لا يحتاج أبدًا لهذا السؤال، ويجد أن قلبه يقرّ بذلك ويسلم به ويوقن به دون أن يخوض في المباحث الكلامية أو الفلسفية، فالإنسان بفطرته يهتدي إلى التوحيد، وبفطرته يهتدي إلى هذه الصورة السوية للكمال البشري، وهي الصورة التي خلقه الله عليها، إلا ما أمر الشرع بإزالته فإن إزالته هو من الفطرة.
1 / 2
معنى الفطرة
ذكر العلماء أن أصل الفطر: الشَّقّ طولًا.
ويطلق أيضًا على الاختراع.
قال أبو أسامة: أصل الفطرة: الخلقة المبتدئة، ومن ذلك قوله ﵎: ﴿فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الأنعام:١٤]، أي: الذي ابتدأ خلقهن.
وقوله ﵊: (كل مولود يولد على الفطرة) يعني: على ما ابتدأ الله خلقه عليه، وفي هذا إشارة إلى قول الله ﷿: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم:٣٠].
فالمعنى: أن كل أحد لو تُرك كما كان وقت ولادته لأداه نظره إلى الدين الحق وهو التوحيد، ويؤيده أيضًا قوله ﵎: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ».
وإليه الإشارة أيضًا في حديث عقبة الذي ختنه النبي ﷺ حيث قال: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه)، فدل على أن الإسلام هو دين الفطرة؛ لأنه لم يقل: أو يسلّمانه، وهذا يعني أن الأصل في الإنسان أنه يولد مسلمًا مهيئًا لقبول دعوة التوحيد.
قال بعض العلماء: إن الفطرة تعني أحيانًا: السنّة، أي: سُنّة الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، والتي أمرنا أن نقتدي بهم فيها.
1 / 3
حكم سنن الفطرة
يقول الإمام أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى في شرحه على الموطأ: عندي أن الخصال المذكورة في هذا الحديث كلها واجبة؛ فإن المرء لو تركها لم تبق صورته على صورة الآدميين، فكيف من جملة المسلمين؟! فهذا مذهب الإمام أبو بكر العربي، وهو حق؛ فلو تخيلت إنسانًا مكث سنوات طويلة دون أن يقلم أظفاره، تخيل إنسانًا أو امرأة بمثل هذه المخالب! ولا تسمى أظافر في هذه الحالة، بل هذه كمخالب الوحوش والأسود الجارحة أو الحيوانات المفترسة! ثم تأتي أحيانًا المرأة فوق ذلك وتخضبها أيضًا بالأحمر، فكأنها لوثت بدماء الفريسة! وهذا شيء تنفر منه الفطرة، فكيف ترى النساء مثل هذه القبائح على أنها أمورًا جميلة؟! يُقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسنِ تخيل إنسانًا ترك شاربه حتى يطول وينسدل إلى كتفيه كما ترى في المناظر القبيحة لبعض أئمة الكفر، ونحو هذه الأشياء لو تخيل الإنسان أنه لم يتناوله بهذا التنظيم الإسلامي لما بقيت صورته على صورة الآدميين، فكيف يكون من جملة المسلمين أهل النظافة والعفاف والتقى؟! لكن بعض العلماء تعقبوا قول القاضي أبو بكر بن العربي، فقالوا: ليست كل هذه الخصال واجبة لكن المطلوب من هذه الأشياء تحسين الخلقة والنظافة.
فما كان من الفطرة ومن باب تحسين الخلقة فلا يحتاج إلى أن يأمر به الشارع ويوجبه على الإنسان، فمجرد الندب والإرشاد إليها كافٍ؛ لأن الإنسان بمقتضى فطرته يؤدي هذه الأشياء.
وقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى: ذهب أكثر العلماء إلى أنها -أي: الفطرة-: السنّة.
ومعناه: أنها من سنن الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقيل: هي الدين.
وقال السيوطي رحمه الله تعالى: وأحسن ما قيل في تفسير الفطرة: أنها السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه.
وهذا أحسن ما قيل في تفسير الفطرة.
وقال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في معنى الفطرة: هي ما جبل الله الخلق عليه، وجَبَلَ طباعهم على فعله، وهي كراهة ما في جسده مما هو ليس من زينته، يعني: أن الإنسان يكره أشياء في جسده تنافي الزينة، وتنافي النظافة والتطيب.
1 / 4
أقسام الفطرة
يقول الإمام المحقّق شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى: والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله، ومحبته وإيثاره على ما سواه.
وفطرة عملية، وهي هذه الخصال؛ فالفطرة الأولى تزكي الروح، وتطهر القلب، والثانية تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها، وكان رأس فطرة البدن الختان.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: فيتعلق بخصال الفطرة مصالح دينية ودنيوية تدرك بالتتبع، منها: تحسين الهيئة، وتنظيف البدن جملة وتفصيلًا والاحتياط للطهارتين، والإحسان إلى المخالط والمقارن بكف ما يتأذى به من رائحة كريهة، ومخالفة شعار الكفار من المجوس واليهود والنصارى وعُبّاد الأوثان، وامتثال أمر الشارع، والمحافظة على ما أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر:٦٤]، لما في المحافظة على هذه الخصال من مناسبة ذلك، وكأنه قيل: قد حُسّنت صوركم -أي: أن الله خلقنا وحسّن صورنا- فلا تشوهوها بما يقبحها، أو حافظوا على ما يستمر من حسنها.
وفي المحافظة عليها محافظة على المروءة وعلى التآلف المطلوب؛ لأن الإنسان إذا بدا في الهيئة الجميلة كان ذلك أدعى لانبساط النفس إليه، فيقبل قوله، ويحمد رأيه، والعكس بالعكس.
1 / 5
السواك
قال في منار السبيل: (باب السواك).
الباب لغة: المدخل إلى الشيء والطريق الموصل إليه، واصطلاحًا: اسم لجملة من العلم، تحته فصول ومسائل متفرعة.
قوله: (باب السواك) أي: باب السواك وما ألحق به من الادهان والتطيب وخصال الفطرة، وكلمة (السواك) تطلق على معنيين: الأول: تطلق على الفعل نفسه، فيقال: التسوك، أو الاستياك، أو الاستنان.
الثاني: تطلق على الآلة نفسها، فيقال: سواك أو مسواك.
1 / 6
حكم السواك
قال: (يسن بعود رطب لا يتفتت) قوله: (يسن) فيها حكم السواك وأنه سنة مؤكدة مطلقًا.
وقوله: (بعود رطب).
الرطب: ضد اليابس، وهو العود الأخضر، فهو يكون أبلغ وأجود في الإنقاء، قال العلماء: وأجود ما يستعمل إذا كان مبلولًا بماء الورد، ثم بالماء من أراك أو زيتون أو عرجون أو غيرها.
وفي الحديث: (كان النبي ﷺ يستاك بعود أراك).
أراك: واحدته: أراكه، بالهاء.
يقول الألباني عن هذا الحديث: لم أجده بهذا اللفظ، لكنه في حديث ابن مسعود ﵁: (كنت أجتني لرسول ﷺ سواكًا من الأراك)، وحديث ابن مسعود هنا يغني عن الحديث المذكور قبله.
وهو مسنون مطلقًا؛ لقوله ﷺ: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).
لك أن تقول: مَطهرة أو مِطهرة، بفتح الميم أو بكسرها، وهذا الحديث صحيح، رواه الإمام أحمد.
قال في الشرح: ولا نعلم في استحبابه خلافًا، ولا نعلم أحدًا قال بوجوبه إلا إسحاق، وداود والإمام النووي ﵀ يقول: هذا النقل عن إسحاق غير معروف، ولا يصح عنه.
فلا يصح عن إسحاق أنه قال بوجوب السواك، واستدل داود بأنه مأمور به أي: أن داود الظاهري ﵀ يرى أن السواك واجب؛ لأنه مأمور به، وظاهر الأمر الوجوب.
وأدلّة الأمر بالسواك مصروفة عن ظاهرها الذي يقتضي الوجوب إلى الاستحباب، والدليل الصارف عن الظاهر هو قوله ﵌: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
متفق عليه، وفي الحديث: (أنه ﷺ أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة)، وهذا الحديث حسنه الألباني، وهذا الحديث مصروف عن ظاهره وهو الوجوب إلى الاستحباب بدليل قوله في الحديث الآخر: (لولا أن أشق على أمتي)؛ لأنه لو كان واجبًا لأمرهم به، فلما لم يأمرهم دلّ على أنه مستحب فقط.
يكره التسوك للصائم من بعد الزوال حتى تغرب الشمس، وينبغي أن نفهم معنى قوله: (حتى تغرب الشمس) حيث قيدها بهذه العبارة؛ وذلك إبقاءً على رائحة خلوف فم الصائم التي هي أطيب عند الله من ريح المسك، وأنه أثر عبادة مستطاب، فلم تستحب إزالته كدم الشهداء.
لكن هذا القول مرجوح، والراجح خلافه؛ لأن السواك مرضاة للرب، وهي أطيب من ريح المسك، وعموم النصوص الآمرة بالسواك لم تخص وقتًا دون وقت؛ لأن مصدر خلوف فم الصائم هو المعدة وليس الأسنان، فسواء تسوّك أم لم يتسوك، فإن الخلوف لا يزيله التسوك، بل يبقى ما دام الإنسان جائعًا.
وقد وقع الخلاف في حصول السواك بغير العود، فكل ما يحصل به الإنقاء يُعدّ سواكًا وأفضله عود الأراك المشهور، لكن من استاك بغير عود وحصل الإنقاء فإنه يعتبر سواكًا، سواء كان التسوك بفرشاة أو بغيرها مما يمكن به الإنقاء.
ويتأكد السواك عند الوضوء، أي: في حالة المضمضة، وحتى لو تيمم فينبغي له أن يستاك، وحتى لو كان فاقدًا الطهرين -التيمم وبالماء- فإنه أيضًا يستاك.
وينبغي التسوك عند أي صلاة فرضًا كانت أو نفلًا، وإن لم يتغير الفم؛ لقوله ﷺ: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
وفي رواية: (لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
فقوله: (مع كل وضوء)، فيه دليل على أن الاستياك سنة من سنن الوضوء، لا أنه سنة مستقلة عن الوضوء، كما هو واضح من قوله: (مع كل وضوء)، لكنه في غير الوضوء يعتبر سنة مستقلة بذاتها.
1 / 7
الأحاديث الواردة في فضل السواك
قبل أن نمضي في دراسة هذا المتن أو النص الذي ذكره الشارح نمر سريعًا على بعض الفضائل والتنبيهات التي تتعلق بالسواك.
السواك سنة من السنن المؤكدة عن النبي ﵌ -وإن كان بعض العلماء قال بوجوبه- ومما ثبت من فضيلة السواك حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
والسواك: يطلق على الآلة نفسها وهي العود الذي يستعمل، أو على الفعل، فيقول ﵊: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة).
قوله: (لأمرتهم) يدل على أنه لو أمر به لوجب، فيؤخذ من هذا دليل على صحة القاعدة: أن ظاهر الأمر يقتضي الوجوب.
فالأصل في أمر النبي ﷺ -على الأرجح- أنه يجب التزامه.
وعن عائشة ﵂ أن رسول الله ﷺ قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء عند كل صلاة)، رواه ابن حبان.
وفي حديث ابن حبيب بلفظ: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضأون).
وعن ابن عباس ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ يصلي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك)، وعن ابن عباس ﵄ أيضًا: (أنه بات عند نبي الله ﵌ ذات ليلة، فقام نبي الله ﷺ من آخر الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلى هذه الآية في آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران:١٩٠] حتى بلغ: ﴿فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران:١٩١]، ثم رجع إلى البيت فتسوك، فتوضأ، ثم قام فصلى، ثم اضطجع، ثم قام فخرج، فنظر إلى السماء، فتلى هذه الآية، ثم رجع فتسوك فتوضأ، ثم قام فصلى) رواه مسلم.
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (لقد أكثرت عليكم في السواك).
رواه البخاري.
وعن أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله ﵌ (أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة)، فكأن هذا كان أولًا للوجوب، ثم صار للاستحباب.
وعن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: (فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها سبعين ضعفًا).
وهذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﵌.
وفي صحيح مسلم قول النبي ﷺ: (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العِشاء، والسواك عند كل صلاة).
وعن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ (كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك)، رواه مسلم.
وعن المقداد بن شريح عن أبيه قال: قلت لـ عائشة: بأي شيء كان النبي ﷺ يبدأ إذا دخل البيت؟ قالت: بالسواك.
فينبغي للإنسان متى اتضح وثبت له شيء من هدي النبي ﵌ أن يستحضر النية حالًا ويمتثل هذا الحكم ما استطاع إليه سبيلًا.
وعن زيد بن خالد الجهني قال: (ما كان رسول الله ﷺ يخرج من بيته لشيء من الصلوات حتى يستاك).
وهذه سنة النبي ﷺ أنه حينما يدخل بيته يبدأ بالسواك، وحينما يخرج للصلاة أيضًا يبدأ بالسواك.
وعن عمران ﵁ عن النبي ﷺ: (أنه كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك).
هذه الأحاديث كلها تشير إلى مواضع استحباب السواك، وهي: إذا دخل البيت، وإذا انصرف من البيت -خاصة إلى الصلاة- وإذا نهض من نومه، وإذا أراد أن يصلي، وأيضًا مع الوضوء، وهكذا.
وفي حديث عائشة: (كان لا يستيقظ من ليل أو نهار إلا تسوّك قبل أن يتوضأ).
وعن عامر بن ربيعة ﵁ قال: (رأيت رسول الله ﷺ ما لا أحصي يستاك وهو صائم)، قال الحافظ ابن حجر: رواه أصحاب السنن، وابن خزيمة، وعلقه البخاري وقال: إسناده حسن.
وقوله: (ما لا أحصي) أي: مرات كثيرة أحصيها، وهذا الحديث مهم جدًا أن نحفظه.
1 / 8
حكم التسوك بعد الزوال
عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) متفق عليه.
والخلوف هو: تغير رائحة فم الصائم.
وهذا الحديث يستدل به بعض العلماء على كراهة السواك بعد الزوال، واستدلوا أيضًا بحديث علي ﵁ مرفوعًا: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي)، وهذا هو أول دليل يُستدل به على كراهة السواك للصائم بعد الزوال، والحديث أخرجه البيهقي، وهو ضعيف، وذكر الألباني أن بعض علماء الحديث له تتمة: (فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانت نورًا بين عينيه يوم القيامة)، وهذه الرواية أيضًا ضعيفة.
أيضًا: استدل الشافعية والحنابلة بدليل آخر ذكرناه آنفًا، وهو حديث أبي هريرة ﵁: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، فقالوا: إن الاستياك بعد الزوال يزيل خلوف فم الصائم، (وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، لأنه أثر عبادة مستطاب فلم تستحب إزالته، كما هو الحال في دم الشهداء، حيث أن الشهيد لا يُغسّل حتى لا يُزال عنه هذا الدم؛ لأنه يبعث يوم القيامة: اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهذا أثر من آثار العبادة، وهو أثر مستطاب، فينبغي أن يحافظ عليه؛ لأن الله ﷿ يحب هذا الأثر من آثار العبادة.
أما الحنابلة فذكروا في بعض المواضع أن السواك إنما استحب لإزالة رائحة الفم، وقد قال ﷺ: (لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من رائحة المسك)، رواه الترمذي وحسّنه.
قال الحنابلة والشافعية: وإزالة المستطاب مكروه، فشعث الإحرام من المستحب أن يفرق، وأن يأتي الحجاج إلى الله ﷿ في يوم عرفة شُعثًا غُبرًا، قد تغبروا بالتراب، وانشغلوا عن تحسين هيئتهم بذكر الله ﵎ وعبادته، فالإنسان يكون في هيئة المسكنة والتواضع، ويأتي التراب الشديد فيعلو عليه من أثر السفر، ومن أثر مشقة التزام الإحرام وغير ذلك.
يتكلم العلماء أحيانًا على هذه الآثار، ويذكروا أن آثار العبادة إنما يكون مشهودًا لها بالفضل أو مشهودًا لها بالطيب، فمما يشهد له بالفضل: بلل الوضوء الذي على الإنسان، وأثر التيمم، وشعث المحرم، ويذكرون أحيانًا ما يصيب العالم عندما يكتب الكتب والمصنفات من الحبر، فيكون لهذا المداد فضل، كما في بعض الأحاديث الضعيفة: (مداد العلماء خير من دماء الشهداء)، فهذه كلها آثار عبادة، لكن هذا مشهود له بالفضل لا بالطيب كما هو الحال في دم الشهيد وخلوف فم الصائم.
يقول الشافعي: ثبت أن دم الشهيد لا يُزال، بل يُترك للمحافظة عليه، مع أن غسل الميت والصلاة عليه واجبة، وهي فرض كفاية، فإذا ترك من أجله واجبان دل على رجحانه عليهما؛ لكونه مشهودًا له بالطيب، فيترك السواك أيضًا الذي هو سنة من أجل الإبقاء على المستطاب من خلوف فم الصائم فيكون أولى ألا يزال بعد الزوال حتى تبقى هذه الرائحة عند الغروب.
أيضًا في حديث علي: (إذا صُمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي)، قال الحافظ ابن حجر: إسناده ضعيف.
وهذه المسألة -والله أعلم- من المسائل الحنبلية المرجوحة، قال الشيخ عبد الرحمن بن القاسم النجدي - أحد علماء الحنابلة وهو الذي جمع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية - يقول عن الحديث السابق: ولا يعارض به ما تواتر من الأحاديث المطلقة، وعن أحمد: يُسنّ مطلقًا -أي: هناك رواية عن الإمام أحمد أن السواك يُسنّ مطلقًا- اختاره الشيخ وتلميذه وغيرهما -أي: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم - واستظهره في الفروع، وقال الزركشي: هو أظهر دليلًا.
وهو قول أكثر العلماء، وهو المختار.
ولحديث عامر: (رأيته ما لا أحصي يستاك وهو صائم)، فهو مذهب جمهور الأئمة، وأكثر الأحاديث الواردة فيه تدل على استحبابه للصائم بعد الزوال كما يستحب قبله، والإطلاق في سائرها يدل عليه، ولم يثبت في كراهته شيء، والخلوف ليس في محل السواك، إنما هو من أبخرة المعدة، ومرضاة الرب أطيب من ريح المسك، والقياس يقول بموجبه.
حكاه الشيخ وغيره.
يعني: أن الحديث فيه: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)، وفي حديث أبي هريرة: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، مرضاة الرب أطيب من ريح المسك.
هذا ما ذكره بعض علماء الحنابلة، وحديث عامر بن ربيعة: (رأيت رسول الله ﷺ ما لا أحصي يتسوك وهو صائم)، حسنه الترمذي، لكن ضعفه الألباني، وإن كان قد حسّنه الحافظ ابن حجر في التلخيص وضعّفه في موضع آخر، وقال الإمام الترمذي عقب هذا الحديث: إن الشافعي لم ير في السواك بأسًا للصائم أول النهار وآخره، وكرهه أحمد وإسحاق آخر النهار.
والذي يظهر في هذه المسألة أن الراجح هو: استحباب السواك للصائم عند كل صلاة، وعند كل وضوء، وفي كل وقت ولو بعد الزوال؛ لعموم هذه الأحاديث التي لم تخص وقتًا من الأوقات.
1 / 9
مواضع استحباب السواك
من مواضع استحباب السواك: قبل قراءة القرآن؛ للحديث الذي صححه الألباني عن علي رضي الله ﵎ عنه قال: (أمرنا بالسواك، وقال: إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك، فقام خلفه يستمع القرآن، ويدنو فلا يزال يسمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك).
وأيضًا عن علي ﵁ قال: إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك.
يعني: أنه يجري في أفواهكم كلام الله ﷿، حينما تتلونه.
وعن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب).
وعن أبي موسى ﵁ قال: (أتيت النبي ﷺ وهو يستاك بسواك رطب.
قال: وطرف السواك على لسانه).
لأنه يحب الاستياك على اللسان أيضًا، (وهو يقول: أُع أُع والسواك في فيه كأنه يتهوع)، وهذا التهوع يكون إذا أدخل الإنسان السواك إلى داخل فمه لتنظيف أسنانه أو لسانه.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك).
المحتلم: هو البالغ، (وسواك): مقصوده: ما قدر عليه؛ لأن من آداب يوم الجمعة أن يستاك ويتطيب.
وعن ابن عمر ﵄ أن النبي ﵌ قال: (أراني في المنام أتسوك بسواك، فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر)، أي: أتم من الآخر، (فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبّر فدفعته إلى الأكبر منهما).
وعن عائشة ﵂ قالت: (دخل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ﵄ على النبي ﷺ وأنا مسندته إلى صدري) -وهذا كان في مرض النبي ﵊ الذي توفي فيه- (ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به).
أي: يستاك به.
(فأبر رسول الله ﷺ بصره).
أي: نظر إلى السواك (ففهمت أنه يريد السواك، فأخذت السواك فقضمته ورطّبته، ثم رفعته إلى النبي ﷺ فاستن به، فما رأيت رسول الله ﷺ استن أحسن منه، فما غدا أن فرغ رسول الله ﷺ، أي: مجرد أن فرغ من الاستياك رفع يده -أي: إصبعه- ثم قال: (إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى، ثم قضى ﵌.
فهذا كان من آخر الأشياء التي حافظ عليها الرسول ﵊ قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وقوله: (إلى الرفيق الأعلى) معناه: أنه خُيّر في هذه اللحظة كما هي سنة الله ﷿ مع الأنبياء أنهم يخيرون قبل موتهم بين الموت وبين البقاء في الدنيا، أو بين الانتقال إلى جوار الله وبين البقاء، فعندما خُيّر ﵊ كان ينطق بالجواب ويقول: (إلى الرفيق الأعلى، إلى الرفيق الأعلى).
أي: اختار الرفيق الأعلى، والرفيق الأعلى إما أنه الله، وإما أنه هو المقصود بقوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:٦٩] والله أعلم! وفي الرواية الأخرى تقول: (مات بين حاقنتي وذاقنتي) الذاقنة: رأس الحلقوم أو طرفه الناتئ.
وفي لفظ: (فرأيته ينظر إليه)، أي: إلى السواك، (وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم.
فأخذت السواك) إلى آخر الحديث.
إذا أراد الإنسان أن يصلي صلاة ذات تسليمات كالتراويح والضحى، أو أربع ركعات كسنّة الظهر أو العصر، والتهجد ونحو ذلك، استحب له أن يستاك لكل ركعتين، لقوله ﷺ: (لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) أو (مع كل صلاة).
صححه النووي، وهذا يعم جميع الصلوات، سواءً كانت الصلاة فرضًا أو نفلًا.
1 / 10
حكم الاستياك بالأصبع ونحوها
يقول الإمام النووي ﵀ في حكم الاستياك بالإصبع -وهذا يكون عند فقد السواك-: وأما الإصبع فإن كانت لينة لم يحصل بها السواك بلا خلاف، وإن كانت خشنة ففيها أَوجه: الصحيح المشهور لا يحصل؛ لأنها لا تسمى سواكًا، ولا هي في معناه بخلاف الأشنان -وهو شجر ينبت في الأرض الرملية، يستعمل هو أو رماده في غسل الثياب والأيدي -فإنه وإن لم يسم سواكًا فهو في معناه، وبهذا قطع المصنف والجمهور.
قال النووي: والثاني يحصل بحصول المقصود.
يعني: أن الاستياك يحصل بالإصبع إذا كانت الإصبع خشنة، فيحصل بها أجر الاستياك، والثالث: إن لم يقدر على عود ونحوه حصل وإلا فلا.
أحيانًا يتكلم العلماء على استعمال الإصبع كسواك، وإنما يكون ذلك بالإصبع الخشن، وليست الناعمة.
ثم الإصبع الخشن فيه خلاف على ثلاثة أقوال: أنه لا يحصل به ثواب السواك؛ لأنه الإصبع لا يسمى سواكًا، ولا هو في معنى السواك.
القوال الثاني: أنه يحصل به.
القول الثالث: بأنه إن عجز عن غيره حصل له ثواب السواك، وإلا فلا.
1 / 11
كيفية التسوك
يستدل العلماء ببعض الأحاديث على كيفية الاستياك، وهو حديث: (استاكوا عرضًا، وادهنوا غبًا، واكتحلوا وترًا).
يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث غير معروف.
وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: بحثت عنه فلم أجد له أصلًا -يعني: سندًا- ولا ذكرًا في شيء من كتب الحديث.
ومع هذا فإن هذا الحديث مع ضعفه يرشد إلى طريقة معينة في استعمال السواك توافق ما يرشد إليه أطباء الأسنان، وهو أن الاستياك يكون عرضًا، أي: إلى أعلى وإلى أسفل، ومعنى: (عرضًا)، أي: العرض بالنسبة للفم، وليس العرض بالنسبة للأسنان.
والاستياك يكون على أسنانه ولثته، واللثة: هي ما حول الأسنان من اللحم.
وقال بعضهم: إن اللثة هي اللحم الذي تنبت فيه الأسنان، فأما اللحم الذي يتخلل الأسنان فهو عمر، جمعه عمور، يقول الشاعر: زال الشباب وأخلف العمرُ وتغير الإخوان والدهرُ يعني: سقطت أسنانه وظهر العمر.
واستعمال السواك بهذه الطريقة لا يعرض اللثة إلى الإدماء، أي: لا يحصل نزيف دم، بعكس ما إذا استاك بغير تلك الصفة، حيث أنه قد تجرح اللثة، لكن هذا الاستعمال هو الذي يكون على الأسنان فقط، وسواء استعمل السواك أو الفرشة فإنها تكون على الأسنان واللثة؛ لأنها لما تدلك اللثة نفسها، وهذا نوع من المساج ينشط الدورة الدموية في اللثة، فلذلك الإنسان يستاك على اللثة، وعلى الأسنان.
الشاهد من هذا الكلام: أن الحديث فيه أدب حتى وإن لم يصح، لكنه يوافق ما يوصي به أطباء الأسنان، من أن الإنسان يستاك عرضًا، أي: باتجاه عمودي من أعلى إلى أسفل والعكس.
أيضًا: ينبغي للمسلم أن يستاك على لسانه؛ لأنه قد ورد في بعض الأحاديث كحديث أبي موسى حينما رأى النبي ﷺ وهو يستاك على لسانه، حيث قال أبو موسى: (فرأيته يستاك على لسانه).
بعض الشافعية يقولون بأن الإنسان عند الاستياك ينوي به الإتيان بالسنة؛ لأن السواك مما يُتعبد به، ويبدأ بجانب فمه الأيمن من الثنايا إلى الأضراس، وليس من الأضراس إلى الثنايا كما يصنع بعض الناس حينما يريدون أن يكوّنوا صفًا أو صفوفًا خلف الإمام، فيمشي البعض حتى يصل إلى طرف اليمين في أقصى الصف ويصلي هناك، وتأتي أحيانًا مجموعة أخرى فتصلي خلف الإمام، فاليمين يبدأ من خلف الإمام، وإنما اختار النبي ﷺ هذا المكان لأولي الأحلام والنهى بقوله: (ليليني منكم أولو الأحلام والنهى)؛ لأن هذا يكون أقرب إلى متابعة الإمام وسماع القرآن، خصوصًا إذا كان المسجد واسعًا، فاليمين يبدأ من خلف الإمام، وينبغي أن يكون هناك اتزان، فيأتي واحد يمينًا وواحد شمالًا وهكذا.
الشاهد: أن في السواك تيمنًا، وأنك تبدأ من الثنايا ثم تتجه يمينًا جهة الأضراس، ثم أيضًا الجنب الأيسر من الوسط إلى جهة الأضراس، والله أعلم!
1 / 12
الاستياك باليد اليسرى
مذهب الحنابلة: يصححون أن الاستياك يكون باليسرى، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ما علمت إمامًا خالف في الاستياك باليسرى؛ لأن الاستياك شُرع لإزالة ما في داخل الفم، وهذه العلة متفق عليها.
وبعض الناس قد ينتقدون شيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة، ولكنه قالها عن علم، فهم يستدلون بعموم الحديث في استحباب التيمن في كل شيء، ففي الحديث (كان ﷺ يجعل يده اليمنى لترجله وتنعله وطهوره)، وهذا من الطهور، وأما استعمال اليد الشمال فلأن الاستياك إزالة للأذى أو لخلوف الفم ونحوه، فمن أجل ذلك قالوا: يستحب أن يستاك بيده اليسرى، لكن -والله أعلم- الأقرب أن الإنسان يستاك باليمنى.
ومن الآداب أن السواك يغسل بالماء إذا أراد الإنسان أن يستعمله؛ لأن وجود الماء على السواك يحلل المواد النافعة التي يحتويها عود الأراك، فيترتب عليها الفوائد التي سنذكرها إن شاء الله.
تقول أم المؤمنين عائشة ﵂: (كان رسول الله ﷺ يعطيني السواك أغسله، فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله ثم أدفعه إليه)، رواه أبو داود.
1 / 13
آكدية سنة السواك
مما ينبغي الحرص عليه: أن يُعوّد الصبيان والأطفال على استعمال السواك، فيستحب أن يعود الصبي السواك؛ ليألفه كسائر العبادات، فرشة الأسنان تعتبر سواكًا، لكن السواك أفضل منها، وسنذكر وجوه هذه الأفضلية -إن شاء الله- وأي آلة تزيل رائحة الفم وتنظف الأسنان فهي سواك، مثل قطعة الليف، حتى أنهم يختلفون في الإصبع كما ذكرنا، فلا شك حينها في أن فرشاة الأسنان نوع من أنواع السواك، لكن أفضل السواك هو عود الأراك، وبالمقارنة ستجد أن السواك أفضل بكثير جدًا من فرشاة الأسنان.
والحقيقة أن قضية الاستياك وآكدية سنته انعكست في سلوك الصحابة رضي الله ﵎ عنهم، حتى روي كما في لفظ الإمام الزيلعي، وعزاه إلى أبي داود والترمذي وصححه: أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يروحون والسواك على آذانهم، أي: كموضع القلم من أذن الخطاط، قال أبو سلمة: رأيت زيدًا يجلس في المسجد، وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، وكلما قام إلى الصلاة استاك.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: (السواك يزيد في الحفظ ويذهب البلغم) وفي حديث ابن مسعود أيضًا: (كنت أجتني لرسول الله ﷺ سواكًا من أراك).
وقال أبو هريرة بعدما سمع كلام رسول الله ﷺ في السواك قال: (لقد كنت أستن قبل أن أنام، وبعدما أستيقظ، وقبلما آكل، وبعدما آكل حين سمعت رسول الله ﷺ يقول ما قال)، (أستن).
يعني: أستاك.
1 / 14
السواك بين الحديث والدراسات الطبية
يوجد بعض الدراسات نذكرها ولا نقول: إنها تدعم اعتقادنا في السواك، فيكفينا ما ثبت من حب رسول الله ﷺ للسواك، وحثه عليه، لكن لا بأس بالاستئناس بالعقول البشرية، وما وصلت إليه البحوث الحديثة في هذا الباب.
فهذا أحد الأساتذة في بعض الرسائل الجامعية عن السواك في كلية طب الأسنان يقول: توصي بعض الجامعات بإجراء مساج بالإصبع للثة، لتحريك الدم في النسج اللثوية، وهذا واضح جدًا في حالة استخدام السواك، فالسواك يستعمل كمساج للّثة.
وباقر العطار دكتور في جامعة دمشق يقول: لقد بلغني من الدكتور الأيوبي أن الأستاذ حلباوي وكيل شركة معاجين الأسنان تفكر شركته في إنتاج معجون سوف يسمونه المسواكين، وبالفعل هذا مشهور جدًا وموجود في أوروبا وأمريكا، واعتقد أن اسمه كوالي مسواك.
وهناك نوع آخر من معجون الأسنان اسمه (مسواك)، وهو مشهور جدًا، وموجود في كل مكان.
وفي مجلة (طبيبك) مقال فيه توصية من مجمع معالجة الأسنان التابع لجمعية أطباء الأسنان الأمريكية باستعمال مادة بيكربونات الصوديوم لمعالجة الأسنان، وهذه من مكونات السواك.
وكتب أحد الدكاترة في السواك قائلًا: لو نظرنا إلى السواك لوجدنا أنه يتركب كيميائيًا من ألياف السليلوز وعد أنواعًا كثيرة من المكونات ليس هناك داعٍ للتفصيل فيها الآن.
وهناك مقال في إحدى المجلات تحت عنوان: سواك الأراك يغزو أسواق الإنجليز.
وشجرة الأراك يسميها الغربيون شجرة محمد ﵊.
تقول المجلة: سواك الأراك يغزو أسواق الإنجليز، وأتبعت ذلك بثلاثة عناوين: العنوان الأول: أطباء الأسنان في لندن يعترفون بالسواك؛ لأثره الفعال في نظافة الأسنان، وبأثره السحري في تفادي كثيرًا من العلل والأمراض.
العنوان الثاني: عود الأراك يباع بجنيه إسترليني في محلات النباتات المجففة في إنجلترا.
العنوان الثالث: معهد علم الجراثيم والأوبئة في ألمانيا الديمقراطية يقول: إن مادة السواك لها تأثير فعال مثل تأثير بعض المضادات الحيوية سواءً بسواء.
ويقول اسمه روادت وهو من علماء الغرب، وهو عالم بعلومه هو، فكلمة (عالم) عند الإطلاق تنصرف إلى علماء الشرع الشريف؛ حتى لا يلتبس الأمر، أما هذا فهو مدير علم الجراثيم والأوبئة في جامعة رستك بألمانيا الشرقية، يقول في مجلة (المجلة) الألمانية: إن هناك حِكَمًا كثيرة في استخدام العرب للمسواك بعد بلّه بالماء؛ لأن استعماله جافًا لا ينجح؛ لما يحويه من مادة مضادة للجراثيم، ولو استعمل جافًا فهناك اللعاب الذي يمكنه حل هذه المادة الموجودة فيه.
وآخر أيضًا اسمه الدكتور مني يقول: إن تآكل أنسجة الأسنان الصلبة يكون جسيمًا إذا كانت الفرشاة جافة، أما إذا كانت مبللة فيكون الضرر بسيطًا.
لذلك يستحب تبليل السواك.
والدكتور كلك كيزين يقول: إن السواك يحتوي على مادة تمنع تسوس الأسنان، قال هذا أمام مؤتمر (٥٢) للجمعية الدولية لأبحاث الأسنان في أطلنطا الأمريكية، ويقول: إنه لاحظ أن الذين يستعملون السواك يتمتعون بأسنان سليمة، وإن بعض الشركات في بريطانيا والهند تصنع معاجين أسنان تدخل بها مواد مأخوذة من السواك.
أيضًا أجرت جمعية طب الأسنان الأمريكية (إي بي إيه) لجيش الولايات المتحدة الأمريكية تجارب أثبتت فيها فاعلية وتفوق الشعيرات المكونة لمادة السواك، وأعلنت مجلة أطباء الأسنان الأمريكية سنة (١٩٦٠م) أن أغلبية المعاجين المستعملة في الولايات المتحدة غير طبية، وبالمسواك كميات من البلورات الصلبة التي تعتبر كمادة منظفة تحك القلح -وهي الصفرة التي تتكون على الأسنان- وهي موجودة في السواك بنسبة عالية تبلغ ٤% وكذلك في السواك أملاح أخرى لها فعاليتها.
ووجدت جامعة مينيسوتا في أمريكا في أبحاثها أن المسلمين الزنوج الذين يستعملون المسواك سليمو الأسنان واللثة إذا ما قورنوا بمن يستعملون الفرشاة.
ومن مميزات السواك: أنه يرضي الرب، وهو سنة من سنن الفطرة، وسنة من سنن النبي ﷺ، وهو يطهر مجاري الكلام عند تلاوة القرآن، وكذلك تحبه الملائكة.
1 / 15
مقارنة بين السواك وفرشاة الأسنان
لن نطيل بذكر مكونات السواك؛ لأنها كثيرة جدًا، لكن سنعقد هذه المقارنة بين السواك وفرشاة الأسنان، لإثبات أفضلية السواك على فرشاة الأسنان.
السواك يعتبر الفرشاة الطبيعية المثالية المزودة طبيعيًا بمواد مطهرة ومنظفة، ولا تحتاج أن تضع عليه معجونًا.
السواك يعتبر منظفًا آليًا يقوم بطرح الفضلات من بين الأسنان، فهو أيضًا منظف مكنيكي من حيث الحركة نفسها، فهي تساعد على تنظيف ما بين الأسنان.
السواك مزود بألياف طبيعية غزيرة وقوية لا تنكسر تحت الضغط بل لينة، فتتخذ الشكل المناسب لتدخل بين الأسنان وفي الشقوق، فتزيح منها الفضلات دون أن تؤذي اللثة.
السواك منظف كيماوي مستمر؛ لأن الفرشاة بعد عشرين دقيقة فقط من استعمال معجون الأسنان يعود مقوي الجراثيم إلى الفم بحالته الأولى بمفرده بالوظيفة الميكانيكية والكيميائية، والفرشاة تحتاج في كل مرة إلى معجون.
ومعظم معاجين الأسنان عبارة عن مواد صابونية فقط، وإنما السواك به مادة تستعمل لعلاج الالتهابات اللثوية؛ لأن أطباء الأسنان يصفون لبعض الناس الذين يشكون من التهابات في اللثة وصفة عبارة عن هذه المادة بصورة حمض وهي بنسبة مقدارها ٢٠% ونسبة ٨٠% مواد أخرى ثم يدلك به اللثة، ويكون طعمه لاذعًا غير مقبول، وهذه المادة موجودة في السواك بنسبة أعلى بكثير من نسبة عشرين في المائة، وطعم هذه المادة في السواك مقبول، ينفرد بها السواك بميزة رائعة.
يتعذر استعمال الفرشاة والمعجون في كل وقت، بالمقارنة بإمكانية حمل السواك في كل مكان، فالسواك يحمله الإنسان في جيبه في أي مكان، في الصلاة عند الوضوء عند النوم في أي مكان تستطيع أن تحمل السواك وتستعمله، بخلاف الفرشاة فإنك لا تستعملها في غير البيت، وحتى يكون هناك ماء ومعجون فإنك تنظف بها.
الفرشاة قد تستعمل لعدة شهور، أما المسواك ففي كل أسبوع تستعمل سواكًا جديدًا، حتى على الأقل تقطع الجزء المستعمل وتستعمل الجزء الجديد، بحيث تكون فيه مواد جديدة لم تتحلل وتستعمل.
تستطيع التحكم في قُطْر المسواك، فمن الممكن أن يكون قطر المسواك رفيعًا أو سميكًا، وكذا الطول والقصر، والصلابة والليونة، كل هذا حسب رغبتك وإرادتك.
للسواك طعم مميز يسبب زيادة في إفراز اللعاب، مما يساعد على زيادة الدفاع العضوي للفم ولثته.
توجد في السواك مادة عطرية زيتية يطيب بها فم المتسوكين، وتغطي على رائحة الفم الكريهة إن وجدت، وتكسب الأفواه رائحة زكية عطرة.
أيضًا: عدم الاعتناء بالفرشاة بعد الاستعمال يسبب معظم أمراض الأسنان.
1 / 16
الأوقات التي يستحب فيها استخدام السواك
الأوقات هي: عند الوضوء، وعند الصلاة، سواء كان التطهر بماء يتوضأ أو تيمم فإنه يستاك، وكذا عند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم.
وتغيير الفم يكون بأشياء إذا مكث ساعات لا يأكل فيها ولا يشرب، فقد تتغير رائحة فمه، وأيضًا إذا أكل شيئًا له رائحة كريهة، وكذا طول السكوت، وكثرة الصمت.
ومن الأوقات التي يستحب فيها السواك: عند دخول المنزل والخروج منه، وعند الاحتضار كما فعل النبي ﵌، وعند اصفرار الأسنان، وأيضًا للمفطر والصائم على السواء، وكذلك يوم الجمعة.
هذا ما توفر من التنبيهات التي تتعلق بحكم السواك.
نسأل الله ﷿ أن ينفعنا بما علّمنا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
1 / 17
السواك وسنن الفطرة [٢]
من الأمور التي اعتنى بها الشارع الحكيم: بيان سنن الفطرة، وأحكام حلق الشعر وتقصيره، وحثه على الاحتفاظ بالشيب وعدم نتفه، بل وخضابه بغير السواد، وخص الشعر بمزيد أحكام لأنه أكثر السنن ظهورًا للعيان.
2 / 1
الاستحداد وتقليم الأظافر وسننهما المهجورة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد: يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: الاستحداد: استفعال، من استعمال الحديدة، وهو مستحب؛ لأنه من الفطرة، ويفحش بتركه، فاستُحبّت إزالته، وبأي شيء أزاله صاحبه فلا بأس؛ لأن المقصود إزالته.
وقال أيضًا: ونتف الإبط سنة؛ لأنه من الفطرة ويفحش بتركه، وإن أزال الشعر بالحلق والنورة جاز، ونتفه أفضل؛ لموافقته الخبر.
يستحب تقليم الأظفار؛ لأنه من الفطرة، ويتفاحش بتركه، وربما حكّ به الوسخ فيجتمع تحتها من المواضع المنتنة، فتصير رائحة ذلك في رءوس الأصابع، وربما منع وصول الطهارة إلى ما تحته.
أيضًا: يستحب غسل رءوس الأصابع بعد قص الأظافر، كما في حديث عائشة: (إن غسل البراجم من الفطرة)، ويحتمل أن البراجم يدخل فيها رءوس الأصابع بعد إزالة الأظافر، أو العُقَد التي تكون في ظهور الأصابع.
ومن الآداب المهجورة: دفن ما قلّم من أظفاره أو أزال من شعره؛ فإنه مستحب، والإنسان المسلم له حرمة عظيمة في الإسلام، فكل ما انفصل عن الآدمي تكون له هذه الحرمة، حتى إن العلماء ليذكرون أن من بُترت ساقه فإن هذه الساق لا ينبغي أن تُحرق أو تُرمى في أي مكان، بل لابد لهذا العضو أن يغسل، ويُصلى عليه، ويُدفن في المقابر.
فكذلك ما انفصل عن الإنسان وهو حيّ -سواء كان من شعره أو أظفاره- فينبغي له أن يدفنه أيضًا في التراب، وهذا أفضل ما يفعله بأجزاء بدنه إذا انفصلت عنه وهو حي، فهو من الآداب المستحبة لأجل تكريم الإنسان.
وبعض العلماء يستدل بقوله ﵎: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا﴾ [المرسلات:٢٥] * ﴿أَحْيَاءً؟وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات:٢٦] والكفت: هو الضم.
أي: فالأرض تضمّكم، ﴿أَحْيَاءً؟وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات:٢٦]، فكأن من استدل بهذا الاستدلال يشير إلى أن الأرض تضم الأجزاء المنفصلة عن أبدانكم حتى وأنتم أحياء، والله أعلم.
يقول الإمام ابن قدامة: يستحب دفن ما قلّم من أظفاره أو أزال من شعره؛ لما روى الخلال بإسناده عن ميل بنت مشرح الأشعرية قالت: (رأيت أبي يقلّم أظفاره ويدفنها، ويقول: رأيت رسول الله ﷺ يفعل ذلك).
وقد نستغرب لهذا الحكم أو نستصعبه، ولكن يتأكد كل واحد منا أنه إذا حاول تنفيذ ذلك، فسيشعر بهذا النوع من العبودية، ويشعر بمعنى تكريم الإسلام لهذا الإنسان، فإذا جربت بأن تدفن ما ينفصل عن جسدك من الشعر أو من الأظفار فسوف تدرك معنى هذا الأدب الشرعي.
وعن ابن جريج عن النبي ﷺ قال: (كان يعجبه دفن الدم)، ولم يحقق الحديث كما هو غالب أحاديث المغني، وقال مهنأ سألت أحمد -أي: الإمام أحمد - عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه؟ قال: يدفنه، قلت: بلغك فيه شيء -أي: هل عندك فيه حديث أو أثر-؟ قال: كان ابن عمر ﵄ يدفنه، وروينا عن النبي ﷺ: (أنه أمر بدفن الشعر والأظفار، وقال: لا يتلاعب به سحرة بني آدم).
وهذا أيضًا لم يحققه، ولا أحسبه صحيحًا.
2 / 2
أحكام الشعر
2 / 3