The Nature of Innovation and Its Rulings
حقيقة البدعة وأحكامها
प्रकाशक
مكتبة الرشد
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
مقدمة الكتاب
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوز بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك، واشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) .
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) .
(يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا) .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، (فإن صغار المحدثات من الأمور تعود حتى تصير كبارًا وكذلك بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرًا يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل
1 / 5
فيها ثم لم يستطيع المخرج منها، فعظمت وصارت دينًا يدان به ... ولا تتم السلامة لعبد حتى يكون متبعًا مصدقًا مسلمًا، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإسلام لم يذكرناه أصحاب رسول الله ﷺ فقد كذبهم وكفى بهذا فرية.....) .
وإنها لنعمة خاصة، تستحق شكرًا خاصًا أن يوفق المسلم لسلوك منهج السلف الصالح - رضوان الله عليهم - علمًا وفهمًا وعملًا، وذلك المنهج الذي لا ريب في صحته وسلامته عند أصحاب العقول والقلوب السليمة، التي سلمت من أمراض الشبهات والشهوات.
المنهج الذي نجزم بصوابه واستقامته ونقائه وكماله لا جمودًا ولا تعصبًا ولا ادعاء، بل بالبرهان القاطع والدليل الساطع والحجة البالغة.
وقد يتوهم بعض الناس أن في هذا الجزم والإصرار على منهج أهل السنة والجماعة شيئًا من الطائفية، تقابل طائفية الآخرين، وقد يدعوا إلى شيء من التنازل من قبلنا مقابل مل ندعوهم إليه، من ترك للعقائد الباطلة والعبادات المخترعة....
وقد يتكلم بكلام عام عن أننا ندين بالإسلام فحسب، وما هناك ثم مذهب أو عقيدة خاصة ضمنه.
وليس الذي ذهب غليه هؤلاء الناس بصواب أبدًا، فإن عقيدة أهل السنة والجماعة وعبادتهم هي الصحيحة ليس غير..... وإنما أطلق السلف هذا المصطلح على مذهبهم وسموا أتباعه الحقيقين (أهل السنة والجماعة) تمييزًا لهم عن عقائد وأعمال طوائف الابتداع.
وقد يظن بعض الناس أن الجزم بالصواب مسالة نسبية فكل ذي عقيدة محدثة وعبادة مخترعة، يجزم بأنه الأصح الأقرب إلى الحق، ويبتعد بعمله هذا ن ويرى
1 / 6
نفسه أنه على صواب كما نرى أنفسنا، ولذلك يدعو إلى صلح بين الطرفين وإلى قرار متبادل متقابل.
وهذا بدوره خطأ آخر فإننا لا نصدر عن آراء عقلية، أو اذواق نفسية أو أهواء بشرية حتى نطالب بعدم الجزم بصحة عقيدة وبعادة أهل السنة والجماعة، لأن عقيدتهم وعبادتهم مأثورات وأخبار مسندة مرفوعة إلى النبي ﷺ برواية الثقات العدول -، يشهد على صحتها العقل القوي والقلب السليم، والفطرة المستقيمة.
ومن اجل هذا كله نجد في النصوص الشرعية والأخبار الماثورة عن السلف الحرص على صيانة المنهج العلمي والعلمي، من كل دخيل سواء كان من المسلمين بالغزو الفكري والتدنيس الثقافي، أم من داخل المسلمين بالإبتداع دين الله أوبالابتعاد عنه، بيد أن من أشنع أنواع الحروب وأفظع أنواع تلك التي حدثت بالإبتداع في دين الله وظهرت للناس مستترة بإسم الدين تحت ستار التعبد لله، فحصل منها التفرق والعداء والشتات والبغضاء على الناس تبين الحق وضطرب عندهم ميزان الصدق واليقين.
أماالحروب الأخرى التي يكاد بها دين الله فإن أمرها الغالب وعدائها بين سافر ولذلك يأخذ المسلمون جميعا - في الأعم - وأسلحتهم.
هذا هو شأن البدع في الإعتقاد والعمل وخطورتها وهو أحد التي حفزتني للكتابة في هذا الوضوع. وسبب آخر هو أنني رأيت وطلبة العلم خاصة، في مسألة البدع على طرفي نقيض، فهذا متساهل ما استحسنه من المحدثات يجوز عمله، وأن لم يكن له أصل في الدين يتهاون في شأن البدعة والمبتدعة، ولا يرى منها أي خطورة تذكر ولا أي عيب يشينه، بل ربما رأى الكلام عن خطورة البدع وأهلها وترف العلم ...
1 / 7
وذاك متشدد يحكم على كل ما لم يألفه، أو يوافق مسلكه بالإبتداع حتى لربما أدخل في البدع بعض المعاصي والمخالفات الشرعية، التي لا يطاق عليها بدع من الجهة الشرعية، وربما أدخل في البدع الشرعية بعض المبتكرات العلمية، والإكتشافات التجريبية، وبالتالي يغالي في الحكم على المبتدعة، ويتجاوز الحدود الشرعية في شأنهم من حيث بغضهم، والتحذير منهم، أو موالاتهم أو معاونتهم على الكافر، ونحو ذلك من العلاقات.
وربما بلغ الغلو في شأن البدعة والمبتدعة، نسيان أهل الكفر الصراح وعدم الالتفات إلى خطورتهم وأساليبهم الماكرة، والحق بين طرفي الإفراط والتفريط، وقد جلست إلى بعض الفضلاء المشهورين بالعلم أستشيره في موضوع البدعة، وقد وضعت خطة أولية لطلب أن أقرأ عليه الخطة فلما وصلت إلى ذكر مفهوم البدعة عند غير أهل السنة، صاح بي منكرًا وجود معنى أو تعريف للبدعة عند غير أهل السنة.
ولما وصلت على ذكر أقسام البدعة أنكر أن تكون البدعة ذات أقسام، فلما بينت له هدأ فتبين لي أن موضوع البدعة بالشكل التأصيلي، غير واضح عند بعض أهل العلم، فكيف بمن هم دون ذلك؟.
وسبب ثالث لاختياري هذا الموضوع هو أنني نظرت في الكتب المؤلفة في البدعة فرأيت بعضها اختص برواية الأخبار والآثار، وبعضها اختص بذكر أنواع من المحدثات، من غير اهتمام مجالات البدعة وأقسامها وأحكامها على شكل قواعد وأصول، يستوي في ذلك المؤلفات القديمة والجديدة.
نعم، هناك علماء اهتموا بوضع القواعد في أمر البدع، بعد إستقراء النصوص الشريعة وفهم السلف لها وأقوالهم فيها ن وهم قسمان:
الأول: لم يخصص لهذه القواعد مصنفًا، بل تركها مبثوثة في مؤلفاته، ومن هذا القسم جماعة من العلماء قديمًا وحديثًا، وعلى رأسهم أبو العباس تقي الدين ابن تيمية ﵀ الذي تربع على كرسي الأستاذية - وهو به جديد - بعد
1 / 8
أن أفنى شطرًا من عمره في جمع علم السلف، وتتبع آثارهم في الأبواب الخيرية والطلبية، ونظرًا في أصحاب المقالات، وسير أغوار أهل العبادة، والإدارة ... فجمع بين العلم بالشرع، والعلم بأحوال أهل البدع، فأصبح الإمام المجتهد والمتدبر للآثار بفكر ثاقب، وذكاء نادر، وحافظة واعية، وخبرة طويلة، وممارسة أصلية، وشجاعة نادرة ... مع معرفة عميقة بمقالات وأحوال أهل الابتداع، فكان بذلك الإمام القادر على الأخذ والرد في مضمار العقيدة وغيرها، والحجة الثبت الذي يعاد إلى أقواله ويحتج بآرائه، فهو بحق واضع قواعد وأصول الاعتقاد والعمل على حسب ما كان عليه السلف.
ومن أجل ذلك اعتمدت في بحثي هذا على اقواله كثيرًا، وإن كانت أقواله فيما يختص بمسالة البدعة وأحكامها ليست مجموعة في مكان واحد، بل متنأثرة في سائر مصنفاته - رحمه الله تعالى.
القسم الثاني: من خصص لقواعد النظر والحكم على البدعة مصنفًا واحدًا وجمعها في مؤلف واحد.
ولم أطلع - بحسب علمي الناقص - على مؤلف يضاهي الاعتصام لأبي اسحاق الشاطبي - رحمه الله تعالى - ولذلك اعتمدته كثيرًا في هذا البحث، فقد كان المجلي في هذا المضمار، فوضع القواعد ووضع الأمور وأجلى الحقائق، إلا أنه لم يسلم مما لا يسلم منه بشرًا!!! فقد كانت روايته للحديث والآثار ليست على درجة كبيرة من الإتقان، مما أدى إلى وضع بعض القواعد بناء على أحاديث ضعيفة كبيرًا لا أصل لها.
ولم يتعرض في كتابة لكل القواعد والأحكام المتعلقة بالبدعة والمبتدع ولعل في الجزء المفقود من الكتاب استكمالًا لبعض هذا النقص، وأما المطبوع من هذا الكتاب فعلى كثرة الأغلاط فيه نجد أن مؤلفه ﵀ ترك بعض القواعد المهمة في قضايا الابتداع، وخصوصًا في الحكم على البدعة والمبتدع، وإذا
1 / 9
يكن عرض لشيء من هذا فعلى سبيل الإلماح العابر.
وهكذا نرى أن البدعة من ناحية تعريفها وأقسامها وأحكامها ودواعيها وأسبابها وطرق مكافتحها، لم تبحث بحثًا مستقلًا يجمع شوارد هذا الموضوع المهم ويقيد أوابده.
فمن أجل هذه الأسباب وغيرها ن مما يتعلق بمرادي وقصدي الباطن اخترت هذه الموضوع بعنوان:
· حقيقة البدعة وأحكامها:
وعلمت فيه على ضوء الخطة التالية المكونة من مقدمة، ومدخل، وثلاثة أبواب وخاتمة.
المقدمة: وفيها أسباب اختياري لهذا الموضوع ن ومنهجي وخطواتي في البحث.
المدخل: مقسم على خمسة عناصر:
الأول: شروط العمل المقبول.
الثاني: الاعتصام بالسنة.
الثالث: ذم البدع.
الرابع: لمحة تاريخية لظهور البدع في الأمة الإسلامية، وأسبابا ذلك وموقف السلف منها.
الخامس: نبذة موجزة لبعض المؤلفات في البدعة، ودراسة موجزة لأهمها.
الباب الأول:
في تعريف البدعة ومفهومها عند أهل السنة وغيرهم وتحته ثلاثة فصول:
1 / 10
الفصل الأول:
أ- المعنى اللغوي للبدعة.
ب- المعنى الإصطلاحي للبدعة إجمالًا.
الفصل الثاني: مفهوم البدعة عند أهل السنة وأدلتهم.
الفصل الثالث: مفهوم البدعة عند غير أهل السنة، وشبههم ومناقشتها.
الباب الثاني:
في اقسام البدعة وتحته خمس فصول:
الفصل الأول: البدعة الحقيقية والإضافية.
الفصل الثاني: البدعة المتعلقة بالفعل والشرك.
الفصل الثالث: البدعة المتعلقة بالعقائد والاحكام.
الفصل الرابع: البدعة المتعلقة بالعبادات والمعاملات.
الفصل الخامس: البدعة المتعلقة بالحسن والقبح والمصالح المرسلة.
الباب الثالث:
في حكم البدعة والمبتدع وتحته أربعة فصول:
الفصل الأول: حكم البدعة ذاتها، والبدعة على قسمين: إما مكفرة، وإما مفسقة.
الفصل الثاني: حكم المبتدع وهذا مقسم إلى ثلاثة عناصر:
الأول: حكم الجاهل والمتأول.
الثاني: حكم العالم وغير المتأول.
الثالث: حكم الداعي لبدعة.
الفصل الثالث: لازم القول هل يقتضي التبيديع؟
الفصل الرابع: توبة المبتدع.
الخاتمة: وفيها عرض موجز للبدع في العصر الحاضر ووسائل تغييرها، ونتائج البحث.
1 / 11
هذا وقد بدأت بجمع الكتب التي تحدثت عن البدعة، وقرأت معظمها، ركزت على مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وبعض مؤلفات ابن القيم، وكتاب الاعتصام، وكنت أثناء ذلك أجمع الشوارد في البحث من الكتب التي تقع في يدي في التفسير أو التاريخ أو التراجم أو الفقه، غير ما تعمدت البحث عنه في هذه الفنون وغيرها، وسافرت إلى مصر لأستطلع ما كتب في هذا الموضوع، فما عدت بطائل، سوى أنني أحضرت كتب خطاب السبكي، وكتاب عثمان فودي، واستطعت أن أطلع على آراء كثير من المبتدعة في فهمهم للبدعة.
وبعد ذلك قمت بالنظر في كتب الاعتقاد الواردة على طريقة الأسانيد: كالشريعة، وكتاب الألكاني، والإبانة، والسنة لعبد الله بن أحمد، والسنة لإبن أبي عاصم، وغيرها كثير، وجمعت منها الآثار والأحاديث التي تتعلق بموضوع البحث، وقد استغرق مني جمع المادة العلمية مدة طويلة، ثم بدأت بالكتابة في الموضوع سائرًا وفق الترتيب الذي في الخطة إلا في النادر.
· وقد حرصت أثنا كتابتي على الترابط المنهجي بين جمل الفصل الواحد ومقدراته، وترابط الفصل مع الباب ومع الموضوع كله.
· وحرصت ايضًا على توثيق كثير من المعلومات بالنقل تارة، وبالاقتباس تارات وهذا هو سبب كثرة الإحالات في الهامش.
فإن كان النقل حرفيًا له علامة تنصيص فإن احتجت إلى حذف شيء من النص وشعت نقاطًا للدلالة على ذلك، أو قلت: إلى أن قال، والثاني أكثر، واشير في الهامش إلى مكان النقل ذاكرًا اسم الكتاب والجزء والصفحة.
· إذا نقلت بالمعنى أو تصرفت في النص المنقول كثيرًا أو أردت الإحالة للتوسع والاستزادة كتبت في الهامش: أنظر كتاب كذا جزء كذا صفحة كذا.
· عند تخريج الحديث أذكر إسم الكتاب والباب والجزء والصفحة، إذا كان من البخاري، أو مسلم، أو أبي داود، أو الترمذي، أو النسائي، أو ابن ماجة، أو الدارمي، أو مؤطأ مالك، وما عداها أذكر الجزء والصفحة فقط كالمسند، والحاكم.
1 / 12
· حرصت على ذكر درجة الحديث - إذا لم يكن في الصحيحين أو أحدهما - وذلك بنقل كلام العلماء المهتمين بالحكم على الأحاديث قديمًا أو حديثًا، ما عدا ما بعض الأحاديث التي درستها دراسة خاصة مستعينًا بأقوال العلماء أيضًا - في تأييد ما ذهبت إليه.
· أما الآثار فأخرجها من الكتب التي أوردتها من غير حكم عليها.
· ميزات الآيات بجعلها بين ()، والأحاديث بجعلها بين " "، والآثار بجعلها بين ()، سواء داخل النصوص أو خارجها....
· وقد أقول في الهامش عند بعض الأحاديث الواردة في صلب البحت: سبق تخريجه أو أنظر فهرس الأحاديث المخرجة.
· ترجمت للأعلام، وعرفت بهم، وذكرت مصادر ترجمة كل واحد منهم في ذيل ترجمته.
· تركت ترجمة الأسماء المشهورة، كالأنبياء، والخلفاء الراشدين، ومشاهير الصحابة مثل عائشة، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأصحاب الكتب الستة والأئمة الأربعة، وابن تيمية، وابن القيم.
· وقد أقول في الهامش عند بعض الأسماء المذكورة في صلب البحث: سبقت ترجمته، أو ستأتي أو انظر فهرس الأعلام المترجمة، وقد اترك ذلك.
· عزوت الشعر - وهو قليل جدًا - إلى قائله، واثبت مصادره.
· شرحت الألفاظ الغربية، وذكرت مصدرها.
· قمت بعمل الفهارس التوضيحية الآتية:
١- فهرس للآيات. راعيت فيه ترتيب الآيات والسور، كما في المصحف الشريف.
٢- فهر س للأحاديث، والآثار المخرجة في البحث مراعيًا فيه الترتيب الهجائي، بناء على أول كلمة وردت في البحث.
1 / 13
٣- فهرس للأعلام المترجم لهم، مرتب على حروف المعجم.
٤- فهرس للأسماء المراجع والمصادر، الواردة في البحث مرتبة هجائيًا.
٥- فهرس للموضوعات.
ولا أدعي بأنني قد أتيت بما لم تستطعه الأوائل، وإنما من نورهم ما قبست، ومن عملهم ما ألفت، وما أنا إلا من أبناء هذا الزمان الذي نقص فيه العلم والعمل، والمرء بعصره أشبه.
ولست أقول إلا ما قاله أبو إسحاق الشاطبي ﵀ في كتاب الاعتصام: (فالإنسان وإن زعم في الامر أنه أدركه وقتله علمًا لا يأتي عليه الزمان إلا وقد عقل فيه مالم يكن عقل، وأدرك من عمله مالم يكن أدرك قبل ذلك، كل يشاهد ذلك من نفسه عينًا.
وفي الختام: أحمد الله على توفيقه وعونه لي، وأشكره سبحانه، وهو أحق من شكر وأثنى عليه الخير كله، وهو أهل الثناء والحمد، ثم اشكر شيخي الفاضل وأستاذي النبيل الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل الذي شرفت بالتتلمذ عليه من خلال هذه الرسالة، وأفدت من علمه وخلقه فلقد كان - والحق يقال - حريصًا على، ومتباعًا لي بصورة لو وصفت لكانت أنموذجًا مع ما حباه الله من كريم خلق وجميل وتعامل.
يا أيها المحسن المشكور من جهتي والشكر من قبل الإحسان لا قبلي
فاسأل الله العلي العظيم، أن يجزيه عني خير ما جزى أستاذًا عن تلامذته.. كما أشكر كل من مد لي يد العون في هذا البحث، وأخص بالذكر والدي- حفظه الله - والأخ: محمد بن ناصر الغامدي وسائر الأحبة الذين تفضلوا بمساعدتي ... أسأل الله تعالى أن يجزيهم عني خير الجزاء، وأن يجزل مثوبتهم، ويعلى درجتهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
1 / 14
مدخل كتاب البدعة
شروط العمل المقبول:
منذ أن خلق الله الإنسان أوجد فيه القلب والعقل، والعاطفة والفكر، ووهبه القدرة والإرادة، أمره وزوجه أن يسكنا الجنة، ونهاهما عن أكل الشجرة، وكان أمره - سبحانه - ووهبه لمقتضي ألوهيته وربوبيته على من كانت مقتضابات بشريته وآدميته محلًا صالحًا للعبودية التامة. ومن أول وهلة نجد أن هذه الحقيقة التي تثبتها عقيدة الرسل الكرام ﵈ ابتداء، تقول لنا: إن هذا بيان حاسم للتفريق بين ألوهية الباري ﷾ المقتضيه للخلق والامر، كما يشاء وفق عمله وحكمته، وبين عبودية الخلق المقتضيه للسمع، والانقيادة، وفق التركيب الرباني الموجود في بنى الإنسان المتجلي في الإدارة والقدرة.
ومن هنا تتقرر قاعدة الجد والقصد، والحق في بناء هذا الكون بالتفريق بين حقيقة الألوهية بحقوقها ولوازمها، وبين حقيقة العبودية بحدودها وضوابطها، وما يترتب على هاتين الحقيقتين من علامات وصفات ونتائج.
وهذه هي البداية الأولى لقضية التوحيد بالنسبة للبشر في الأرض، بدات من آدم ﵇ أبي البشر مرورًا بالانبياء والمرسلين ﵈ حتى قيام الساعة، تحددت بها مهمة الإنسان في هذا الوجود واتضحت وظيفته في هذه الحياة.
(فالإنسان وكل مخلوق فقير إلى الله بالذات، وفقره من لوازم ذاته ن يمتنع أن يكون إلا فقيرًا إلى خالقه، وليس أحد غنيًا بنفسه إلا الله وحده، فهو الصمد الغني عما سواه وكل ما سواه فقير إليه.
1 / 15
فالعبد فقير إلى الله من جهة ربوبيته، ومن جهة إلهيته ...) ذلك (أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والإنابة إليه، ومحبته، والإخلاص له ... وحاجتهم غليه في عبادتهم إياه، وتألهم كحاجتهم وأعظم في خلقه لهم وربوبيته إياهم، فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم وبذلك يصيرون عاملين متحركين، ولا صلاح لهم ولا فلاح، ولا نعيم، ولا لذة بدون ذلك بحال، بل من أعرض عن ذكر ربه فإن له معيشة ضنكا ونحشره يم القيامة أعمى) .
وهذه الوظيفة، وهذه المهمة للإنسان في الحياة الدنيا، هي التي من أجلها أنزل الله الكتب وأرسل الرسل.
فالرسل إنما دعوا إلى: (إياك نعبد وإياك نستعين) فإنهم كلهم دعوا على توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى آخرهم.
فقال نوح: (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وكذلك قال هود وصالح شعيب وإبراهيم.
قال الله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبد الله واجتنبوا الطاغوت) وقال: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا غله غلا أنا فاعبدون) .
1 / 16
حقيقة العبادة في الإسلام:
وبعد أن تقرر أن العبادة هي الوظيفة الأولى والأساسية للإنسان في هذه الحياة بأتي تقرير معنى العبادة التي شرعها الله لنا، وتحديد مجالاتها وصفاتها.
ذلك أن العبادة ليست في حياة الإنسان أمرًا هامشيًا، أو قضية ثانوية، بل إنها هي المبدأ الأول لوجوده، والغاية الأصلية لحياته.
وقد ساد بين الناس مفاهيم خاطئة للعبادة، صرفت عقولهم وقلوبهم وأعمالهم عن هذه الوظيفة التشريفية التي خلق الله الإنسان من أجلها، وسخر له كل شيء في نفسه وفي الكون حوله، ليقوم بها وفق أمر خالقه، وعند تأمل القرآن الكريم والسنة النبوية وما تحويه من أخبار وأوامر ونواهي ووعد ووعيد، نجد أنها كلها تدور حول تقرير ألوهية الله ﷾ وعبودية الإنسان له.
فإذا كان خلق الإنسان وتسخير الكون له، وإيجاد العقل والقلب والإرادة فيه، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب وخلق الجنة والنار، وقبل ذلك وبعده ما تقتضيه صفات الباري - جل وعلا - من كونه في ذاته وأفعاله ﷾ حكيمًا عليمًا ن خلق كل شيء فقدره تقديرًا، لم يخلق شيئًا عبثًا ولم يوجد شيئًا لغير حكمة.
وإذا كان القرآن المجيد، وما فيه من أخبار وأوامر ووعد ووعيد، جاء لأجل هذه المهمة العظيمة، ألا وهي تعبيد الخلق كلهم لله سبحانه.
فكيف يصح حينئذ أن يتصور أن العبادة هي النية النقيدة وحسب، أو أنها الشعائر التعبدية فقط، أو أنها لبعض نشاطات الإنسان دون بعض، أو لبعض أحواله وأفعاله دون بعض.
1 / 17
بل إن دائرة العبادة التي خلق الله لها الإنسان ن وجعلها غايته في الحياة، ومهمته في الارض، دائرة رحبة لا حبة واسعة،: إنها تشمل شؤون الإنسان كلها، وتستوعب حياته جميعًا، وتستغرق كافة مناشطه وأعماله.
وبهذا المعنى الشامل، فهم السلف الصالح عبادة الإنسان فردًا كان أو جماعة.
وقد لخص هذا المعنى الشامل للعبادة، وحدد ماهيتها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - حين قال (العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة) .
وبهذا التعريف الجامع لا يمكن أن يخرج أي شيء من نشاطات الإنسان وأعماله، سواء كان في ذلك العبادات المحضة، أو في المعاملات المشروعة، أو في العاديات التي طبع الإنسان على فعلها.
أما في العبادات والمعاملات المشروعة فإنها مما يحبه الله ويرضاه، وهذا أمره الشرعي الدائر بين الأحكام الخمسة التي اصطلح عليها الفقهاء.
أما في العاديات فالذي لم يحد منها بأوامر الشرع، ولم يقيد بأحكامه على وجه الخصوص، فإنه لا يخرج عن كونه داخلًا تحت عمومات الشرع باعتبار عبودية الإنسان في كل أحواله لله سبحانه، وباعتبار أن (العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله، أو فيما يكرهه، فلهذا أيضًا - جاءت الشريعة بلزوم عادات السابقين الأولين في أقوالهم وأعمالهم وكراهة الخروج عنها على غيرها من غير حاجة) .
وإن كان ينبغي لنا هنا الإشارة في العبادات المحضة المنع، حتى يرد ما يدل على مشروعيتها، وأن أصل العادات العفو حتى يرد ما يدل على منعها، وذلك مبنى على (أن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان:
1 / 18
عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم) .
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله، أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيه عدم الحظر، فلا يحظر منه إلا ما حظره الله ﷾. وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به، كيف يحكم عليه بأنه عبادة؟!.
ومالم يثبت من العبادات أنه منهي عنه، كيف يحكم عليه بأنه محظور؟! .
والعادات الأصل فيها العفو، فلا يخطر منها إلا ما حرم.) وهذا التقسيم في الحظر والإباحة لا يخرج شيئًا من أفعال الإنسان العادية من دائرة العبادة لله، ولكن ولم يختلف في درجته ما بين عبادة محضة وعادة مشوبة بالعبادة، وعادة تتحول بالنية والقصد إلى عبادة.
كما قال ابن حجر (... المباحات يؤجر عليها بالنية إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة، أو المندوبة أو تكميلًا لشيء منهما) .
وقال النووي في شرحه لحديث: " وفي بضع أحدكم صدقة "، " وفي
1 / 19
هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات ".
وقال الغزالي: (وما من شيء من المباحات إلا ويحتمل نية أو نيات يصير بها من محاسن القربات، وينال بها معالي الدرجات - فما أعظم خسران من يغفل عنها، ويتعاطاها تعاطي البهائم المهملة عن سهو وغفلة، ولا ينبغي أن يستحقر العبد شيئاَ من الخطرات والخطورات واللحظات، فكل ذلك يسأل عنه يوم القيامة أنه لم فعله وما الذي قصد به.....) .
وقد مثل ابن تيمية ﵀ للعبادة بعد أن عرفها بقوله: (فالصلاة والزكاة والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الارحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان على الجار، واليتيم، والمسكين، وابن السبيل، والمملوك من الآدميين، والبهائم، والدعاء والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة) .
وعد ﵀ من العبادة الأعمال القلبية:
كالحب، والخشية، والإخلاص، والصبر، والشكر، والرضا، والتوكل، والرجاء، والخوف....
بل وسع المعنى العبادي حين عد كل ما أمر الله به من الأسباب عبادة فقال ﵀: (فما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة ...) .
1 / 20
(فالذين على ذلك كله داخل في العبادة، والدين منهج الله جاء ليسع الحياة كلها، وينظم جميع أمورها من أدب الأكل والشرب، وقضاء الحاجة، إلى بناء الدولة، وسياسة الحكم، وسياسة المال، وشؤون المعاملات، والعقوبات وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب ...
إن الشعائر التعبدية من صلاة وسوم، وزكاة لها أهميتها، ومكانتها، ولكنها ليست العبادة كلها بل هي جزء من العبادة التي يريدها الله تعالى.
إن مقتضي العبادة المطالب بها الإنسان، أن يجعل المسلم أقواله وافعاله وتصريفاته وسلوكه وعلاقاته مع الناس، وفق المناهج والأوضاع التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، يفعل ذلك طاعة لله واستسلامًا لأمره....) .
والدليل على هذا المفهوم الشامل للعبادة، من الكتاب والسنة وفعل الصحابة رضوان الله عليهم:
فأما من القرآن الكريم فقوله - تعالى:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
(وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) .
(فل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) .
(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) .
ومن السنة أحاديث كثيرة، بعضها في عموم العادات بدون تخصيص، وبعضها الآخر في أفراد السلوك العادي، وفي هذا الأخير دليل وتنبيه على المعنى
1 / 21
العام المقصود إثباته هنا.... فمن ذلك:
· قوله ﷺ: " خير الكسب كسب يد العامل ".
· وقوله ﷺ: " خيركم من أطعم الطعام ورد السلام ".
· وقوله ﷺ: " ... وفي بضع أحدكم صدقة ... " الحديث.
· وقوله ﷺ: " إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقه، وهو يحتسبها كانت له صدقة ".
· وأيضًا ما رواه أحمد من حديث عمرو بن أمية الضمري، أن النبي ﷺ قال: " ما أعطى الرجل إمرأته فهو صدقة ".
· ومثله قوله ﷺ: " ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة، وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ".
· وبمعناه قوله ﷺ: " كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة عليهم".
1 / 22
· وبمعناه في مسلم من حديث ابي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: " دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا ًالذي أنفقته على أهلك ".
· وفي المسند من حديث جابر قال: قال رسول الله ﷺ: " من غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو طير أو سبع أو دابة فهو له صدقة ".
· وفيه عن رسول الله ﷺ أنه قال: " من من رجل يغرس غرسًا إلا كتب الله ﷿ له من الاجر، قدر ما يخرج من ثمر ذلك الغراس ".
· وبمعناهما قوله ﷺ: " من غرس غرسًا لم يأكل منه آدمي ولا خلق من خلق الله غلا كان له صدقة ".
· وفي الصحيحين ومسند أحمد، عن ابي هريرة أن النبي ﷺ قال: " كلا سلامي من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة ن وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، ودل
1 / 23
الطريق صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة".
· وعن جابر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقي أخاك ووجهك إليه منبسط، وأن تصب من دلوك في إناء جارك ".
· وقوله ﷺ: " دخلت إمرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت ".
وأما الاستدلال على عموم العبادة وشمولها لحياة الإنسان بفعل السلف وفهمهم.. ففيما رواه البخاري في صحيحه أن أبي بردة في قصة بعث ابي موسى ومعاذ إلى اليمن، وفي آخره وقال أبو موسى لمعاذ: فكيف تقرأ أنت
1 / 24