The Messenger Leader
الرسول القائد
प्रकाशक
دار الفكر
संस्करण संख्या
السادسة
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٢ هـ
प्रकाशक स्थान
بيروت
शैलियों
المقدّمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
الطبعة السادسة ١٤٢٢ هـ- ٢٠٠٢ م
1 / 2
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا، وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) «١» .
(القرآن الكريم)
فكّرت في وضع هذا الكتاب، بعد أن قرأت كثيرا من المؤلفات العسكرية الباحثة في تاريخ حروب القادة العظام، الذين لمعت أسماؤهم قديما وحديثا.
لقد أبرزت تلك المؤلفات بكل وصوح أعمال أولئك القادة، ووصفت معاركهم بتسلسل منطقي سهل، ووضّحت تلك المعارك بالخرائط والمخطّطات والأشكال، وأظهرت الدروس المفيدة منها، فأضفت بذلك كلّه الخلود على حياة أولئك الرجال.
وعدت لأقارن بين هذا الأسلوب في البحث، وبين أسلوب المؤرخين عندنا
_________
(١) - الآية الكريمة من سورة النور ٢٤: ٥٥.
1 / 3
في الحديث عن معارك قادة المسلمين، فعرفت كيف أضاء الأسلوب الأول معالم الطريق للباحثين، وحقق قيمة جديدة لأعمال بعض القادة، بينما طمس الأسلوب الثاني أعمالا خالدة تستحق أعظم التقدير والإعجاب.
لقد قرأت أكثر كتب السيرة في تدبر وإمعان، وحاولت أن أستشف منها كل نواحي العظمة التي تتسم بها شخصية الرسول ﷺ، ولكني وجدت أن عبقريته العسكرية التي لا تتطاول إليها أية عبقرية أخرى لأي قائد في القديم أو الحديث تكاد تكون متوارية محجوبة لم يتح لها من يكشف أسرارها ويجلي عظمتها بأسلوب حديث يجنح الى الكشف والتحليل وإبراز المواهب النادرة خاصة من عسكري يستطيع أن يلم بنواحي العظمة العسكرية التي تكمن فيها ويظهرها جلية للعيان، ومن هنا بقي الجانب العسكري من حياة الرسول ﷺ يشوبه الغموض حتى اليوم.
لقد تحدّث مؤرخو السيرة عن معارك الرسول ﷺ بإسهاب أو باقتضاب، ومع ذلك يخرج الباحث من دراسة كل معركة دون أن يلمّ بكل تفاصيلها ووقائعها ودوافعها، ويعود ليسأل نفسه: ما هو موقف الطرفين قبل المعركة؟
كيف جرى القتال؟ ما هي الدروس التي نستفيدها من المعركة؟ إلى غير ذلك من الأسئلة الحيوية الملحّة.
إنّ وصف معارك القواد المسلمين وعلى رأسهم الرسول ﷺ بهذا الأسلوب الذي لا يقنع باحثا ولا يشفي غلّة دارس، جعل تاريخ الحرب الحديث يورد أمثلة من أعمال القواد غير المسلمين، كهنبال وقيصر ونابليون ومولتكه ... الخ.
ولا يورد أمثلة من أعمال القواد المسلمين كالرسول ﷺ وخالد وسعد بن أبي وقاص ﵃ ... الخ، بينما يدرّس هذا التاريخ للمسلمين وفي بلاد المسلمين!! إنّ سبب ذلك هو (جناية) الأسلوب، هذه الجناية التي جعلتني أفكرّ في تأليف هذا الكتاب عن أعمال الرسول ﷺ العسكرية، متوخيا تنسيق
1 / 4
المعلومات التي جاءت في كتب السيرة بأسلوب علمي بسيط، تطرّقت فيه الى الموقف العام للطرفين قبل المعركة، وأهداف المعركة، وقوات الطرفين، وسير الحوادث قبل القتال وأثناءه وبعده، ونتائج المعركة، ودروسها المفيدة، تلك الدروس التي لم تقتصر على أعمال الرسول ﷺ، بل أظهرت أعمال المشركين أيضا؛ وحاولت إيضاح كل ذلك بالخرائط والمخططات والأشكال، لمعرفة مواقع المعركة وأسلوبها وأسلحتها الغريبة عنا الآن، وبهذا الإيضاح أمكن أن يعيش القارىء في جو المعركة الأصيل، ويطّلع على تفاصيلها، ليحصل من ذلك على معلومات وافية عن المعركة من كل الوجوه.
ولكني أغفلت بعض الظواهر الخارقة التي لا يمكن أن تحدث في الحروب العادية بين المتطاحنين من البشر، والتي يرجع بعض المؤرخين إليها وحدها السر الأكبر في انتصار الرسول ﷺ على خصومه وأعدائه.
لقد أيد الله نبيه وثبت قدمه ونصره على أعدائه بالملائكة المنزلة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ، بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) «١» .
ووعده بالنصر حين أذن له في القتال دفاعا عن النفس وردا لعادية المعتدين:
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) «٢» .
ولكنّ الخوارق لم تكن وحدها أداة النصر والعامل الذي غلب به الرسول ﷺ، والذين يذهبون إلى هذا يسلبونه قوته قائدا. ثم كيف يحتذي
_________
(١) - آل عمران الآيات ١٢٢، ١٢٣، ١٢٤، ١٢٥، ١٢٦.
(٢) - الحج الآية ٣٩.
1 / 5
المسلمون سيرته، ويتّبعون في الحروب نهجه وسنته، إذا لم يكن لفنه الحربي الأصيل ومواهبه العسكرية النادرة، الأثر العظيم في ظفره ونصره؟ إن الخوارق كانت إيذانا للنبي ﷺ بأن الله معه لا يتخلى عنه، حتى يشحذ همته ويثير عزيمته، وينبهه بكل ما فيه من حواس اليقظة والحذر إلى أعدائه المحاربين.
ولست أحاول في هذا الكتاب أن أعرض لهذه الخوارق والمعجزات التي أيد الله بها نبيه وثبت رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام، فذلك أمر يؤمن به كل مسلم، وقد أثبته القرآن الكريم بما لا يدع فيه مجالا لشك أو ريبة، وإنما أريد أن أبرز للعيان سمات قيادة الرسول ﷺ التي يمكن أن تكون أسوة حسنة في الحروب لأتباعه.
لقد عمل الرسول ﷺ بكل مبادىء الحرب المعروفة، بالإضافة الى مزاياه الشخصية الأخرى في القيادة، لهذا انتصر على أعدائه، ولو أغفل شيئا من الحذر والحيطة والاستعداد، لتبدّل الحال غير الحال، ولكن الله سلّم.
لماذا كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها؟ ولماذا كان يأخذ بمبدأ: «الحرب خدعة»؟
ماذا كان يحدث لو تردّد قبل معركة (بدر)، عندما رأى المشركين متفوّقين على أصحابه بالعدد والعدد؟
ماذا كان يحدث لو استسلم لليأس في معركة (أحد) بعد أن طوّقته قوات المشركين المتفوّقة من كل جانب؟
ماذا كان يحدث لو ضعفت مقاومته للأحزاب في غزوة الخندق، وبخاصة بعد خيانة يهود، حين أصبح مهددا من خارج المدينة المنوّرة ومن داخلها؟
ماذا كان يحدث لو لم يثبت الرسول ﷺ مع عشرة فقط من آل بيته والمهاجرين بعد فرار المسلمين في غزوة (حنين)؟
1 / 6
كيف نفسّر إصابة الرسول ﷺ بجروح خطرة في معركة (أحد)، فقد كسرت رباعيّته «١» وشجّ في جبهته حتى سال الدم على وجهه الكريم، عندما خالف الرماة أمره وتركوا مواضعهم لجمع الغنائم، فخسر سبعين من أبطال المسلمين في هذه المعركة؟
وأي استعدادات بلغت من الإحكام والدقة في التفاصيل، ما بلغته استعدادات الرسول ﷺ لتجهيز جيش العسرة «٢»؟
ولماذا تصلي طائفة من المسلمين في ساعات القتال، وتأخذ طائفة أخرى أسلحتها حذرا من مباغتة العدو؟
لماذا كل هذا الحذر الشديد والاستعدادات الدقيقة، إذا كان انتصار الرسول ﷺ بالخوارق غير العادية لا بالأعمال العسكرية والمواهب الحربية؟
إن النصر من عند الله، ما في ذلك شك، ولكنّ الله لا يهب نصره لمن لا يعدّ كل متطلبات القتال.
إنّ المسلم حقّا، هو الذي يقدّر الرسول ﷺ حق قدره، فيعترف بأن كفاية الرسول ﷺ قائدا متميّزا، وكفاية أصحابه جنودا متميزين، هي التي أمّنت لهم النصر العظيم.
أما أن نستند على الخوارق وحدها في الحرب، ونجعلها السبب المباشر لانتصار المسلمين، فذلك يجعل هذا النصر لا قيمة له من الناحية العسكرية،
_________
(١) - الرّباعية: السن بين الثنيّة والناب، وهي أربع: رباعيتان في الفك الأعلى، ورباعيتان في الفك الأسفل.
(٢) - جيش العسرة هو الذي خاص غزوة تبوك كما سيرد ذلك في محله.
1 / 7
بالإضافة الى أن ذلك غير منطقي وغير معقول: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) «١» .
إن أعمال الرسول ﷺ ومنها العسكرية- سنّة متبعة في كل زمان ومكان، فهل يبقى أتباعه ينتظرون الخوارق لينتصروا على أعدائهم، أم يعدّون ما استطاعوا من قوة، كما قرر القرآن الكريم، لينالوا هذا النصر؟
إن سيرة الرسول ﷺ العسكرية، تثبت بشكل جازم لا يتطرّق إليه الشك، أن انتصاره كان لشجاعته الشخصية وسيطرته على أعصابه في أحلك المواقف، ولقراراته السريعة الجازمة في أخطر الظروف، ولعزمه الأكيد في التشبث بأسباب النصر، ولتطبيقه كل مبادىء الحرب المعروفة في كل معاركه، تلك العوامل الشخصية التي جعلته يتفوّق على أعدائه في الميدان، ولو لم تكن تلك الصفات الشخصية المدعومة بقوة الإيمان بالله، لما كتب له النصر.
يمتاز الرسول ﷺ عن غيره من القادة في كل زمان ومكان بميزتين مهمتين:
الأولى، أنه كان قائدا عصاميا. والثانية، أن معاركه كانت للدفاع عن الدعوة ولحماية حرية نشر الإسلام ولتوطيد- أركان السلام لا للعدوان والاغتصاب والاستغلال.
إن غيره من القادة العظام وجدوا أمما تؤيدهم وقوات جاهزة تساندهم؛ ولكن الرسول ﷺ لم تكن له أمة تؤيده، ولا قوات تسانده، فعمل على نشر دعوته، وتحمّل أعنف المشقات والصعاب، حتى كوّن له قوة بالتدريج ذات عقيدة واحدة وهدف واحد، هو التوحيد وإعلاء كلمة الله.
_________
(١) - الآية الكريمة من سورة الأنفال ٨: ٦٠.
1 / 8
وعلى ذلك يمكن تقسيم حياة الرسول ﷺ من الناحية العسكرية الى أربعة أدوار: دور الحشد، ودور الدفاع عن العقيدة، ودور الهجوم، ودور التكامل.
أما دور الحشد: فمن بعثته الى هجرته الى المدينة المنوّرة واستقراره هناك، وفي هذا الدور اقتصر الرسول ﷺ على الحرب الكلامية: يبشّر وينذر ويحاول جاهدا نشر الإسلام، وبذلك كوّن النواة الأولى لقوات المسلمين، وحشدهم في المدينة المنورة (بالهجرة) إليها، وعاهد بعض يهود ليأمن جانبهم عند بدء الصراع.
أما دور الدفاع عن العقيدة: فمن بدء الرسول ﷺ بإرسال سراياه وقواته للقتال، الى انسحاب الأحزاب عن المدينة المنورة بعد غزوة الخندق، وبهذا الدور ازداد عدد المسلمين، فاستطاعوا الدفاع عن عقيدتهم ضدّ أعدائهم الأقوياء.
أما دور الهجوم: فهو من بعد غزوة (الخندق) الى بعد غزوة (حنين)، وبهذا الدور انتشر الإسلام في الجزيرة العربية كلها، وأصبح المسلمون قوة ذات اعتبار وأثر في بلاد العرب، فاستطاعوا سحق كل قوة تعرّضت للاسلام.
والدور الرابع هو دور التكامل: وهو من بعد غزوة (حنين) الى أن التحق الرسول ﷺ بالرفيق الأعلى؛ فقد تكاملت قوات المسلمين بهذا الدور، فشملت شبه الجزيرة العربية كلها، وأخذت تحاول أن تجد لها متنفسا خارج شبه الجزيرة العربية، فكانت غزوة (تبوك) إيذانا بمولد الإمبراطورية الإسلامية.
بهذا التطوّر المنطقي، تدرّج هذا القائد العصامي بقواته من الضعف الى القوة، ومن الدفاع الى الهجوم، ومن الهجوم الى التعرّض، وبذلك بزّ كل
1 / 9
قائد في كل أدوار التاريخ، لأنه أوجد قوة كبيرة ذات عقيدة واحدة وهدف واحد من لا شيء ...
تلك هي الميزة الأولى للرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام.
والميزة الثانية لقيادته: هي أن معاركه كانت حرب فروسية بكل معنى الكلمة، الغرض منها حماية حرية نشر الإسلام وتوطيد أركان السلام؛ فلم ينقض عهدا، ولم يمثّل بعدو، ولم يقتل ضعيفا، ولم يقاتل غير المحاربين. لذلك فإن إطلاق تعبير: (الفتح الإسلامي على عهد الرسول) ليس صحيحا، وإنما الصحيح أن يقال: (انتشار الإسلام على عهد الرسول)، لأنه لم يفتح بلدا لغاية الفتح، بل لغرض حماية حرّية نشر الإسلام فيه وتوطيد أركان السلام في أرجائه.
ولا عجب في ذلك، فقد كان محمد ﷺ قائدا ورسولا، ومبشرا ونذيرا، (وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا) .
وربما يتبادر الى الأذهان، أن القيادة في العصور الغابرة كانت سهلة التكاليف بالنسبة للقيادة في الحرب الحديثة لقلّة عدد القوات حينذاك بالنسبة الى ضخامة عددها وكثرة أسلحتها ووسائلها في الجيوش الحديثة، ولكن العكس هو الصحيح.
إن مهمة القائد في العصور الغابرة كانت أصعب من مهمته في العصر الحديث، لأن سيطرة القائد ومزاياه الشخصية، كانت العامل الحاسم في الحروب القديمة؛ بينما يسيطر القائد في الحرب الحديثة على قواته الكبيرة بمعاونة عدد ضخم من ضباط الركن الذين يعاونونه في مهمته ويراقبون تنفيذ أوامره في الوقت والمكان المطلوبين، كما يسيطر القائد على قواته بوسائط المواصلات الداخلية الدقيقة من
1 / 10
أجهزة لا سلكية وسلكية ورادار وطيارات وأقمار إصطناعية ووسائط آلية ... الخ.
بل إن هيئات الركن مسؤولة حتى عن تهيئة خطط القتال قبل الوقت المناسب، ولا يقوم القائد إلا بمهمة الإشراف على التنفيذ.
إن القائد في الحرب الحديثة يحتاج الى العقل وحده، والقائد في الحرب القديمة يحتاج الى العقل والشجاعة.
بقي علينا أن نلفت النظر في هذا المكان الى إنتقاد قسم من المستشرقين لقسم من أعمال الرسول ﷺ العسكرية، لأننا لا نعود الى الكلام على هذا النقد مرة أخرى في غير هذا المكان.
إن الرسول ﷺ عند قسم من المستشرقين صاحب رقّة تحرمه القدرة على القتال، ودليلهم على ذلك أنه اشترك في حرب الفجار بتجهيز السهام فقط ولم يشترك في الطعان. وهو عند قسم من المستشرقين صاحب قسوة تغريه بالقتل وإهدار الدماء من غير جريرة، وحجّتهم على ذلك قتل أسيرين بعد (بدر) وقتل قسم من يهود بعد غزوة الأحزاب.
ولو لم يكن الهوى وحده هو الذي يثير هذا النقد المغرض، لما حدث مثل هذا التناقض بين أقوال المستشرقين.
إنّ المستشرقين لا يريدون وجه الحق في نقدهم، ولو أرادوا الحق لوجدوا أن الرسول ﷺ لم يقاتل أبدا إلا مضطرا، ولم يأمر أبدا بقتل أحد إلا عقابا له على جريمة نكراء أضرّت أشد الضرر بمصالح المسلمين.
ومن العجيب أن ينتقده هؤلاء لقتله بضعة أشخاص؛ لأنهم حالوا بطرق
1 / 11
غير شريفة دون حرية انتشار الإسلام، وعملوا بطرق غير شريفة لإثارة الحرب، وخانوا عهودهم بعد توكيدها في مواقف حرجة كادت تقضي على المسلمين، بينما لا ينتقدون قومهم في القرن العشرين على إفناء شعوب كاملة لأنهم قاوموا الظلم والعدوان.
ولهم أن يدرسوا قوانين الحرب والحياد في القرن العشرين، ليروا بأنفسهم أين تكون هذه القوانين الدولية بالنسبة الى ما طبّقه الرسول ﷺ عمليا في القتال قبل أربعة عشر قرنا! ...
لقد درست حياة الرسول العسكرية بروح علمية محايدة، توخيّت منها إظهار الواقع العملي من قيادة النبي ﷺ، ذلك الواقع الذي يستحق التقدير كلّ التقدير.
ولم أنس المواقف التي تستحق التقدير من أعمال المشركين، لأن قيادتهم وقواتهم قامت بأعمال ذات قيمة عسكرية في قتالها المسلمين، مما يجعلنا نلمس ما لاقاه الرسول ﷺ من مصاعب في القضاء على اعتداءات المشركين.
إن دراستي لحياة الرسول ﷺ العسكرية بهذا الأسلوب، مجهود متواضع، لعلّ فيه فائدة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ليأخذوا عبرة من حياة قائدهم الأول في إعداد القوة وحماية الإسلام، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.
فأن استطعت بهذا المجهود أن أضيف صفحة نيّرة الى صفحات التاريخ العسكري الاسلامي، أستثير بها نفوس العرب والمسلمين، فقد بلغت غاية أمنيتي؛ وإلا فإنما الأعمال بالنيات ...
ولله كل الفضل فيما فعلت، وله كل الشكر على ما أنتجت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
1 / 12
مقدمة الطبعة الثانية
لم تسمح ظروف خاصة بانتشار الطبعة الأولى من هذا الكتاب في البلدان العربية والإسلامية، بل لم تسمح تلك الظروف بانتشاره حتى في معظم المدن العراقية نفسها إلا في نطاق ضيّق جدا للقراء وإلا ما وصل منه هدايا لبعض القادة والمفكرين والصحف في العراق وفي خارجه.
وما كنت أتوقع أن يقابل هذا الجهد المتواضع، بمثل ما قوبل به من تشجيع لا أملك أن أقابله الآن بغير الشكر الجزيل، ذلك لأنني أعلم ما تستحقه مثل هذه الدراسة عن رسول الانسانية ﷺ من جهد وعلم وإيمان لا تتيسّر في أمثالي؛ ومن أكون حتى أو في حقّ دراسة حياة الرسول ﷺ العسكرية، وقد عجز من قبلي عن إيفاء حقها أكابر العلماء والمفكرين؟!
ولكن الله يعلم أنني لم أرد بهذا الكتاب إلا وجهه الكريم، وأن أقضي واجبا كنت ولا أزال أشعر بثقل مسؤوليته الجسمية على كاهلي الضعيف خدمة للرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام باظهار ناحية الجهاد في الاسلام مبسّطة في جهاد النبي العربي العظيم، لهذا وافقت على إعادة طبعه ليتيسّر اقتناؤه في أوسع نطاق من بلاد المسلمين.
وسيجد القراء الكرام، أن الحرب في الاسلام حرب دفاعية بكل ما في الكلمة من معنى، لا يبدأ المسلمون فيها بالإعتداء على أحد، ولا يريدون من ورائها إلا حماية حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام في العالم؛ لأنّ الاسلام جاء للناس كافة لا لأمة من الأمم ولا لشعب من الشعوب، ولكنه جاء للعالم كله أملا في تحقيق فكرة سامية، هي فكرة وحدة الانسانية جمعاء؛ لهذا شجّع
1 / 13
الإسلام كل طلب للصلح يعرضه العدو: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) «١» ...
وقد يكون هذا العدو غير مخلص في طلبه هذا أو يقصد به كسب الوقت استعدادا لحرب أخرى، أو يكون يريد أن يخدع المسلمين مبيتا الغدر بهم أو إلحاق الاضرار بمصالحم العليا، ومع كل ذلك يحتم الاسلام النزول عند رغبات العدو السلمية: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ) «٢» ...
ولست أعلم مبدءا ساميا غير الإسلام يجيز الموافقة على إقرار السلام فورا دون قيد أو شرط بمجرد إقدام العدو على طلب إقراره مهما تكن الظروف والأحوال، ولكن السلام في الإسلام مادة وروح فهو لخير البشر على اختلاف أقطارهم وألوانهم ومللهم ونحلهم، بينما السلام عند أدعياء السلام مادة، لذلك فالسلام في غير الاسلام عرقلة لتسليح غيرهم وزيادة لتسليحهم من جهة، وقتل وسحل وتشريد وتعذيب وفتك بأعدائهم من جهة أخرى.
بل إنّ السلام في الإسلام نور يضيء للناس كافة، والسلام عند أدعياء السلام لا يراد منه إلا نار تحرق وتدمر غيرهم من الناس ... (يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) «٣» .
ومتى انتشرت فكرة السلام الإسلامي في العالم، ساده السلام الحقيقي وانتشرت في ربوعه السعادة والاطمئنان؛ وإلا فسيبقى في حرب باردة تارة وفي حرب دامية تارة أخرى، وستبقى البشرية في هلع دائم من ويلات الفتن والحروب.
لقد كانت خسائر الشعوب في الحرب العالمية الأولى أقل من عشرة ملايين
_________
(١) - الآية الكريمة من سورة الأنفال ٨: ٦١.
(٢) - الآية الكريمة من سورة الأنفال ٨: ٦٢.
(٣) - الآية الكريمة من سورة البقرة ٢: ٩.
1 / 14
نسمة فضلا عن الخراب والدمار الذي لحق بالممتلكات، ولكن خسائر الشعوب في الحرب العالمية الثانية بلغت أكثر من ستين مليونا من القتلى المدنيين والعسكريين كما قتل سبعة عشر مليون طفل بالغارات الجوية ودمّر ثلاثون مليونا من الأبنية واثنان وعشرون مليونا من المساكن عدا المآسي المروّعة التي صاحبت الحرب. فكم ستكون خسائر الإنسانية في حرب عالمية ثالثة، وقد أصبحت الأسلحة التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية قديمة جدا وكأنها لعب أطفال بالنسبة للأسلحة النووية والصواريخ عابرة القارات ... ونحوهما مما سيستخدم إذا نشبت حرب جديدة «١»؟
إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع نشر السلام في ربوع العالم ويشيع فيه الثقة والاطمئنان، أما دعاة السلام الذين هم في الحقيقة أعداء السلام، فقد عرف الناس ماذا يعني سلامهم من فتك وتدمير يشمل الأبرياء وغير الأبرياء على حد سواء ... هؤلاء الأدعياء يجب أن يتواروا الى الأبد خجلا من الكرامة الإنسانية التي عفروها بالتراب ويفتشوا عن أحبولة أخرى لا يعرفها الناس غير الادّعاء بأنهم أنصار السلام «٢» !!!
والله أسأل أن يهدي الإنسانية الى طريق الإسلام: طريق المحبة والخير والسلام.
_________
(١) - يقدر خبراء العسكريين المعتمدين، أن خسائر الحرب النووية ستكون ثلثي العالم قتلى ومشوهين وعاجزين. أما الثلث الباقي فسيبقى يعاني من آثار الاشعاع الذري. وسيكون من نتائج الحرب النووية القضاء على الحضارة العالمية والعودة الى حضارات العهود السحيقة في التاريخ.
(٢) - كتبت هذه المقدمة في عهد قاسم العراق، ونشرت في ذلك العهد، يوم كانت أعمال أدعياء السلام المزيفين مائلة للعيان في الموصل وفي كركوك.
1 / 15
مقدمة الطبعة الثالثة «١»
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد القادات وقائد السادات.
رجل الرجال وبطل الأبطال.
إمام المجاهدين الصادقين.
وقدوة الموحدين الوحدويين.
وعلى آله وصحبه وقادته الفاتحين.
ما أعظم حياة النبي الكريم صلوات الله وتسليمه عليه، وما أكثر ما توحي به من عبر ودروس!
فماذا توحيه للعرب في هذه الأيام (بخاصة) من عبر، وماذا تزجيه لهم- وهم على ما هم عليه الآن- من دروس؟
حياته الغالبة في جوهرها، توحيد وجهاد: توحيد الله وتوحيد الناس، وجهاد لتوحيد الله وتوحيد الناس.
بدأ حياته العملية بالدعوة سرا منذ نزول الوحي عليه: يدعو الناس الى توحيد الله، وتزكية نفوسهم وتطهيرها، ويدعوهم الى توحيد الصفوف ونكر ان مصلحة الفرد في حدود مصلحة الجماعة.
_________
(١) - خطاب ألقي بمناسبة المولد النبوي الشريف في قاعة الشعب ببغداد عام ١٩٦٣، يوم كنت في الوزارة، وقد شهد الاحتفال رئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة العراقية.
1 / 16
واستمرت دعوته سرا ثلاث سنين، حتى نزل قوله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) «١»، فأعلن دعوته.
وابتدأت قريش تظهر خصومتها لدعوته السّمحة، وأخذت هذه الخصومة تشتد وتعنف، فاستباحوا في الحرم الآمن دماء وأموال المسلمين، وحرّضوا القبائل على الدعوة وصاحبها، وقاطعوا المسلمين ومن يعطف عليهم: لا يبيعونهم ولا يبتاعون منهم شيئا، ولا يزوجونهم أو يتزوجون منهم.
ولكن الرسول ﷺ صمد صمود الرواسي: لا يلين ولا يتردد، ولا يخشى أحدا إلا الله، وتحمل التكذيب والتعذيب والأذى والجوع والحرمان، مصرا إصرارا عنيدا على تحقيق أهدافه كاملة.
كان يذهب الى الحجيج في مجامعهم، ويطلب منهم النصرة على مسمع ومرأى من جبابرة قريش وأحلافهم.
وتكلّلت إحدى محاولاته البطولية بالنجاح، وذلك بانبثاق بيعة (العقبة الأولى)، ثم تلتها بيعة (العقبة الثانية)، فكانت البيعة الأولى أول انتصار عسكري له خارج مكة المكرمة، وكانت البيعة الثانية انتصارا عسكريا آخر له، وأدى كل ذلك الى انتشار الإسلام في المدينة المنورة، وأصبح له فيها جنود يعتمد عليهم في الملمات.
إن حياته المباركة في مكة المكرمة، كانت مكرّسة للتوحيد من أجل الجهاد.
وأمر النبي ﷺ مسلمي مكة ومن حولها بالهجرة الى المدينة المنورة للانضمام الى إخوانهم هناك، فهاجر المسلمون تباعا تاركين أموالهم وأهليهم،
_________
(١) - الآية الكريمة من سورة الشعراء ٢٦: ٢١٤.
1 / 17
فكانت هجرة الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام الى المدينة المنورة معناها: اجتماع القائد بجنوده في قاعدتهم الأمينة.
وفي دار الهجرة، أنجز النبي الكريم ﷺ حشد قواته: بنى المسجد وهو الثكنة الأولى للإسلام، وآخى بين المهاجرين والأنصار حتى يتعاونوا على أسباب العيش وليكونوا جبهة واحدة لتحقيق هدف واحد، وعقد المعاهدات بين المسلمين وخصومهم في المدينة المنورة ليطمئن الى سلامة جبهته الداخلية، فلما نزلت أول آية من آيات الجهاد: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ) «١»، كان الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام قد أكمل حشد جيش يؤمن بعقيدة واحدة، وله هدف واحد، وقائد واحد، يستند الى قاعدة أمينة واحدة.
ونشب القتال بين المسلمين وبين قريش بعد إنجاز دور الحشد، فبدأ دور الدفاع عن العقيدة، وهو من إرسال السرايا الأولى للقتال الى انسحاب (الأحزاب) عن المدينة المنورة بعد غزوة (الخندق)؛ وفي هذا الدور ازداد عدد المسلمين، فصمدوا دفاعا عن عقيدتهم ضد أعدائهم الأقوياء.
وبعد غزوة (الخندق) بدأ دور (الهجوم) وانتهى هذا الدور بعد غزوة (حنين)، وبهذا الدور انتشر المسلمون في أرجاء الجزيرة العربية كلها، وأصبحوا قوّة ذات مكانة وكيان.
وكان الدور الأخير من أدوار جهاد الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام في سبيل التوحيد، هو دور (التكامل)، وهو من بعد غزوة (حنين) إلى أن التحق النبي ﷺ بالرفيق الأعلى، فتكاملت قوات المسلمين بهذا الدور،
_________
(١) - الآيتان الكريمتان من سورة الحج ٢٢: ٣٩- ٤٠.
1 / 18
واستطاعت إن توحّد شبه الجزيرة العربية كلها؛ فكانت غزوة (تبوك) نهاية جهاد النبي ﷺ في توحيد شبه الجزيرة العربية، تحت راية الإسلام.
إن حياة النبي الكريم ﷺ في المدينة المنورة كانت مكرّسة للجهاد من أجل التوحيد.
وكانت حياة خلفائه الراشدين ﵃ من بعده تطبيقا عمليا لأهداف النبي ﷺ التي نذر لها حياته الكريمة: جهاد من أجل التوحيد، وتوحيد من أجل الجهاد.
كانت حروب الردّة في أيام الصديق أبي بكر ﵁ حروبا لإعادة وحدة شبه الجزيرة العربية تحت لواء الإسلام، وحين عادت وحدة العرب بعد انتصار المسلمين على المرتدين أصبحوا قوة هائلة، وجدت لها (متنفسا) في الفتح، فخفقت رايات العرب المسلمين من الصين شرقا الى حدود سيبريا شمالا، الى فرنسا غربا، الى المحيط الهندي جنوبا.
وكان من فضل الإسلام على العرب، أنه وحّد صفوفهم، وجمع كلمتهم، ووجّههم للفتح، فكان الإسلام بحق عقيدة منشئة بناءة ذاد عنها حماة قادرون، هم العرب الموحدون الذين أصبحوا بفضل وحدتهم وتوحيدهم قوة جبارة، ولن يعيدوا سيرتهم الأولى بغير الوحدة والتوحيد.
واليوم فإن الوحدة العربية هدف حتمي، يستمد مقوماته من وحدة (اللغة) التي هي قوام الثقافة والفكر، ووحدة (التاريخ) التي تصنع الوجدان والضمير ووحدة (الجهاد) الشعبي الذي يقرر ويحدد المصير، ووحدة (القيم) الروحية النابعة من رسالات السماء! فلمصلحة من تبقى السدود والقيود بين البلاد العربية؟ ألمصلحة الشعب العربي، وهو شعب واحد في تفرقه الوهن وفي اتحاده القوة؟ أم لمصلحة المسلمين بكل مكان، والعرب إذا اتحدوا يعيدون لهم سابق عزهم
1 / 19
ومجدهم؟ أم لمصلحة الحضارة العالمية، وهذه الحضارة تحقق كسبا عظيما في رجوع الحضارة العربية الى سابق عزها؟
إن حياة رسول التوحيد والجهاد عليه أفضل الصلاة والسلام هي أسوة حسنة للعرب والمسلمين في كل مكان وكل زمان.
إنها تناديهم من وراء الغيب عبر القرون: وحدوا صفوفكم وجاهدوا أعداءكم.
صمموا على تحقيق أهدافكم كاملة.
ضحوا من أجل مثلكم العليا بكل ما تملكون.
تخطوا العقبات والصعاب من أجل تحقيق وحدتكم وتوحيدكم.
لتكن مصالحكم الشخصية تحت أقدامكم في سبيل المصالح العامة.
أقولها كلمة صريحة حاسمة موجهة لقادة العرب خاصة ولقادة المسلمين عامة.
إن التاريخ لم يخلد غير الذين وحّدوا وجاهدوا: وحدوا الصفوف، ولموا الشعب، وكونوا قوة موحدة من قوى متفرقة وجاهدوا في سبيل مثل عليا لمصلحة أمتهم، ولمصلحة عقيدتهم، فالحياة تافهة إذا خلت من مثل عليا.
وهذه البلاد العربية متفرقة، فيها ميدان واسع لمن يريد العمل حقا لتوحيدها.
وهذه فلسطين وعمان والمحميات، فيها ميدان واسع لمن يجاهد لإنقاذها.
وهذا التاريخ يفتح أنصع صفحاته لتخليد من يوحّد ويجاهد.
إن القائد الذي يقدم على توحيد العرب وجهاد أعدائهم، سيجد القلوب
1 / 20
في الوطن العربي تهوى إليه، وسيجد النفوس في دار الإسلام تبارك خطواته، وسيجد الذين يقاومون جهوده يتهاوون تحت أقدامه كما تتهاوى أوراق الشجر في الخريف.
وأخيرا سيجد أن الضعف أصبح قوة، وأن الفقر أصبح غنى، وأن الجهل أصبح علما، وأن المرض أصبح صحة، وحينذاك سيكون للعرب قوة لها شأن في العالم كله، تعيد للمسلمين عزهم ومجدهم.
إن النبي العربي صلوات الله عليه وتسليمه عليه يطالبكم اليوم جميعا، أن تجاهدوا من أجل الوحدة، وتوحدوا من أجل الجهاد.
وصدق الله العظيم: (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) «١» .
_________
(١) - الآية الكريمة من سورة البقرة ٢: ١٤٣.
1 / 21