The Marriage with the Intention of Divorce Through the Evidence of the Quran and Sunnah and the Objectives of Islamic Sharia
الزواج بنية الطلاق من خلال أدلة الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة الإسلامية
प्रकाशक
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٨ هـ
प्रकाशक स्थान
المملكة العربية السعودية
शैलियों
تقريظ لفضيلة الشيخ/
محمد بن صالح العثيمين ﵀
تصفحت هذا البحث الذي كتبه الدكتور صالح بن عبد العزيز آل منصور في حكم النكاح بنية الطلاق فوجدته بحثًا قيمًا، لم يمر بي مثله في بابه، وقد أجاد فيه وأفاد، فجزاه الله تعالى خيرًا، وجعلنا وإياه من الهداة المهتدين، الصالحين المصلحين، إنه جود كريم.
كتبه: محمد الصالح العثيمين
في ٢٨ من شهر شوال سنة ١٤١٣هـ
1 / 5
تقريظ صاحب الفضيلة
رئيس المجلس الأعلى للقضاء وعضو هيئة كبار العلماء
الشيخ صالح بن محمد اللحيدان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته ومن سار على منهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
وبعد؛ فقد رغب إلى أخي وزميلي في الدراسة فضيلة الدكتور الشيخ صالح بن عبد العزيز المنصور، الأستاذ المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في كلية الشريعة في القصيم، مطالعة ما كتبه حول الزواج بنية الطلاق، وتقريظ رسالته في هذا الموضوع، وقد وعدته بإنجاز ما طلب، وتحقيق ما فيه رغب مرة تلو أخرى، ثم يعوقني عن الوفاء بما وعدت به عوائق كثيرة، ويبدو أن فضيلته كان قد علم برأيي في هذه المسألة، فإني قد أفتيت بعدم جواز مثل هذا النكاح منذ فترة ليست بالقصيرة في مجالس عامة، وفي بعض اللقاءات الجامعية، وقد حصل من ذلك شيء في عام ١٣٩٩هـ، في جامعة البترول وأبديت أن ذلك يصح أن يقال عنه إنه شبيه بالزنى المنظم، ما دامت النية مستقرة على عدم استمرار عقد النكاح، ثم إني أثرت ذلك في بعض اجتماعات هيئة كبار العلماء قبل عام ١٤٠٠هـ، وقد اطلعت في حينها على الخلاف في المسألة، وذاكرت بعض مشائخنا في هذا الأمر، وكيف نجعل النية مؤثرة في نكاح المحلل الذي قد لا يذكر في عقده شرط طلاق، ولا نية تحليل، ومع ذلك يعد هذا النكاح باطلًا؛ لأن النية أثرة فيه. وأبديت
1 / 9
أن فيه شبهًا من نكاح المتعة الذي ينص فيه على الأجل؛ لأن العبرة في كثير من العقود بالنية، إلى غير ذلك مما كان قد تردد في فكري وتراجعت فيه مع أن أيدني من كبار مشائخنا، وحاولت استصدار ما قد ينفع الله به من فتوى ذات أثر. إلا أن هيبة ما ذكره صاحب المغني موفق الدين بن قدامة ﵀ ومن وافقه قد تكون حالت دون ذلك، وقد بقيت مستاءًا من انزلاق كثير من الشباب في هذا المنحدر، وأنهي عنه وأفتي بعدم موافقته لمقاصد الشريعة وقواعدها المحكمة، وأصولها المتينة.
ولما أبدى لي فضيلة أخي الدكتور صالح بن عبد العزيز المنصور أنه، أعد كتابة في هذا الموضوع ورغب أن أشارك ولو بكلمة عابرة، وافقت ورجوت أن أدرس الرسالة وأتحدث عن الموضوع ورسالة فضيلته، إلا أن ما شرحته آنفًا كان حائلًا بيني وبين إعطاء تصور عن رسالة فضيلته مع تأييد الفكرة، فقلت ما لا يدرك كله لا يترك كله، وقصد أخي أن أقف معه في هذا الميدان، والوقوف معه في مثل ذلك وقوف مع الحق وتأييد للصواب من القول، ومن فعل ذلك محتسبًا الأجر والثواب من الله، فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
أقول: لقد جاء الله بالإسلام ليُبقي ما كان سليمًا من علاقات الناس ومنسجمًا مع الفطرة ويستبعد ما يضادها، وكان العرب موضوع ذلك بالدرجة الأولى، ومعلوم أن العرب كانت لهم أنكحة في الجاهلية مختلفة الأشكال والمقاصد فأقر منها ما خلا عن الغدر والخيانة، واشتمل على سلامة النية، وتوفرت فيه مستلزمات العقود الصحيحة، وانتفت عنه موانع الصحة، وقد نهى النبي ﷺ عن أنكحة بعينها، وعلم من ذلك أن ما شابهها فهو ملحق بها، فقد نهى عن نكاح المحلل، ولعن فاعله وحرم نكاح المتعة، وتوعد عمر ﵁ برجم فاعله، وقد أقر ما ليس شبيهًا بذلك بأن كان نكاح رغبة حاضرة ومستمرة؛ لأن الهدف من
1 / 10
النكاح متعدد الجوانب فهو للذة، والمتعة، والحصول على الرحمة والمودة، وكسب الولد، وتوفير السكن، والخدمة، والأنس، وحفظ المال القائم عليه، إذ أن المرأة الصالحة خير ما يكنزه المرء المسلم؛ لأنها مبعث المودة، والرحمة، وموضع السرور، ومكان الأمن على ماله، وموضع حرثه، وهي القائمة على تربية أفراد الأسرة في مبدأ نموهم وحال طراوة أفكارهم وأجسامهم، ولا يكون ذلك في زواج لا نية في استدامته، ولا أمل في إنجاب من ورائه، فنكاح المتعة معلوم القصد منه، ومثله نكاح المحلل، وقد لا يختلف عنه النكاح الذي ظاهره الاستدامة وباطنه الانقطاع والاكتفاء بنيل اللذة وحدها أو نيلها مع الخدمة والعزم على قطع حبل هذا النكاح وحل عقدته في وقت لاحق مستقر لدى الزوج معلوم لديه، فإذا كان النكاحان حرامين بالنص، فما أجدر أن يلحق بهما هذا النكاح الذي كانت النية فيه من جانب الزوج منعقدة على قطعه عن الاستمرار.
والشريعة الكاملة في أحكامها ذات الأسس القويمة والقواعد المتينة، لا يتوقع أن يكون في تشريعها تناقض أو تنافر أو أن تشتمل على نوع من الغدر أو الغرر؛ بل إن سبيل تشريعها الوضوح والبيان ونفي الغدر والغش والخيانة، ومعلوم أن امرأة يعقد عليها وتحسب أنها مقصودة لتكون أمًا، وربة بيت. وواقع الحال في قرارة نفس الزوج أنه يريدها لقضاء وطر حاضر وحاجة عاجلة، مع عزيمة جازمة على الفراق في أجل يعلمه ولا ينوي تجاوزه إنما هو خديعة وغش، فإن اتفقا على الفراق كانت المتعة المحرمة بالنص الصريح.
وإذا كان المحلل آثمًا وعمله محرمًا ولو لم يعلم بنيته أحد، ولو كان يقصد جمع شمل أسرة فرقها الطلاق، وأربكها حمق الزوج أو الزوجين، فإن من يريد متعة النفس ونيل الشهوة جدير بأن يكون حكمه
1 / 11
كذلك، ولا شك من وجود الخلاف لكن الخلاف إذا لم يُسند أحد جوانبه نصٌ أو مفهوم نص كان الناظر فيه غير ملزم بأخذ طرف، إلا ما اندرج منه تحت قواعد الشريعة وأصولها.
وإذا وجد لبعض فحول العلماء قولان في مثل هذه المسألة، فالمتعين الأخذ بما وافق الدليل وتمشى مع قواعد الشريعة واندرج في سبيلها القويم، وكون شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ له رأيان في المسألة وغيره يؤيد صحة هذا النكاح وآخر يبطله، يحملنا على أن نقول: الجدير بشيخ الإسلام أن يكون رأيه الخاص بإباحة هذا النكاح، كان في أول أمره تبعًا للموقف، ومن كان على هذا القول ثم استبان له الرأي، بعد اتساع دائرة علمه وإحاطته بالسنة ومقاصد الشريعة وتعمقه في الغوص على مدلولات النصوص وحكمة التشريع، فصار إلى خلاف الرأي الأول، ولا شك أن كل إنسان يؤخذ من قوله ما وافق الدليل، ويستغنى عن ما خالف الدليل بالدليل نفسه أو ما فهم منه، وإحسان الظن، بالعلماء أمر لازم، وشيخ الإسلام ومن سبقه ومن لحقه أولى الناس بإحسان الظن، لكن الواجب الأخذ بما اتفق مع حكمة التشريع، وانسجم مع أدلة الكتاب والسنّة، والحق إنما هو الموافق للدليل، ولا يشترط له أن يقول به الأكثر، إنما الممنوع أن يخالف الأخذ به إجماعًا متيقنًا، وهذه المسألة التي كتب فيها فضيلة الدكتور صالح ليس فيها إجماع؛ بل لو قيل إن الأكثر على كراهة هذا النكاح لكان ذلك صوابًا، والكراهية في عرف السلف قد تكون قرينة التحريم، وهي اللائقة في هذا البحث.
إن حماية الأمة من الوقوع في الحرام أو الاحتيال عليه ولو لم يقصد الاحتيال أمر متعين، ومن عرف ما وقع الناس فيه ويقعون يجزم بأن الحق إن شاء الله مع من منع من هذا النكاح، الذي لم تصحبه نية كريمة، ولا قصد نزيه، وربما جر إلى فساد عريض وإضاعة ذرية كثيرة بسبب الانسياق في هذا المنحدر المظلم.
1 / 12
إنني آسف إذ لم أقم بدراسة رسالة أخي دراسة تليق بها، وبالموضوع الذي كتبت من أجله غير أني أقول: إن أخي الدكتور صالح بعلمه وطول تمرسه في التعليم ولا سيما في العلم الذي هو محيط هذه الرسالة، وهو الفقه؛ يجعل دراسة رسالته من باب فضول القول، ولعله يرضى عني بعرضي المرفق بهذه الكتابة المتسرعة وأسأل الله أن ينفع بعلم فضيلته ويبارك بجهودنا جميعًا، وأن يهيء أسباب إغلاق أبواب الشر ومسالك التجاوز على حدود الشريعة، وأن يصلح شباب الأمة الإسلامية وكهولها ويمنحهم العفة والسلامة من الوقوع فيما حرّمه على عباده، وأن يهيئ كل قائم على ثغر من ثغور العلم والمعرفة إلى الصواب من القول إنه مجيب الدعاء - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال ذلك الفقير إلى الله:
صالح بن محمد اللحيدان.
القصيم - البكيرية
ليلة الجمعة ٢٧/ ١٠/١٤١٤هـ
1 / 13
تقريظ لفضيلة الشيخ الدكتور
صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه ... وبعد:
فقط اطلعت على الرسالة التي ألفها الأخ الشيخ صالح بن عبد العزيز آل منصور، بعنوان (الزواج بنية الطلاق)، والتي اتجه فيها إلى تحريم هذا العقد وبطلانه؛ لما يفضي إليه من مفاسد، ذكر كثيرًا منها، وأجاب عن أدلة المصححين لهذا العقد، ووجدته قد أجاد وأفاد في هذه المسألة التي صارت مثار حديث الناس وتساؤلاتهم.
1 / 14
أرجو الله تعالى أن ينفع بها المسلمين، وأن يكتب له الأجر والثواب على ما قام به من مجهود بدافع النصيحة للمسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
1 / 15
مقدمة الطبعة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله، فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له القائل: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١].
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، القائل: «تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم» (١).
والقائل: «استوصوا بالنساء» (٢)، والقائل: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (٣)، صلى الله عليه، وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.
_________
(١) رواه بهذا اللفظ أبو داود رقم (٥٣٤٢) ٣/ ٢٧١، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه رقم (٢٦٨٥) ٢/ ١٧٦، وصححه ابن حبان رقم (٤٠٥٦) ٩/ ٣٦٣، عن معقل بن يسار، ورواه ابن حبان في صحيحه (٤٠٨٢) ٩/ ٣٣٨، والبيهقي (٣٢٥٤) ٧/ ٨١، وأحمد رقم (١٢٦٣٤) ٣/ ١٥٨ من حديث أنس بن مالك ﵁ بلفظ: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة» ولم أجد بلفظ: «مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» إلا عند البيهقي من حديث أبي أمامة رقم (١٣٢٣٥) ٧/ ٧٨ وفي سنده ضعف، فيه محمد بن ثابت وهو ضعيف. انظر: «تلخيص الحبير» ٣/ ١١٦.
(٢) رواه البخاري رقم (٣١٥٣) ٣/ ١٢١٢، ومسلم (١٤٦٨) ٢/ ١٠٩١، وغيرهما عن أبي هريرة ﵁.
(٣) رواه الترمذي بهذا اللفظ وصححه (٣٨٩٥) ٥/ ٧٠٩، عن عائشة ﵂، ورواه ابن حبان في صحيحه (٤١٧٧) ٩/ ٤٨٤، وله شاهد عن ابن عباس عند ابن ماجه (١٩٧٧) ١/ ٦٣٦، وعبد الله بن عمرو عند ابن ماجه أيضًا (١٩٧٨) ١/ ٦٣٦، ورواه الطبراني في الكبير عن أبي كبشة (٨٥٤) ٢٢/ ٣٤١.
قال العقيلي في «الضعفاء» ٣/ ١٥٩ عن حديث أبي كبشة: «المتن روي من غير هذا الوجه بإسناد جيد».
1 / 17
أما بعد:
فقد أثير في هذه السنوات الأخيرة مسألة جواز الزواج بنية الطلاق وفتوى بعض العلماء بصحة هذا النكاح، فما كاد يسمع دعاة الإباحية والرذيلة مثل هذا الخبر، إلا وسارعوا إلى نشره في مختلف الصحف مباركة مثل هذا؛ بل ما كاد يسمع كثير من الرجال والشباب الذي تنازعهم شهواتهم في الوقوع في جريمة الزنى - لولا ما عندهم من حياء ووازع إيماني - إلا وانطلقوا سراعًا، زرافات ووحدانًا، إلى بلاد الشرق والغرب، ووجدوا ذلك متنفسًا لغرائزهم، وميلًا مع شهواتهم ولذاتهم.
وما كنت أتصور في أول الأمر إلا أن هذا رأي جمهور العلماء، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية؛ بل ذكر ابن قدامة في كتابه (المغني) أن النكاح صحيح لا بأس به في قول عامة العلماء، إلا الأوزاعي، وما دام الأمر كذلك، كفى به مقنعًا على جواز هذا النكاح.
ومع ذلك، فما زالت نفسي تنفر من هذا النكاح، حتى قدّر الله لي السفر إلى أمريكا، لحضور مؤتمر رابطة الشباب المسلم العربي الذي عقد بتاريخ ٣/ ٥/١٤٠٨هـ، في ولاية أوكلاهوما في أمريكا، فأثير في المؤتمر بعض الأسئلة عن مثل هذا النكاح، إذ كان هذا النكاح يشغل بال كثير من الشباب المسلم الغيور، فذكروا لنا واقع كثير من الشباب المغتربين والسائحين من المسلمين، وذكروا لنا وقائع مؤلمة.
قال بعضهم لي: إنه يعرف شابًا تزوج تسعين امرأة، وذكر لي أيضًا أن كثيرًا من الفتيات أنجبن أولادًا، فكان حظهن التشريد والضياع،
1 / 18
وبعض الفتيات المسلمات المغتربات وبعض من أسلمن ارتددن عن الإسلام، وسمعت الكثير من المآسي، مما جعلني أرجع إلى ما قاله العلماء في هذه المسألة.
وبالرجوع إلى كلامهم وأدلتهم، وبالرجوع إلى مقاصد الشريعة الإسلامية من الزواج، وجدت أن النكاح بنية الطلاق يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية في مشروعية النكاح، لما يجره من مفاسد عظيمة تضر ببعض الضروريات التي اتفقت عليها جميع الشرائع (١).
والشرائع جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد، وسأشير إن شاء الله تعالى إلى بعض المفاسد التي تترتب على الزواج بنية الطلاق.
لذا؛ فإنه يجب على علماء الإسلام دراسة هذه المسألة دراسة جادة من جميع الجوانب؛ من حيث سلبياتها وإيجابياتها، وإني في هذا البحث الموجز سأتناول بمشيئة الله تعالى الفقرات التالية:
١ - المراد بالزواج الذي شرعه الله تعالى.
٢ - مقاصد الشريعة من الزواج.
٣ - نماذج من الأنكحة التي حرمها الله تعالى.
٤ - لماذا حرمت هذه الأنكحة؟
٥ - المراد بالنكاح بنية الطلاق.
٦ - أقوال العلماء في هذه المسألة، ودليل كلٍ، وبيان الراجح.
٧ - مناقشة أدلة وشبه المجيزين.
٨ - علاقة النكاح بنية الطلاق بالأنكحة التي حرمها الله وبيان مصادمته لمقاصد الشريعة.
_________
(١) والضروريات التي جاءت بها جميع شرائع الأنبياء هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسب، وزاد بعضهم: حفظ العرض.
1 / 19
٩ - الخاتمة.
واعتبر هذه المحاولة نواة لدراسة هذا الموضوع دراسة شاملة كاملة، ينظر فيها العلماء بعين البصيرة، بحيث تستمد حكمها من مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت بما يجلب المصالح، ويدرأ المفاسد عن الإنسانية.
وهذا ما ظهر لي في هذا البحث، فإن يكن صوابًا فمن الله تعالى، والحمد لله على التسديد والتوفيق، وإن يكن خطأ أو فيه خطأ؛ فمن نفسي التي هي محل الخطأ، وشرع الله بريء، ورحم الله امرءًا أرشدني إلى طريق الحق، أو زادني توضيحًا وتبصيرًا.
اللهم اسلك بنا صراطك المستقيم، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وأعذنا من القول عليك أو على رسولك بلا علم، واغفر اللهم لنا ووالدينا ووالديهم وأولادنا وزوجاتنا ومشايخنا ومن له حق علينا وإخواننا المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
المؤلف الفقير إلى عفو ربه
صالح بن عبد العزيز بن إبراهيم آل منصور
القصيم - بريدة في ٣/ ٥/١٤١٣هـ
1 / 20
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله منور البصائر، والعالم بمكنونات الضمائر، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، الهادي من شاء من عباده سواء السبيل، فأراه الحق حقًا ورزقه اتباعه، والباطل باطلًا ورزقه اجتنابه، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق، فما من شيء يقرب الناس إلى ربهم ويسعدهم في دينهم ودنياهم إلا بينه ﷺ لأمته، وما من شيء يجرهم إلى الشقاء في الدنيا والآخرة ويبعدهم عن شرعه إلا حرمه عليهم وحذرهم منه، جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فما كانت مصلحته أكثر من مفسدته شرعه لهم، وما كانت مفسدته ومضرته أكثر من مصلحته حرمه على أمته، وهذه سمة تجدها فيما شرع الله من أمر أو نهي، كما أنه شرع تقديم درء المفاسد على جلب المصالح، فسلك هذا المسلك علماء السلف ومن نوّر الله بصائرهم من علماء الأمة، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، ومن سلك مسلكهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن عداوة الشيطان للإنسان قديمة ومستمرة، فقد آلى على نفسه وأقسم لربه أن يضل بني آدم، فقد قال: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٣٩، ٤٠]، وقال في آية أخرى: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢]، وقال: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا *
1 / 21
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا﴾ [النساء: ١١٩ - ١٢١].
لذا فإنه لا يألو جهدًا وذريته في إضلال بني آدم بشتى الوسائل والطرق، صغرت أو كبرت دقت أو جلت عظمت أو صغرت، ولما كانت النساء من أعظم الحبائل والوسائل التي يصل بها إبليس اللعين إلى إفساد المجتمع وضياعه، وضعفه وانصرافه عن الواجبات والوقوع في المحرمات، فقد أحكم المصائد والأشراك بشتى الوسائل، بما يزينه من الإغراءات لبعض الناس والشبه التي تجعل بعض الناس يدعون لبعض الأنكحة، التي تتعارض مع مقاصد الشريعة في النكاح - كنكاح المتعة، والتحليل، والشَّغَار - ومن ذلك نكاح الزواج بنية الطلاق، بشبهة أنه سبب يمنع من الوقوع في الزنا، وعلاج مؤقت للغرباء والعزاب حتى يتيسر لهم الاستقرار أو تتوفر لهم مؤنة الزواج الحقيقي، هكذا استساغ هؤلاء هذه الشبه وزينوها لهم، فما كان من ذلك إلا أن عزف كثير من الشباب العزاب عن الزواج خوفًا من وجود المشاكل الزوجية والتزاماتها المستمرة، وزهد كثير من المتزوجين بزوجاتهم فصاروا في بلادهم يتزوجون ويطلقون يشبعون رغباتهم، ويروون نهماتهم؛ بل سارع الكثير منهم في إجازاتهم إلى السفر إلى خارج بلادهم إلى البلدان العربية أو البلاد الشرقية والغربية وغيرها فيتزوج أحدهم عدة زوجات، وربما تزوج في شهر واحد ما يزيد على العشرين، وربما كان عنده زوجة أو زوجات، ومن المعلوم أن الرجل لا يجوز له أن يجمع في ذمته أكثر من أربع زوجات، وهذا حرام بإجماع أهل العلم (١)،
وهذا مما علم من
_________
(١) قلت: هذا بالنسبة للرجعية فلا يجوز للزوج حين يطلق الرابعة أن يتزوج بدلها في عدتها بل حتى تنقضي عدتها، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم قال ابن عبد البر: (لا خلاف بين العلماء فيمن له أربع نسوة يطلق إحداهن طلقة يملك رجعتها أنه لا يحل له نكاح غيرها حتى تنقضي عدتها لأنها في حكم الزوجات في النفقة والسكنى والميراث ولحقوق الطلاق والإيلاء والظهار واللعان كالتي لم تطلق منهن سواء) (الاستذكار) ٥/ ٥٤٠.
أما المطلقة طلاقًا بائنًا أو المفسوخة فالصحيح أنه لا يجوز له أيضًا، وقد خالف في ذلك بعض أهل العلم لكنه محجوج بإجماع الصحابة قبله. قال عبيدة السليماني: (ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر: وألا تنكح امرأة في عدة أختها ...) انظر: (المغني) ٧/ ٦٧، وقد روى هذا عن ابن عباس رواه ابن أبي شيبة ٣/ ٥٢٤.
وروي عن علي ﵁ وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب ومجاهد والنخعي والثوري وأصحاب الرأي، وروي عن أبي الزناد قال: (كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة فطلق واحدة ألبتة وتزوج قبل أن تحل فعاب عليه كثير من الفقهاء وليس كلهم عابه) قال سعيد بن منصور: (إذا عاب عليه سعيد بن المسيب فأي شيء بقي)، (سنن سعيد بن منصور) (١/ ٤٤٨ رقم (١٧٤٩).
ولأنها محبوسة عن النكاح لحقَّه أشبه ما لو كان الطلاق رجعيًا، ولأنها معتدة في حقه أشبهت الرجعية وفارق المطلق قبل الدخول بها. انظر: (المغني) ٧/ ٦٧، وهو اختيار اللجنة الدائمة ١٨/ ٢٣٦ وما بعدها.
أما إذا ماتت أحد زوجاته فلا بأس أن يتزوج إثر وفاتها. قال ابن عبد البر: (لأنه لا يخاف مع الموت فساد النسب ولا يراعى اجتماع المائين هنا) انظر: (الاستذكار) ٥/ ٥٤٠.
1 / 22
الدين تحريمه بالضرورة، كما أنه إذا أراد أن يتزوج وعنده أربع نسوة يطلق من شاء منهن ثم ينتظر حتى تنتهي عدتها ثم يتزوج بدلها، ولكن الذي يحصل ويا للأسف من كثير من هؤلاء أنه يتزوج في شهر واحد أكثر من أربع زوجات، فمن البدهي المقطوع به أنه تزوج أكثر من أربع قبل نهاية المطلقة الرابعة من عدتها، وربما حملت بعض هؤلاء النسوة المطلقات فأنكر آباؤهم هؤلاء الأولاد فكان حظهم الضياع والتشرد.
إن كثيرًا من هؤلاء الذين يتزوجون بنية الطلاق لا يبالي بأصل الزوجة ولا خلقها ولا أمانتها ولا دينها، ويتخذ موانع للحمل، وهكذا يظل يتمتع ويتنقل طوال إجازته في مراتع الشهوات، وربما حمل على نفسه الأمراض الخطيرة، وجرها إلى زوجته الحقيقية ومجتمعه، فامتلأت كثير من بيوت الأسر بالفتيات المطلقات والعوانس لا يرغب فيهن أحد،
1 / 23
وحدَّث ولا حرج مع وجود هذه المغريات التي توجد على الساحة عن ما يحدث من الفساد الخلقي، والاجتماعي، والديني، والاقتصادي.
لما رأيت ذلك وخطورته على الفرد والأسر والمجتمعات؛ تبين لي أنه يجب على طلبة العلم أن يدرسوا هذه الظاهرة دراسة متأنية، فينظروا مدى ارتباطها بأصول وقواعد الزواج الحقيقي ومنافاتها لها، وما إيجابيات هذا الزواج وسلبياته؟ وهل هذا الزواج يوافق مقاصد الشارع في مشروعيته للزواج أو ينافيه؟ وهل المصلحة في هذا الزواج تربو على المفسدة أو العكس؟
لذا فإني نظرت في أقوال وأدلة من أجازه ومن منعه، واستعنت الله واستلهمته الرشد والصواب، فسطَّرت هذا البحث مدعمًا بالأدلة الشرعية والفطرية والعقلية، وذكرت أدلة من قال بجوازه فأجبت عنها بأجوبة هادئة هادفة، مبينًا مقاصد الشارع الكريم من النكاح المعروف عند الإنس والجن والعرب والعجم، وهو الزواج الذي لا يفكر فيه صاحبه عند عقد الزواج بالتخلي عنه بعد يوم أو يومين أو فترة زمنية، وإذا قيل إن فلانًا سيتزوج فلانة لا يخطر في بال أحد من الناس أنه يتزوجها اليوم ليطلقها غدًا بعد انتهاء غرضه، هذا هو الزواج المعروف عند الناس. ويحمل أمر الشارع وترغيبه في الزواج على ما هو متعارف عليه عند الناس، وعلى الزواج الأكمل والأفضل وهو الزواج الذي ينوي فيه صاحبه عند عقد النكاح الاستمرار والدوام.
وذكرت وجه ارتباط الزواج بنية الطلاق بنكاح المتعة، ونكاح التحليل، وهو أن كلًا منها لا يقصد فيه المتزوج الدوام والاستمرار؛ بل ذكرت أن نكاح الزواج بنية الطلاق الضرر فيه أكثر، وبينت كيف كان ذلك.
وبينت ما يترتب على الرزواج بنية الطلاق من مفاسد عظيمة تربو على المصالح المزعومة، ومن قواعد الشرع أن درء المفاسد مقدم على
1 / 24
جلب المصالح، وأن ما كانت مفسدته أعظم من مصلحته فإن الشريعة جاءت بتحريمه، كل ذلك وأكثر من ذلك ذكرته في كتابي مبسطًا وموضحًا، وسميته (الزواج بنية الطلاق).
وقد بذلت في هذا البحث جهدًا رجعت فيه إلى كتاب الله تعالى، وسنّة رسول الله ﷺ وأقوال السلف، وعرضته على مقاصد الشريعة في الزواج، فتبين لي أن الزواج شرع لمقاصد عظيمة منها: إعفاف وتحصين كل من الزوجين، ولا يكون الإعفاف إلا بالاستدامة، أما زواج لفترة كزواج المتعة أو الزواج بنية الطلاق ونحو ذلك، فإنه لا يحصل به إعفاف. ومنها حصول الولد، وكثرة النسل لمباهاة الرسول ﷺ بهم الأنبياء، ولا تحصل الذرية بزواج بنية الطلاق كما هو الواقع المر الأليم. ومنها السكن وترابط الأسر وقوتها، والزواج بنية الطلاق لا يحصل به سكن ولا ترابط للأسر. كما أن أولياء المرأة متى عرفوا عن الزوج هذه النية فإنهم سيمقتونه، ويعادونه، وربما انتقموا لأنفسهم، إلى غير ذلك مما سأذكره مفصلًا من مقاصد الشرع في الزواج الحقيقي.
وقد خرجت الطبعة الأولى في وقت كبرت فيه هذه الفتنة وانتشرت وأصبحت حديث السُّمَّار في المجالس، فكان لخروج الكتاب أعظم الأثر حيث جعل العلماء والمنتسبين إلى العلم ينظرون في هذه المسألة، فكان منهم المؤيد للتحريم والمجوز لهذا الزواج، فصار الناس في بلبلة وحيرة من حكم هذا الزواج، وقد ظهرت أثناء ذلك كثير من السلبيات التي ذكرتها في كتابي، وحينئذ أشار علي بعض الأخوة بإعادة طباعته مرة أخرى، فرأيت أن ذلك متعين علي، لا سيما وقد أفتى بعض المنتسبين إلى العلم بجوازه وأورد كثيرًا من الشبه والأدلة التي لا تصح.
لذا جاءت هذه الطبعة الثانية من واقع المجتمع الذي يعيش كثير من شبابه وكهوله وشيبه هذه الفتنة.
1 / 25
وقد امتازت هذه الطبعة على الطبعة الأولى بما يلي:
١ - ذكرت فيها كثيرًا من الشبه والأدلة التي ذكرها من أجازه مما لم أذكره في الطبعة الأولى، وأجبت عليها بما يتفق مع الأدلة الشرعية، والفطرية، والنظر الصحيح.
كما ناقشت أدلة المجوزين من حيث الإسناد.
٢ - ذكرنا أن أصول الإمام مالك ﵀ تقتضي إلزامه القول بتحريم الزواج بنية الطلاق.
٣ - حررت في هذه الطبعة مذهب الإمام أحمد وأصحابه، وبينت أنهم يرون تحريم هذا الزواج، ولم يجوزه إلا ابن قدامة، وصاحب الشرح الكبير، وابن مفلح، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
٤ - حققت رأي شيخ الإسلام، وذكرت أن منهج شيخ الإسلام ﵀ في تقعيده، واستدلالاته، وأحكامه على نظائر هذه المسألة، واعتماده على قاعدة المصالح ودرء المفاسد وغير ذلك من قواعده وأصوله، تجعله يلتزم بتحريم الزواج بنية الطلاق.
وبينت في هذه الطبعة أن شيخ الإسلام لم يُفْتِ بجواز الزواج بنية الطلاق لمن كان مقيمًا ومستقرًا في بلده، إنما هذه الفتوى لمن كان مقيمًا في بلد الغربة، كما سترى ذلك إن شاء الله في ثنايا البحث.
٥ - ذكرت في هذه الطبعة رأي ابن القيم استنباطًا من خلال أدلته، وأصوله.
٦ - كما ذكرت في هذه الطبعة رأي المانعين المتأخرين، ومنهم الشيخ محمد بن صالح العثيمين، واللجنة الدائمة، ورأي المجمع الفقهي التابع للرابطة الإسلامية.
٧ - وقد امتازت هذه الطبعة بزيادة التحقيق، وتخريج الأحاديث.
1 / 26
٨ - كما ذكرت في هذه الطبعة الفرق بين الزواج بنية الطلاق وزواج المسيار.
هذا ما ظهر لي في هذه المسألة، فإن يكن ما عملته صوابًا فمن الله تعالى، والحمد لله على التسديد، وإن يكن خطأ فمن نفسي والشيطان وشرع الله بريء من كل رأي أو قول يخالفه. وأستغفر الله وأتوب إليه من كل ذنب وخطيئة إن أريد إلا الخير للإسلام والمسلمين، أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك باسمك الأعظم أن تجيب دعاءنا فترزقنا العلم النافع والعمل الصالح وتجعل خير أعمارنا خواتيهما وخير أيامنا يوم نلقاك، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المؤلف
صالح بن عبد العزيز بن إبراهيم آل منصور
1 / 27
المراد بالزواج الذي شرعه الله تعالى
النكاح المشروع: هو ما وافق ما شرعه الله لنا، فاجتمعت فيه الأركان والشروط، وخلا من الموانع التي تمنع صحته، وخلا من الغش والخداع من الزوجين أو من أحدهما، وكانت نية كل من الزوجين توافق مقاصد الشريعة في النكاح.
وأما النكاح الذي لا يحبه الله، فهو ما اختل فيه شيء من الأركان أو الشروط، أو وجد فيه شيء من الموانع، أو وجد فيه غش أو خداع، أو لم يرد فيه الزوجان أو أحدهما مقاصد الشريعة في النكاح، فهذا كله ليس مشروعًا.
فكل نكاح وافق ما شرعه الله تعالى صحيح، ظاهرًا وباطنًا، وليس كل نكاح صحيح في الظاهر يكون مشروعًا، والله أعلم.
فنكاح الرجل المتبرع بتحليل المرأة المطلقة ثلاثًا لزوجها، الذي لا يعلم بنيته إلا الله، فيتزوجها من أجل أن يحلها لزوجها، هو في الظاهر نكاح صحيح، ولكنه في الباطن ليس مشروعًا؛ بل يأثم.
وكذلك إذا تزوج الرجل المرأة وفي نيته طلاقها بعد أجل معلوم له هو في الظاهر نكاح صحيح، ما دام لم تعلم به الزوجة ولا وليها، ولكن مثل هذا الزواج يتعارض مع مقاصد الشريعة في النكاح، وغشٌ وخداعٌ للزوجة وأوليائها، وإذا كان كذلك، فهو في الباطن ليس مشروعًا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: (النكاح هو النكاح المعروف عند المسلمين، وهو النكاح الذي جعل الله فيه بين الزوجين مودة ورحمة) (١).
_________
(١) «مجمع الفتاوى» ٣٢/ ٩٣ - ٩٤.
1 / 29