The Importance of Da'wah
أهمية الدعوة
प्रकाशक
الجامعة الإسلامية
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशक स्थान
المدينة المنورة
शैलियों
مقدمة
...
تقديم:
الحمد لله رب العالين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين، الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والمهتدين بهديه والداعين بدعوته إلى يوم الدين.. وبعد:
فإن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - انطلاقا من رسالتها الإسلامية، وتجاوبا مع أهدافها السامية في تبليغ رسالة الإسلام الخالدة إلى العالم، وغرس الروح الإسلامية وتنميتها، وتعميق التدين العلمي في حياة الفرد والمجتمع، المبنى على إخلاص العبادة لله وحده، وتجريد المتابعة لرسوله ﷺ قامت بعقد"المؤتمر العالمي الأول لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة"في المدة من (٢٤ إلى ٢٩ صفر من عام ١٣٩٧ هـ ١٢-١٧/٢/١٩٧٧م) بمقرها في طيبة الطيبة دار الهجرة والإيمان، ومشرق نور الإسلام، ومنطلق دعوته والعاصمة الأولى لدولته.
والتقى في هذا المؤتمر العالمي صفوة من العلماء والدعاة وأساتذة الجامعات وقادة الفكر الإسلامي من ٧١ قطرا من أقطار العالم.
1 / 3
وقد انتهى هذا المؤتمر إلى إصدار ٩٨ توصية تعد منهاجا عاما يستمد منه الدعاة والمعنيون خطط الدعوة وبرامجها في المجالات المختلفة، وقد سبق طبعها وتوزيعها إثر انعقاد المؤتمر على الهيئات والجامعات والمؤسسات والشخصيات المسئولة والمعنية بشئون الدعوة.
وبمناسبة عقد المؤتمر العالمي الثاني لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة رأت الجامعة تعميما للفائدة من بعض بحوث المؤتمر السابق اختيار عدد منها وطبعها ونشرها في كتيبات مستقلة، وتزويد الدعاة والمعنيين بشئون الدعوة بها تيسيرا للرجوع إليها والإطلاع على ما احتوته من دراسات، تلقى الأضواء على الدعوة الإسلامية ومناهجها وبرامجها وسبل أدائها، مما نرجو أن يكون فيه العون على أداء رسالتهم ونجاحهم في هذا الأداء بتوفيق الله ﷿.
ومن هذه البحوث هذا البحث الذي كتبه: اللواء ركن محمود شيت خطاب. بعنوان: أهمية الدعوة.
والله نسأل أن يتولى الجميع بتوفيقه وهداه وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
رئيس الجامعة الإسلامية د/ عبد الله بن صالح العبيد
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الدعوة
تأليف: محمود شيت خطاب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الداعية الأول أشوف الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن أصحابه الدعاة الأولين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
زار أحد الدعاة، قبل اثنتي عشرة سنة (١٣٨٤هـ) أقطار غربي القارة الأفريقية فسأل أحد رجال الدين١ الإسلامي في قطر من تلك الأقطار عن ولده الذي كان يلقاه حين يحل في دار أبيه الشيخ، فأجابه متنهدا: "لقد تمدن"!
_________
١ رجل الدين: هو عالم الدين الذي يعمل بعلمه بإخلاص، ويأمر بالمعروف
وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله، فكل رجل دين، هو عالم دين، وليس كل عالم دين هو رجل دين، فقد يكون هذا العالم لا يعمل بعلمه ولا يؤدى واجباته الدينية، فهو ليس رجل دين، بل رجل دنيا.
1 / 5
وتعبير فلان تمدن في تلك الأصقاع، أصبح من التعابير الشائعة، ومعناه "تنصر فلان" وهو يطلق على المسلم الذي ارتد عن دينه، فأصبح نصرانيا، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، كما يطلق على غير المسلم الذي اعتنق النصرانية أيضا.
وسبب اقتران"التنصر"بالتمدن في هذا التعبير، هو أن الإرساليات التبشيرية في أفريقية التي تعتمد على المؤسسات الدينية المسيحية في تمويلها، وعلى الدول الاستعمارية، وعلى شبكات المخابرات الأجنبية، وشركات النفط الاحتكارية، والبيوت المالية الكبرى، وعلى الصهيونية العنصرية ودولة العدو الصهيوني١، قد أقامت مدارس ومعاهد وجامعات، في المناطق الحيوية من أفريقية، وحرمت غير المسيحيين من الانتماء إليها وتلقى العلم فيها، فأصبح لزاما على غير المسيحيين من مسلمين وغيرهم، أن يعتنقوا المسيحية أولا، وأن يثبتوا تمسكهم بالمسيحية ثانيا،
_________
١ العدو الصهيونى: هو إسرائيل، ولم أقل إسرائيل، حتى لا يكون ذلك اعترافا ضمنيا بها، بل أقول دولة العدو الصهيونى، لكي لا ينسى العرب والمسلمون عدوهم الأول، الذي احتل الأرض المقدسة احتلالا توسعيا استيطانيا
1 / 6
من أجل قبولهم تلاميذ وطلابا في تلك المدارس والمعاهد والجامعات التبشيرية، حتى ينالوا شهاداتها العلمية بعد تخرجهم فيها، تلك الشهادات التي تؤهلهم لتسلم المناصب الحكومية في الدولة، وترفعهم إلى المكانة المرموقة في المجتمع، وتفتح أمامهم أبواب العيش الرغيد.
من هنا اقترن التنصر بالتمدن، فلا عجب أن يكون أحد رؤساء جمهوريات أفريقية في الوقت الحاضر مسيحيا، وأمه ووالده وأخواته وإخوانه وأهله وعشيرته لا يزالون مسلمين وقد أقام في كل قرية ومدينة كنيسة حتى ولو كانت القرية أو المدينة مسلمة، وحارب المسلمين في عقيدتهم وأرزاقهم تعصبا لدينه، وفتح بلاده على مصراعيها للمبشرين.
وقد عقد مؤتمر إسلامي مسيحي في ليبيا بتاريخ (٣٥ محرم الحرام سنة ١٣٩٦هـ) مثل فيه الجانب الإسلامي اثنا عشر عالما، ومثل فيه الجانب المسيحي اثنا عشر عالما من الكاثوليك على رأسهم كاردينال ممثلا للبابا وكان من ضمن ممثلي الكاثوليك اثنان من الأفارقة كانوا مسلمين فأصبحوا اليوم من كبار رجال الدين المسيحي!
والغريب أن هذه الإرساليات التبشيرية ترسلها حكومات قد تكافح الدين في بلادها ولكنها ترسلهم إلى أفريقية وغيرها، حتى يكونوا عملاء لها، وقد ثبت بما لا يدعو للشك، أن قسما من المبشرين عملاء للمخابرات،
1 / 7
ودعاة للاستعمار الجديد الذي تفرضه بلادهم على الدول النامية.
كما ثبت أن الصهيونية العالمية ودولة العدو الصهيوني تمول كثيرا من الإرساليات التبشيرية في أفريقية وغيرها، مكافحة للإسلام والمسلمين، لأن انتشار الإسلام يهدد مصالحها ويؤدي إلى أن يشارك معتنقو الإسلام إخوانهم المسلمين في الوطن الإسلامي عداوتهم للصهيونية العالمية والعدو الصهيوني.
أما معتنقو المسيحية فيوالون الاستعمار والدول الاستعمارية وهما مرتبطان عضويا بالصهيونية العالمية وبدولة العدو الصهيوني.
وقد سافر وفد رسمي من العراق إلى أقطار شرقي أفريقية ووسطها في أوائل عام (١٣٩٦) فحدثني أحد أعضائه: أن القائمين على نشر العربية لغة والإسلام دينا، والمقاومين للدعايات الصهيونية ضد الإسلام والمسلمين، والمؤيدين للدول العربية ضد دولة العدو الصهيوني، أكثرهم من خريجي الجامعات الإسلامية وعلى الخصوص الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ثم تساءل هذا العضو وهو وزير: هل تعرف شيئا عن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة؟
1 / 8
وكنت قد نشرت قبل سنوات بحثا عن أهمية الدعوة الإسلامية فضحت فيه تقريرا سريا كتبه سفير أمريكي في دولة أفريقية جاء فيه:"أن عمامة بيضاء في هذا البلد أخطر من قنبلة ذرية".
إن الدعوة الإسلامية لم تبق خدمة للإسلام عقيدة وتشريعا ولغة، بل أصبحت ضرورة سياسية دفاعا عن العرب والمسلمين، ومصاولة لأعدائهم الكثيرين ونشرا للغة القرآن الكريم.
كما أنها أصبحت ضرورة اجتماعية، وضرورة ثقافية، وقد اعترف حتى أعداء الإسلام بأن معتنقي الدين الحنيف يرتفع مستواهم اجتماعيا وثقافيا.
1 / 9
(٢)
ولكني أحرص حرصا بالغا على تعليل ما نشره قسم المبشرين والمستشرقين في تقاريرهم ومؤلفاتهم وهو أن الإسلام بخير في أفريقية بخاصة وفى الأماكن الأخرى بعامة وأنه ينتشر انتشارا كاسحا في تلك الأصقاع بدون دعاة وبغير تخطيط فعال للدعاة.
ومن المذهل حقا، أن المسلمين صدقوا هذه الفرية، وأخذوا يرددونها بحماسة وثقة، ثم استناموا قريري البال، غير مكترثين بالنشاط التبشيري المدمر، بالرغم من طاقاته الضخمة ماديا ومعنويا.
وهدف هؤلاء المبشرين والمستشرقين من هذه الفرية هو تخدير المسلمين من جهة واستثارة المؤسسات والدول المستفيدة من التبشير، ليدفعوا المال الوفير دعما للمبشرين وإسنادا للتبشير.
لقد اطلعت على تقرير كتبه أحد السفراء العرب، وهو من الذين أثق بهم ثقة مطلقة وارتضى دينه وأمانته، يقول السفير في تقريره لوزارة خارجية حكومته: إنه لا إسلام في أفريقية بعد عشرين عاما، إذا لم يحارب المبشرون بأساليبهم، وتكون الدعوة للإسلام جدا لا هزل فيه،
1 / 10
ويكون الدعاة في مستوى المسئولية، لهم قضية يؤمنون بها ويدافعون عنها، فهم عناصر دعوة لا عناصر دعاية وارتزاق.
إن الفكر الإسلامي الأصيل غير واضح المعالم في البلاد العربية والإسلامية نفسها فقد أصبح مشوها إلى أبعد الحدود، بفعل العصور المظلمة التي مر بها المسلمون وبتأثير الإسرائيليات التي اقتحمت حرمه، والخرافات التي شوهت مبادئه وبترسبات الاستعمار الفكري البغيض الذي هو أخطر أنواع الاستعمار على الإطلاق.
فما أحوج المسلمين اليوم إلى دعاة من الطراز الرفيع، يفقهون الفكر الإسلامي الأصيل، ويفهمون روح الإسلام الصحيح، ويجلون عنه الصدأ والغبار، ويعيدونه كما أنزله الله منهجا مثاليا للحياة الدنيا والآخرة.
إن حصون المسلمين تنهار من الداخل، فأكثر شبابنا غير متمسكين بتعاليم الإسلام، وأكثرهم لا يكادون يعرفون عن الإسلام شيئا مذكورا، أما الفكر الإسلامي الأصيل، فهم بعيدون عنه كل البعد، وقد قرأوا المؤلفات المريبة التي كتبها أعداء الإسلام من مستشرقين ومستغربين١ على حد
_________
١ المستغرب: العربي والمسلم الذي ينقل آثار المستشرقين إلى العربية أوالى اللغات الأخرى الشائعة بين المسلمين ويلقنها طلابه وتلاميذه، مبهورا بها مصدقا لها، دون تمحيص ولا تدقيق.
1 / 11
سواء، والتي تزعم أن الفكر الإسلامي غير صالح لهذا الزمان، أو أن الفكر الإسلامي عالة على أفكار الحضارات القديمة والأمم الخالية، فصدقوا تلك المزاعم واعتبروا هذا الدس الرخيص أمر مسلما به وحقيقة ناصعة ثم نام علماء المسلمين فلم يؤدوا واجباتهم كما ينبغي إلا من رحم الله، وقليل ماهم!
وقد دأبت على حضور مجالس شيوخنا الأجلاء ودروسهم، لا أكاد أرى جمعا من الناس حولهم إلا وأنضم إلى ذلك الجمع متهلفا لسماع شيء جديد، ولكنني لم أسمع غير دروس فقهية تدور حول العبادات فقط أما الإسلام الحربي، إسلام الجهاد، إسلام الفتح، إسلام التضحية والفداء، إسلام الحياة والمجد، فلا أكاد أسمع عنه شيئا ذا بال!!
إن الفكر الإسلامي الأصيل، يعانى من هجمات خارجية خطيرة، يخطط لها الاستعمار الجديد، معتمدا على المبشرين والمستشرقين والصهيونية العالمية والماسونية والمبادىء الهدامة والمذاهب المستوردة ومن دعاة الانحلال الخلقي والإلحاد والعلمانية وغير ذلك من الأعداء.
ولو أن غير الإسلام تعرض لهذا الضغط الفظيع والهجمات القاسية، لسحق سحقا ولما بقى له أي أثر في
1 / 12
الوجود وأي تأثير في التوجيه إلى الله. ولكن الفضل لله في بقائه صلبا شامخا، فلله الحمد والمنة.
ولعل آثار المستشرقين التي تجزل المدح والثناء للفكر الإسلامي، أكثر خطورة وضررا من آثارهم التي تكيل القدح والنقد، لأن المدح والثناء يخدر الرأي العام الإسلامي ويلفته عن حاضره ومستقبله، وشفاء أمراض مجتمع ما لا يمكن أن يتم بذكر أمجاد ماضية فحسب، بل بالعمل المثمر الجاد الدائب في الحاضر والمستقبل.
لقد بهر الغرب المسلمين بتفوقه في العلوم التطبيقية، فأراد قسم من علماء المسلمين أن يقحموا آيات من الذكر الحكيم في المجال العلمي، ليزعموا أن القرآن الكريم سبق علماء العصر في نطاق العلوم التطبيقية وغير التطبيقية أيضا. إن هذا التثبت يضطرنا إلى شرح مشكلة الإسلام والعلم بشكل جديد، يناسب سمو الدين ومنطق العلم، بحيث لا نبحث في الآيات الكريمة: هل ذكر فيها شيء عن غزو الفضاء وتحليل الذرة مثلا؟ وإنما نتساءل هل في روح هذه الآيات وروح القرآن ما يعطل حركة العلم؟ أو في روحها وروحه ما يحب عليه ويشجعه؟
ومن هذا المنطلق، يجب أن نتساءل: هل يستطيع القرآن أن يخلق في المجتمع الإسلامي المناخ المناسب للروح
1 / 13
العلمي، وأن يطلق فيه الأجهزة النفسية الضرورية للتقدم العلمي من ناحية وتبليغه من ناحية أخرى؟
ولست أعرف كتابا مقدسا كرم العلم والعلماء كما كرمهما القرآن الكريم، وصدق الله العظيم ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ .
كما أن المناخ العلمي الذي هيأه القرآن الكريم للمسلمين، هو الذي جعلهم يقودون الحضارة العالمية قرونا طويلة.
إن المواد الأولية لبناء أفكار حية، متيسرة في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والتراث الإسلامي العظيم.
وهذه الأفكار كفيلة بإظهار الشخصية الإسلامية على حقيقتها قوية لا تضعف، متماسكة لا تتفتت، أخلاقية لا تتفسخ، عزيزة لا تهون، لها طابعها المميز الواضح. وهى كفيلة بأن تثبت أمام تيارات الصراع الفكري الجارفة، لأنها تعنى دون غيرها بالمادة والروح، والعقل والوجدان، فهي لا تقتصر على المادة وحدها أو على الروح وحده أو على المادة والعقل وحدهما، لأنها سيف وكتاب، مسجد وثكنة، جامع وجامعة، دنيا وآخرة.
1 / 14
فلمصلحة من نتخلى عن هذه الشخصية المتميزة الباهرة، لنتقمص شخصية غريبة عن ديننا وتقاليدنا ووجداننا، شخصية شرقية مادية ملحدة، أو شخصية غربية مادية مستغلة؟
1 / 15
(٣)
إن العالم الإسلامي تخلص أو كاد أن يتخلص- من الاستعمار العسكري، والاستعمار السياسي، والاستعمار الاقتصادي، ولكنه لا يزال يرزح تحت أثقال الاستعمار الفكري، ذلك الاستعمار المتمثل في الحضارة الغربية، وهى حضارة مسيحية كما هو معروف، أو المتمثل في الحضارة الشرقية، وهى حضارة مادية ملحدة.
لقد ضاعت معالم الشخصية الإسلامية في خضم هذه الشخصية الغربية المسيحية أو الشرقية الملحدة، لأن المسلمين عاشوا في فراغ فكري ردحا طويلا، فتسربت إليهم حضارة الغرب المسيحية وحضارة الشرق الإلحادية أيضا بشتى الوسائل لملء هذا الفراغ.
إن الأفكار الإسلامية الحية، هي التي تعيد للمجتمع الإسلامي مكانته المرموقة لأن ما يصيب أي مجتمع من نكبات يكون من جراء ضحالة أفكاره، لا من جراء قلة أشيائه. لابد من وضع الأسس الإسلامية الرصينة فى المجتمع الإسلامي الضائع بين حضارة الغرب وحضارة الشرق، بحيث تكون هذه الأسس منهجا كاملا للحياة باستطاعته مصاولة الصراع الفكري الرهيب.
1 / 16
والسبيل إلى ذلك هو تعاون السلطات الحاكمة مع العلماء، والالتزام بالشريعة الغراء نصا وروحا.
إن السلطات الحاكمة مطالبة اليوم بتدارك المجتمع الإسلامي من التميع والانهيار، فليسق من المعقولة أن تبيح الخمور والزنا والربا في بلاد إسلامية دينها الإسلام!!
ولقد سجل التاريخ صفحات باهرة للحكام الذين وحدوا من أجل الجهاد وجاهدوا من أجل التوحيد، حين نسيت السلطات التي فكرت بمصالحها الذاتية وتنكرت لمصالح شعوبها والإسلام، وما عند الناس لا يبقى، وما عند الله خير وأبقى.
والعلماء اليوم مطالبون أن يتخذوا من العلم عبادة كما فعل السلف الصالح من علماء المسلمين، وألا يتخذوه تجارة كما فعل العلماء الذين نسوا الله فنسيهم.
وليس كل من درس علوم الدين يعتبر عالما، فالعالم بنظري لابد من أن يكون متينا في علمه، عاملا بعلمه، مخلصا بعمله، محافظا على كرامة العلماء، معتبرا العلم عبادة من أجل العبادات!.
أما الذي درس العلم للارتزاق، فهو تاجر علم وليس عالما عقديا.
1 / 17
إن التاريخ يذكر بمزيد من التقدير والإعجاب، جهود الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ﵁ في نشر الإسلام وتطبيق تعاليمه بأمانة وإخلاص ... فقد نقص خراج مصر في عهده لدخول الأقباط في دين الله أفواجا، فاقترح والي مصر على الخليفة ألا يعفي الذين يدخلون الإسلام من الجزية، ولكن الخليفة الورع أبي أن يجيب هذا الوالي إلى طلبه قائلا: "إن الله بعث محمدا ﷺ داعيا، ولم يبعثه جابيا".
ولا تزال هذه الكلمة ترن في سمع الزمن حتى اليوم، وستبقى.
وعين عمر بن عبد العزيز سنة مئة الهجرية إسماعيل بن عبد الله واليا على شمال أفريقية وبعث معه عشرة علماء ليفقهوا البربر في أمور دينهم، ولا يزال التاريخ يذكر هذا العمل الديني بأعظم التقدير.
وقد أوفد عمر بن عبد العزيز الدعاة إلى السند التي فتحها محمد بن القاسم فاستجاب كثير من زعماء السند لدعوة الخليفة التقى الورع، ودخلوا في دين الله أفواجا. وما يقال عن السند يقال عن بلاد ما وراء النهرين نهر سيحون ونهر جيحون، فقد استجاب كثير من أهلها للدعاة ودخلوا في دين الله أفواجا.
1 / 18
وقد امتاز عهده بحركة تحول واسعة النطاق إلى الإسلام، فنظم حركة ملؤها الحماسة في نشر الدعوة، وقدم للشعوب لونا من ألوان التشجيع، حتى إنه كتب إلى ملك الروم ليو الثالث يدعوه إلى الإسلام، وألغى الضرائب التعسفية المفروضة على المسلمين وغير المسلمين.
ولم يقتصر تقدير خدمات عمر بن عبد العزيز على المؤرخين المسلمين في مختلف العصور بل جاوز تقديره إلى المؤرخين المسيحيين، فقد كان أحدهم حين يذكر هذا الخليفة الصالح يتبع اسمه دائما بتعبير: ﵁. لقد أمضى عمر بن عبد العزيز ﵁ في الحكم أقل من ثلاث سنوات، ولكنه شغل المؤرخين في أيامه ومن بعده، أيضا، لأنه كان مؤمنا حقا، وكان إيمانه إيجابيا، فنشر دعوة الله شرقا وغربا، فرفع الله ذكره في كل مكان وزمان.
وعاش في عهده، علماء كثيرون من التابعين، ولكن الذين تفرغوا للدعوة لا يزالون وحدهم يذكرون بالإجلال والإكبار، ولا تزال آثارهم باقية حتى اليوم.
فما أحرى أن يكون عمر بن عبد العزيز ﵁ مثالا يحتذى به أصحاب السلطان من العرب والمسلمين اليوم وغدا.
1 / 19
وما أحرى علماء عمر بن عبد العزيز الدعاة ﵃ أن يكونوا مثالا يحتذي به علماء الدين العرب والمسلمين اليوم وغدا.
1 / 20
(٤)
إن الطريق أمام العاملين المخلصين للعودة إلى الإسلام عقيدة وتشريعا في الداخل ونشمره بين الناس في الخارج مفتوح على مصراعيه.
والعرب والمسلمون مطالبون بحق الله عليهم في الدعوة إلى دين الله، فقد أنعم الله عليهم بخيرات هائلة حتى أصبح العرب بخاصة أغنى أمة في الأرض، فمن حق الله عليهم أن يشكروه بالعمل لا بالكلمات، وهذا الشكر العملي هو بالعودة إلى الإسلام من جديد، ونشره في الخارج لإعلاء كلمة الله.
إن الانحراف عن الإسلام في الداخل، له نتيجة حتمية واحدة هي؟ انهيار الحكومات وتفشى الفتن والاضطرابات، وتدفق الدماء البريئة وغير البريئة أنهارا، وصدق الله العظيم ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ﴾ .
وسنة الله الخالدة، كما نص على ذلك القرآن الكريم، أننا إذا هجرنا الإسلام وتنكرنا لتعاليمه، يستبدل بنا غيرنا، ثم لا يكونون أمثالنا.
1 / 21
إني أنذر وأحذر، فهل من سميع مجيب؟
إن حانات الخمور ونوادي الميسر ودور الزنا وصالات المراقص والأفلام الخليعة متفشية في البلاد العربية والإسلامية.
فإذا طولب الحكام بإيقاف هذه المباذل التي تناقض ما أمر الله به، قالوا: إننا بحاجة ماسة إلى العملة الصعبة. وجاءت تلك العملة بإرادة البشر، ولكن إرادة رب البشر بعثت دودة القطن في بلد وانشبت القلاقل والفتن في بلد آخر، فذهبت العملة الصعبة الحرام، وخسرت البلاد أضعاف أضعافها.
كما أن أكثر الدول العربية والإسلامية لا تتقيد بشريعة الله، ففقدت الأمن والاطمئنان وأصبح الحكم فيها غير مستقر ولا ثابت ولا آمن.
ولم تدخل التعليم الديني الإلزامي في مدارسها ومعاهدها وكلياتها، فحصل فراغ فكرى في رؤوس أبنائها فملأوه بالمبادىء الوافدة والأفكار الهدامة، وكل فراغ لابد من أن يمتليء.
وقلدنا الغرب والشرق في مأكلنا وملبسنا وسلوكنا، فذابت شخصيتنا الإسلامية واندثرت معالمها فأصبح المسلمون يحملون هذه الصفة اسما، وهم في الحقيقة في
1 / 22