The Great Success and Clear Loss in the Light of the Quran and Sunnah
الفوز العظيم والخسران المبين في ضوء الكتاب والسنة
प्रकाशक
مطبعة سفير
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الفوز العظيم
والخسران المبين
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
अज्ञात पृष्ठ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في بيان الفوز العظيم والخسران المبين، وهي مقارنة بين نعيم الجنة الذي من حصل عليه فقد فاز فوزًا عظيمًا، وعذاب النار الذي من عُذِّبَ به فقد خَسِرَ خسرانًا مبينًا. ذكرت فيها بإيجاز خمسة وعشرين مبحثًا للترغيب في دار السلام ونعيمها، والطريق الموصل إليها، جعلنا الله من أهلها، والترهيب والتخويف والإنذار من دار البوار وعذابها والطرق الموصلة إليها نعوذ بالله منها.
ولا شك أن الفوز الحقيقي: هو الفوز بالجنة والنجاة من النار، قال الله تعالى: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ (١). وذلك أعظم المطالب؛ ولهذا قال ﷺ لِرَجُلٍ: «ما تقول في الصلاة؟» قال: أتشهَّدُ ثم أسال الله الجنة وأعوذ به من النار. أمَا والله ما أُحسِنُ دَنْدنَتَكَ ولا دندنة معاذ: فقال ﷺ: «حَولَها نُدَنْدِنُ» (٢).
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٨٥.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في تخفيف، برقم ٧٩٢، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما يقال في التشهد والصلاة على النبي ﷺ، برقم ٩١٠.
1 / 3
والمعنى: حول سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار ندندن وندعو الله تعالى. ومما يدل على ما وصل إليه الصحابة من الكمال البشري والرغبة العظيمة، ورجاحة العقل ما فعله ربيعة بن كعب الأسلمي ﵁ قال: كنت أبيت مع رسول الله ﷺ فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سَلْ» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: «أو غير ذلك»؟ قلت: هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» (١). وكان النبي ﷺ يرغِّب أصحابه وأمته في الجنة، ويحذِّرهم ويُنذرهم من النار؛ ولهذا قال ﷺ: «إذا وُضِعَتِ الجنازة فاحتملها الرجالُ على أعناقهم فإن كانت صالحةً قالت: قدموني، قدموني. وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لَصَعِقَ» (٢) (٣).
والله أسأل أن يجعله عملًا متقبلًا نافعًا لي ولمن انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف
حرر في ضحى يوم الأربعاء ٧/ ٧/١٤١٦هـ
_________
(١) أخرج مسلم في كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، برقم ٤٨٩.
(٢) لَصَعِقَ: أي لغُشِيَ عليه من شدة ما يسمعه، وربما أُطلق الصعْقُ على الموت، انظر: الفتح ٣/ ١٨٥.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب حمل الرجال الجنائز دون النساء، برقم ١٣١٤، وفي باب قول الميت وهو على الجنازة: قدموني، برقم ١٣١٦، وفي باب كلام الميت على الجنازة، برقم ١٣٨٠، والنسائي في كتاب الجنائز، باب السرعة بالجنازة، برقم ١٨٨٢، ١٨٨٣.
1 / 4
المبحث الأول: مفهوم الفوز العظيم والخسران المبين
أولًا: مفهوم الفوز العظيم:
الفوز: الظَّفَرُ بالخير مع حصول السلامة والنجاة من كل مكروه، أو هلاك (١).
العظيم: يُقال عَظُمَ الشيءُ: أصله كَبُرَ عظْمُهُ، ثم استعير لكل كبير، فأُجرِيَ مجراه محسوسًا كان أو معقولًا، عينًا كان أو معنىً، قال الله تعالى:
﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ (٣)،والعظيمُ إذا استُعمل في الأعيان فأصله أن يُقال في الأجزاء المتصلة (٤)،والكثير يُقال في المنفصلة، ثم قد يُقال في المنفصل عظيم، نحو: جيش عظيم، ومال عظيم، وذلك في معنى الكثير (٥).
قال الله تعالى عن الفوز العظيم الكبير: ﴿وَعَدَ الله الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (٦)، وقال سبحانه: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي
_________
(١) انظر: القاموس المحيط، ص٦٦٩، ومختار الصحاح، ص٢١٥، ومفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص٦٤٧.
(٢) سورة ص، الآيتان: ٦٧ - ٦٨.
(٣) سورة النبأ، الآيتان: ١ - ٢.
(٤) أي يُقال في الأجزاء المتصلة عظيم: أي كبير. انظر: المعجم الوسيط، ١/ ٦٠٩.
(٥) مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص٥٧٣.
(٦) سورة التوبة، الآية: ٧٢.
1 / 5
تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (١). وقد بيّن الله تعالى في القرآن الكريم أن من أُدْخِلَ الجنة فقد حصل وحاز، وظَفُرَ بالفوز العظيم، ولِعِظَمِ «الفوز العظيم» ذكره الله ﷾ في القرآن الكريم في ستة عشر موضعًا (٢)، ووصف هذا الفوز العظيم بالفوز الكبير في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾ (٣)، ووصفه تعالى بالفوز المبين في قوله ﷾: ﴿قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ (٤). وفي قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ (٥).
فالفوز العظيم الكبير المبين: هو النجاة من النار، ودخول الجنة، كما
قال ﷿: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور﴾ (٦).
وقال تعالى في كلام بعض أهل الجنة: ﴿أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لمِثْلِ هَذَا
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ١٠٠.
(٢) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص٥٢٧.
(٣) سورة البروج، الآية: ١١.
(٤) سورة الأنعام، الآيتان: ١٥ - ١٦.
(٥) سورة الجاثية، الآية: ٣٠.
(٦) سورة آل عمران، الآية: ١٨٥.
1 / 6
فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ (١).
وقال سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ﴾ (٢)، وقال ﷿ في الصادقين، ومنهم عيسى بن مريم ﷺ: ﴿قَالَ الله هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (٣)، وغير ذلك من الآيات (٤).
وقد بيّن ﷾ طريق هذا الفوز العظيم، والعمل الذي يُوصل إليه، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٥)، وقال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (٦).
_________
(١) سورة الصافات، الآيات: ٥٨ - ٦١.
(٢) سورة الدخان، الآيات: ٥١ - ٥٧.
(٣) سورة المائدة، الآية: ١١٩.
(٤) انظر: سورة التوبة، الآيات: ١٠٠، ١١٩، و١١١، وسورة الحديد، الآية: ١٢، والصف، الآية: ١٢، والتغابن الآية ٩.
(٥) سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠ - ٧١.
(٦) سورة النساء، الآية: ١٣.
1 / 7
وقال تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (١).
ثانيًا: الخسران المبين:
خَسِرَ: خسْرًا، وخَسَرًَا، وخُسْرًا، وخُسُرًا، وخُسْرانًا، وخَسارَةً، وخَسَارًا: ضل فهو خاسرٌ وخسيرٌ، يقال: خَسِرَ التاجر: غُبِنَ في تجارته، ونقص ماله فيها، ويُقال: خسر فلانٌ: هلك وضل فهو خاسر، ويُستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة: كالمال، والجاه: وهو الأكثر، وفي المقتنيات النفسية: كالصحة والسلامة، والعقل، والإيمان، والثواب: وهو الذي جعله الله تعالى الخسران المبين (٢)، فقال سبحانه: ﴿قُل إنَّ الخاسرينَ الذينَ خَسِروا أنفُسَهُم وأهليهِم يومَ القيامةِ ألا ذلكَ هُوَ الخُسرانُ المُبينُ﴾ (٣).
وقال ﷾ في الظالمين: ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ (٤)، وقال ﷿ في العمل الذي يوصل إلى هذا الخسران المبين: ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا
_________
(١) سورة النور، الآية: ٥٢.
(٢) انظر: القاموس المحيط، ص٤٩١، والمعجم الوسيط، ١/ ٢٣٣، ومفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص٢٨٢، ومختار الصحاح، ص٧٤.
(٣) سورة الزمر، الآية: ١٥.
(٤) سورة الشورى، الآيتان: ٤٤ - ٤٥.
1 / 8
فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ (١)، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ﴾ (٢)، وقال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾ (٣)،
وقال ﷿: ﴿ومَن يَكفُرْ بالإيمَانِ فقدْ حبِطَ عمَلُهُ وهُوَ في الآخِرةِ منَ الخاسِرينَ﴾ (٤)، وقد بيَّن الله ﷿ في مواضع كثيرة من كتابه العزيز (٥) أن جميع أنواع الخسارة في الدنيا والآخرة بسبب معصية الله ورسوله.
_________
(١) سورة النساء، الآية: ١٤.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٦٣.
(٣) سورة النساء، الآية: ١١٩.
(٤) سورة المائدة، الآية: ٥.
(٥) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص٢٣١ - ٢٣٢.
1 / 9
المبحث الثاني: التبشير بالجنة والإنذار من النار
أولًا: الترغيب في الجنة:
قال الله تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ الله فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ الله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (١).
وقال سبحانه بعد أن ذكر شهوات الدنيا: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله وَالله بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ (٢).
وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «يقول الله تعالى: أعددتُ لعباديَ الصالحين ما لا عينٌ رأتْ، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خَطَر على قلب بشر، ذخرًا بَلْهَ (٣) ما أطلعكم الله عليه، فاقرأوا إن شئتم: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ
_________
(١) سورة آل عمران، الآيات: ١٣٣ - ١٣٦.
(٢) سورة آل عمران، الآيات: ١٥ - ١٧.
(٣) بَلْهَ ما أطلعكم الله عليه: دع عنك ما أطلعكم الله عليه، فالذي لم يطلعكم عليه أعظم.
1 / 10
مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ (١) (٢).
وعن سهل بن سعد الساعدي ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «موضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها» (٣).
وعن أنس ﵁ يرفعه: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولَقابُ (٤) قوسِ أحدكم أو موضع قدم من الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطّلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحًا، ولنصيفها على رأسها - يعني خمارها - خير من الدنيا وما فيها» (٥).
ثانيًا: الإنذار من النار:
قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (٦).
والمعنى: اعملوا بطاعة الله، وانتهوا عما نهاكم عنه، ومروا أهليكم
_________
(١) سورة السجدة، الآية: ١٧.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير القرآن، باب قوله: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾، برقم ٤٧٨٠، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب، برقم ٢٨٢٤/ ٤.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم ٣٢٥٠، وفي كتاب الرقاق، باب مثل الدنيا في الآخرة، برقم ٦٤١٥، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل الله، برقم ١٦٤٨.
(٤) لقاب قوس أحدكم: أي قدره، والقاب معناه القدر، وكذلك القيد، فتح الباري، ٦/ ١٤.
(٥) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الحور العين وصفتهن، برقم ٢٧٩٦، وفي كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم ٦٥٦٨، وأخرج مسلم الفقرة الأولى منه في كتاب الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، برقم ١٨٨٠، ١٨٨١.
(٦) سورة التحريم، الآية: ٦.
1 / 11
بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلِّموهم وأدِّبوهم، وساعدوهم على فعل الخير، وأعينوهم عليه، وأوصوهم بتقوى الله تعالى (١).
وقال سبحانه: ﴿فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (٢).
وقال ﷿: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ (٣).
وعن أبي هريرة ﵁ قال: لما أُنزلت هذه الآية: ﴿وأَنذِرْ عشِيرَتَكَ الأَقرَبينَ﴾ (٤) دعا رسول الله ﷺ قريشًا فاجتمعوا، فعمَّ وخصَّ فقال:
«يا بني كعب ابن لؤي: أنقذوا أنفسكم من النار ...» [وذكر في الحديث أنه نادى قريشًا بطنًا بطنًا إلى أن قال]: «... يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رَحِمًا سأبُلُّها بِبِلالها (٥) ...» (٦).
وعن أنس، عن أبي طلحة ﵄ أن نبي الله ﷺ، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقُذفوا في طويٍّ من أطواء بدر (٧) خَبيث مُخبثٍ، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ،
_________
(١) انظر: تفسير الإمام ابن كثير، ٤/ ٣٩٢، وتفسير البغوي، ٤/ ٣٦٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٤.
(٣) سورة الليل، الآيات: ١٤ - ١٦.
(٤) سورة الشعراء، الآية: ٢١٤.
(٥) سأبلها ببلالها: سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه: «بلوا أرحامكم» أي: صلوها. شرح النووي على مسلم، ٣/ ٨٠.
(٦) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: ﴿وأَنذِرْ عشِيرَتَكَ الأَقرَبينَ﴾، برقم ٢٠٤، وبنحوه أخرجه البخاري في كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب، برقم ٢٧٥٣.
(٧) طويّ: بئر مطوية بالحجارة، والركي: البئر قبل أن تطوى. قالوا: فكأنها كانت مطوية ثم استهدمت كالركي.
1 / 12
فلما كان ببدرٍ اليوم الثالث أمر براحلته، فشُدَّ عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه، وقالوا: ما نُرى ينطلق إلا لبعض حاجته حتى قام على شفةِ الركيّ، فجعل يناديهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم: «يا فلانُ ابن فلانٍ، ويا فُلانُ ابن فلانٍ، أيسرّكم أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنَّا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًَّا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟» فقال عمر: يا رسول الله ما تُكلِّم من أجسادٍ لا أرواح لها؟ فقال ﷺ: «والذي نفس محمدٍ بيده ما أنت بأسمعَ لِمَا أقولُ منهم». قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله، توبيخًا، وتصغيرًا، ونقمةً، وحسرةً وندمًا (١).
وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «مَثَلي كمَثَل رجلٍ استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراشُ وهذه الدوابُّ التي في النار يقعن فيها، وجعل يَحْجُزُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فيَتَقَحَّمْنَ فيها (٢). قال: فذلكم مَثَلي ومَثَلُكُم أنا آخذٌ بحُجَزِكُم عن النار، هلمَّ عن النَّار، هلمَّ عن النار، فتَغْلِبُوني تقحَّمون فيها» (٣).
_________
(١) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، برقم ٣٩٧٦، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، برقم ٢٨٧٣ - ٢٨٧٥.
(٢) التقحم: هو الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تثبت، والحجز: جمع حجزة، وهي: معقد الإزار والسراويل، شرح النووي، ١٥/ ٥٥.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب شفقته ﷺ على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم، برقم ٢٢٨٤/ ١٨.
1 / 13
المبحث الثالث: أسماء الجنة وأسماء النار
أولًا: أسماء الجنة:
١ - الجنة، وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار، وما اشتملت عليه من أنواع النعيم، واللذَّة، والبهجة، والسرور، وقرّة العين، وأصل اشتقاق هذه اللفظة من الستر والتغطية، ومنه سُمِّيَ الجنين لاستتاره في البطن، ومنه سُمِّي البستان: جَنة؛ لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه، ولا يستحق هذا الاسم إلا موضع كثير الأشجار مختلف الأنواع (١).
والجنة: الحديقة ذات الشجر والنخل، وجمعها جنات، والجنة كل بستان يستر بأشجاره الأرض (٢)، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ (٣)، والحديقة: جمع «حدائق»، وهي الروضة ذات الشجر والنخيل، وهي البستان، وسُميت حديقة تشبيهًا بحدقة العين في الهيئة، وحصول الماء فيها (٤). قال الله تعالى:
﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا﴾ (٥)، وقد ذكر الله تعالى الجنة في القرآن الكريم بلفظ المفرد «جنة» ستًا وستين مرة، ولفظ الجمع
_________
(١) انظر: حادي الأرواح لابن القيم، ص١١١.
(٢) انظر: لسان العرب، ١٣/ ٩٩، ومفردات القرآن للأصفهاني، ص٢٠٤، والمصباح المنير،
١/ ١١٢.
(٣) سورة سبأ، الآية: ١٥.
(٤) انظر: مفردات غريب القرآن للأصفهاني، ص٢٢٣، والقاموس المحيط، ص١١٢٧، وتفسير ابن كثير، ٤/ ٤٦٦.
(٥) سورة النبأ، الآيتان: ٣١ - ٣٢.
1 / 14
«جنات» تسعًا وستين مرة (١).
٢ - دار السلام، قال سبحانه: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ (٢).
﴿وَالله يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ﴾ (٣). فهي دار سلامٍ من كل بليَّةٍ وآفة (٤).
٣ - دار الخلد، وسُمْيت بذلك؛ لأن أهلها لا يظعنون عنها أبدًا،
قال الله تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ (٥)، أي غير مقطوع. وقال تعالى:
﴿ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ﴾ (٦)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا
مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ (٧).
٤ - دار المقامة، قال الله تعالى: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ (٨).
٥ - جنة المأوى، قال تعالى: ﴿عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأوَى﴾ (٩).
٦ - جنات عدن، قال سبحانه: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ
_________
(١) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص ٨٠ - ٨٢.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ١٢٧.
(٣) سورة يونس، الآية: ٢٥.
(٤) حادي الأرواح، ص١١٣.
(٥) سورة هود، الآية: ١٠٨.
(٦) سورة ق، الآية: ٣٤.
(٧) سورة ص، الآية: ٥٤.
(٨) سورة فاطر، الآية: ٣٥.
(٩) سورة النجم، الآية: ١٥.
1 / 15
بِالْغَيْبِ﴾ (١).
٧ - الفردوس، قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (٢).
والفردوس: هو البستان الذي يجمع كل شيء يكون في البساتين (٣).
٨ - جنات النعيم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ (٤)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ (٥).
٩ - المقام الأمين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ﴾ (٦).
والمقام: موضع الإقامة.
والأمين: الآمن مِنْ كل سوءٍ، وآفةٍ، ومكروهٍ، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كله (٧).
١٠ - مقعد صدق، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ *
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ (٨)، سمَّى الله تعالى الجنة مقعد صدقٍ؛
_________
(١) سورة مريم، الآية: ١٦.
(٢) سورة المؤمنون، الآيتان: ١٠ - ١١.
(٣) فتح الباري، ٦/ ١٣، والقاموس المحيط، ص٧٢٥.
(٤) سورة لقمان، الآية: ٨.
(٥) سورة القلم، الآية: ٣٤.
(٦) سورة الدخان، الآية: ٥١.
(٧) حادي الأرواح لابن القيم، ص١١٦.
(٨) سورة القمر، الآيات: ٥٤ - ٥٥.
1 / 16
لحصول كل ما يُراد من المقعد الحسن فيها، كما يُقال مودة صادقة، إذا كانت ثابتة تامة (١).
ثانيًا: أسماء النار:
١ - النار، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (٢)،وقد ذكر الله ﷿ النار في القرآن الكريم بلفظ «النار» مائة وستًا وعشرين مرة، وبلفظ «نارًا» تسع عشرة مرة (٣)، كقوله تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَب﴾ (٤).
٢ - جهنم، قال ﷾: ﴿إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا﴾ (٥).
٣ - الجحيم، قال ﷿: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى﴾ (٦).
٤ - السعير، قال ﵎: ﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ (٧).
٥ - سقر، قال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ﴾ (٨).
٦ - الحطمة، قال تعالى: ﴿كَلا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾ (٩).
٧ - الهاوية، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا
_________
(١) حادي الأرواح لابن القيم، ص١١٧.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٣٩.
(٣) انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، ص٧٢٣ - ٧٢٥.
(٤) سورة المسد، الآية: ٣.
(٥) سورة النبأ، الآيتان: ٢١ - ٢٢.
(٦) سورة النازعات، الآية: ٣٦.
(٧) سورة الشورى، الآية: ٧.
(٨) سورة المدثر، الآيتان: ٢٧ - ٢٨.
(٩) سورة الهمزة، الآية: ٤.
1 / 17
أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ (١).
٨ - دار البوار، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ (٢).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: «... وأما دار البوار فهي جهنم» (٣)، وأشار إلى ذلك الإمام البغوي رحمه الله تعالى (٤).
_________
(١) سورة القارعة، الآيات: ٨ - ١١.
(٢) سورة إبراهيم، الآيتان: ٢٨ - ٢٩.
(٣) تفسير ابن كثير، ٢/ ٥٣٩.
(٤) تفسير البغوي، ٣/ ٣٥.
1 / 18
المبحث الرابع: مكان الجنة ومكان النار
أولًا: مكان الجنة:
قال الله تعالى: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ (١).
عليون: قال ابن عباس: الجنة، وقيل: علّيون في السماء السابعة تحت العرش (٢)، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: «والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع عظُم واتَّسع؛ ولهذا قال تعالى معظِّمًا أمره، ومفخِّمًا شأنه: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ﴾ (٣)، وقال ﷿: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ (٤).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ» يعني المطر، «وَمَا تُوعَدُونَ» يعني الجنة (٥)، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الجنة تحت العرش فوق السماء السابعة، قال النبي ﷺ: «... فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تُفَجَّر أنهار الجنة» (٦).
ثانيًا: مكان النار:
قال الله تعالى: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا
_________
(١) سورة المطففين، الآيتان: ١٨ - ١٩.
(٢) انظر: تفسير البغوي، ٤/ ٤٦٠، وتفسير ابن كثير، ٤/ ٤٨٧.
(٣) تفسير ابن كثير، ٤/ ٤٨٧.
(٤) سورة الذاريات، الآية: ٢٢.
(٥) تفسير ابن كثير، ٤/ ٢٣٦.
(٦) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، برقم ٢٧٩٠، وفي كتاب التوحيد، باب ﴿(وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾، برقم ٧٤٢٣.
1 / 19
سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ (١).
والمعنى أن مأواهم ومصيرهم لفي سجِّين، فعيل من السجن، وهو الضيق، كما يُقال: فتِّيق، وشرِّيب، وخمّير، وسكِّير، ونحو ذلك؛ ولهذا عظم أمره فقال تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ أي هو أمرٌ عظيم، وسجن مقيم، وعذاب أليم (٢)، وقد ذكر الإمام البغوي، والإمام ابن كثير، والإمام ابن رجب الحنبلي ﵏ آثارًا، تُبيِّن وتذكر أن سجِّين تحت الأرض السابعة: أي تحت سبع أرضين، كما أن الجنة فوق السماء السابعة (٣).
وقال ابن كثير: والصحيح أن سجِّينًا مأخوذ من السجن، وهو الضيق؛ فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، وكل ما تعالى منها اتَّسع؛ فإن الأفلاك السَّبعة كُلُّ واحدٍ منها أوسع، وأعلى من الذي دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها، حتى ينتهي السفول المطلق، والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة (٤).
ثم ذكر رحمه الله تعالى: «أن مصير الفجار إلى جهنم، وهي أسفل سافلين كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ (٥). وقال هَهنا: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾، وهو يجمع الضيق والسفول، كما قال
_________
(١) سورة المطففين، الآيات: ٧ - ٩.
(٢) تفسير ابن كثير، ٤/ ٤٨٥، وتفسير البغوي، ٤/ ٤٥٨.
(٣) انظر: تفسير البغوي، ٤/ ٤٥٨ - ٤٥٩، وتفسير ابن كثير، ٤/ ٤٨٥ - ٤٨٦، والتخويف من النار لابن رجب، ص٦٢ - ٦٣.
(٤) تفسير ابن كثير، ٤/ ٤٤٦.
(٥) سورة التين، الآيتان: ٥ - ٦.
1 / 20
تعالى: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ (١). وقوله تعالى: ﴿كِتَابٌ مَّرْقُومٌ﴾ ليس تفسيرًا لقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾، وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين، أي مرقوم، مكتوب، مفروغ منه، لا يُزاد فيه أحد، ولا يُنقص منه أحد» (٢).
قال ابن رجب ﵀: «وقد استدلَّ بعضهم لهذا (٣) بأن الله تعالى أخبر أن الكفار يُعرضون على النار غدوًا وعشيًَّا - يعني في مدة البرزخ - وأخبر أنه لا تفتح لهم أبواب السماء، فدل على أن النار في الأرض ... وفي حديث البراء بن عازب ﵄ عن النبي ﷺ في صفة قبض الروح، قال في روح الكافر: «حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا، فَيُسْتَفْتَحُ له، فلا يُفتَحُ له»، ثم قرأ رسول الله ﷺ: ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ (٤)، فيقول الله ﷿: «اكتبوا كتابه في سجِّين في الأرض السُّفلى» ثم قال: «... فَتُطْرَحُ رُوحُه طرحًا ...» الحديث (٥) بطوله (٦).
_________
(١) سورة الفرقان، الآية: ١٣.
(٢) تفسير ابن كثير، ٤/ ٤٨٦.
(٣) وقد استدل بعضهم لهذا: أي على أن النار في الأرضين السبع في الأرض السابعة السفلى.
(٤) سورة الأعراف، الآية: ٤٠.
(٥) التخويف من النار، والتعريف بحال دار البوار، ص٦٣.
(٦) أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب المسألة في القبر وعذاب القبر، برقم ٤٧٥٣، والنسائي في كتاب الجنائز، باب مسألة الكافر، برقم ٢٠٥٩، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم ٤٢٦٩، وأحمد في المسند، ٤/ ٢٨٧، ٢٩٥، ٢٩٦، والحاكم في المستدرك، ١/ ٣٧ - ٣٨، وهناد في الزهد، برقم ٣٣٩، وقد جمع طرقه واعتنى بتخريجه وتصحيحه العلامة الألباني في أحكام الجنائز، ص١٥٨.
1 / 21