The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
शैलियों
الحكمة من اختيار الرسول ﷺ دار الأرقم للاجتماع بأصحابه فيه في أول الدعوة
من المظاهر السرية العجيبة في ذلك الوقت: اجتماع الرسول ﷺ والصحابة في دار الأرقم بن أبي الأرقم ﵁ (١٣) سنة من غير أن يعرف مكانهم أحد، شيء في منتهى الغرابة، ومكة بلد صغير، وأهلها جميعهم يعرفون بعضهم بعضًا، كيف استطاع المسلمون أن يأخذوا الحذر لكي لا يعرف مكانهم أحد طوال هذه الفترة، ليس يومًا أو يومين أو ثلاثة بل (١٣) سنة، واجتماعهم كان منتظمًا، فقد كانوا يجلسون كثيرًا، وعددهم غير قليل فهم (٦٠) رجلًا، لم نسمع عن مداهمة واحدة من زعماء قريش لبيت الأرقم خلال (١٣) سنة.
ولعل سائلًا يقول: ما سبب اختيارهم لدار الأرقم بن أبي الأرقم بالذات؟ ولماذا لم يختاروا بيت الرسول ﷺ أو أحد الصحابة الآخرين؟ نقول: أولًا: الأرقم لم يكن معروفًا بإسلامه، فلم تتم مراقبة بيته من قريش، فالرسول ﷺ أو الصحابة الذين عُرفوا بالإسلام لا تصلح بيوتهم لهذا الأمر.
ثانيًا: الأرقم من بني مخزوم، وبنو مخزوم هي القبيلة المتنازعة دائمًا مع بني هاشم، وأكثر الناس كراهية لبني هاشم في مكة، فرسول الله ﷺ كأنه يجتمع في عُقر دار عدوه، وذلك لم يخطر أبدًا على أذهان زعماء أهل مكة.
ثالثًا: الأرقم كان بيته بعيدًا عن القوم، لم يكن في قلب المدينة، أي: أنه لم يكن هناك أحد يمشي من جوار البيت، ولم تكن هناك بيوت أخرى يمكن منها مراقبة بيت الأرقم بن أبي الأرقم.
رابعًا: الأرقم كان عمره (١٦) سنة، شاب صغير لن يشك فيه أحد من أهل مكة، وأهل مكة قد يعتقدون أن الرسول ﷺ يعقد جلساته في بيت أحد من كبار الصحابة، مثل أبي بكر الصديق أو عثمان أو عبد الرحمن بن عوف لكن في بيت هذا الشاب الصغير.
هذا احتمال بعيد جدًا عن أذهان قريش.
كيف استطاع الأرقم أن يأخذ المهمة الضخمة هذه مع أنه كان من قبيلة بني مخزوم؟ وكان زعيم قبيلة بني مخزوم أبو جهل، ومن المعروف أن أبا جهل فرعون هذه الأمة، أعتى أهل قريش على المسلمين، فلو اكتشف أمر الأرقم بن أبي الأرقم لا بد أن نهايته القتل، فرضي الله عن الأرقم ورضي الله عن صحابة رسول الله ﷺ أجمعين.
5 / 14