The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
शैलियों
قصة إسلام عمرو بن عبسة
هناك بعض الراويات التي توضح لنا كيف كان الرسول ﷺ حريصًا على أن يأخذ بكل عوامل الحرص والحذر؛ ليحمي الجماعة المؤمنة الجديدة التي في مكة.
مثال ذلك: إسلام عمرو بن عبسة ﵁ وأرضاه بعد أكثر من ثلاث سنين من الدعوة، وكان من قبيلة سُليم، وكان مع الرسول ﷺ أكثر من (٦٠) صحابيًا، لكن انظر إلى الحوار الذي سوف يدور بين عمرو بن عبسة ﵁ وبين الرسول ﷺ.
يقول عمرو بن عبسة كما جاء صحيح مسلم: (فتلطّفت حتى دخلت عليه مكة، فقلت له: ما أنت؟ فقال: أنا نبي، فقلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله، فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله ولا يشرك به شيء، قلت له: فمن معك على هذا؟ قال: معي حر وعبد، يقول عمرو بن عبسة: ومعه يومئذ أبو بكر وبلال ممن آمن به) فالرسول ﷺ لا يريد أن يكشف أوراقه كلها أمام عمرو بن عبسة ﵁، ولا يريد أن يقول له على جميع المسلمين قبل أن يستوثق منه، بالذات أن عمرًا ليس من مكة، فهو بالنسبة للرسول ﷺ مجهول، فلا يستطيع أن يخبره في هذا الوقت، ومع الأخذ بالاعتبار أن الرسول ﷺ لو كان قال له: إن عددنا (٦٠)، كان أكثر إقناعًا له؛ لأنه سيرى أن عدد الذين آمنوا بهذه الدعوة كبير، لكن الرسول ﷺ آثر الحرص والحذر على الدعوة في ذلك الوقت، وهذا شيء كان في ذهن الرسول ﷺ في كل خطواته في أثناء المرحلة السرية، وأيضًا بعد المرحلة السرية.
آمن عمرو بن عبسة ﵁ وأرضاه، ولما آمن أراد أن ينضم إلى رسول الله ﷺ في مكة، فقال له ﷺ: (إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا) لأن الموقف صعب، ولا يوجد أحد يحميه في داخل مكة، وسوف يُضطهد فيها أشد الاضطهاد، فهنا يضحي ﷺ بالنصرة التي ستأتي من وراء عمرو بن عبسة ببقائه في مكة، ويضحي أيضًا بالعلم الذي قد يحصّله عمرو ببقائه في مكة، في نظير أن يؤمِّن حياته ويحفظه لمرحلة قادمة قد تكون الدعوة أحوج إليه، وأعاده مرة أخرى إلى قبيلة سُليم، وقال له: ادع إلى الله هناك، وأتى عمرو بن عبسة بنصف قبيلة سُليم بعد ذلك.
إذًا: عمرو بن عبسة أخذ بقواعد الأمان، وبدأ يدعو في قبيلته حيث الحماية المتوافرة له في ذلك المكان، لم يضح أبدًا بحياته في هذه المرحلة الخطيرة من مراحل الدعوة، كل هذه التدابير لا تنفي مطلقًا إيمان رسول الله ﷺ التام بالقدر، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، ولكنه يأخذ بالأسباب، ويعلمنا كيف نأخذ بها في كل مرحلة من مراحل الدعوة.
5 / 12