29

The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an

منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن

शैलियों

ثم دَافَع القرطبي عن هذا التَّأويل بِقوله: وأُجيب بِأنه يَجُوز أن يَكُون هَذا تَثْنِيَة جِنْس لا تَثْنِيَة وَاحِد مُفْرَد … فَأحَد الْجِنْسَين نِعْمَة الدُّنيا، والثَّاني نِعْمَة الآخِرَة. وقِيل: نِعْمَتَا الدُّنيا: النِّعْمَة الظَّاهِرَة والنِّعْمَة البَاطِنَة. وقال: ويَجُوز أن تَكُون اليَد في هَذه الآيَة بِمَعْنَى القُدْرَة، أي: قُدْرَتُه شَامِلَة، فإن شَاء وَسَّع، وإن شَاء قَتَّر (^١). فانْظُر كَيْف تَحَاشَى إثْبَات مَا أثْبَتَه اللهِ لِنَفْسِه مِنْ صِفَة اليَد، وأثْبَت لَه صِفَة "التَّقْتِير"، بِقَوْلِه: "وإن شَاء قَتَّر" (^٢). فـ "القرطبي قد تَابَع ابن عطية، فأوَّل هذه الصِّفَات - أعنِي: الوَجْه واليَدَين والأعْيُن - فَخَرَج بذلك عن مذهب السَّلَف" (^٣). وأمَّا تَأويل صِفَة العُلُو، فهو مِمَّا فُهِم مِنْ قَوْلِه، وصَرَّح به في مَوْضِع واحِد، وهو مع ذلك لا يَقُول بِما تَقُولُه "الْجَهْمِيَّة والقَدَرِيَّة والْمُعْتَزِلَة: هو بِكُلّ مَكَان" (^٤). فإنَّ القرطبي قَرَّر أنَّ "عُلُوّ الله تَعَالى وارْتِفَاعُه عِبَارَة عن عُلُو مَجْدِه وصِفَاتِه ومَلَكُوته، أي: ليس فَوْقَه فِيمَا يَجِب له مِنْ مَعَاني الْجَلال أحَد، ولا مَعَه مَنْ يَكون العُلُوّ مُشْتَرَكًا بَيْنَه وبَيْنَه، لكنه العَلِيّ بِالإطْلاق سُبحانه" (^٥). فالقرطبي يُثْبِت عُلُوّ الله بِذَاتِه؛ لأنه يَنْفِي وُجُودَه ﷾ في كُلّ مَكَان. حيث قال بـ "إثْبَات ذَات غَير مُشَبَّهَة بِالذَّوَات، ولا مُعَطَّلَة عن الصِّفَات (^٦).

(^١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٦/ ٢٢٦). (^٢) ولا يُوصَف الله ﷿ إلَّا بِما وَصَف به نفسه، ولم يَرِد وَصْف التقتير في كِتاب ولا في سُنة. (^٣) المدرسة الأندلسيَّة في التفسير، مرجع سابق (٢/ ٦٤٠)، وانظر: "منهج الإمام القرطبي في أصول الدِّين". مرجع سابق ص (١٠٣ وما بعدها). (^٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٥/ ٣٦٠). (^٥) المرجع السابق (٧/ ١٩٧) بِتَصَرُّف يسير. (^٦) المرجع السابق (٧/ ٢٨٨).

1 / 29