The American Project in Occupying Iraq and its Impact on Changing the Region's Map

Abdelkader El Mohamedi d. Unknown

The American Project in Occupying Iraq and its Impact on Changing the Region's Map

المشروع الأمريكي في احتلال العراق وأثره في تغيير خارطة المنطقة

प्रकाशक

بحث مشارك في مؤتمر في جامعة أسيوط عام ٢٠٠٥م

शैलियों

المشروع الأمريكي في احتلال العراق وأثره في تغيير خارطة المنطقة بقلم الدكتور عبد القادر مصطفى المحمدي المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآله الطيبين وأصحابه الغر الميامين وبعد: فبالسرعة التي سقط بها النظام الفاشي (البعثي) حتى فوجئ العالم بذلك؟ فانهارت دولة حكمت بالحديد والنار عدة عقود، ولم يكن ذلك الانهيار متدرجًا، بل شمل كل أركان الدولة الحاكمة العسكرية والسياسية والاقتصادية .. وهلم جرا. ومن يعمق النظر في العقود التي حكم بها النظام السابق - بتجرد-يجده قد سار في طريق إسقاط هذه الدولة العريقة منذ توليه الحكم، وهذا ليس محل الحديث .. ولكن: من يتأمل في سرعة السقوط، وما حدث أثناءه، وما حدث ويحدث إلى الآن، من حرق المنشآت وحركة الحواسم (السلب والنهب) إذ لم يسلم من السلب والنهب والحرق! حتى المدارس والمستشفيات؟ يجد بوضوح أيد خفية خططت وجلية نفذت، كلها تواطأت لنسف البلد من الجذور. والحقيقة: أن المخلّصين! ومن جاء معهم إنما جاءوا وبين يديهم حلم عريض وهو إشعال المنطقة وحرقها، إذ أن العراق يمتلك أعراقا متعددة وأديان مختلفة، ومذاهب كثيرة، وهذه ليست عيبًا إذما كانت متلائمة متفاهمة، وهكذا العراق منذ قديم الزمان، وهي ليست خاصة به فكثير من البلاد في المنطقة والعالم لها أكثر من هاتيك التنويعات البشرية، بيد أن العراق يمثل لهم هدفًا ستراتيجيًا في المنطقة، لسببين، أولهما: لوجود الصهاينة المحتلين لأرض فلسطين وأطماعهم في المنطقة، ولن يتحقق لهم ذلك والمنطقة متلائمة متوحدة، خاصة أنّ اليهود يعتقدون أن للعراق دور في تدمير دولتهم، ولهم تجربة بابلية سابقة. لذا فإني سمعت من إذاعة إسرائيل العربية وهي تزف بشرى شارون لشعبه بتحرير أرض بابل؟؟ وكلنا قرأ أو سمع تقرير المتحف البريطاني المؤخر في ١٥/ ١/٢٠٠٥ عن تدمير المحتلين لمدينة بابل الأثرية؟!

1 / 1

والثاني: أن العراق بأطيافه المتعددة يقع وسط دول متعددة، فيه طيف يتجانس مع كل واحدة منها (إيران، وتركيا، وسوريا، والأردن، والسعودية). وتتشكل بمجموعها من: مسلمين، ومسيحيين، وآشوررين وكلدان، وعلمانيين، ولبراليين، وشيوعيين، وقوميين. والمسلمون: فيهم عرب سنة، عرب شيعة. وأكراد سنة، وأكراد شيعة. فهو مهيأ حسب الدراسات الصهيونية (سنية، شيعية، أكراد، تركمان) وبالتأكيد كان سيناريو السقوط السريع للدولة، هو تحذير لكل شعوب المنطقة (الخليج) حكامًا ومحكومين، فأمريكا أرادت أن تصفع العالم الإسلامي بصدام! ففي تصريح أخير لكولن باول وزير الخارجية الأمريكي في أعقاب احتلال بغداد قال بالحرف الواحد: "نأمل أنه نتيجة لما حدث في العراق وللبغض الذي يكنه العالم للأنشطة الإرهابية وتطوير أسلحة الدمار الشامل أن بعض الدول التي كنا على اتصال بها ونتحدث إليها كسوريا وإيران سوف تتحرك في اتجاه جديد" (١). فالأعم الأغلب من الحكام تلقفوا هاتيك الرسالة، فبعضهم نادى بالإصلاح _الأمريكي طبعًا- وبعضهم رفع صوره وتماثيله من طرقات بلده لما رأى صور صدام تصفع بالنعال! وهكذا. والأفجع من ذلك أن بعض الحكام قدم أضاحي من شعبه (الإرهابيين) - كما سماهم- بين يدي إلهه بوش لعله يرضى .. وقام آخر بالتبرؤ من كل وثن أسمه (أسلحة نووية)،متقربًا إلى سيدته المبجلة الولايات الأمريكية، بعد كل تلك الشعارات والخطب؟! ولا ضير أن تملك عصًا أو طائرة مكافحة الأرضة، المهم بعلم السيدة، ولا ضير أن كان في ذخيرتك رصاص، أو طائرات مقاتلة، ولكن شرط أن تستعملها لضرب الإرهابيين من أبناء شعبك! وهكذا ظهر للكثيرين أن مسألة القرار الأميركي تجاه العراق ليس قرارًا ظرفيًا، وليس قرار ردة فعل على ممارسة عراقية معينة، بل إن مسألة التعاطي بالقرار هي جزء من نظرة استراتيجية للإدارة الأميركية وفق أسلوب تعاطيها وتواجدها؛ لا بل وضع يدها على واقع المنطقة ككل.

(١) أنظر: ملامح التغيير المرتقب للمنطقة العربية، حسن الرشيدي، الذي نشر في مجلة البيان، العدد ١٨٩،سنة ٢٠٠٣م.

1 / 2

فالعراق يشكل في وضع المنطقة من الزاوية الجغرافية السياسية والاقتصادية والاجتماعية مركز قيادة حقيقي لترتيب أوضاع المنطقة على حدوده من إيران وتركيا والكويت وسوريا والسعودية حتى الخليج العربي عبر إطلالته على شبه القارة إضافة إلى الأردن كممر على إسرائيل، وطبعًا لا ننسى القضية الفلسطينية وانتفاضتها. فما احتلال بعض الدول العربية من قبل! والعراق اليوم إلا خطوات متواصلة منسقة لتحقيق هاتيك الأهداف، التي تصب في المصلحة (الصهيوأمريكية)،والتي تهدف إلى زرع الفتنة، وإثارة القلقة في المنطقة، وتقسيمها إلى سايكس بيكو جديدة:،إقليم شيعي: متمثلًا بجنوب العراق وإيران، وجزء من سوريا، أو ما يسموه الهلال الشيعي. وإقليم سني، متمثلًا: بالوسط والشمال العراقي وسوريا. ثم إقليم كردي: متمثلًا: بأكراد العراق وأكراد إيران وأكراد تركيا. وبهذا تضمن تمزيق الوحدة الإسلامية، من خلال تهيج العرقية والطائفية في المنطقة. ليتحقق لإسرائيل السيادة فيها، على مبدأ:"فرق تسد". ومن هنا نسمع بين الفينة والأخرى دعوات، ومشاريع كالمشروع الأمريكي أو مبادرة الإصلاح، أو خارطة الطريق، وما إلى ذلك، وليست هي في الحقيقة إلا تغييرًا لخارطة المنطقة، وابتلاع إسرائيل للدول المنطقة كما ابتلعت أرض فلسطين من قبل ولرسم حدودها الجديدة التوراتية -المزعومة- من الفرات إلى النيل. وما جرى ويجري في العراق نذير شؤم في المنطقة، فكما صمتت الأفواه عند احتلال العراق وابتلاعه، وسارعت النظم العربية والإسلامية، رغبة ورهبة بالاعتراف بما يجري في العراق، وشرعنة الاحتلال

1 / 3

تصمت اليوم أمام التلويحات والتصريحات بتقسيم العراق، على الأعراق والطوائف! دونما تحريك ساكن؟ والمثل يقول:"أكلت يوم أكل الثور الأبيض". ولا يعني من كل هذا أن الأمة ماتت أو نامت، كما يروج له البعض! (فالخير فيَّ وفي أمتي) كما قال النبي ﷺ،فالشارع العربي والإسلامي متنبه، ويقظ لكل ما يجري، والمثقفون والمخلصون لم يألوا جهدًا في إيقاظ الهمم وشحذ الفكَر، وما هذه الندوات والمؤتمرات إلا دليلًا على ذلك. أسأل الله تعالى أن يجعل مكر الشيطان هو يبور، وأن يكتب النصر والعزة لدينه، وأمته. الفصل الأول لماذا جاءت أمريكا إلى العراق لقد استأثرت مقاصد واشنطن من الحملة العسكرية الراهنة بمعظم الاهتمام، لأن مختلف الشواهد تدل على أن ما يجري في العراق الآن يشكل منعطفًا مهمًا في تاريخ العالم، وليس العراق وحده، وليس

1 / 4

منطقة الشرق الأوسط وحدها، إن شئت فقل إنه باب للقرن الأمريكي، غير أن الدور الإسرائيلي ترك بصماته في الحملة، في كل مراحلها، ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن تلك الأطماع يراد لها أن ترشح منطقتنا أيضًا للدخول فيما يمكن أن نسميه بالعصر الإسرائيلي. والعلاقة بين الأصوليين الإنجيليين في الولايات المتحدة وبين "إسرائيل" وثيقة للغاية -كما هو مشهور - إذ تذكر السيدة الأمريكية (جريس هالسل) في كتابها «النبوءة والسياسة» (١):أن سيدة بروتستانتية اشترت منزلًا في واشنطن بمبلغ نصف مليون دولار، واختارت له أن يكون مقابلا للسفارة الإسرائيلية، وإلى هذا المنزل يتوجه عديد من الإنجيليين - بعضهم من ذوي المناصب الرفيعة في الحكومة الأمريكية - للصلاة من أجل "إسرائيل" على مدار الساعة، وهم في صلواتهم يتوجهون بأبصارهم وقبلتهم ناحية السفارة الإسرائيلية على الرصيف المقابل من الشارع، ويدعون الرب لأن يحفظ "إسرائيل" وينصرها، وأن يقرب اليوم الذي يختفي فيه كل أثر للفلسطينيين فوق (أرض الميعاد)! وأضافت المؤلفة: أنها حين راجعت أسماء المسؤولين الأمريكيين في سجل زيارات المنزل، فوجئت بأن الرئيس (رونالد ريجان) على رأسهم! كما قال «كينين» أحد أبرز القيادات الصهيونية الأمريكية، في كتابه «خط الدفاع الإسرائيلي»: أن الكنيسة الإنجيلية احتضنت الفكرة الصهيونية قبل هرتزل بقرون، وأن الفكرة كانت أنشودة مسيحية قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية. ومن المهم أيضًا أن نعرف أن الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين واعتبارها أرضًا بلا شعب لشعب بلا أرض، كانت ضمن مشروع قدمه اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا الأسبق- إلى مؤتمر عقد في لندن عام ١٨٤٠ - وكان بالمرستون أحد الذين يعتقدون أن عودة اليهود إلى فلسطين شرط لتحقيق المجيء الثاني للمسيح، وأن مساعدة اليهود لتحقيق تلك الغاية أمر يريده الله، لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام، وهو تصور استخلصه البروتستانت اعتمادًا على بعض (٢). ويرصد كثير من المؤرخين كيف أعطى المهاجرون الأوائل أبناءهم أسماء عبرانية «ابراهام، سارة، العازر ..» كما أطلقوا على مستوطناتهم أسماء عبرانية «حبرون، وكنعان ..» وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم، حتى إن أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد في العام ١٦٤٢ م كانت

(١) الكتاب ترجمة الأستاذ محمد السماك إلى العربية في عام ٨٩. (٢) أنظر في ذلك كتاب الوعد الحق والوعد المفترى، د. سفر الحوالي.

1 / 5

بعنوان «العبرانية هي اللغة الأم» وأول كتاب صدر في أمريكا كان «سفر المزامير»، وأول مجلة كانت «اليهودي» (١). والطريف في هذا الصدد أن النائب الديمقراطي (جيمس موران) حين واتته الجرأة وقال: إن الولايات المتحدة خططت لغزو العراق بسبب تحريض وضغط العناصر اليهودية النافذة، فإنه تعرض لعاصفة من الانتقادات التي وصفت تصريحات الرجل بأنها «مروعة»،ورغم أن (جيمس موران) اعتذر عما بدر منه، إلا أن القوى الصهيونية المفترسة لم ترحمه، ولم تقبل اعتذاره، وأصرت على مطالبته بالاستقالة. ويقول الرئيس كارتر أمام الكنيست الإسرائيلي: إن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من علاقة خاصة؛ لأنها علاقة متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه. وقد وضح كارتر الأمر أكثر في حفل أقامته على شرفه جامعة تل أبيب حيث ذكر أنه باعتباره نصرانيًا مؤمنًا بالله يؤمن أيضًا أن هناك أمرًا إلهيًا بإنشاء دولة إسرائيل. لقد كان كارتر مثالًا للرئيس الملتزم بالصلاة في الكنيسة كل أحد، وكان عضوًا في أكبر كنائس بلدته وشماسًا في مدرسة الأحد (٢). أما ريجان فقد قال في أحد خطبه موجهًا كلامه إلى بعض اليهود الأمريكيين: «حينما أتطلع إلى نبوءاتكم القديمة في العهد القديم وإلى العلامات المنبئة بمعركة هرمجدّون أجد نفسي متسائلًا عما إذا كنا نحن الجيل الذي سيرى ذلك لاحقًا» (٣). لقد عبّر الكاتب اليهودي الأمريكي جون بيتر عن واقع أمريكا عندما قال: إن الرؤساء الأمريكيين ومعاونيهم ينحنون أمام الصهاينة كما ينحني العابد أمام قبر مقدّس. هكذا وصل إيمانهم. وكما يعرف الجميع أن الحرب الراهنة أمريكية إسرائيلية، وليست أمريكية فحسب، لكن من الواضح أن الإشارة إلى تأثير العناصر الصهيونية على السياسة الأمريكية يعد من المحرمات، لأنه يكشف المستور

(١) أنظر: " إلى القدس مرورًا ببغداد" بقلم الأستاذ فهمي هويدي، إلذي نشرته صحيفة الشرق القطرية ٢٤/ ٣/٢٠٠٣. (٢) أنظر: عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين، محمد بن علي بن محمد ص١٣١. (٣) المصدر نفسه.

1 / 6

ويفضح ما يجرى في داخل المطبخ السياسي الأمريكي، فحين أعلن (كولن باول) على الملأ أن الحرب لها ثلاثة أهداف هي: ١ - إسقاط النظام العراقي. ٢ - إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط. ٣ - إغلاق ملف القضية الفلسطينية. وهذا المعنى تردد في برقية بثتها وكالة «رويترز» في لندن في ١٤/ ٣/٢٠٠٣ قالت فيها صراحة إن مسؤولين بارزين في الصف الثاني في إدارة بوش يهود من المحافظين الجدد يدعون إلى إطاحة صدام لدعم أمن "إسرائيل"، ومن هؤلاء نائب وزير الدفاع (بول وولفوفيتز) ووكيل وزارة الدفاع (دوجلاس فيث)، ومستشار وزارة الدفاع (ريتشارد بيرل)، ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي (اليوت ابرامز)، بالإضافة إلى (لويس ليبي) رئيس هيئة الموظفين في مكتب الرئيس ديك تشيني. وأضافت الوكالة أنه في الشهر الماضي قال فيث في اجتماع لإحدى لجان مجلس الشيوخ: أن إقامة ديمقراطية في العراق ربما تساعد في تولى زعماء فلسطينيين قد ترغب "إسرائيل" في الحديث معهم. ونقل عنه قوله: إن «للولايات المتحدة و"إسرائيل" مصالح مشتركة، في ما يتعلق بالعراق .. وهذا لا يعني أن طابورا خامسًا صهيونيًا خطف عقل الرئيس، بل تصادف أن كان القضاء على الإرهاب وإصلاح المنطقة أمرًا يلائم "إسرائيل" أيضًا». وقد نشرت صحيفة «ها آرتس» الإسرائيلية في ١/ ١٠/٢٠٠٢ تقريرًا عن ترتيبات إعداد صورة الشرق الأوسط الجديد، ذكرت فيه أن اثنين من اليهود اشتركا في رسم معالم تلك الصورة، والاثنان هما (ريتشارد بيرل) و(دوجلاس فيث)، اللذان سبقت الإشارة إليهما، ولهما الآن موقعهما المرموق في وزارة الدفاع «البنتاجون»، ومعروفان بأنهما متعصبا الصهاينة، وقد كانا ضمن الفريق الذي كلف بمساعدة (بنيامين نتنياهو) حين تولى رئاسة الحكومة في "إسرائيل" لأول مرة عام ١٩٩٦، وقبل أيام قليلة من بدء الحرب على العراق في ١٥/ ٣ /٢٠٠٣م وصل إلى تل أبيب عسكري أمريكي رفيع المستوى، هو الجنرال (تشارلز سمبسون)، لكي يكون ضابط الاتصال والتنسيق بين القيادة العسكرية الأمريكية ورئاسة الأركان في الجيش الإسرائيلي في صدد الحملة على العراق، التي لم يعلن بعد شيء عن كيفية وطبيعة المساهمة الإسرائيلية فيها، أما موعد بدء العمليات العسكرية فقد أعلن أن "إسرائيل" أخطرت به قبل ساعات قليلة من إطلاق الصواريخ الأمريكية، وفي ذلك كله دلالة على الحضور الإسرائيلي في مختلف مراحل الغزو.

1 / 7

وجاء في خطاب ألقاه (شاؤول موفاز) وزير الدفاع الإسرائيلي في القدس أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية، قال: «إن لنا مصلحة كبرى في إعادة تشكيل الشرق الأوسط في اليوم التالي لانتهاء الحرب»، وتبعه رئيس جهاز الموساد السابق (أفرايم هاليفي) الذي يعمل الآن مستشارًا للأمن القومي لدى شارون ليشير في خطاب ألقاه أخيرًا في ميونيخ، إلى المكاسب التي تأمل "إسرائيل" بالحصول عليها، إذ قال: «أن آثار الصدمة التي ستهز» عراق ما بعد صدام «ستكون واسعة الشمول بحيث تصيب طهران ودمشق ورام الله»، وكما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلا عن مراسلها في "إسرائيل" هذا الأسبوع: "ما إن يتم التخلص من صدام حتى تنهار أحجار الدومينو" (١)!. وأما عن تأمين منابع النفط: ففي أعقاب الاستخدام السياسي للنفط في حرب أكتوبر ١٩٧٣م طُرحت فكرة تأمين منابع النفط في الخليج العربي باستخدام القوات المسلحة الأمريكية، حيث كان من الطبيعي أن تُتخذ الإجراءات المضادة لمنع تكرار هذه الاستراتيجية، حتى أودى الأمر إلى استخدام القوة المسلحة الأمريكية لغزو منابع النفط، وقد تبلور ذلك الاتجاه من خلال دراسة أعدتها لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي في ٥/ ٨/١٩٧٥م، والتي بحثت - ولأول مرة - احتمال القيام بعمل عسكري ضد دول منتجة للنفط عند محاولتها فرض حظر نفطي (٢).

(١) أنظر إعادة صياغة الشرق الأوسط في المنظور الأمريكي، بقلم: اللواء أح - دكتور: زكريا حسين، الذي نشر في مجلة البيان العدد ١١٨ لسنة ... ٢٠٠٣م. (٢) أنظر إعادة صياغة الشرق الأوسط في المنظور الأمريكي، بقلم: اللواء أح - دكتور: زكريا حسين.

1 / 8

وقد طرحت هذه الدراسة، والتي أعدتها هذه اللجنة التي شُكّلت برئاسة (توماس مرجان)، العديد من الخيارات المتاحة أمام السياسة الأمريكية في حالة نشوب مثل هذه الأزمة .. وقد تمحور الهدف الاستراتيجي لاستخدام القوة المسلحة الأمريكية - بعد دراسة العديد من الاختيارات - ليكون القيام بعملية عسكرية للاستيلاء على منطقة حقول النفط الرئيسية الواقعة بالمنطقة الشرقية الممتدة بمحاذاة الخليج الفارسي، وتأمين تدفق أهم حقول النفط في الخليج والتسهيلات المصاحبة لها، والاحتفاظ بها أو السيطرة غير المباشرة عليها. وعلى ضوء ذلك؛ فقد تمحورت المهام العسكرية التي يمكن أن تُكلف بها قوات الغزو لتأمين مصادر النفط بالاستيلاء على عدد كافٍ من الحقول والمنشئات النفطية في حالة سليمة تمامًا، مع الاستعداد لتأمينها لفترة طويلة نسبيًّا، وأن تكون مجهزة بعناصر الإصلاح المتخصصة، والمعدات اللازمة لإصلاح الموجودات والممتلكات التي تكون قد تعرضت للدمار بسرعة كبيرة .. مع قيامها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتشغيل المنشئات النفطية التي قد تتعرض للدمار دون مساعدة من «دول أوروبية»، مع قيامها بتنظيم المرور الآمن للإمدادات والمنتجات النفطية فيما وراء البحار. وأعلن الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي في ٢٣/ ١/١٩٨٠م عن نظرية أمن صريحة لمنطقة الخليج، عُرفت بمبدأ كارتر، والذي انطوى على شقين: أحدهما: شق سياسي، وقال فيه: (إن أي محاولة من جانب أي قوى للحصول على مركز مسيطر في منطقة الخليج؛ سوف تعتبر في نظر الولايات المتحدة هجومًا على المصالح الحيوية بالنسبة لها، وسوف يتم رده بكل الوسائل بما فيها القوة المسلحة).

1 / 9

أما الشق الثاني في نظرية الأمن الأمريكية في الخليج: فهي تكملة للإعلان السياسي، وقد تمثلت في إنشاء (قوة الانتشار السريع)؛ من خلال تقرير قدمته وزارة الدفاع الأمريكية عام ١٩٨٨م إلى لجنة القوات المسلحة في الكونجرس، والذي على أساسه اُعْتُمِدت ميزانية هذه القوة لتلك السنة. وقد تضمن القرار الأمريكي بإنشاء قوة تدخل سريع أمريكية تتمركز في الولايات المتحدة، وتكون جاهزة لكي تُحْمَل جوًا وبحرًا إلى منطقة الخليج عند ذي طارئ، وقد أُطلق على هذه القوة «قيادة المنطقة المركزية»، وقد تم التخطيط الاستراتيجي لاستخدامها لتأمين منابع النفط في الخليج، كما تولى قيادتها الجنرال «شوارسكوف» الذي كُلف بقيادة قوات التحالف الأمريكي عند قيام العراق بغزو دولة الكويت، وهو الغزو الذي أعطى الدوافع والمسوِّغات اللازمة لتحرك هذه القوات، وتنفيذ مهامها المخططة في الخليج. وهكذا استقرت القوات الأمريكية في منطقة الخليج تنفيذًا لمخططاتها التي كانت تحلم بتنفيذها منذ يناير ١٩٧٥م، وجاءت إلى الخليج لمواجهة طموحات ونزوات الرئيس العراقي «صدام حسين»، وبمباركة ومساندة معظم دول العالم، وبدأت سلسلة التداعيات العربية كلها؛ من إهدار الثروات والقدرات اقتصادية منها وعسكرية، إلى حالة من التفكك والتمزق لم تشهد لها المنطقة العربية مثيلًا في تاريخها المعاصر (١). وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تكريس النفوذ الأمني في المنطقة كقوة احتلالية؛ سواء في بعض البلدان أو على تخومها، وهو ما يعني الإذعان الكامل من جانب الدول العربية لكل التنازلات المطلوبة منه، والتي يأتي على رأسها التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، وضمان سيطرته وقيادته للمنطقة؛ في

(١) أنظر " إصلاح على الطريقة الإمريكية، بقلم جوزيف سماحة، شبكة (islammemo).

1 / 10

ظل وجود قوات أمريكية مقاتلة في دول الخليج والأردن واليمن وجيبوتي، بالإضافة لأساطيل الولايات المتحدة في الخليج والبحر المتوسط وبحر العرب، وهو ما يجعل الدول العربية واقعة بالفعل تحت حصار أمريكي محكم (١). وبعد ضرب العراق تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد قضت على أقوى قوة عسكرية عربية كانت تخشى أن تهدد الكيان الصهيوني، وتكون كل العواصم العربية في مدى صواريخ كروز وتوماهوك، وعلى مرمى حجر من قواعدها المنتشرة هنا وهناك. ولعل السؤال المطروح بقوة هذه الأيام في ظل ذعر حكومي وشعبي عربي: هل ستكتفي الولايات المتحدة بضرب العراق أم سيمتد عدوانها إلى عدد من الدول العربية والإسلامية، والتي من أبرزها سوريا وإيران ومصر؟ والإجابة عن هذا السؤال تستدعي سؤالًا مغايرًا: وهل تبدي هذه الدول أي عداوة للولايات المتحدة، أو تُحْجم عن تقديم تنازلات؟ هذان السؤالان يذهبان بنا إلى الغرض العسكري من ضرب العراق وتفكيك قواه العسكرية، والذي يميط اللثام عنه الاسم الكودي المبتكر للضربة - والذي اتخذه الأمريكان شعارًا لها ـ: «بولوستب»؛ أي ضربة لعبة الـ «بولو»، وهو يعني فيما يعنيه تسديد ضربة قوية ومكثفة لمركز الثقل في العراق المناوئ للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتبعية ستسقط إثر ذلك كل الدول العربية الأقل قوة بالتداعي المعروف في اللعبة الشهيرة.

(١) أنظر: هل الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد. بقلم أمير سعيد. مجلة البيان العدد ١٨٤لسنة٢٠٠٣م.

1 / 11

كما ينبغي أن نقر بأن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية تعتمد بصورة أساسية على تقليل الخسائر ما أمكن في صفوف قواتها، وأن سقوط الآلاف من قواتها في العراق أو في أي مكان آخر هو خط أحمر يعمل البنتاجون على عدم الاقتراب منه، فهو يعمل - كما هو معروف - على الاعتماد شبه التام على القصف الجوي والصاروخي لأهداف «العدو» الاستراتيجية، وهذا يجرنا إلى التساؤل: لماذا هذا الحشد العسكري الضخم إذن، والذي يكاد يبلغ أكثر من ١٥٠ ألف جندي أمريكي وبريطاني؟ غالب الظن أنه - ووفق معطيات متناغمة - أن هذا الحشد الأمريكي ليس مقصودًا به ضرب العراق وتغيير نظام حكمه فحسب؛ بل المقصود هو البقاء فيه لفترة طويلة تبدأ أقل تقديراتها من ثلاث سنوات، من دون تحديد للحد الأقصى لبقائها هناك، ومن ثم نقل مركز ثقل الوجود الأمريكي في المنطقة، وهذا الوضع الذي اختارته الولايات المتحدة يتوقع أن يؤدي إلى ما يأتي: ١ - تهديد جميع دول المنطقة المحيطة بالعراق من خلال الوجود الأمريكي الكثيف في العراق. ٢ - تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في أسعار النفط، وكميات ضخ منظمة «أوبك»، ومن ثم فرض مزيد من الضغط السياسي على الدول المحيطة. ٣ - سحب البساط من تحت أرجل الدول المؤثرة إقليميًا لصالح دول أخرى موالية كلية للولايات المتحدة؛ مما سيؤدي لاختلال توازنات قوى المنطقة، فالكبير في المنطقة يصبح صغيرًا، والصغير كبيرًا بفعل ارتمائه في أحضان الولايات المتحدة. ٤ - تشجيع الولايات المتحدة على المضي قدمًا في تقسيم الدول العربية؛ حيث لا تجد في الوقت الراهن ما يمنعها من تقسيم العراق بعد احتلاله، وهذا بالتأكيد الخطوة الأولى والمهمة لتقسيم المنطقة برمتها.

1 / 12

٥ - هزيمة العراق من شأنها إثارة القلاقل الشعبية في دول المنطقة، واهتزاز «شرعية» تلك النظم، وهو ما يدفعها أكثر إلى تشجيع قوات الاحتلال الأمريكية على دعمها، ومن ثم الارتماء في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أي وقت مضى. ٦ - سيؤدي الوجود الكثيف - والمزمن إلى حد ما - إلى تشجيع تنامي التيارات التي تؤمن بالتغيير ومواجهة قوات الاحتلال الأمريكية في المنطقة عبر السلاح؛ حيث ستجد تربة خصبة في وجود تلك القوات في الدول العربية والإسلامية لتجنيد أنصار جدد، ولن تفلح أي محاولات لاستيعاب المتعاطفين مع هذا التيار ضمن منظومة ديمقراطية على النمط الأوروبي، وذلك: أولًا: لأن هذه الديمقراطية لن تحل مشكلة الاحتلال. ثانيًا: لاستحالة وجود مثل هذه النظم الديمقراطية من الأساس في الدول العربية للحول دون ازدياد نفوذ التيار الإسلامي السلمي (١) .. ومن ثم فإن من المرجح أن يجعل ذلك من المنطقة مسرحًا للصراع «العسكري» بين قوت الاحتلال الأمريكية وقوى إسلامية؛ وهذا يعني ضرب الإسلام في عقر داره أي نقل المعركة خارج الولايات المتحدة. كما أنه في ضرب العراق، رغم عدم استحصال الموافقات القانونية الدولية هو ضرب لمجلس الأمن وإعادة هيكليته وإعادة صياغته على وجه يخدم مصالحها وحدها دونما اعتبار لمصالح الدول الأخرى ومن ضمنها شركائها الرأسماليين الآخرين والدول الكبرى مثل روسيا، وذلك لأن امتلاك دولا مثل روسيا وفرنسا حق النقض (الفيتو) في داخل مجلس الأمن يشكل عائقا يقف أمام المشاريع الأمريكية

(١) أنظر: هل الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد. بقلم أمير سعيد.

1 / 13

الهادفة لصياغة العالم على الوجه الذي ينسجم مع مصالحها ولذلك كان تهميش مجلس الأمن في الحرب الأخيرة على العراق، وجعل القضية العراقية تعنيها وحدها ولا تعني أحد غيرها من دول العالم، حاملة بيدها سيف محاربة الإرهاب جعل المحللين السياسيين الروس والفرنسيين الكبار يقولون: (إن الحرب على العراق هي حرب بالدرجة الأولى على مجلس الأمن). واستكمالًا لمشروع صياغة الشرق الأوسط لجعل العراق نموذجا يحتذى به لجميع دول المنطقة، لصياغة العراق نموذجا للديمقراطية الرأسمالية أمام شعوب ودول العالم حتى تفتح لها طريقا مستقبليا إلى دول العالم الأخر التي وضعت لها مشاريع تالية للشرق الأوسط، وصنع رأي عام عالمي لها بين شعوب العالم على شاكلة دخول الجيش الفرنسي للبنان حين استقبله الشعب اللبناني وتحديدا الطوائف المسيحية منه بالورود. فأمريكا تسعى لأن تصنع النموذج العراقي لفتح طريقة قادمة لها بين دول إفريقيا وشرق أسيا مصورة جيشها بالفاتح حامل مشكاة الديمقراطية في العالم والمخلص من الأنظمة الديكتاتورية على شاكلة صدام حسين وحركة طالبان وذلك عبر الشعارات التي تحملها مع حملتها وهي: أ) الديمقراطية. ب) التعددية. ج) حقوق الإنسان. د) سياسات السوق.

1 / 14

الفصل الثاني المشروع الأمريكي في المنطقة عرضت الولايات المتحدة على مجموع الدول الصناعية الثماني مشروع «الشرق الأوسط الكبير» لدرسه، وبلورة موقف موحد منه خلال قمة الدول الثماني، التي عقدت في حزيران في "سي أيلاند"، في ولاية جورجيا الأميركية، وتعمل واشنطن للحصول على تأييد كل من هذه الدول لمبادرتها. وقد تلقت هذه الدول المشروع الأميركي من غير أن تشترك في صناعته. لقد استند المشروع الأميركي على تقرير التنمية الإنسانية العربية لعامي ٢٠٠٢م و٢٠٠٣م الذي تصدره الأمم المتحدة والذي يصف الوضع الحالي، في منطقة الشرق الأوسط، بأنه سيئ في المجال الاقتصادي، والثقافي، والإعلامي، والسياسي وأنه "إذا استمر على المسار ذاته، فإن المشكلة ستتفاقم، وسيشكل ذلك تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة لأعضاء مجموعة الثماني". ويمثل هذا المشروع رؤية الولايات المتحدة لاستعمار منطقة الشرق الأوسط الذي وسّعته في مشروعها ليشمل إلى جانب الدول العربية كلًا من تركيا، وإيران، وباكستان، وأفغانستان وهي الدول التي تحصر فيها أميركا الخطر الإسلامي إضافة ل (إسرائيل)،. وهي طرحته من أجل الحفاظ على مصالحها الأمنية باعتبار أن وضع المسلمين «المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية سيشهد مزيدًا من التطرف، والإرهاب، والجريمة الدولية، والهجرة غير المشروعة». هذا وقد أرادت من الحلف الأطلسي أن يكون الذراع العسكرية الأمنية لتنفيذ هذا المشروع (١). إن الحل الذي خلصت إليه أميركا، في مشروعها هذا، هو الإصلاح. ولكن أي إصلاح؟ إنه الإصلاح الذي يرمي إلى ضرب الإسلام، تحت حجة ضرب الإرهاب ومنع التطرف الذي ترى أميركا أنهما إسلاميا الهوية والانتماء. نعم إنه الإسلام الذي يتحرك الجميع من أجل ضربه: أميركا و(إسرائيل) وبعض دول أوروبا. إذ تعتبر أميركا الإسلام عدوها الاستراتيجي الأول، وتضع الخطط لمحاصرته، وتشويه صورته، وإبعاده عن ساحة الصراع، وتجمع الدول حولها من أجل قيادتها في هذا الصراع، وتريد بالمقابل من المسلمين أن يواجهوها بالحوار! ويقف إلى يمينها، ويسارها، وأمامَها، ووراءها، ومن فوقها، ومن تحتها، شياطين اليهود، ينفثون فيها روح الحقد والكراهية ويوقدون نار الحروب ضد الإسلام والمسلمين.

(١) أنظر: قمة ال٨ وثيقتان للشرق الأوسط يوقعهما الزعماء ولا تحتاجان توقيع العرب، بقلم زكي شهاب، شبكة (islammemo).

1 / 15

أما الدول الأوروبية التي تشاركها القضية فإنها تعتبر نفسها في حالة من الصراع الحضاري مع الإسلام، ولكنها تحاول أن تجعله مقنَّعًا وتعمل على إظهار نفسها بعيدة عن الموقف الأميركي السافر. وهي تلتقي مع أميركا في توصيف المشكلة وأسبابها من غير أن تلتقي معها في المعالجة، وهي لها مشروع استعماري يختلف عن المشروع الأميركي، تسميه "الشراكة الأوروبية المتوسطية"؛ وليس أدل على دخولها الصراع الحضاري مع المسلمين من مسألة منع الحجاب الذي بدأ في فرنسا ثم في بلجيكا، وألمانيا، وهلم جرا. إن ما وصل إليه المسلمون من سوء حال يشهد به الجميع إنما هو من صنع أيدي من يريد الإصلاح: الغرب وصنائعهم من الحكام. نعم إن المسلمين يحتاجون إلى حل، وإن أوضاعهم السيئة التي وضعهم الآخرون فيها تحتاج إلى تغيير، وليس إلى إصلاح، وهذا التغيير لا يمكن أن يأتي من الغرب، ولا من المبدأ الرأسمالي الجشع، بل إن المبدأ هذا هو نفسه بحاجة إلى تغيير ... إن الحل لا يأتي إلا من الإسلام وحده، الذي يحرّم الاحتكار والربا، ويمنع المغامرة بأموال الناس عن طريق البورصات واللعب بأسعار العملات بعد ربطها بالدولار أو باليورو، ويمنع تلك التجمعات الضخمة من الشركات التي تشكل حالة من استغلال الشعوب وخيراتها. إن الإسلام هو الحل الصحيح للمسلمين، ولغيرهم، وليس من حل صحيح غيره. ولكن كيف يحقق المسلمون ذلك (١)؟ والمقصود بالشرق الأوسط الكبير هو تلك المساحة الجغرافية التي تقدر بحوالي ١٤ مليون كلم٢، وتشمل قسمًا من آسيا الوسطى وآسيا الصغرى وآسيا العربية وأفريقيا العربية، أي مجموعة الدول: باكستان، أفغانستان، إيران، تركيا، قبرص، ودول الجامعة العربية ال٢٢ بالإضافة إلى إسرائيل. وترى الولايات المتحدة أنّ هناك ثلاثة معوِّقات أساسية تحول دون تطور بلدان الشرق الأوسط، وتنعكس، بالتالي، سلبًا على المصالح الأميركية والغربية، وهذه المعوِّقات هي: ١ غياب الحرية (أزمة الديموقراطية). ٢ أزمة معرفية. ٣ أزمة اقتصادية.

(١) أنظر: حاجة البشرية جمعاء إلى الإسلام، مقال نشر في مجلة الوعي العدد ٢٠٥،لسنة ٢٠٠٤م.

1 / 16

وتذهب الولايات المتحدة بعيدًا في توصيف المعوّقات المشار إليها وكذلك النتائج المترتبة عليها في الواقع، مستندة في طرحها إلى جملة من المؤشرات الرقمية الواردة في تقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين الأخيرين ٢٠٠٢ - ٢٠٠٣.لجأت الولايات المتحدة إلى توظيف ذريعة الإحصاءات المذكورة من أجل تبرير تدخل أميركي على المستويات كافة، عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية، يتولى صياغة -شرق أوسط أميركي- بمساعدة أوروبية ملحقة أكثر منها قائمة على التكافؤ في الشراكة مع الولايات المتحدة (١). فالإدارة الحاكمة في أميركا -إدارة المحافظين الجدد- راحت تدعوا أوروبا بإلحاح تحت التلويح بالمخاطر المهددة لمصالحها في المستقبل، راحت تدعوها إلى المساعدة في إعادة هيكلة الشرق الأوسط بما يستجيب لحاجات الرأسماليات الصناعية وفي مقدمتها مجموعة الثماني (G،٨) إلى شراكة بعيدة المدى مع قوى الإصلاح في الشرق الأوسط، وهي قوى تقوم أميركا وأوروبا في خلقها وتهيئتها وتثقيفها وتنشئتها. أما أولويات الإصلاح من المنظور الأميركي فتتمحور حول ثلاث قضايا مركزية- كما مر-: تشجيع الديموقراطية، وبناء مجتمع معرفي، وإصلاحات هيكلية اقتصادية. وتحدث وزير الخارجية كولن باول أمام إحدى لجان الكونغرس عن "توسيع الديموقراطية في الشرق الأوسط" قائلًا: "أننا نؤمن بأن توسيع الديموقراطية في الشرق الأوسط هو أمر حيوي للتخلص من الإرهاب الدولي. ولكن في الكثير من دول الشرق الأوسط الديموقراطية ضيف غير مرغوب، وفي أسوأ الظروف غريب تماما. وان الولايات المتحدة تواصل زيادة نشاطاتها الديبلوماسية ومساعداتها من اجل ترويج أصوات ديموقراطية - على وجه الخصوص المرأة - من العملية السياسية ومساندة المحاسبة في العمل الحكومي ومساعدة جهود محلية من اجل تعزيز احترام القانون، وأيضا مساعدة الإعلام المستقل والاستثمار لدى الجيل المقبل من القادة" (٢). فالإصلاحات التي يتسارع إليها بعض الحكام اليوم، هي ليست من بنيات أفكارهم، ولا وليدة صحوة الضمير! وإن كنّا نتمنى عليهم هذه الصحوة، قبل الطوفان، بيد أنها محاولة لاسترضاء السيدة (أمريكا)،وإليك ما صرح به أحد مسئولي وزارة الخارجية الأميركية المعنيين بشؤون الشرق الأوسط في مؤتمر أن الديبلوماسي العربي (..) الذي سيحضر بعده للحديث عن التغيير في بلاده "سيصرّ على أن كل

(١) أنظر: الشرق الأوسط الكبير في المنظور الأمريكي، مجلة السفير١٢/ ٧/٢٠٠٤م. (٢) انظر: مبادرة المكر والإستعباط في المشروع الأمريكي، بقلم فهمي هويدي، شبكة (islammemo).

1 / 17

هذا تم من دون ضغوط أميركية، فلا تصدقوه". واندهش الحاضرون من هذه الملاحظة غير الديبلوماسية على الإطلاق (١)! وتصوروا معي كيف أمكن لموريتانيا والمغرب الأقصى أن يكونا جغرافيًا في الشرق الأوسط! ولكن هل هناك من يعترض؟ والساحة الجغرافية التي يتحدث عنها المشروع تترجم سياسيًا أن يصبح العرب أقلية، الأمر الذي يضيف نقطة مهمة لإسرائيل، ولكن الساحة أصبحت إسلامية والمسلمون أكثر تحيزًا للفلسطينيين وللأرض المقدسة ولأولى القبلتين من العرب وإن أرادوا التأكد من ذلك فليسألوا أي إيراني أو تركي أو أفغاني ليعرفوا صدق ما نقول، قال تعالى:"ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين". سورة آل عمران، الآية الفصل الثالث الأهداف الإستراتيجية للمشروع (تغيير خارطة المنطقة) تتعدد الرؤى والأطروحات المتعلقة بالمنظومة الإقليمية التي تحاول أمريكا السيطرة بها على المنطقة، وبتتبع تاريخ بريطانيا مع هذه المنطقة نجد أنها ساهمت بشكل كبير في إنشاء جامعة الدول العربية كي تتمكن من إيجاد نظام إقليمي تتمكن به من السيطرة على المنطقة، وحاولت في وقت لاحق في عام ١٩٥٥م إقامة حلف بغداد وضم في عضويته العراق وإيران وباكستان وتركيا بهدف تقوية دفاعات المنطقة، ومنع الاختراق السوفييتي للشرق الأوسط، وكانت بريطانيا تأمل في انضمام سورية والأردن

(١) انظر: المصدر نفسه.

1 / 18

إلى الحلف في مرحلة لاحقة لإكمال الطوق حول المنطقة، والآن تحاول الولايات المتحدة ممارسة دور الهيمنة على المنطقة عبر منظومة إقليمية جديدة، وتأمل إدارة بوش أن يكون الحلف الذي تسعى لتشكيله من الدول العربية الديمقراطية الحديثة أن يلاقي مصيرًا أكثر نجاحًا من حلف بغداد قبل حوالي نصف قرن؛ فباكستان أصبحت منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر حليفًا أمريكيًا يعتمد عليه؛ كما أن تركيا حليف قوي حتى وإن بدت بعض الغيوم أثناء الحرب على العراق. ولكن الجديد في هذا الحلف هو دخول مصر؛ فقد ظهر اقتراح مصري بإنهاء دور الجامعة العربية وكأنه يمهّد لصيغة ما تلعب فيها مصر دورًا مركزيًا في التشكيلات الأميركية الجديدة لدول المنطقة بعد التخلص من النظام العراقي؛ كما أن بعض المحطات الفضائية الأوروبية كشفت الورقة المستورة في الموقف الأردني عندما أشارت إلى مطار في منطقة الرويشد تنطلق منه طائرات الشبح الأميركية القاذفة والتي لا يكشفها الرادار فضلًا عن طائرات مروحية مقاتلة إلى شمال العراق. فالدولتان الوحيدتان من حلف بغداد اللتان استبعدتا من تحالف اليوم الذي ترسمه الولايات المتحدة هما إيران وسوريا. ولكن الصقور في إدارة بوش قد ألمحوا إلى أن تغيير النظام في إيران سيكون الخطوة التالية لهم بعد الانتهاء من العراق، ثم تأتي سورية متأخرة قليلًا على القائمة نفسها. وعن التغيير القادم في الشرق الأوسط فإنّ: " الولايات المتحدة كانت توافق وتساير عدم النظام في منطقة الشرق الأوسط، وكان اهتمامها الأول والأخير ينصبُّ على النفط وأمن إسرائيل فقط ... هذا وقد قرر الرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» أن تبدأ إعادة تشكيل الشرق الأوسط بغزو جمهورية العراق وإزاحة حكم «صدام حسين»؛ باعتبار أن رحيله لن يمكّنه من الحصول على مزيد من أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها القنبلة النووية!! كما يضمن عدم تمكنه من السيطرة على منابع

1 / 19

النفط، بل وأيضًا لكي يصبح نقطة الانطلاق للحملة التي تستهدف ما أُطلق عليه (إدخال الديمقراطية إلى الشرق الأوسط من البحر الأحمر حتى الخليج)؛ أي عملية ضم المسلمين إلى إمبراطورية الخير التي ستبدأ من العراق. ولم تعنّ حتى الآن رؤية استراتيجية واضحة المعالم للخريطة القادمة؛ حيث ما زال المشروع الجيواستراتيجي قيد التطوير وخاصةً أن القوة العسكرية لن تكفي لإقامتها، وعلى الأرجح فإن الإدارة الأمريكية قد عزمت أمرها على تنفيذ مشروعها على مراحل، تكون مرحلته الأولى هي الإطاحة بنظام الرئيس (صدام حسين)، ثم نزع أسلحته وإقامة حكومة صديقة في بغداد، وهو ما تم وجاري تنفيذه في المنظور القريب، ثم يأتي بعد ذلك دور الأنظمة غير الموثوق بها والمارقة بعد ذلك واحدًا تلو الآخر، ولعل ما نشهده من تهديدات ولغة تحذير حاسمة لكل من سوريا ولبنان من جهة والجمهورية الإيرانية في جهة أخرى؛ تشير إلى جدية تنفيذ المراحل التالية من المشروع الواسع للتغيير القادم في منطقة الشرق الأوسط. ومن هنا، وطبقًا للتقديرات الأمريكية، فإن الغزو العسكري الأمريكي للعراق يتصدر أهدافه: خلخلة المنطقة وإعادة رسم خريطتها السياسية الإقليمية بما يخدم الهدف الإسرائيلي؛ بتسوية الأرض عسكريًّا وسياسيًّا ونفسيًّا للتهيئة لواقع عربي مخلخل يسهل تقبله للضغوط؛ من أجل حمل النزاع العربي الإسرائيلي وفقًا للرؤية الإسرائيلية، كما أن غزو العراق يُعد هدفًا سهلًا وهشًا سياسيًّا ينطلق منه باقي مراحل المشروع الأمريكي لهز المنطقة كلها بإقامة نظام حكم مختلف (١).

(١) أنظر: ملامح التغيير المرتقب للمنطقة العربية، حسن الرشيدي، الذي نشر في مجلة البيان، العدد ١٨٩،سنة ٢٠٠٣م.

1 / 20