आधुनिक कविता की क्रांति

अब्द अल-गफ़्फ़ार मकावी d. 1434 AH
94

आधुनिक कविता की क्रांति

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

शैलियों

وتشبيه الشعر بالموسيقى لا يرجع إلى الأشكال النغمية فيهما بقدر ما يرجع إلى تفاوت درجات الشدة والعمق، واختلاف الحركات المطلقة بين صعود وهبوط، والتغير المتصل بين «شحن» و«تفريغ». من هنا يأتي سحر هذا الشعر الغامض الذي يبدو كأنه يتحدث في فراغ.

ولنحاول أن نوضح العبارات السابقة عن «ديناميكية الحركة» في هذا الشعر بدراسة إحدى القصائد النثرية في الإشراقات، وهي قصيدة «تصوف». لنقرأ القصيدة أولا بقدر ما تسعفنا الترجمة:

على جانب المنحدر ترقص الملائكة بأثوابها المنسوجة من الصوف، وسط أعشاب من صلب وزمرد.

مراع ملتهبة، تثب إلى قمة التل. تربة النتوء على اليسار داستها أقدام كل القتلة وكل المعارك، وكل ضجيج الدمار يمد هنا قوسه. خلف النتوء الأيمن خط الشروق والتقدم المستمر.

وبينما الشريط في أعلى اللوحة يكتسب شكله من الضوضاء المدومة الفوارة لأصداف البحر وليالي البشر، تهبط العذوبة الموردة للنجوم والسماء وباقي العالم تجاه المنحدر، مثلما تهبط سلة، قريبة جدا من وجهي وتجعل الهاوية معطرة وزرقاء، هناك أسفل.

نحن إذن أمام مشهد خيالي من طبيعة خيالية، يتم فيه حدث هو نفسه جزء من هذه الطبيعة. في البداية نرى الملائكة ترقص على منحدر وسط أعشاب من صلب وزمرد، ثم نرى المراعي التي تتوثب ألسنتها كاللهب لتبلغ قمة التل. على اليسار بروز من هذا التل عليه آثار أقدام جميع القتلة والمعارك وكل ضجيج الفناء والدمار يغزل قوسه ويمد خيوطه. أما الشريط الأعلى من اللوحة فهو يتكون من ضوضاء أصداف البحر والليالي البشرية. ثم تأتي الخاتمة التي تجعل «عذوبة النجوم الموردة» تهبط في قاع الهاوية «المعطرة الزرقاء». إن المرئي والمسموع يذوبان في بعضهما البعض، كما يتداخلان كذلك في المجردات، فنتوء الجبل يصبح «خطا من شروق وتقدم».

إن تجريد الموجودات الفردية من حدودها وأبعادها، يقابله تجريد الكل من حدوده ومادته عن طريق الحركات الممتدة في المكان. فهذه حركة أفقية تبدأ بها القصيدة، تليها حركة صاعدة، ثم تعود الحركة الأفقية لتتجه إلى أعلى (وتكمن المفارقة في هذا العلو في أنه يتكون من أفكار تصور القاع: أصداف البحر) إلى أن تأتي في الخاتمة حركة هابطة تنتهي أسفل القاع. هذه الحركات كلها - كما يقال في لغة الفيزياء - ديناميات مطلقة، نلمس وجودها من الحسيات غير الواقعية أكثر مما نراها. كذلك تتحرك الجمل على هذا النحو؛ فتبدأ صاعدة بقوة (كحركة الكريشندو في الموسيقى) ثم تستمر في صعود بطيء حتى منتصف القصيدة، ويمتد بعد ذلك منحنى عريض، يمضي في البداية خفيفا سابحا، ثم يهبط متعثرا إلى أن تأتي الخاتمة التي تقطع هذا المنحنى فجأة بهذه الكلمة القصيرة المنعزلة «هناك أسفل.»

والمهم أن القصيدة في جملتها تؤكد ما قلناه من قبل من أن الحركة، لا المعنى أو المضمون، هي التي تعطيها شكلها ونظامها. وكلما قرأناها وأعدنا قراءتها زاد تأثيرها السحري علينا.

وهنا ننتقل للكلام عن سحر اللغة، ولقد تقدم القول عنه في الفصول السابقة، وعرفنا كيف استقر الرأي من «نوفاليس» إلى «إدجار آلن بو» و«بودلير» على أن النص الشعري لا ينشأ عن الموضوعات والبواعث الفنية فحسب، بل ربما كان الفضل في خلقه يرجع أساسا إلى إمكانيات التأليف والتركيب بين أنغام اللغة وأصواتها والذبذبات المترابطة المتداعية التي تنبعث من معاني الكلمات. ولقد رأينا أمثلة لذلك عند بودلير. ولكن رامبو توسع فيه بجرأة لم يسبقه إليها شاعر قبله، وساعده على ذلك أن شعره لا يهتم بأن يفهم بالمعنى العادي المقصود من كلمة الفهم، ولهذا أمكنه أن يفصل بين الكلمة كنغمة وإيحاء، وبينها كجزء من بناء لغوي يهدف إلى توصيل المعنى. وقارئ رامبو (ومالارميه ومعظم كبار الشعراء في القرن العشرين) في حاجة لمن يؤكد له دائما أن قيمة الكلمة عنده تكون في نغمها وصوتها وإيحاءاتها وإشعاعاتها الموسيقية والمعنوية التي تنبعث من جرسها قبل أن تكون في معناها أو فكرتها أو مضمونها. إن الكلمة تطلق طاقات وقوى لا منطقية، وهذه الطاقات والقوى هي التي توجه مسار العبارة وتؤثر بفضل تسلسل أنغامها غير العادية تأثيرا سحريا غير عادي. وهذا التأثير السحري يساهم بنفس المقدار في خلق الإحساس «بالمجهول»، بمثل ما تفعل اللاواقعية الحسية والحركات المطلقة التي تكلمنا عنها.

ولا بد الآن من الحديث عن المقصود بالسحر في هذا السياق بشيء قليل من التفصيل. فالمعروف أن رامبو يتكلم عن كيمياء الكلمة، وقد استنتج البعض من هذا التعبير ومن تعبيرات أخرى مشابهة أنه كان على صلة وثيقة ببعض الجماعات السرية التي تمارس الطقوس السحرية، وأنه تأثر ببعض الكتابات القديمة في الكيمياء والسحر والعرافة. والواقع أن مثل هذه الكتابات كانت قد انتشرت في فرنسا من منتصف القرن التاسع عشر حتى وصلت إلى أيدي الطبقات المثقفة ثقافة أدبية عالية، وكان من بينها تلك الكتب المعروفة بالكتب الهرمية التي ترجمها مينار في سنة 1863م إلى اللغة الفرنسية، وهي مجموعة من الكتب تضم المذاهب والآراء السحرية المنسوبة لهرميس ترسمجتسوس أو هرمس المثلث القوة، ويقال إنه هو توت أو تحوتي إله الحكمة في مصر القديمة الذي سوى اليونان في العصر الهلليني بينه وبين هرميس رسول الآلهة إلى البشر وأصبح عندهم إله المعرفة وبخاصة ما يتصل منها بالسحر والكيمياء. وهذه الكتابات المنسوبة إلى هرميس مثلث القوة عبارة عن اثنين وأربعين مقالة يونانية ولاتينية وعربية ترجع إلى القرن الأول بعد الميلاد، وتصور آراءه على شكل حوار مستمد من أفلاطون وفيثاغورس وأورفيوس وبوزيدونيوس وتدور حول مذهب الغنوصيين في الخلاص ونشأة العالم.

अज्ञात पृष्ठ