आधुनिक कविता की क्रांति
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
शैलियों
القصيدة إذن توحي بالعديد من المعاني والظلال والذبذبات والإشعاعات. إنها لا تحب أن تفهم عن خلال فكرة ثابتة غليظة بل تريد أن ترف وتتردد. وقد استخدم مالارميه اصطلاح الإيحاء للدلالة على هذه المعاني كلها، وهو اصطلاح استخدمه بودلير قبله وورد كثيرا في سياق كلامه عن سحر اللغة. ويفسر مالارميه ما يريده بالإيحاء حين يقول سنة 1896م عن أزمة الشعر (في التنويعات على لحن واحد ص364) إن المدارس الأدبية الحديثة تشترك في اعتناق نظرة مثالية (أشبه بالسوناتات والفوجات في الموسيقى) تتجنب المواد أو الأشياء الطبيعية كما ترفض كذلك الفكرة المضبوطة التي تقوم بتنظيمها باعتبارها فكرة غليظة لكيلا تكون إلا مجرد إيحاء، «هذا الإيحاء هو نقيض الوصف الموضوعي، إنه إهابة،
20
وتلميح
21
واستثارة.»
ويزيد مالارميه فكرته عن الإيحاء تحديدا فيقول في موضع آخر في رده على أسئلة عديدة عن الحياة الأدبية وجهها إليه أحد الصحفيين - جول هوريه - ونشر إجابته عليها في جريدة «صدى باريس» (في سنة 1891م) إن الإيحاء هو الهدف من الأدب، وليس للأدب هدف سواه، أي الإيحاء بالأشياء لا تسميتها أو وصفها وصفا مباشرا؛ ذلك لأن تسمية الشيء تضيع على القارئ ثلاثة أرباع المتعة الأدبية، متعة التخمين والحدس التدريجي؛ الإيحاء بالشيء، هذا هو الهدف (ص869). إن الأثر الذي يتركه هذا الإيحاء على القارئ هو الجسر الوحيد الذي لا يزال يمتد بين الشاعر الحديث وبين قارئه، ومع ذلك فلا يمكننا أن نتحدث عن نوع من الوحدة أو المشاركة بين الشاعر والقارئ، كما كان الحال مع الشعر القديم. قد يساعد الإيحاء على أن «يهتز» القارئ مع القصيدة. وقد يصل القارئ إلى معرفة الموضوعات الأساسية التي يدور حولها شعر مالارميه ويسير معه إلى الحد الذي يستحيل معه تفسيرها.
ولكن المهم أنه لم يعد من الممكن أن تفرض هذه المعرفة على القارئ. إن غموض هذا الشعر وانعزاله لا يمكن أن يزولا بإرادة أحد، وسيبقى فيه من الغموض ما يوحي بالتساؤل ويثير الرغبة في التفسير بعد التفسير. (12) النسق الأنطولوجي (أ) الابتعاد عن الواقع
تكلمنا في الصفحات السابقة عن الأساس أو النسق الأنطولوجي (الوجودي)
22
الذي يقوم عليه عالم مالارميه الشعري، وبخاصة في مرحلة النضج. هذا النسق يشبه الخلفية التي تتحرك القصيدة في أفقها أو على هداها، بحيث تصبح وكأنها تحقيق لحدث أو فعل أنطولوجي، دون أن يضر هذا بروح الشعر وغنائيته وسره وقدرته على الإيحاء. والذي يلفت النظر إلى هذا النسق أن هناك أفعالا أساسية أو محاور مركزية تتكرر في مختلف القصائد، وتعطى لأبسط الكلمات والصور والأفكار بعدا لا يمكن أن تفسره هذه الكلمات والصور والأفكار وحدها. وقد حاول مالارميه في كتاباته النظرية وفي رسائله أن يشرح هذا النسق الفلسفي الذي يقوم عليه شعره. ولسنا في حاجة إلى مناقشة هذا النسق الوجودي؛ لأننا لا ننظر إليه باعتباره إضافة إلى الفلسفة، بل باعتباره مظهرا من مظاهر الحداثة، فقيمته الحقيقية هي أنه استطاع أن يعطي لتجارب الروح الحديث (كتجربة الفشل في الوصول إلى التعالي أو التنافر والشذوذ، والصدع الذي حدث بين الإنسان والواقع وغيرها من التجارب التي أشرنا إليها) معنى أنطولوجيا، وأن ينقلها من خلال هذا البعد الجديد إلى مجال الشعر. وأود أن أؤكد مرة أخرى أن المهم في هذا كله هو ألا يفقد الشعر جوهره وألا ينسيه هذا الطموح الفلسفي حقيقته الوجدانية. والواقع أن عظمة مالارميه وعبقريته الفنية تنجلي في قدرته على جمع النسق الأنطولوجي والكلمة الشاعرة في تلك النقطة التي يتذبذب فيها النغم وتتعانق الأسرار؛ أي على الأرض التي كانت دائما مهد الشعر ومسكنه.
अज्ञात पृष्ठ