فقالت باسمة: وتلك أيضا.
فتساءل مصطفى راشد: والسياسة الكونية لا يجوز أن تهمل أيضا.
فتساءلت ضاحكة: أرأيت أن الهموم أكثر مما نتصور! - الآن تفاهمنا. إنك تأسفين على وقتنا الضائع في السهرات، وتعتقدين أنه هروب من أعبائنا الحقيقية، وأنه لولا ذلك لقدمنا الحلول الناجحة لمشاكل الوطن العربي والعالم والكون.
وضحكوا مرة أخرى. وقالوا لأنيس إنه السبب الحقيقي وراء ما يعانيه العالم من آلام، والكون من غموض. واقترح مصطفى أن يرموا بالجوزة إلى النيل، ثم يقسموا العمل فيما بينهم، فيختص خالد عزوز بالسياسة الداخلية، وعلي السيد بالسياسة العالمية، ومصطفى بحل رموز الكون. وراحوا يتساءلون عن كيف يبدءون، وكيف ينظمون أنفسهم، وكيف يحققون الاشتراكية على أسس شعبية ديمقراطية لا زيف فيها ولا قهر، وكيف بعد ذلك يعالجون مشكلات العالم كالحرب والتفرقة العنصرية. وهل يبدأ مصطفى من الآن في حل معميات الكون؟ هل يدرس العلم والفلسفة، أو يقنع بالتركيز الذاتي في انتظار الشعاع المضيء؟
وتدارسوا العراقيل المتحدية، والأخطار التي قد تحيق بهم كمصادرة الأرزاق والاعتقال والقتل، وثمة صوت تشكى من السرعة المذهلة التي ينقضي بها الوقت. والقمر اختفى تماما ولم يبق من بساط اللآلئ إلا ذيل قصير، ولم تتوقف الجوزة عن الدوران ولا سمارة عن الضحك.
وتلاطمت في رأسه خواطر عن الغزوات الإسلامية والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش ومصارع العشاق والفلاسفة، والصراع الدامي بين الكاثوليكية والبروتستنتية وعصر الشهداء، والهجرة إلى أمريكا، وموت عديلة وهنية، ومساوماته مع بنات شارع النيل، والحوت الذي نجى يونس، وعمل عم عبده الموزع بين الإمامة والقوادة، وصمت الهزيع الأخير من الليل الذي يعجز عن وصفه، والأفكار الفسفورية الخاطفة التي تتوهج لحظة، ثم تختفي إلى الأبد.
وصحا على صوت سمارة وهي تسأل الجماعة: كيف كنتم في مطلع الحياة؟
وضحكوا. لماذا يضحكون؟ كأنما لم يكن لحياتهم مطلع. الذكريات البعيدة التي لحقت بالعصر الحجري. القرية ثم الغرفة الوحيدة والإصرار. الإصرار في القرية والحجرة الوحيدة. والقمر كان يبزغ ويغرب ولا يوحي بنهاية شيء. قال خالد: في صباي لم يكن ثمة سؤال بلا جواب، والأرض لم تكن تدور، والأمل يمتد في المستقبل بسرعة مائة مليون سنة ضوئية.
وقال علي السيد: وتساءلت ذات يوم لماذا يعرقل الخوف من الموت سعادتنا الأبدية؟
وقال مصطفى راشد: ويوما كدت أهلك أنا وأنيس في مظاهرة ثورية!
अज्ञात पृष्ठ