فضحكت بدورها قائلة: على أي حال أنا سعيدة لأني وجدتك في وعيك هذه المرة. - لست في وعيي تماما.
وتابع نظرتها إلى الفحم الآخذ في الاشتعال فابتسم، ثم أشار إلى فنجان القهوة الذي لم يبق في قعره إلا ثمالة من راسبه البني. وسلمت بالواقع، ثم راحت تثني على الحياة فوق النيل، فصارحها بأنه حديث عهد نسبيا بهذه الحياة الجميلة. - أقمنا في شقق كثيرة ولم نسلم مرة من تطفل الجيران!
وإذا به يضحك ضحكة جديدة منقطعة بجوها الطائر عما سبقها ، فنظرت إليه متسائلة، فكرر الضحك، ثم أشار إلى رأسه قائلا: بدأت الرحلة، وعيناك جميلتان! - ولكن ما العلاقة بين هذا وذاك؟
فقال بتقرير يقيني: لا علاقة بين شيء وشيء. - ولا حتى بين طلقة رصاصة وموت إنسان؟! - ولا هذا؛ فالرصاصة اختراع معقول، أما الموت؟
فضحكت وقالت: أتدري؟ لقد تعمدت أن أجيء مبكرة لأخلو إليك! - لم؟ - لأنك الوحيد الذي لا يكاد يتكلم.
فأعلن رفضه برفع حاجبيه، ولكنها أصرت على رأيها قائلة: حتى لو كنت تتكلم مع نفسك طول الوقت!
وفصل بينهما الصمت، فراح ينظر إلى المساء المتكاثف، وأدرك أن حضورها المبكر فوت عليه مراقبة المساء وهو يتسلل بخطاه الوئيدة، ولكنه لم يأسف على ذلك، وترامت من الخارج سعلة معروفة لديه، فغمغم: «عم عبده.» فتحدثت عن الرجل باهتمام، وطرحت طائفة من الأسئلة، ولكنه أجابها بأن الرجل لا يمرض، ولا يتأثر بالجو، ولا يعرف عمره، كما يخيل إليه أنه لن يموت، وسألته: هل تلبون دعوتي إذا دعوتكم إلى سميراميس؟
فقال بجزع: لا أظن، وعني أنا فهو مستحيل.
وأكد لها أنه لا يغادر العوامة إلا إلى الأرشيف.
فقالت: يبدو أنني لا أعجبك.
अज्ञात पृष्ठ