فالتوراة والإنجيل معا يصفان الكاهن الكنعاني بصفة الرئاسة الدينية وصفة الخلود الذي لا يحده الزمان، ويرفعانه إلى المنزلة التي يتلقى منها إبراهيم بركة الإله العلي: إله السماوات والأرض. ولا يكون ذلك لإنسان تعلم من إبراهيم دينا لم يكن يعرفه، وإنما يكون لأستاذ متقدم في العلم بدينه يتعلم منه إبراهيم.
وليس بين الأنبياء الذين دان لهم العبريون بعد إبراهيم من هو أكبر مقاما من موسى - عليهما السلام - ومن الناس من يقدم موسى على من عداه من أنبيائهم بفضل الشريعة والقيادة الظافرة إلى أرض الميعاد، وإنهم على مكانته هذه ليثبتون عنه في سفر الخروج أنه تعلم من نبي «مدين» العربي الذي يدعونه يثرون وجوآب، ويدعوه العرب باسم شعيب، ولا التباس في أمر نسبته العربية بجميع الأسماء.
ففي الإصحاح الرابع من سفر الخروج أن موسى - عليه السلام - استأذنه في العودة إلى مصر قبل رسالته: «فمضى موسى ورجع يثرون حموه وقال له: أنا أذهب وأرجع إلى إخوتي الذين في مصر لأرى هل هم بعد أحياء، فقال يثرون لموسى: اذهب بسلام.»
وفي الإصحاح الثاني عشر بعد رواية أخبار موسى من ذهابه إلى عودته: «أن يثرون أخذ محرقة وذبائح لله، وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاما مع حمي موسى أمام الله».
ومعنى هذا أن شعيبا كان يقرب القرابين إلى الله ويتبعه موسى وهارون وجميع شيوخ إسرائيل.
ثم يستطرد الكتاب قائلا: «وحدث في الغد أن موسى جلس ليقضي للشعب فوقف الشعب عند موسى من الصباح إلى المساء، فلما رأى حمو موسى كل ما هو صانع للشعب، قال: ما هذا الأمر الذي أنت صانع للشعب؟ ما بالك جالسا وحدك وجميع الشعب واقف عندك من الصباح إلى المساء؟ فقال موسى لحميه: إن الشعب يأتي إلي ليسأل الله إذا كان لهم دعوى يأتون إلي، فأقضي بين الرجل وصاحبه وأعرفهم فرائض الله وشرائعه، فقال حمو موسى له: ليس جيدا هذا الأمر الذي أنت صانع، إنك تكل أنت وهذا الشعب الذي معك جميعا؛ لأن الأمر أعظم منك، لا تستطيع أن تصنعه معك، الآن اسمع لصوتي فأنصحك، فليكن الله معك، كن أنت للشعب أمام الله، وقدم أنت الدعاوى إلى الله، وعلمهم الفرائض والشرائع، وعرفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه، وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين الله أمناء مبغضين الرشوة، وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات، فيقضون للشعب كل حين، ويكون أن كل الدعاوي الكبيرة يجيئون بها إليك، وكل الدعاوي الصغيرة يقضون هم فيها، وخفف عن نفسك؛ فهم يحملون معك إن فعلت هذا الأمر وأوصاك الله تستطيع القيام، وكل هذا الشعب أيضا يأتي إلى مكانه بسلام؛ فسمع موسى لصوت حميه وفعل كل ما قال، واختار موسى ذوي قدرة من جميع إسرائيل وجعلهم رؤساء على الشعب، رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات، فكانوا يقضون للشعب كل حين ...»
ومعنى هذا أن شعيبا تقدم موسى إلى عقيدته الإلهية، وعلمه تبليغ الشريعة وتنظيم القضاء في قومه، وأن العبريين كانوا متعلمين من النبي العربي ولم يكونوا معلمين. •••
ويأتي داود، عند العبريين، بعد إبراهيم وموسى في مقام النبوة، وهو رأس البيت المالك الموعود بالملك الأبدي في هذا العالم، ورب الأسرة التي ينتظرون الخلاص على يدي ملك من ملوكها يعود إلى صهيون آخر الزمان. وقد كانت الصلة بينه وبين البلاد العربية متجددة متبادلة كما يفهم من قصة ابنه سليمان وصاحبة عرش سبأ في جنوب بلاد العالم، ولكننا لا نملك من الوثائق ما نستند إليه في تقدير آثار هذه الصلة من الناحية الدينية، وإنما نعلم من الوثائق التاريخية - التي سجلها المؤرخون الأوروبيون عن آثار إخناتون - أن المشابهة قريبة جدا بين مزاميره وصلوات ذلك الملك الذي تقدم بالدعوة إلى التوحيد في مصر القديمة ...
وقد عقد كل من هنري برستيت وآرثر ويجال
Weigall
अज्ञात पृष्ठ