Taysir Usul al-Fiqh lil-Mubtadi'een
تيسير أصول الفقه للمبتدئين
शैलियों
الأصل في النهي التحريم وأدلة ذلك
من المسائل التي تتعلق بالنهي: أن الأصل في النهي التحريم، إلا أن تأتي قرينة تصرفه من التحريم إلى الكراهة.
فإذا جاءتك آية أو حديثًا بصيغة: (لا تفعل)، فمعنى ذلك: أن هذا الفعل محرم، ومعنى المحرم: ما يثاب تاركه ويعاقب فاعله، وهذا هو القول السديد، حتى أن بعض العلماء يقول: إن النهي إذا كان عن الآداب فيصرف إلى الكراهة.
وإذا نظرت إلى أول من أصل الأصول، وهو الإمام: الشافعي فقد نقل عنه السبكي وغيره أنه يرى: أن الأصل في النهي التحريم.
ودليل ذلك: حديث النبي ﷺ: (أنه نهى عن القران بين تمرتين) قال الشافعي: وهذا على التحريم.
وكذلك: (نهى النبي ﷺ عن اشتمال الصماء) قال الشافعي: وهذا أيضًا يدل على التحريم، ففي هذا دلالة على أن الشافعي يرى أن الأصل عنده في النهي أنه على التحريم، وهذا هو الصحيح والراجح والقول السديد.
ودليل ذلك من الكتاب: قول الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧]، فإذا قال: لا تلبس الخاتم من الحديد، وجب عليك أن تنتهي، وتحرم ذلك على نفسك، وهذا هو الذي جعل الصحابي الكريم يفعل ذلك انقيادًا واستسلامًا لنهي النبي ﷺ، وذلك عندما قال النبي ﷺ: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في أصبعه، فأخذه من يده ثم ألقاه في الأرض) فقال له الناس: خذه وانتفع به -كالبيع ونحوه- فقال: والله لا ألتقط شيئًا ألقاه رسول الله ﷺ، وفي رواية: أنه كان معه عصا فضربه بهذه العصا، وقال: (يعمد أحدكم أن يضع جمرة من النار في أصبعه).
وأيضًا من الأدلة على أن الأصل في النهي التحريم: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة وغيره أن النبي ﷺ قال: (ما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا)، انتهوا دون أدنى نظر ولا انتظار لأدلة، فهذا يقتضي وجوب الانتهاء عن الفعل الذي نهى عنه النبي ﷺ.
كذلك من الأدلة على أن الأصل في النهي التحريم: ما ثبت من فعل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ففي غزوة خيبر لما نفد الطعام واشتد الجوع بهم، أخذوا الحمر الأهلية فذبحوها، وغلت القدور بالحمر الأهلية، فجاء الصارخ فقال: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية) فأكفئوا القدور بما فيها، مع أن حاجة الناس إلى هذا الطعام شديدة، ولو كان هذا النهي على الكراهة لأكل الناس من هذا الطعام، فدل ذلك على أن الأصل في النهي التحريم.
وأيضًا: ما جاء في الصحيح من حديث أنس قال: دخلت على سعد بن معاذ ﵁ وأرضاه ومعه صحبة من الأنصار، قال: فدخلت والكئوس تدور على الرءوس -أي: يشربون الخمر- فقرأت عليهم قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ﴾ [المائدة:٩٠] إلى أن قال: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ﴾ [المائدة:٩١] فكسروا هذه الكئوس وأكفئوا ما فيها، وقالوا: انتهينا يا ربنا! انتهينا يا ربنا! انقيادًا لأمر الله جل وعلا، وتحريمًا لما حرمه الله ورسوله.
3 / 5