" أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح "
، تأمل البقاء وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، ألا وقد كان لفلان كذا، فصدقة التفقير والبخيل أفضل من صدقة الغنى والكريم، إلا أن يكونا أحب للمال منهما، أو يتصدقا بما هو أعز عندهما، قال صلى الله عليه وسلم،
" أفضل الأعمال أحمزها "
{ ذوي القربى } القرابة بالنسب مع الحاجة، أو دونها، وهو مفعول ثان، والمال مفعول أول، لأنه الفاعل فى المعنى، أى صيره آتيا ذوى القربى، فافهم، ولا تهم، فالمال يأتى ذوى القربى لا مفعولا أول إلا بتكليف التفسير بتناول ونحوه، مما يكون ذوى القربى به فاعلا فى المعنى { واليتمى } مع الحاجة أو دونها بوساطة القائم بهم من ولى وغيره لأنه لا قبض لغير البالغ، ولا يتم بعد بلوغ، ولكن يجوز إطعام يتيم ولو بلا قائم ولو حقا واجبا، كزكاة لمن هو فى يده ويتفقده، وما أوتى قائم يتيم فقد أوتى يتيما، لأن قائمه كرسول إليه، فهو معطوف على ذوى ولا حاجة إلى عطفه على القربى، قصدا إلى معنى إعطاء ذوى اليتامى { والمسكين } أسكنتهم الحاجة فقلت حركتهم، أو أسكنتهم إلى الناس بالميل إليهم، وعن أبى حنيفة، هو من لا يملك شيئا، والفقير من يملك أقبل من نصاب، والشافعى من يملك شيئا، والفقير من لا يملك شيئا، أما السفينة فكانت لمساكين، فللمسكين شىء، لكن ليس فى الآية أن الفقير لا شىء له { وابن السبيل } المسافر مع حاجة فى حاله ولو غنيا فى أهله، سمى لأنه يلقيه الطريق كما تلد الأم ولدها، ولأنه يصاحب الطريق كالولد مع أبيه، ولأنه مبنى السبيل كالولد مبنى أبيه، كأنه ولده السبيل، أو لانفراده عن من مع قبل، وقيل: ابن السبيل: الضعيف لأنه يقدم به إلى بيت المضيف { والسآئلين } ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، عطف عام على خاص ، لأن ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يكونون وغير سائلين، ويكون السائل أيضا غيرهم دعاء داع إلى السؤال، ولو كان غنيا لتحمله دينا لإصلاح بين الناس، وكاشتهائه شيئا ليس عنده، كحامل ومتوحم وحالف على موجوده لا ينتفع به فى محله، وككل سائل ولو غنيا، إذ لا يدرى هل هو غنى، بل ولو غنيا، قال صلى الله عليه وسلم:
" للسائل حق ولو جاء على فرس "
، رواه أحمد وذلك سد لذريعة الرد واحتياط للناس { وفي الرقاب } وصرفه فى الرقاب، أى على طريق صرفه فيها، بوزن المصدر، أى لفك الأسرى، واعتاق العبيد، وإعانة المكاتب، وشراء العبيد ليكونوا فى الإسلام، عونا له فى الجهاد وغيره، وتنجية المضطر، وشراء العبيد المسلمين الذين تملكهم المشركون بالتقويم { وأقام الصلوة وءاتى الزكوة } أهلها، فما قيل هذا فى غير الزكاة ترغيبا فى النفل لا إيجابا، إذ لا واجب فى المال بعد الزكاة إلا إن خيف موت أحد، أو نفقة العيال والضعيف، إلا أنواع الكفارات، وعن الشعبى أن فى المال حقا سوى الزكاة، وتلا هذه الآية، وسئل الشعبى: هل فى المال حق بعد الزكاة؟ قال نعم، يصل قرابة ويعطى السائل وتلا هذه الآية وعنه صلى الله عليه وسلم:
" لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره طاو إلى جنبه "
، وفى الحديث:
" فى المال حقوق سوى الزكاة "
، واجتمعت الأمة إلا من شذ، أنه يجب دفع حاجة المضطر ودفع الكفارات، وذلك ثابت، ولو مع قوله صلى الله عليه وسلم من حديث على، نسخ الأضحى كل ذبح، ورمضان كل صوم، وغسل الجنابة كل غسل، والزكاة كل صدقة، وهو غريب أخرجه ابن شاهين، وليس فى سنده قوة وأخرجه الدارقطنى والبيهقى، ويجوز أن يكون آتى الزكاة ذكرا للخاص لمزيته بعد العام وهو آتى المال { والموفون بعهدهم إذا عهدوا } ربهم فى طاعة، أو مخلوقا فيها، أو فى مباح فيه نفع لغيرهم أو انتظار من غيرهم لهم، لا فى معصية أو مكروه، أو مباح لأنفسهم، فلا ذم فى خلاف الثلاثة، والعطف على من، ومقتضى الظاهر ولكن إنه من آمن بالله الخ، وأوفى بعهده إذا عاهد، ولكن غير الأسلوب، لأن ما تقدم بإيجاب الله، وهذا بإيجاب المكلف على نفسه، كما قال إذا عاهدوا، أى لا يتأخر إيفاؤهم عن وقت عهد إليه، وذلك حكمة التقييد بإذا، فليس ذلك فيما أوجبه الله عليه بلا إيجاب منه، كما قيل به، وبأن إذا عاهدوا تأكيد، ومما يكون من إيجابهم بر اليمين والنذر، ورد الأمانة، لأن عقدهن عهد بالوفاء، أو غير الأسلوب إشارة إلى وجوب استقرار الوفاء، أو إلى أنه أمر مقصود بالذات، أو لأن هذا من حقوق الله وما مر من حقوق الناس، والعهود ما يجرى فى الناس مما لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، والظاهر أن المراد حقوق الله وحقوق العباد، لأن الوفاء بها من حقوق الله أيضا { والصبرين } لا تنس الصابرين فى مقام الخير والثناء، أو اذكر الصابرين، أو خص الصابرين، ومعنى كون ذلك نصبا على المدح أنهم فى مقام رفيع، يعرف به المحذوف ولو لم يذكر، قال أبو على الفارسى إذا غير إعراب صفة المدح أو الذم فذلك تفنن، ويسعى قطعا، وذلك أن التغيير المألوف يدل على مزيد الاهتمام بشأن المغير، فإنه لا فضيلة إلا وللصبر فيها أثر بليغ، وإلا فسدت وأدت إلى مضرة { في البأساء } شدة الفقر وفساد المال ولو بلا فقر، كفساد نوع دون آخر، أو فساد فيه كله مع بقاء تقع فيه بلا فقر { والضراء } المضرة فى البدن بمرض أو غيره، كعرج وصمم وعنة، وذكر فى لأن المدح على البأساء والضراء إنما يكون إذا عظنا، وكان المصاب كالمظروف لهما، وأما الصبر على ما قل منه نفى أكثر الناس { وحين البأس } القتال، والمراد القتال فى سبيل الله، ذكر حين لأن القتال لا يستمر { أولئك } الموصوفون بالإيمان، وإيتاء المال وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والموصوفون بالإيقاء بالعهد، والموصوفون بالصبر { الذين صدقوا } فى دين الله مع الله، وفى دعواهم أنهم مؤمنون، وفى طلب البر، وذكر الثلاث على الترقى، فالصبر على المرض أشد منه على الفقر، والقتال أشد من المرض { وأولئك هم المتقون } عن الكفر وسائر الرذائل، قال بعضهم: هذه الصفات خاصة بالأنبياء استجماعا، وغيرهم لا يستعجمها، والصحيح أنها عامة فى جميع المؤمنين كما قال صلى الله عليه وسلم دعاء إلى العمل بها:
अज्ञात पृष्ठ