[الجمعة: 9] وحقيقة ذكر الله أن ينسى كل شىء سواه { أذكركم } بالثواب أو بالثناء عند ملأ خير من لأ ذكرتمونى عنده، وهم الملائكة، كما فى الحديث، عطف إنشاء على إخبار، أو مهما يك من شىء فاذكرونى أذكركم، أو إن لم تذكرونى بالطاعة لنعمتى عموما فاذكرونى لنعمة الإرسال، أحوج ما أنتم إليه فى وقت الفترة، وهذا أنسب لفظا والذى قبله أبلغ، وأساغها حضور النعم فى الحسن خارجا، وفى لفظ الآى، ويجوز أن يراد فاذكرونى أثبكم، وسمى الإثابة ذكرا للجوار { واشكروا لي } نعمتى بعبادة قلوبكم، ومع ألسنتكم وجوارحكم، وذكر النعم جلب للعبادة، ونفع خلق الله بها وقدم الذكر لأنه اشتغال بالذات، والشكر اشتغال بالنعمة { ولا تكفرون } لا تستروا شأنى بترك الشكر كأنى لم أنعم عليكم، وبالمعصية والاشتغال بحظوظ النفس وما لا يعنى.
[2.153]
{ يأيها الذين ءامنوا استعينوا } على الشكر والذكر وسائر العبادات وترك المبالاة بعناد المعاندين، أو على نيل درجات الآخرة، والنقص من هول الموت، وما بعده من القبر والحشر وهول الدنيا { بالصبر } على البلاء ومشقة العبادة، وعن المعاصى وحظوظ النفس { والصلوة } خصها من سائر الطاعات لعظم شأنها، لأنها أفضل العبادات بعد التوحيد، وأمها، ومعراج المؤمنين، ومناجاة الرب، ولتكررها، وهى الأصل الموجب لكمال التقرب { إن الله مع الصبرين } بالعون والنصر، وذلك تعليل جملى، متعلق بالاستعانة بالصبر، لأنه المحتاج للتعليل، وأما الصلاة فحيث كانت أجل المطالب لم يفتقر الأمر بالاستعانة بها إلى العليل، كذا قيل مستأنسا له بقوله صلى الله عليه وسلم:
" جعلت قرة عيني في الصلاة "
، ويجوز أن يكون تعليلا للاستعانة بهما على الحذف، أى أن الله مع الصابرين والمصلين، قيل: أو للاستعانة بالصلاة فهما، وبالصبر تصريحا، فإنه إذا كان مع الصابرين فأولى أن يكون مع المصلين، لاشتمالها على الصبر، وفيه، أن الصبر أشد، وشامل للصبر على الصلاة وغيرها.
[2.154]
{ ولا تقولوا لمن يقتل } أى فى شأن من يقتل { في سبيل الله } فى الجهاد { أموات } أى هم أموات ألبتة كالجماد { بل أحياء } وهذا قطع عن القول ورد له، ولكن لا مانع من الوصل به، إلا أن المراد بالذات للرد له، وتقديره، بل قولوا، هم أحياء، وأرواحهم فى حواصل طير خضر، تسرح فى الجنة حيث شاءت. وأما السعداء غير الشهداء فيجاء لأرواحهم بنعيم الجينة إلى باب الجنة. وقيل ينعم غير الشهيد فى قبره بروائح وغيرها مما ليس طعاما ولا شرابا، كما أن الشقى يصل روحه فى قبره، أو فى النار، عذاب، وتارة يرجع الروح للجسد فيحيا الجسد، مسلما أو كافرا، وذلك كما تعرض النار على أرواح آل فرعون، قال صلى الله عليه وسلم:
" أرواح الشهداء فى أجواف طير خضر ترى أنهار الجنة وتأكل من ثمارها، وتأوى إلى قناديل، أى صور قناديل معلقة تحت العرش ".
وعن ابن عباس: أرواح آل فرعون فى أجواف طير سود، وتعرض على النار بكرة وعشيا إلى يوم القيامة، فنقول: الأرواح أجسام لطيفة، وأجساد تلك الطير على صور الموتى، لو رآهم أحد لقال: رأيت فلانا، وقيل: أجساد أخر على صور الطير، ويدل له رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم فى صور الطير، ولا ينافى ذلك رواية فى أجواف طير، ورواية، فى حواصل طير { ولكن لا تشعرون } ما هم فيه، من أنه تنعم أرواحهم فى أجواف طير خضر على حد ما مر، تكون الطير لها كالهوادج، وأرواح أهل النار تعذب فى أجواف طير سود، تكون لها كالتابوت فى النار، وقد يحيى أجسام هؤلاء وهؤلاء.
ونزلت الآية لما قيل فى شهداء بدر، وهم ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، أو سبعة عشر، أو ستة عشر، بينت أسماءهم فى شرح نونية المديح، أنهم ماتوا وذهبت عنهم النعم واللذات، ولقول المشركين والمنافقين، قتلوا فى مرضاة محمد بلا فائدة.
अज्ञात पृष्ठ