[2.110]
{ وأقيموا الصلوة } بطهارة وخشوع وإخلاص مع تأديتها بأجزائها، وهكذا فى سائر القرآن { وءاتوا الزكوة } صيروها آتية أهلها، بأن توصلوها إلى مستحقيها، وعلى أصحاب الزكاة مؤونة حملها والمجىء بها حتى تصل العامل الذى جاء إليها، أو للفقير إذ لم يكن الإمام، أو أمرهم بتفريقها، وذلك هو الأصل. وإن جاءها الفقير أو وكيله وقبضها أجزت، والمراد بالزكاة الجزء المعلوم من المال، ويجوز أن يراد جعلوا التزكية آتية منكم إلى أهلها، وكذلك فى سائر القرآن، وذلك أمر بالعبادة البدنية والمالية، لأنها تدفع المكروه، وزعم الطبرى أنها كفارة، لميلهم إلى قول اليهود، راعنا، وهو مردود { وما تقدموا لأنفسكم من خير } طاعة، كأمر ونهى، وتعليم وصلة رحم، وأداء فرض أو سنة أو نفل { تجدوه عند الله } تعلمون أن الله عالم به، وأولى من هذا، تجدونه بوجود ثوابه، سمى الثواب باسم سببه وملزومه، أو يقدر، تجدون ثوابه اللقمة والتمرة كأحد، أو تجدونه نفسه مجسما، وأنا أقول، لا بأس بتجسيم الأعراض، لأن الله قادر على إنشاء كل شىء من أول، فهو قادر على تصيير العرض جسما، كما جاءت الأحاديث والآثار، بأنه تجيئه صلاته بصورة رجل حسن، وتجيئه صدقته ظلا، وهكذا فى الشر، إلا أنى لا أقول بوزن ما تجسم من الأعراض { إن الله بما تعملون بصير } لا يخفى عنه شىء، فهو يجازى على مثاقيل الذر من خير وشر.
[2.111]
{ وقالوا } متعلق بقوله رد كثير، والواو لأهل الكتاب، لا لكثير فى قوله: ود كثير من أهل الكتاب، أو لليهود والنصارى، ولو لم يتقدم ذكر النصارى، لدلالة ما بعده عليهم، أو على الاستخدام، لأن الكثير المذكور أريد به أحبار اليهود خاصة، إلا أنه لا مانع من أنه يراد به النصارى { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصرى } أى قالت اليهود، لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، والنصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، وروعى فى هودا ونصارى معنى من، إذ هما جمع هائد، أى تائب من عبادة العجل، أو منتسب لليهود، وقد قيل، هودا مخفف من يهود، بحذف الياء، ونصرانى أو نصران أو نصرى.
وقدم نصارى نجران إليه صلى الله عليه وسلم، وناظرهم أحبار اليهود، وارتفعت أصواتهم، قالت اليهود للنصارى: ما أنتم على شىء، وكفروا بعيسى والإنجيل، والجنة لنا دونكم، وقالت النصارى لليهود، ما أنتم على شىء وكفروا بموسى والتوراة، والجنة لنا دونكم، فنزلت الآية، جمعهم بالواو فى قالوا، لأن السامع يميز ما قال كل ما بعده، لأن اليهود لا تقول، لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، والنصارى لا تقول، لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، ولا تقول اليهود والنصارى، لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى، لأنه بنافيه سبب النزول، وقوله: { وقالت اليهود ليست النصارى } الآية، وأو بمعنى الواو، أو للتفصيل، كما قال: وقالوا كونوا هودا أو نصارى { تلك } القولة، التى هى قولتهم لن يدخل الجنة... الآية { أمانيهم } شهواتهم الباطلة التى يتمنونها، أى يقدرونها، ويقطعون بها، جمع أمنية، وأصل هذا المفرد أمنوية، بوزن أضحوكة قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء فى الياء، وقلبت ضمة النون كسرة، وهذا الوزن للمبالغة، وهو بمعنى الأكاذيب حقيقة، وبمعنى ما يتمنى مجاز { قل هاتوا برهنكم } حجتكم عليها، والأصل هاتيوا، ثقلت الضمة على الياء فنقلت للتاء، وحذفت الياء للساكن، والماضى هاتى، والمضارع يهاتى، لكن لا يتصرف، ولكن الأصل بذلك، وقيل يتصرف، وقيل، الهاء عن الهمزة، وقيل للتنبيه، والهمزة حذفت، أو اسم فعل، وزعم بعض أنه اسم صوت، ويرده اتصال الضمير به، والبرهان من البره، وهو القطع، والحجة تقطع الخصم، والنون زائدة، أو من البرهنة بمعنى البيان، فالنون أصل كذا قيل، ويحتاج إلى ثباته فى كلام العرب، وإلا فلعل لفظ البرهنة تصرف من غير العرب { إن كنتم صدقين } فيها، وإنما قال: أمانيهم بالجمع مع أن القولة أمنية واحدة، لأنها قالته اليهود، وقالتها النصارى، فاستعملوا الجمع فى اثنتين، أو لأنها تعدد قولها فى اليهود، وغالبهم بقولها وأيضا يرددها فى نفسه، وتعدد قولها فى النصارى، وغالبهم يقولها، وأيضا يرددها فى نفسه، ولأن لليهود أمنية أن يدخلوها، وأمنية ألا يدخلها غيرهم، وللنصارى أمنية أن يدخلوها، وأمنية ألا يدخلها غيرهم، فهؤلاء أربع أمانى، أوعد الأمنية الواحدة أمانى لشدتها، أو الإشارة إلى تلك القولة، وإلى تمنيهم ألا ينزل على المؤمنين خير، وتمنيهم أن يردوهم كفارا، أو قولهم
لن تمسنا النار إلا أياما
[البقرة: 80].
[2.112-113]
{ بلى } إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، ولو كانوا أيضا لا يدخلونها، فالمعنى، لا يدخلونها، وغيرهم يدخلها، وقد تقع فى غير النفى والاستفهام { من أسلم وجهه } أخضعه { لله } وخص الوجه لأنه أعظم، إذ فيه أكثر الحواس بل كأنها، وشاركه غيره فى الحس، ولأنه موضع السجود الذى العبد فيه أقرب ما يكون من ربه، فغيره أولى بأن يكون قد أسلم لله، أو الوجه بمعنى الذات كلها إذ هو جزؤها الأعظم، أو بمعنى قصده { وهو محسن } موحد عامل متق، ولو لم يبلغ إلى قوله صلى الله عليه وسلم، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه { فله أجره } ثوابه على عمله وتقواه، وتوحيده، وهو الجنة { عند ربه } عندية علم وعهد وتشريف { ولا خوف عليهم } فى الآخرة إلا خوفا يحدث لعظم الهول، ويزول ويعقبه الأمن الدائم { ولا هم يحزنون } فيها على فوت التوحيد، والعمل والتقوى، لأن ذلك لم يفتهم، وإنما يحزن من فاته أو بعضه، وأما فى الدنيا فالمؤمن من أشد حزنا فى أمر دينه، وفصل قوله: وقالوا لن يدخل الجنة... إلخ بقوله: { وقالت اليهود } أحبارهم فى المدينة، أو نافع بن حرملة، ونسب للجميع لأنه منهم، وراضون بقوله، أو مطلقا، ذكر الله اعتقاد من اعتقد ذلك، ولفظ من لفظ، وهم القليل { ليست النصرى على شيء }. معتد به من الدين، كفروا بالإنجيل وعيسى وأثبتوا الحق لأنفسهم.
{ وقالت النصرى } كلهم إلا قليلا منهم أو واحد منهم كما مر، أو من وفد من نصارى نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر الله اعتقاد من اعتقد، ولفظ من لفظ، وهو القليل { ليست اليهود على شيء } معتد به من الدين، كفروا بموسى والتوراة، وأثبتوا الحق لأنفسهم، ونفى الشىء فى الموضعين كناية عن عدم الاعتناء، وهى أبلغ من التصريح { وهم } أى الفريقان { يتلون الكتب } جنس الكتاب، تتلو اليهود التوراة، وتجد فيها تصديق عيسى والإنجيل، وتتلو النصارى الإنجيل وتجد فيه تصديق موسى والتوراة، أو تتلو اليهود التوراة والإنجيل ويجدون فيهما تصديق الكل، وكذا النصارى، وقيل المراد التوراة { كذلك } كقول اليهود للنصارى، والنصارى لليهود، { قال الذين لا يعلمون } وهم مشركو العرب وغيرهم، كأمم قبل اليهود والنصارى { مثل قولهم } قالوا لكل ذى دين، ليسوا على شىء يعتد به، وفى ذلك تشبيهان، تشبيه المقول بالمقول فى المؤدى، وتشبيه القول بالقول فى الصدور عن مجرد الهوى، ولو زاد اليهود بالتعصب فليس فى الآية تكرير، بل فيها مزيد التوبيخ، بل شبه جمع في نفى الحق من فى يده علم التوراة والإنجيل بمن لا علم له من عبدة الأصنام كقريش، ومن ينكر الله، والمراد بالتشبيه التنظير، أو هو من التشبيه المقلوب، إذ شبهوا بالجاهلين، وكذلك مفعول لقال، أى مثل قول اليهود والنصارى، قال الذين لا يعلمون، ومثل مفعول به ليعلمون، بمعنى يعتقدون، أو مفعول به لقال، أو مفعول مطلق له، وكذلك مفعول به له، أو مثل توكيد لكذلك لا بدل، لا تحاد مفهومهما، بخلاف، جاء زيد أخوك، فإن الأخوة ليست مفهومة لزيد { فالله يحكم بينهم } بين الفريقين، وبينهما وبين الذين لا يعلمون، والمراد الفريقان بالذات؛ لأن الكلام فيهما، والذى لا يعلمون بالتبع { يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون } من أمر الدين، فيدخل الجنة من عمل بالناسخ وترك ما نسخ.
अज्ञात पृष्ठ